في تصنيف مناهج تعليمية بواسطة

تحليل قصيدة عابرون في كلام عابر

محمود درويش

 عن قصيدة عابرون في كلام عابر

إعراب نص قصيدة عابرون في كلام عابر

كتاب عابرون في كلام عابر PDF

أيها المارون بين الكلمات العابرة شرح

شرح قصيدة ايها المارون

قصيدة أيها المارون بين الكلمات العابرة

مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم  في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية  والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ تحليل قصيدة عابرون في كلام عابر

محمود درويش

الإجابة هي كالتالي 

تحليل قصيدة عابرون في كلام عابر

محمود درويش

تمهيد:

يعتبر الشاعر محمود درويش من اكبر شعراء هذا العصر، بدليل ما خلفه من قصائد شعرية مهمة، تشهد له بالعبقرية الفذة و الشاعر الفلسطيني هذا كان من الطبيعي أن تنصب مواضع جل أعماله الأدبية في الدفاع عن القضية الفلسطينية القضية الوطنية بالنسبة للشاعر و التي شغلت ذهنه طوال حياته كغيره من المحبين لوطنهم و من خير النماذج الشعرية التي تشهد لما سبقت الإشارة إليه، هذا النص الذي بين أيدينا، و الذي سنحاول مقاربته على ضوء قواعد النص و النصية و الحجاج.

قواعد النص و النصية:

 المقامية:

السياق الثقافي و الاجتماعي اللذان قيلت فيهما القصيدة يتجلان في تجسيد الشاعر للواقع المؤلم، الذي يعيشه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني المغتصب للأراضي المقدسة.

 القصدية:

تأكيد الشاعر على صمود شعبه داخل وطنه، واعتباره العدو عابرا مهما أطال في البنيان فانه سيأتي يوم و يرغم على الرحيل والانصراف لا محالة.

 المقبولية:

في النص الثاني من القرن العشرين، ظهرت قصيدة الشعر الحر، و لجأ كثير من الشعراء إلى النسج على منوالها، و عبروا عن مشاعرهم من خلالها ولا شك أن القارئ عندما يقرأ هده القصيدة لأول مرة، تبدو له غريبة - عما يعرفه من نظام الشطرين - وهي مكتوبة على هذا الشكل، إلى أن أصبح هدا النوع من الشعر فيما بعد مألوفا لدى الناس ، و أقبلوا على قرائنه و تدبره، و من تم امتلك مقبولية واسعة.

 التناص:

يمكن اعتبار شكل النص تناصا، لأنه نظم على منوال النصوص التي سبقته، لأن الشاعر سبق إلى النظم على هذا الشكل. و أما التناص داخل النص فإنه لا توجد عبارات واضحة مقتبسة من نصوص أخرى.

 الإعلامية:

ليس هناك إخبار صريح داخل النص، و لكن من الممكن أن نلمسه من خلال إخبار الشاعر العدو آن الأوان للانصراف و للرحيل، في العبارة التي تكررن في أخر القصيدة " آن أن تنصرفوا" كما يمكن أن نلمس هذه الخاصية في افتخار الشاعر بنفسه و قومه " و لنا ما ليس يرضيكم هنا، و لنا الماضي، و لنا الحاضر".

 السبك:

يمكن التمييز بين نوعين من السبك: السبك المعجمي و السبك النحوي، و لرصد هذه الخاصية، لابد من الاعتماد على ظاهرتين لغويتين هما:

1) التكرار:

و التكرر يمكن أن يكون تكرارا للكلمة نفسها:

 الأسماء: " المارون " " الكلمات" " الحاضر".

 الأفعال: "انصرفوا " "خذوا " " مروا" " تعمل " " شئت".

 شبه مرادف: " انصرفوا" " انسحبوا " " احملوا ".

 إيراد مرادف: " النسيان – الذاكرة " " الدنيا – الآخرة " " البر – الحر ".

و هذا التكرار بأنواعه يتولد عنه ما يسمى بالإحالة و هي نوعان:

 إحالة قبلية: الضمير في: " احملوا" " انصرفوا" " انسحبوا" يحيل على كلمة " المارين " المذكورة قبله. ( انربية، و نسقية) الضمير يعود على ( القمح ) المذكور قبله.

 إحالة بعدية: مثل: " فلنا في أرضنا ما نعمل " ثم ذكر بعدها "و لنا قمح نربيه و نسقيه".

 أما الإحالة خارج النص: فهي موجودة أيضا مثل: ( أيها المارون) بالإضافة إلى تكرار ضمير الجمع المخاطب، و ذلك كله إحالة على المحتلين الإسرائيليين المخاطبين في النص دون ذكرهم.

أما ضمير الجمع المتكلم، فهو إحالة على الشاعر و شعبة – فلسطين – الصامد ضد الاحتلال، و ذلك كله لإحالة خارجية.

2) النظام أو المصاحبة:

و هي أن يكون ذكر أحد الألفاظ داعيا لذكر الأخر ك " المارون – المقيمون / نحيا – نموت"

هذا ما يتعلق باختصار بالسبك المعجمي أما للسبك النحوي :

يمكن رصده بالاعتماد على النقط التالية:

 الربط و الوصل: بين الجمل بواسطة الأدوات و يمكن التمييز فيه بين نوعين هما:

 ربط ضمني: مثل : " لنا قمح نربيه و نسقيه ندى أجسادنا " لنا المستقبل، و لنا في أرضنا ما نعمل . . . 

 ربط صريح: و ذلك بواسطة أدوات الربط المتنوعة:

- حروف العطف: تكرار حرف الواو. "انصرفوا، و انسحبوا" و هي كثيرة في النص للدليل على الترابط الموضوعي داخل النص.

- حروف الجر: " من زرقة البحر" " في أرضنا" " للهدهد"

 الاستبدال:

 الحذف:

حذف الاسم: "ن أن تنصرفوا": آن الأوان أن تنصرفوا.

"كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء".

حذف الفعل: " أيها المارون" يمكن تقدير فعل محذوف من بداية الكلام: " اسمعوا أيها المارون".

 الحبك:

و هو خاصية داخلية في النص عكس السبك، تتمثل في سبر أغوار النص و يتجلى في عدد من المظاهر هي:

 الترابط الموضوعي:

في النص الذي بين أيدينا قضية واحدة، و هي:

القضية الفلسطينية، و قد عالجها المؤلف بطريقة منطقية تتجلى فيما يلي:

من السطر 1 إلى السطر 5 يدعو فيه الشاعر مخاطبيه إلى الاستعداد إلى الرحيل:

و في الفقرة الثانية يفصح الشاعر، عن التحدي الذي سيواجه به العدو، مهما كانت قوته المتطورة، فانه سيظل و شعبه قادرين على تحدي هذه القوة المغتصبة لأراضيهم و شعبهم، و لو بالشهادة. 

 و في الفقرة الثالثة يفتخر فيها الشاعر بصموده بأرضه و يرى عدوه لا يساوي شيئا أمام عينه، و يعتبره مارا أو عبير سبيل فقط مهما زاد في الطغيان و القتل.

و في الفقرة الأخيرة يؤكد فيها الشاعر صموده و شعبه و يكرر فيها دعوة العدو إلى الرحيل و الانصراف فورا و أن يقيم في مكان آخر المهم أن لا يقيم بيننا.

 التدرج:

نلاحظ أن الشاعر بنا هذه القصيدة بناء محكما، بطريقة منطقية متدرجة، حيث بدأ بالحديث عن عدوه، تم تحدث عن صموده في تحديه لهذا العدو، تم انتقل إلى الافتخار و الاعتزاز بنفسه و شعبه و قوته البسيطة التي يواجه بها عدوه.

و في الأخير يمكن القول إن هذا النص الشعري غني بمسائل النص و النصية من حيث الشكل الخارجي و غني بقضايا وطنية فلسطينية من حيث المضمون الداخلي للنص.

عناصر النص الحجاجي

إذا نظرنا إلى النص على أساس أنه رسالة تواصلية و اعتبرنا طرفي هذه الرسالة المرسل ( الشارع) و المتلقي ( العدو ) و علما أن الطرف الأول سيسعى إلى إقناع الطرف الثاني بفكرة الرحيل، فإنه لابد أن يكون المرسل قد اتبع إستراتيجية محكمة لقيادة المتلقي إلى الإقناع و الأخذ بوجهة نظره، فإذا كان الأمر كذلك فأين تتجلى هذه الإستراتيجية؟

للإجابة على هذا السؤال لابد من مقاربة النص بالاعتماد على أدوات تحليل النص الحجاجي.

 السياق:

بالرجوع إلى الظروف و الواقع اللذان قيلت فيهم القصيدة فإنه يمكن تحديد سياق النص في كون المخاطب جاحد منكر على اعتبار أن الاحتلال الصهيوني هو اغتصابا للأراضي الفلسطينية بدعوى أرض الميعاد و الأحقية.

و بناءا على هذا النحو فإنه يمكن تحديد عناصر النص فيما يلي:

 الموضوع: هو القضية الفلسطينية و الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

 الأطروحة: تتمثل في إصرار المؤلف بالتشبث بوطنه و مواجهة العدو حتى الرحيل، و دافع المؤلف عن أطروحته بحجة: أن الآخرين هم مارون و محتلون فقط و وعدهم بيوم ينسحبون و ينصرفون فيه مخزيين و منهزمين.

و اعتمد الشاعر لإقناع خصمه على تقديم صورة حسنة عن نفسه( ethos ) فهو لا يرغب في مواجهته و لكن متى ما تكالب فهو له بالمرصاد و بكل ما يملك و لو كان بسيطا، و ذلك واضح في الفقرة الثانية من القصيدة.

كما استهدف الشاعر أيضا عقل المخاطب و تفكيره بذكر مجموعة من الحجج- السالفة الذكر – (logos ) و ذلك كله لتحقيق خاصية التأ ثير، و بالتالي تحقيق الانصراف و الانسحاب.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
تحليل قصيدة (عابرون في كلام عابر)*

 

لمحمود درويش

 

 

نص قصيدة: (عابرون.. في كلام عابر).

 

-1-

 

أيها المارون بين الكلمات العابرة

 

احملوا أسماءكم وانصرفوا

 

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا

 

واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة

 

وخذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا

 

أنكم لن تعرفوا

 

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء…

 

 

 

-2-

 

أيها المارون بين الكلمات العابرة

 

منكم السيف-ومنا دمنا

 

منكم الفولاذ والنار-ومنا لحمنا

 

منكم دبابة أخرى-ومنا حجر

 

منكم قنبلة الغاز-ومنا المطر

 

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

 

فخذوا حصتكم من دمنا.. وانصرفوا

 

وادخلوا حفل عشاء راقص.. وانصرفوا

 

وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء..

 

وعلينا نحن أن نحيا كما نحن نشاءْ!

 

 

 

-3-

 

أيها المارون بين الكلمات العابرة

 

كالغبار المر، مروا أينما شئتم ولكن

 

لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة

 

فلنا في أرضنا ما نعملُ

 

ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا…

 

ولنا ما ليس يرضيكم هنا:

 

حجر..أو حجلُ

 

فخذوا الماضي، إذا شئتم، إلى سوق التحف

 

وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، إن شئتم،

 

على صحن خزف

 

فلنا ما ليس يرضيكم: لنا المستقبل

 

ولنا في أرضنا ما نعملُ

 

 

 

-4-

 

أيها المارون بين الكلمات العابرة

 

كدّسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا

 

وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدّس

 

أو إلى توقيت موسيقى المسدس!

 

فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا

 

ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف، شعب ينزفُ

 

وطن يصلح للنسيان أو للذاكرة..

 

أيها المارون بين الكلمات العابرة

 

آن أن تنصرفوا

 

وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا

 

آن أن تنصرفوا

 

ولتموتوا أينما شئتم، ولكن لا تموتوا بيننا

 

فلنا في أرضنا ما نعملُ

 

ولنا الماضي هنا

 

و لنا صوت الحياة الأولُ

 

ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبلُ

 

ولنا الدنيا هنا..والآخرة

 

فاخرجوا من أرضنا

 

من برنا..من بحرنا

 

من قمحنا..من ملحنا..من جرحنا..

 

من كل شيء، واخرجوا

 

من ذكريات الذاكرة

 

أيها المارون بين الكلمات العابرة! ..

 

تحليل قصيدة: (عابرون .. في كلام عابر).

 

تنطلق الحوارية في نص محمود درويش "عابرون في كلام عابر" من خليط يصنع صورة كلية لنصّه، وتتجزّأ هذه الصورة في صور جزئية. ثم تتجمّع هذه الصور الجزئية لتشكل الصورة الكلية من جديد، دون شعورٍ بفصل الصورة الكلية عن صورها الجزئية المكوّنة لها. هذا الخليط المشار إليه هو الوهم الذي يعيشه اليهود الآن بماضٍ تأسس على وهم. وكله باطل بطلان عكوف بني إسرائيل، في الماضي، على عجل مقدّس كآلهة لهم، إلى آخر ما يتبع انحرافهم عن الألوهية الواحدة من فساد في التصوّرات وفساد في الحياة. فبطلان ما كان من العجل المقدّس يقابله بطلان حاضر، وينتظره المصير نفسه من الدّمار في نهاية المطاف(1).

 

ولعل المرجعية التاريخية هي المرجعية التي بنى عليها محمود درويش قصيدته ونرى فيها كيف يتخذ بنو إسرائيل إلهاً غير الله -سبحانه- الذي فضّلهم، واختارهم ليورثهم الأرض المقدّسة -التي كانت إذ ذاك في أيدٍ مشركة-. ولم يطل عهد بني إسرائيل بعد أن كانوا يسامون الخسف في ظل الوثنية الجاهلية عند فرعون وملئه، ومنذ أن أنقذهم نبيهم وزعيمهم موسى -عليه السلام- باسم الله الواحد -رب العالمين - الذي أهلك عدوّهم، وشق لهم البحر… إنهم خارجون للتو من مصر ووثنيتها، ولكن هاهم أولاء ما إن يجاوزوا البحر حتى تقع أبصارهم على قوم وثنيين، عاكفين على أصنام لهم، مستغرقين في طقوسهم الوثنية؛ وإذا هم يطلبون إلى موسى -رسول رب العالمين- الذي أخرجهم من مصر باسم الإسلام -دين كل الأنبياء- والتوحيد-، أن يتخذ لهم وثناً يعبدونه من جديد!. وهذه هي الطبيعة مخلخلة العزيمة، ضعيفة الرّوح، ما تكاد تهتدي حتى تضل. والأهم أنه ما تكاد ترتفع حتى تنحط. ويظهر أن استعباد فرعون لبني إسرائيل كان إجراءً سياسياً خوفاً من تكاثرهم وغلبتهم. وشتّان ما بين فهم فرعون الواعي بأنّ موسى -عليه السلام- كصاحب عقيدة، جاء مخفياً وراء عقيدته هدفاً من الأهداف وهو الأرض(2)، وأن دعوته ستار للملك والحكم… ولقد طلب موسى إطلاق بني إسرائيل تمهيداً للاستيلاء على الحكم والأرض، فوعى موسى معنى العقيدة. ووعى فرعون ما يعيه موسى-فشتّان ما بين فهم فرعون الواعي وفهم بني إسرائيل الذين طلبوا إلهاً وثنياً يعبدونه!… هكذا قابل فرعون موسى بمثل ما يعتقد أنه طريقه إلى قلوب قومه: بالسحر. وظاهريّاً: السحر يقابله السحر، ولكن الذي لم يصل فهمه إلى فرعون أن للعقائد رصيداً من عون الله -جل وعلا- نحو الغلبة، لا بالظواهر فقط.

 

والعجل المقدّس، صورة مزرية لبني البشر في تاريخ أديان، كانت تمثله بنو إسرائيل: صورة فيها تهافت لعجل صنعه السامري/ وهو رجل منهم ، ابتلاهم الله - سبحانه - بما صنع كما أن في العجل عودة إلى الذهب معبود بني إسرائيل الأصيل الذي ألقوه على العجل، أو صنع السامري العجل منه. لكنه - في كل الأحوال - موجود ، يسرق عقولهم، كما سرقوه أول مرة من زينة المصريين، فأقنعهم السامري ،ليلقوه فهو حرام. وصاغ لهم عجلاً منه. ولمّا رأوا خواره بفعلة السامري/الذي قذف عليه من تراب الرسول فخار.. وأصبحت صورة حياة وطأة فرس الرسول للأرض بالإنبات تقابلها صورة حياة العجل بجعله جسداً له خوار.. تعمقاً في فتنتهم، ومناسبة لمحاباة الله - سبحانه - لهم بعد كل هذه المساعدات. لكنهم سرعان ما نسوا ربهم، وعكفوا على عجل الذهب في بلاهة فكر و بلادة روح : أن نسي موسى -عليه السلام - ربه، وضل عنه. ولمّا نبههم هارون - عليه السلام - بأن العجل فتنة ، و نصحهم بطاعته كما تواعدوا مع موسى - عليه السلام - وأنه عائد إليهم بعد ميعاده مع ربه على الجبــل… التووا و تملصوا من نصحه، ومن عهدهم لنبيهم بطاعته، و قالوا بأنهم لن يبرحوا مكانهم عاكفين على العجل حتى يرجع إليهم موسى.(1) كل هذا مما أُثر عنهم ، يذكرنا به مقطع محمود درويش :

 

 

 

كدّسوا أوهامكم في حــفرة مهجورة ، و انصرفوا

 

و أعيدوا عـقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس.

 

و قد بدأنا في تحليلنا من المقطع الأخير الذي يجسد قصة "العجل المقدس" ، لضرورة منهجية حملتها القصيدة لتتناسب مع الفكر الإنساني الذي تحكيه في كلامها العابر .

 

يتكون نص محمود درويش من ثلاثة وخمسين سطراً شعرياً، تقسمت على مقاطع أربعة المقطع الأول فيه أربع وأربعون مفردة، و الثاني فيه ثمان وستون مفردة، و الثالث فيه خمـس و سبعون مفردة، و الرابع فيه مئة وأربع وأربعون مفردة : أي بازدياد ملحوظ لكل مقطع عن تاليه في عدد المفردات، مما يزيد عدد الجمل من العبارات، ويزيد عدد التراكيب من الجمل .

 

 

 

 

 

وقد تكرر عند درويش لازمة :

 

أيها المارّون بين الكلمات العابرة

 

وجاءت التكرارات كلها في مطلع كل مقطع من المقاطع الأربعة، ويمسك الشاعر بلحظة صورته الكلية في كل مقطع بشعرية ملحوظة: هي لحظة إمّا أن يقول الشاعر فيها ما يريد أن يقوله هو، كما في المقطعين الأوليين، أو لحظة يقول الشاعر فيها ما تقوله الأسطورة؛ فتتشكل اللحظة المشتركة ممّا يقوله و ما تقوله الأسطورة ثم تتشكل للقصيدة رؤياها.

 

وربما يؤسس درويش أبعاداً لحقيقة يريد نقلها، وهنا يبني الشاعر رؤاه من واقع مرجعه الأسطوري، وتتحول الأسطورة إلى واقع، بعكس غير صحيح؛ إذ لا يمكن أن يتحول الواقع إلى أسطورة -كما قد يزعم -. ويبدو في حديث الأسطورة المختزل ذي العبور المتسارع في الوجود، كشف للواقع، وهذه دعوة النقد للاتصال بجوهر الأسطورة لا بشكلها.

 

ومن العنوان تظهر لنا فكرتان : فكرة تاريخية يعلمها الجميع من كلمة (عبر) ومنها استنبط درويش كلمتي (عابرون)، و (عابر) .

 

وفكرة حاضرة في أذهاننا من كلمة (كلم) ومنها استنبط كلمة (كلام) وقد ربط العبور بنقط تفتح الأفق رحباً نحو التأويل فقال :
بواسطة
عابـــرون..

 

وقد ربط الكلام بحرف جر ثم بصفة تلتصق لصقاً يمنع التأويل. فالكلام عابر. وتفيد صيغة المجرورات هنا عكس المفردات، فنقول:

 

عابرون .. في كلام عابر

 

وقد نقول: في كلام عابر عابرون. وتبقى النقاط هي الحد الفاصل الذي معه تختلف تأويلاتنا. فالجملة التركيبية الثانية هي الأصح من حيث تقديم شبه الجملة (الخبر) على مبتدئه. والمبتدأ غير مخصّص بوصفٍ أو إضافة. أمّا أنه نكرة فهو جمْع يقترب من المفرد في جميع حروفه:ع، ا، ب، ر؛ ممّا يعطي المعنى لغة إيقاعية ذات تناغم متميز: فهم عابرون.. وسيبقون في كلام عابر. و( عابرون ) جواب لاستفهام مقدر: من هم؟ وهو جواب العارف.

 

تشير كلمة (العبور) إلى قصة تاريخية نعرفها باسمها (العبور) الذي أعطى الحق لبني إسرائيل بتسميتهم:العبرانيين -فيما قيل- ثم أسسوا مملكتهم الخاصّة. كما توحي الكلمة بصراع الأنثروبولوجيا:التي تقتحم ما عجز التاريخ عن اقتحامه، وتعيد بناء فترات تاريخية غابرة لا توجد عنها إلاّ شواهد متفرّقة(1)، في ضوء ما عرف من أن جنوب الجزيرة العربية كان مأهولاً قبل آلاف ثلاثة مضت -تقريباً-، وقد بنى العبريون حضارتهم مذ كانوا قبيلة صغيرة إلى أن استقروا على مشارف الهلال الخصيب. وكان فيهم مرض الشعور بالنقص ومحاولة التغلب عليه بالسطو على موروثات الغير.

 

ومما قاله عنهم (فريزر) في كتابه الفولكلور في العهد القديم، إن لهم تصوّراً للرب والأنبياء على نحو لا يختلف كثيراً عن تصور الوثنيين في جنوب الجزيرة حيث تشيع الكهانة وتمارس طقوس السحر. ومرّ بنا رغبتهم في عبادة آلهة يعرفونها، بزعمهم، ومن ناحية أخرى فقد دعموا آراءهم بما سلبوه من البابليين والكنعانيين الذين أُثر عنهم إدمان الوصف للمظهر الشعائري للحياة -بحثاً عن أسطورةٍ مقدّسة-. ومع كلّ ما تقدّم فقد عاش عرب متحضرون ينتمون إلى إرم بن سام بن نوح. وكانوا يسكنون شمالي جزيرة العرب حتى جنوبي فلسطين، وقد سكن أولاد إرم من عاد وثمود وجُرهم الأول، وهو غير جرهم الآخر الذي جاء بعد لاوذ بجيلين، وانجب جُرهم القحطانية أو جُرهم الثانية وسكنوا في الجنوب. وإلى إرم نسبت شعوب العرب البائدة، ويقال إنهم هاجروا إلى وادي النهرين في تاريخ مجهول وأسسوا حضارة بابل. وكان قبل بابل العمالقة. وفيما عُرف، فقد استوطن بشر قبل السومريين أيضاً في هذه المنطقة-وادي النهرين-قبل آلاف أربعة تقريباً، وقد اجتاح عرب الشام منطقة سومر، وأخذوا عن ثقافتهم، واقتبسوا حروفهم الكتابية آخذين بأسباب الحضارة، وهؤلاء العرب هم:العموريون. وقد وقعت لهم هجرتان؛ وتأسست بالهجرة الثانية السلالة العمورية الأولى في بابل حيث يحكم حمورابي/الذي مات سنة 2081ق.م. بعد أن حكم أرض الجزيرة السفلى ثلاثاً وأربعين سنة. وبعد خمسة قرون من تأسيس السلالة العمورية تأسست حول نينوى إمبراطورية أشور، ولم يكن ثمة شيء -حتى هذا التاريخ- اسمه دولة إسرائيل. ولما آنس العبريون من أنفسهم قوة، بعد أن عبروا إلى وادي النهرين ثم تسللوا إلى الشام (1300-1200 ق.م) تقريباً، خافوا الدخول إلى الآراميين والكنعانيين، وظلّوا على عادة التمسّح بالقوي الذي يجاورونه: فهم أيام إبراهيم آراميون، وهم أيام (إشعيا) كنعانيون، وعندما انتصر المصريون بقيادة تحوتمس الثالث في معركة قادش سنة 1285 خلعوا جلودهم وتبجحوا بجلد إسرائيل وتاهوا مع سليمان بن داود (970-933 ق.م)..

 

لقد جاور اليهود إقليمنا العربي بحضارته فيما يتصل بقيمة الإنسان البدائي، وهو الأساس الطبيعي نحو فهم الحضارة الإنسانية في عمومها، فلا بدّ بالتبعية وبحكم الاتصال أن يكون للعرب دورهم البنائي. وتظهر أحقية العرب في بناء عالم الجزيرة القديم. ولقد كان ساميو اليمن والحبشة في الجنوب وساميو كنعان في الوسط وساميو سوريا وبابل وأشور في الشمال وهم الآراميون من أولاد بيتٍ عربيّ واحد، وكان الإسرائيليون عالة على أولاد أولئك، حتى جاء داود وسليمان -وهما أعظم ملوك اليهود- وعقدوا تحالفاً مع حيرام أمير صور الفينيقية، وكانت هذه هي وصيدا مركزي إشعاع عربي على مدى العالم، وحرصاً في الوقت نفسه على المضي في تمثل ثقافة السكان الأصليين تحت التأثير الكنعاني المؤكد.

 

وبموت سليمان حوالي سنة 933 ق.م. انقسم الإسرائيليون إلى شماليين وجنوبيين، وقامت مملكة شمالية في عهد عمرى/الذي أسس ملك إسرائيل (887-877 ق.م.) في مدينة السامرة، لتكون عاصمة جديدة لملكه-كما تخبر ألواح أشور-، فقد قامت هذه المملكة بجمع التراث السامي واستغلاله في إذاعة حضارة متميزة، إلا أن هذه لم تستطع أن تبقى أمام سرجون الآشوري فقضى عليها. وبقيت المملكة الجنوبية إلى أن أنهاها بختنصر البابلي سنة 586 ق.م. ووقع ما يعرف في التاريخ بالأسر العظيم(1).

 

وهل نستطيع أن نفصل بلغة الحضارات القديمة، ماذا لنا وماذا لكم، وماذا ليس لكم؟ ربما، إذا دخلنا إلى الفكرة الأولى ودليل نفسية الإنسان الحاضر رابطين بين حاضر نعيش، وماضٍ سحيق به تاريخ-عرفناه-ونوجد تاريخاً مستقبلاً يُعنى بالمراحل الثقافية الأولى والوسطى والخاتمة فكلها تنتمي لأصل واحد، ولا يضيرها منْ يمرّ خلالها بضعفه وهوانه. إنّ للعرب بماضيهم وحاضرهم أساساً ثقافياً باقياً بإقرار حكاياته، وبموجود موروثاته، وببقاء طقوسه. فإلى أين أنتم عابرون؟، يا منْ عبرتم في كلام عابر، وليس لهذا الكلام والفعل إلاّ الاسم الذي جاء

 

و السلام - ، وأصبحت الكلمة (العبور) منطلقاً للفعل (العابر) ومعبرة لهم بأنهم (العابرون) .ولو كانت كرامتهم باقية من كرامة نبيهم لبقي اسمهم:العبرانيون، لكنهم الآن:عابرون. وفقط.

 

وتلك هي الكلمة الخالقة مقارنة مع الكلمة الجافة التي لا تملك صفة الخلق . والكلام جمع الكلمة التي ربما يكون لها قيمة، وربما لا يكون لها. وربما يكون لها قيمة ضمنية. فما هي حالها في حديثها عن العبور؟ إنها "كلام عابر" لا قيمة له.

 

وإذا صنعنا مرآة تطابق بين الفكرة الأولية للعبور وبين ما همّ عليه الآن وجدنا عجباً كبيراً:فلا شبه ولاتشابه، بل انحراف يشابه انحرافهم في الماضي مع موسى -عليه السلام-، وتصبح الكلمة التي تمسكوا بها (عبر) بلا قيمة بعد أن فقدت تجلّيها الفعلي، وفقدت قدرتها على الإنتاج، وجفّت فكرة، وجفّت مضموناً، وجفّت إمكانية!

 

إن القصيدة تأخذ شكل بنية فكرية متسقة، تستمد وحداتها من رؤيا الشاعر، وتداخل بين رؤيا الشاعر ورؤيا الأسطورة كما نقلت بكل مقوماتها ذات الأبعاد التاريخية والإنسانية وهذا ما يعرف بتوظيف الأفكار.

 

واستمراراً لمنطق توظيف الأفكار توظيفاً شعرياً، وما يتلوها من تفسيرات، فقد جاءت أسطورة الهدهد حلقة لا تنفصل عن سائر حلقات القصيدة العامة، وهي تلعب دورها المعد مسبقاً في إطار الصورة العامة لبنية القصيدة الفكرية.

 

وقد بدا لنا أهمية اتّكاء الشاعر على العجل المقدس، ونتبين الآن شيئاً من الشاعر -ربما- يريد به الإمساك باللحظة الإنسانية في شعريته وهي عنصر التحول في رؤياه التي ركّزنا الحديث عنها.

 

إن التحول الذي يجريه الشاعر يربط بين مستويي البعدين:التاريخي من جهة، والإنساني من جهة أخرى؛ من خلال روابط جذرية بينهما. وإذا بحثنا عن تلك الروابط في أسطورة الهدهد نجدها في معرفتنا التاريخية لأفق الهدهد وأنه:طائر سليمان -عليه السلام- العارف بمنطق الطير، رسول ملكة سبأ بلقيس (1) ونجد الهدهد في بعده الإنساني العام بأنه ربما يكون طائر الحكمة وبيت الأسرار والدليل وهادي الطريق.. وقد استلهم الشاعر هذه الرؤى؛ ليضع علاقة بين الواقع المعروف من التاريخ ، ومتى تكون المواجهة يصنع الفكر:ذو الرؤيا الأسطورية والدينية والإنسانية، ونقرأ رفض الشاعر لمنطق الحقيقة التي يعيشها؛ لأنها تقذف به إلى غيبيات مثالية.. تعبّر عنها فكر أسطورية:

 

فخذوا الماضي، إذا شئتم، إلى سوق التحف

 

وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد إن شئتم

 

على صحن خزف.

 

انظر لهذا الاختراق: إنها ذاكرة تكوينية تؤسس أسطوريّاً للانفلات عن مدار الواقع، استجابة لتطلعات أخرى وأحلام أخرى باختراق الواقع نحو معنى وجودي حلمي تخيلي. فما زالت أسطورة الهيكل -منذ نشأتها- صورة خيالية لوجود حلمي، لا أساس له في الواقع. ونكمل صورة شمولية المعنى الوجودي بقوله:

 

فلنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل

 

ولنا في أرضنا ما نعمل

 

وهنا ينفرد الشاعر في حكمته عبر التجربة الوجدانية في الوجود، باستبصار معنى الوجود واللاوجود. وكيف استطاع استجلاء مرجعيته في أسطورة الهدهد رسول سليمان الحكيم -عليه السلام- إلى بلقيس.. ليمكن لك أن تفسّر علائق أخرى يمكن اكتشافها بدراسة الصورة الفنية المتولدة من البنى التي يقدمها الشاعر من خلال قصيدته على شكل صور نجملها في:

 

الصورة الأولى:

 

و نجد فيها مجموعة بنى ذات تكوين صوريّ، لا تتحدّد بمعنى مباشر، بل بانفتاحيات المعاني على دلالات إيحائية ذات تأويلات متوالدة. ويحمل الشاعر في صورته الكلية الأولى/المقطع الأول قدراً كبيراً من التفاؤل، تتوثق فيه هذه الصور الجزئية التي يمكن ملاحظتها وهي:

 

1- سيتوقف التاريخ الإنساني -كما نعرفه-، وسيحلّ محلّه مكان خال من التناقض. وهي صورة يوازيها توالد حلمي لشعرية:الحمل، والسحب، والسرقة، والأخذ، وأخيراً البناء. فهي أحداث/أفعال تتمحور حولها الصورة وفق إيقاع منظّم ومقياس محدد. أمّا الأحداث التي تناغم الصورة بلا انضباط لإيقاع منظم ومقياس محدد فهي التي تكررت بقوله:

 

 

 

وانصرفوا

 

وقوله:

 

كي تعرفوا، ولن تعرفوا

 

وهذه بنى مأخوذة بقوة مخيلة الشاعر، وهي تحمل المعنى المتعدد، وتعني ما تقوله. وما تشكله المخيلة تصور يتشكل من الفعل/الحدث وما يحيطه من ضمائم، ثم بما يشكله من تركيب في جمل صورية مرسومة.

 

قلنا عن توقف التاريخ الإنساني، ويكفي ما كان:

 

احملوا أسماءكم وانصرفوا

 

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا

 

ونقول الآن عن الصورة الجزئية الثانية وهي:

 

2- صورة الحساب داخل الزمان بيننا؛ فالعالم الدنيوي ليس محلاًّ للحساب، ويوجد مكان في السماء خال من التناقض سيكون فيه الحساب. وهو مكان خارج التاريخ الذي عرفوه فقد: (سرقوا من زرقة البحر، وسرقوا من رمل الذاكرة، وأخذوا ما شاءوا من صور). وتناسبت صور السرقة والأخذ مع صورة المحاسبة. ونلمح بنية لونية، ومزجا رسميا بين الضوء/ الصورة السطحية، والظل/ الصورة الباطنة. كما نلمح تتالي الإيقاع بمتتاليات:

 

واسحبوا، واسرقوا، وخذوا

 

ولماذا كل هذه الصور المتتالية بالعطف بالواو: إنها دلالة المشاركة والتعاقب، إنها لتوليد حاجة في نفسنا لصورة أقوى تجعلنا نبتهج للنتيجة، ونوسع مخيلتنا وذاتنا: كي نعرف، أنهم لن يعرفوا:

 

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء

 

وفي الصورة الثانية مزج بين صورتي السرقة والأخذ. ثم نلمح بنية لونية مشتركة بين زرقة البحر ورمل الذاكرة. وبين البحر والذاكرة أسرار مسروقة، وبين الزرقة والرمل لونان يتعايشان معاً، في رؤية مثالية غارقة في الحسابات، برؤية فوقية/ تسرق وتأخذ دون حساب. ولم كل هذا ؟:

 

كي تعرفوا

 

أنكم لن تعرفوا

 

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء

 

وفي لغة الصورة، يبقى مخزون لا شعوري، وهو جزء مهم من المعنى لدى الشاعر، يترك للمتلقي البحث عنه، وكيف للشاعر أن يجلب السامع للمعنى الحقيقي من صورة التاريخ الإنساني، وصورة الحساب. إنها قدرة على المسّ: مسّ الواقع بالإيقاعات الصورية الممكن تحقيقها، فهذا حجر من أرضنا انتفض مع انتفاضة نفسنا وبنى سقف السماء: رافضاً حقائق تاريخية استنامت، ومنطق حقيقة يقذف إلى غيبيات مثالية لا أساس لها.

 

وهذه النتيجة تعيد القارئ إلى بدء الصورة الأولى/ المقطع الأول لتكتمل الدائرة، فالمعرفة بـ(كي تعرفوا) تعني لـ(تحملوا أسماءكم وتنصرفوا، وتسحبوا ساعاتكم، وتنصرفوا). ثم ليأتي وقت الحساب وتصبح العناصر المكونة للمقاومة عناصر خرافية نسبة للحقائق. وهو نظام قائم بين عناصر تحيط بالإنسان هي: الصور، وبين الإنسان ذاته: أي بين ما هو حدث البناء. فكل ما مرّ وحمل وسحب وسرق وأخذ، هو أفق مغلق، بينما يبقى أفق البناء مفتوحاً. فكيف إذا بنى حجر سقف السماء، فهل سيغلق؟!!.
بواسطة
والآن إلى الصورة الثانية/ والمقطع الثاني:



 



وفيها يظهر الشاعر إنساناً معجزاً: كأن السماء -في لغة الأسطورة- تمده بصفات فوق إنسانية؛ فدمه في مقابل السيف، ولحمه في مقابل النار، وحجره في مقابل الدبابة، ومطره في مقابل القنبلة. وهذا إيمان بالمثل العليا من الشاعر، والشاعر بذاك لم يتجاوز حقائق الأشياء، لكنه لم يعد يتعامل مع الأشياء بماديتها المباشرة، وأصبح حسابه مغايراً لحساب غيره. وغيّب مدلولات الألفاظ الأرضية. وكانت نتيجة ما أراد هي: إمكانية التجاوز بالتمرد الإنساني على الواقع.



 



إن لغة المثل العليا هي ما يدفع الإنسان إلى الأمام، ولا يكتفي الشاعر بتخطي واقعه المادي، وتجاوز ذاته الفردية، بل يحكي لغة تحقق وجوداً أعلى وأفضل، وتتجاوز بوعي ما تعرضه من صور؛ ففي المقطع صورتان: الأولى لذاك الإنسان البطل صاحب المقاومة. والثانية لحركةٍ/ حدثٍ تصوّر حركة كلية في القصيدة = حركة الحياة. والحركة تتصور بالأخذ والدّخول وهي من طرفهم. ثم بالحراسة والحياة وهي من طرفنا، فمع أن السماء والهواء علينا وعليهم واحدة، لكننا-وقد أخذوا حصة من دمنا، ودخلوا حفل عشاء راقص باطمئنانهم- فعلينا أن نحرس ورد الشهداء، وأن نحيا كما نشاء وعليهم أن ينصرفوا.



 



وقد تكررت لازمة الانصراف. وجاءت خاتمة الصورة بنتيجة تشبه معرفتهم لبناء الأفق المفتوح بأننا:



 



نحيا كما نشاء.



 



ولرسم ما يقوله الشاعر في حركة صورة في النص فإنه يبدأ من حركة/ فعلية تصنع متتالية في النص، من خلال بؤرة تركز عدسة الصورة على أن يأخذوا.. وينصرفوا. وإذا بدأت الصورة بالحركة، فإنها تتبع بالزمن: زمن الفعل/ الحدث المستخدم، وأهميته في صنع زمنين رغم أنه (أمر) في زمنه، ويأمر بفعل مستقبل، لكنه يشير إلى تجربة ذاتية عاشها الشاعر، ويراها الجميع. وبعد الحركة والزمن تأتي صورة الوجود بوسطٍ:يمينه الاتصال ويساره الموقف؛ أما الاتصال بالوجود فهو عودة إلى مبنى الخيال، وردّ الحالة الواقعية التي نعيشها بالسيف والفولاذ والقنبلة إلى وجودٍ آخر في التاريخ الأسطوري لمن هذا حاله وهو ما سيظهره حديث الشاعر في المقطعين الثالث والرابع. والموقف من الوجود يظهره تصوير الشاعر للوجود من خلال الذّات الحيّة في صورة الشهيد/ الحيّ ليحق لنا:



 



أن نحيا كما نشاء.



 



وفي الصورة الثالثة: المقطع الثالث تبدو ثلاث صور جزئية، تقفز إلى ذهن الشاعر خلالها الصورة التشبيهية على غيرها من المعاني المصورة. وقد نبعت الصورتان التشبيهيتان



 



من فكرة مجردة تتصور:



 



الأولى: تشبيه صورة الكلمات العابرة بما فيها من أساطير لا أساس لها من الصحة بالغبار. وليس الغبار وحده، بل الغبار المر، وهو رمز يؤسس بعداً لحقيقة الوجود الذي نعيش/بالمرارة.



 



والثانية: صورة المرور كالحشرات الطائرة، التي إذا بحثنا عن علاقةٍ بين حدّين مشبّهين فيها نجده في صغر حجم الحشرة، وقدرتها على الطيران، وما تخلّفه من ضرر خلفها.



 



لا يخفى أن لاختيار الشاعر لكلمة(المر) وكلمة(مرّوا) أثراً أسلوبياً في التناغم يحمل الاختيار عن وعي، من جهة، والتوزيع الصوتي المتناغم، من جهة أخرى. ويبقى الحضور في قوله:



 



أيها المارّون… لا تمرّوا



 



ونرى الغياب في أن:



 



لنا في أرضنا ما نعمل



 



ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا..



 



ولنا..



 



حجر.. أو حجل



 



وذلك الحجر الذي بنى لنا سقف السماء بانتفاضته ما عاد يرضيكم. وهذه صورة ثانية جزئية في المقطع الثالث، وهي لازمة تتكرر بقوله:



 



لنا.. ولنا…



 



فإذا ما عدنا للأثر الأسلوبيّ من استعمال الكلمة وجدنا الشاعر باختياره الواعي، وتوزيعه الصوتي لحروفه وحركاته، إنما يؤسس لوظيفة مرجعية كانت قد رمز لها سابقاً بالحدث/ الفعل المركزي للصورة في المقطعين السابقين،وهو الآن يستخدم عنصر المفاجأة بالكلمة؛ تلك المفاجأة بعلاقة الكلمة(اسم- فعل- حرف) مع بعضها بعضاً، وعلاقتها، فيما بعد، بكلمات القصيدة كلها، خدمة للنص، مع وجود نظام البدائل. وإذا كان الشاعر قد نظم وقال:



 



 



 



علينا ما عليكم



 



فإنه لم يقل: لنا ما لكم؛ لأنه ليس لهم شيء يخاطب به (لكم) لكنه قال:



 



لنا ما ليس يرضيكم



 







 



لنا ما ليس فيكم ..



 



لنا.. ولنا..



 



ولم يطلب الشاعر منهم في هذا المقطع الانصراف، مع أنه طلب أن يأخذوا الماضي كلّه، بجملة معترضة-إذا شئتم- تفيد طاقة تعدّد الدلالات باتساع ما تقبله كلمة(الماضي)، وليأخذوه إلى سوق التحف/ رمز كل متخيل أسطوري لا أساس له. وهنا حضور الشاعر بلغته ودلالاته. وهو حضور وجود يعني له: الوطن. ومتخيّل أسطوري يبنى على وطنه. وفي لغة الشاعر لحظة اتصال بالوجود بمبناه المتخيل الأسطوري وماضيه الذي يعود للحظة الأسطورية. وهو اتصال بالوجود الذي نراه. كما أن في لغة الشاعر ردّاً للواقع وموقفاً من الوجود بتشكيل وجودٍ آخر فيما أسطره تاريخ الإنسان، وهل للأسطورة أن تنشئ وطناً!!. ويأتي جواب الشاعر:



 



لنا في أرضنا ما نعمل



 



وعليكم يا من سرقتم وأخذتم أن تعيدوا الهيكل العظمي للهدهد؛ فما عاد له حكاية. وقد عرف الهدهد أنه هيكل عظمي لا قيمة له، وإن شئتم-بلا اعتراض- أعيدوا هذا الهيكل للهدهد على صحن خزف قديم يبقيه مع ما يبقيه إلى سوق التحف.



 



هذه هي البنية الأسطورية المستمدة من علاقة الواقع بالأسطورة، والتي تؤسس الفكر بما فيه من أسطورة تنقد رؤيا/ الواقع، وإنسانية تحرّك جوهر المعاني باتجاه الوجود، أو من خلاله. وكما قلنا الفكر هو الرؤيا. ويمكن القول إن الرمز الأسطوري بما يحمله من مجاز يولِّدُ غنى دلاليّاً يقول الشاعر من خلاله ما يقوله هو، لا ما تقوله الأسطورة، فتتشكل رؤياه.



 



وأخيراً فإنه ربما يريد أن يقول لنا الشاعر إن اليهود صوّروا لأنفسهم هيكلاً، ثم قالوا:أين في الدنيا الواقعة مثل هذا الهيكل الذي خلقناه بفكرنا؟ لكنهم لم يصنعوا في الحقيقة سوى أن ركبوا كائناً جديداً من أصلين حسيين:هما الهيكل والعظم، فقد رأوا هيكلاً، ووصفه الشاعر عظماً. لا بل إنك لتستطيع أن تشطح بخيالك إلى ما هو أبعد، وتصور لنفسك ماضياً في حدود خبراتك المباشرة وما تراه عينك وتشهده أفعالك ثم تؤلف ما تشاء، وتؤيد ما تختار. وهذه أفكار مزعومة عن اليهود؛ بالانتقال من لفظة إلى لفظة دون أن تنتهي بنا السلسلة إلى أصل حسّيّ بدأت عنده. ولا غرابة أن يجيء الفكر عندئذ غامضاً. وهذه هي الصورة الجزئية الثالثة في المقطع الثالث.



 



وسنبدأ حديث صورة المقطع الرابع، والصورة الرابعة بالقراءة الأفقية التي تكشف علاقة التجاور، وتضع امتداد خطوط أسطر القصيدة بتعالق عناصرها معاً. وقد قلنا في المقطع الأول عن ترابط الأحداث:



 



اسحبوا.. واسرقوا.. وخذوا..



 



وكيف استمرت صورة الأخذ في المقطع الثاني والثالث. ولكنها في المقطع الرابع ستبدأ بأخذ شكل التصوير التاريخي والاجتماعي إلى جانب التصوير الأسطوري. وقد تحدثنا عن العجل المقدس، وعدنا إلى التاريخ، أما الواقع فهو اغتيالات تميت كل حقيقة في مفارقة اجتماعية تحيا معنا في:



 



توقيت موسيقى المسدّس



 



وهذا قلناه بـ: أن لا حساب داخل الزمان، ورغم ما يتكدّس من أوهام في حفرة مهجورة، لا نظام فيها، وهي تغيّر بنيات حقيقية إلى كذب وأوهام عميقة. ويبقى الجواب:



 



انصرفوا



 



فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا



 



ومن التصوير الاجتماعي:لنا وطن ينزف، وشعب ينزف. ولنا وطن يصلح للنسيان أو للذاكرة. وهذان ضدّان في صورة مقابلة بين ذاكرة نعرفها من معرفتنا لوطننا. ونسيان ندرك خلاله ضرورة الترابط بيننا وبين وطننا ببحث نظري دؤوب حول تاريخ مجتمعنا كي لا ننسى وما أكثر ما ننسى!!. وتتكرّر لغة الجواب:



 



آن أن تنصرفوا



 







 



فلنا/ الماضي هنا



 



ولنا صوت الحياة الأول



 



ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل



 







 



إن الماضي ببعده الرمزي يذكّر بالأصول والفروع، فهل يمكن لعاقل يعرف ماضيه ويختزنه أن يتجاهله، أو يقفز من فوقه، فيسلّم كلّ مفاتيح ماضيه لجلاّده؟ وها هو الشاعر يعلن انتماءه-هو وأصحابه- إلى ذلك الماضي بكل ما فيه، ويعلن ارتباطه بالماضي:ذاك الارتباط الذي يعني ارتباطه بالذاكرة الإنسانية التي يراد لها أن تمحى من الذاكرة نهائياً!(1). أما الحاضر الذي"لنا" فهو حاضر ممتد من ماض وسيمتد إلى مستقبل؛ لأن حاضر الاحتلال، وبعد المسافة بين الشاعر ووطنه لا يلغي ماضيه، فيعود الشاعر لتكرار أغنية ارتباطه بالأرض والبحر..



 



فاخرجوا من أرضنا



 



من برّنا.. من بحرنا



 



من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا



 



من كل شيء، واخرجوا



 



من ذكريات الذاكرة



 



أيها المارون بين الكلمات العابرة!..



 



وإصرار الشاعر على"لنا"، و"أرضنا"، و"بحرنا"، و"جرحنا"، إصرار له معنى أورده درويش بمستويات تعبيرية مختلفة؛ ليصل إلى نتيجة ترسم حدود وطنه(2) .



 



وهكذا يلامس الشاعر حدود تيار فكر اجتماعي وسياسي يربط فيه بين ذاكرة عاشت، وذاكرة تبحث في معرفة فهم ما تعيش. وهناك أوهام خادعة تعترض سبيلها، كوهم هدهد يعيد الهيكل، وعجل يُعبد من دون الله -سبحانه- وسيبقى كل ما يقال كلمات عابرة، آن لها أن تنصرف، وينصرف معها أصحابها، لأنهم وحدهم:



 



المارون بين الكلمات العابرة.



 



وبهذا الفعل وحده لا تعود الأسطورة موظفة لخدمة الشعر، ولا يصير الشعر ملتجئاً أو محتمياً بالأسطورة، وإنما يبني الشعر شعريته من خلال امتلاكه قاعه الأسطوري ليغدو الشعر والأسطورة وكأنهما خارجان من منبع واحد، ليصير الشعر ممتلئاً بصخب لحظته التاريخية دون أن يتلاشى في الأسطورة، بل بما يؤكد التعاضد بين الشعر والأسطورة على نحو عضوي(3).

اسئلة متعلقة

...