إنشقاق الإسماعيلية إلى فرق مُستعليّة و نِزارية و الإنشقاقات التي حدثت بعدها:
عقب موت الإمام الثامن عشر 18 المُستنصر بالله سنة 487 ھ (1,094 م) نشب خلاف في البيت الفاطمي بين من رؤوا أن إبنه (نزار) هو الإمام بحسب وصية أبيه، و بين من رؤوا أن إبنه الآخر (أحمد المُستعلي بالله) هو الإمام. كان وكيل المُستنصر القوي (الأفضل شاهنشاه) مؤيداً للمُستعلي و أكثر الأطراف المُتنازعة نفوذاً، مما حسم الخلاف لصالح هذا الأخير فدعي إليه إماماً تاسع عشر، و سُجن أخيه نزار الذي مات لاحقاً في سجنه في الإسكندرية، و فرّ إبنه (الهادي) في أتباعه إلى آسيا الوسطى حيث نصره و نصر أتباعه (النِّزاريين) حسن الصّباح حاكم آلموت و داهية عصره، هذا الحاكم الذي أرعب الشرق كله (و لاحقاً الصليبيين) عبر إيجاده لفكرة الفدائيين الذين عُرِفوا ب"الحشاشين" (الانتحاريين)، محدثين بذلك إنشقاقاً جديداً في الإمامة ما بين مُستعلية و نزارية. تنبغي هنا ملاحظة أن النّزاريّة (ربما في التقليد المتأخر) لا يُقرِّون إمامة (الحسن بن الإمام علي) لذا فترتيب الأئمة عندهم ينقص واحداً عمّا هو معروف لدى باقي الفرق، بما فيها الفرق الإسماعيلية الأخرى مثل المُستعلية وأنهم يتتبعون تسلسل الإمامة في الفرع النزاريّ إلى علي عبر ابنه الحُسين حصراً
إنشقاق المُستعليّة إلى فرق داوودية و طَيِّبِية (سليمانية):
في سنة 524 ھ (1,130 م) اغتال النزاريةُ (منصور الآمر بأحكام الله) إبن أحمد المُستعلي بالله انتقاماً لما اعتقدوا أنه حدث إغتصاب للعرش الفاطمي، و لم يكن قد سَمَّى بعده خليفة بعد، فاختلف البيت الفاطمي في مصر فيمن يخلفه، فرأى بعضهم أن (الطّيب أبي القاسم) إبن منصور الآمر بأحكام الله هو الإمام فعرفوا ب"الطيِّبية"، بينما بايع آخرون (الحافِظ لدين الله) إبن عم المنصور الآمر بأحكام الله، فعُرِفُوا ب"الحافظية". و قد اعتقد الطيبية بغيبة الإمام الطيب أبي القاسم، فكان هو إمامهم الحادي و العشرين 21 و الأخير، و هم اليوم يعرفون ب"البَهَرَة" (سنأتي على ذكرهم لاحقاً)، الذين تفرّعوا لاحقاً إلى بَهَرَة داوودية و بَهَرَة سليمانية و بَهَرَة عَلَوِّية بعد أن اختلفوا على هوية الدّاعي المُطلَق. أما الحافظية فقد انتهت بسقوط الدولة الفاطمية على يد الأيوبيين في القرن الثاني عشر 12 الميلادي بعد العاضد لدين الله، لذا فجميع المُستعليّة الباقية اليوم هم من الطَّيِّبِية
القرامِطة:
استقر أغلب الإسماعيلية الذين آمنوا بغيبة محمد بن إسماعيل في السلمية في سوريا و انتشرت دعوتهم في الأهواز حيث اعتنقها رجل يدعى (حمدان بن الأشعث) على يد حسين الأهوازي، و لُقب حمدان ب"قرمط" و أخذ يدعو مع زوج أخته عبدان إلى قرب ظهور المهدي، و شرع يالإستعداد عسكرياً لنصرته عندما يظهر، فانتشرت الدعوة و اجتذبت المزيد من الشيعة. و عندما جهر عُبيد الله المهدي أنه هو الإمام و خرج من دور الستر عارضه "قرمط" في البداية إلا أنه تاب و انضم إليه كداعية له بعد مقتل عبدان. و مع هذا احتفظت الحركة القرمطية بإسمها، ثم انتهز القرامطة اضطراب السلطة في بغداد إثر ثورة الزنج فاجتاحوا شبه الجزيرة العربية في ثورة عارمة قمعها العباسيون لاحقاً، و طالت آثارها شمال أفريقيا. فقد قام القرامطة بغزو العديد من المناطق و فرضوا ضريبة على الخلافة العباسية و سيطروا على البحرين و اليمن و أجزاء من شبه الجزيرة العربية و غزوا مكة فانتزعوا الحجر الأسود من الكعبة و أخذوه معهم إلى البحرين و أبقوه في حوزتهم مدة إثنين و عشرون 22 عاماً لكنهم أعادوا منه أخيراً مفتتاً على شكل سبع حصوات صغيرة هي كل ما تبقّى منه إلى اليوم! على الصعيد الداخلي قام القرامطة بالعديد من الإجراءات الإقتصادية لدعم المُحتاجين و الحِرفيين و إنشاء الواحات و شق التِّرع و الأقنية و دعموا الزراعة فيما يعد أول إشتراكية في التاريخ!
المُوَحِّدُون الدروز (بنو معروف):
بدأ المذهب الدَّرَزي (المُوَحِّدُون، بني معروف) كتيّار فكري منشق عن المذهب الإسماعيلي متأثراً بالفلسفة الغنوصية و اليونانية كما استعرضنا معكم بالتفصيل في الحلقة السابقة، نابذةً بعض العقائد التي كانت سائدة في ذلك الوقت. و قد تأسس على يد حمزة بن علي بن أحمد الذي كان متصوفاً و فقيها إسماعيلياً فارسياً (لمعرفة المزيد عنهم راجعوا الحلقة السابقة)
المُعتقدات عند الإسماعيلية:
القرآن: هو مصدر التشريع الأول و هو الكتاب الإلهي الوحيد الذي يعتبر الخارج عنه كافراً و مرتداً عن الإسلام, منه تنبثق كل المُعتقدات الإسماعيلية الأساسية، و هو يحتوي على عدة طبقات للمعرفة البشرية، و إن كان تفسيره يحتمل تفسيراً ظاهراً و آخر باطناً لا يمكن معرفته إلا للأئمة و للعلماء المُختارين
الجنان: هو كتاب الإسماعيليين المقدس، و هو عبارة عن بيوت شعر و تعاايم أُخرى
البعث: هو يوم القيامة الذي يتم فيه محاسبة البشر على أخطائهم و معاصيهم و جرائمهم
الأرقام: لكل رقم دليل ديني معين و للأرقام دلالة بالغة الأهمية حين يتم ذكرها في القرآن، مثل الرقم سبعة 7 الديني المقدس، فهناك سبع 7 سموات و سبع 7 درجات للنار و سبعة 7 أيام في الأسبوع و الدنيا خلقت في ستة أيام ارتاح الرب في اليوم السابع 7 إلخ ...
الإمامة: تنطلق الإمامة من الإمام علي بن أبي طالب و لا تتوقف عند الإسماعيليين، بل يعتبرون أن هناك إماماً لكل زمان و عصر، و هذا الإمام تتوافر فيه مواصفات العدل و الزُّهد والشّجاعة و الحِكمة و الصّدق، لذلك تجب طاعته في كل أوامره
الدّاعي المُطلق: هو صلة الوصل ما بين التلامذة (المُريدين) و الإمام، و هو الذي يمرّر التعاليم السرية فيما بينهم
الظّاهر: هو ما ظهر من معاني القرآن و الكلام الحرفي الذي يكون فهمه واضحاً للجميع، و الظاهر هو ما تخطه الكلمات الإلهية كأوامر للبشر، و يمكن للجميع ملاحظته
الباطن: هو المعاني و الحقائق الخفية الموجودة وراء الكلمات الإلهية في القرآن و الكتب السماوية و التي لا يدركها إلا الأئمة العالمون، و هي تخفي حقائق الوجود المستورة خلف الكلمات الإلهية, و تخفى على كل الناس و لا يمكن رؤيتها إلا بإذن الله
العقل: يُعد العقل عند الطائفة الإسماعيلية عامل التشريع الدنيوي الأساسي، فإن تعارض نص في الحديث النبوي أو القرآن الكريم مع مُقتضيات العصر و تحدياته الطارئة، وجب التعديل ضمن تشريع قانوني بما يُلائم المصالح الطارئة للمجتمع مع عدم المساس بالجوهر التشريعي للنص القرآني أو النبوي، و التأكيد على أن النص القرآني أو النبوي هو الأساس، و التعديل الذي يتم يجب أن يتم ضمن قانون خاص يمكن تعديله لاحقاً في حال تغيّرت الظروف
الأعمدة السبع و الولاية: تعتبر الولاية مفهوماً سياسياً و قيادياً كالرئيس أو الملك أو السلطان، و تجب طاعة الوالي أو الإمام على الحق، و الثورة عليه و خلعه في حال كان ظالماً أو مُعتدياً أو مُتخاذلاً, و لا يصح قيام دولة إسلامية أو قيام جماعة تتخذ الإسلام ديناً لها إلا بوجود والي قائد مسؤول عن مصالح هذه الجماعة كبرت أم صغرت، و تضع بعين الإعتبار إقامة العدل و حفظ الأمن و الرعية