خطبة عن التحذير من استحكام الغفلة في شهر شعبان مكتوبة ومختصرة
التحذير من استحكام الغفلة ملتقى الخطباء
مرحباً زوارنا الاعزاء في موقع النورس العربي يسرنا بزيارتكم أن نقدم خطبة الجمعة مكتوبة مختصرة حول شهر شعبان ملتقى الخطباء
وهي كالتالي
**خطبة الجمعة بعنوان:**
**"مع حلول شعبان.. التحذير من استحكام الغفلة"**
**الحمدُ لله الذي مَنّ على عباده بمواسم البركات، ووفّق من شاء منهم لاغتنام هذه المواسم بفعل الخيرات، وخذل من شاء منهم، فكانَ حظُّه التّفريط والخُسران والنّدامات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربّ الأرض والسّماوات، وواسع الكرام والجود والهبات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل المخلوقات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان مدى الدّهور والأوقات.**
**أمّا بعد: فاتّقوه الله -عباد الله- وأطيعوه، فإن طاعتُهُ -جل وعلا- أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه سبحانه أعْلَى نسَب، ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)).**
**معاشر المسلمين: ها هي مواسم الطاعات والمسارعة في الخيرات تهلّ علينا، فها هو شهر شعبان قد حلّ بساحتنا اليوم الجُمعة. شعبان.. هذا الشهر المبارك الذي يغفل النّاس عنه كما قال -عليه الصّلاة والسّلام-. يغفل الناس عن فضائله ومنحه وجوائزه الربّانيّة، لذا كان الصّالحون من هذه الأمّة يتسابقون فيه على طاعة الله، فكانوا ينكبُّون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه، ويتصدّقون من أموالهم ويتسابقون إلى الخيْرات، وكأنهم بذلك يُهيِّئون قلوبَهم لاستقبال نفحات رمضان الكُبرى.**
**وإنّ المُسلِمٌ إذا نَجَحَ في تَألِيفِ قَلبِهِ على العِبَادَة وَتَعوِيدِ جَوَارِحِهِ عَلَى مُدَاوَمَةِ الخَيرِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا قَبلَ رَمَضَانَ، لا شك أنه سيجد مِن نَفسِهِ في رَمَضَانَ إِقبَالاً عَلَى العِبَادَةِ وَتَلَذُّذًا بِالطَّاعَةِ، وَخِفَّةً إِلى البَذلِ وَمُسَارَعَةً في العَطَاءِ، وَبَرَكَةً في الوَقتِ وَالعَمَلِ، ذَلِكَ أَنَّ اللهَ قَد وَعَدَ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ بِأَن يَهدِيَهُ، فَقَالَ -سُبحَانَهُ-: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ)).**
**وأما المسلم الذي يُسَوِّفُ وَيُؤَجِّلُ وَيَتَبَاطَأُ وَيَتَأَخَّرُ، وَكَأَنَّهُ لا يَعرِفُ اللهَ إِلاَّ في رَمَضَانَ. فأَمثَالُ هَذا كَثِيرًا مَا يُخذَلُونَ في رَمَضَانَ وَفي غَيرِهِ مِن مَوَاسِمِ الرَّحمَةِ وَالغُفرَانِ، فَتَضِيعُ عَلَيهِم تِلكَ المَوَاسِمُ الجَلِيلَةُ، وَتَفُوتُهُم الفُرَصُ العَظِيمَةُ؛ لأَنَّهُم لم يُرَوِّضُوا أَنفُسَهُم قَبلَ ذَلِكَ عَلَى العِبَادَةِ، وَلم يُصَبِّرُوهَا عَلَى الطَّاعَةِ، وَلم تَكُنْ في السَّعَةِ تَألَفُ الخَيرَ وَلا تَعرِفُهُ، وَلم تَعتَدْ كَسبَ الحَسَنَاتِ طُوَالَ شُهُورٍ كَثِيرَةٍ وَأَيَّامٍ مَدِيدَةٍ، فَكَيفَ يُرِيدُونَهَا أَن تُطَاوِعَهُم في شَهرٍ أَو نَحوِهِ؟!. بَل إِنَّكَ تَرَى أَحَدَ هَؤُلاءِ يَمضِي عَلَيهِ شَهرُ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَاوِلُ تَروِيضَ نَفسِهِ وَكَبحَ جِمَاحِهَا عَن مُقَارَفَةِ شَهَوَاتِهَا، وَقَسرَهَا عَلَى فعل الخير وبَذلِ البِرِّ مَعَ المُسلِمِينَ، فَلا يُوَفَّقُ إِلى سَبِيلِ خَيرٍ، وَلا تُطَاوِعُهُ نَفسُهُ عَلَى بَذلِ مَعرُوفٍ أَو إِحسَانٍ. فَتَرَاهُ يَتَرَاجَعُ وَيَنكُصُ عَلَى عَقِبَيهِ وَهُوَ في مَوسِمٍ تُصفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، وَيَستَثقِلُ أَيَّامَ رَمَضَانَ وَتَطُولُ عَلَيهِ لَيَالِيهِ، وَيَشعُرُ فِيهَا بِهَمٍّ يُلازِمُهُ وكَآبَةٍ لا تُفَارِقُهُ، حَتى يُعلَنَ عَنِ حُلُولِ العِيدِ، فَيَفرَحَ فَرَحَ العَبِيدِ، الَّذِينَ أُطلِقَ سَرَاحُهُم وَفُكَّت قُيُودُهُم!.**
**عِبَادَ اللهِ: حتى حِينَ نَتأمل أَركَانَ الإِسلامِ العَمَلِيَّةَ، سنَجِدُ أَنَّ ثَمَّةَ نَوَافِلَ تَسبِقُهَا لِلتَّهَيُّؤِ إِلَيهَا أَو تَلحَقُهَا لِسَدِّ النَّقصِ الحَاصِلِ فِيهَا، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَمَلَ الخَيرِ في شَهرِ شَعبَانَ -وَخَاصَّةً الصِّيَامَ فِيهِ- لَهُوَ كَصَلاةِ النَّافِلَةِ الَّتي تَسبِقُ الفَرِيضَةَ، فَكَمَا أَنَّ مُصَلِّيَ النَّافِلَةِ تَتَهَيَّأُ نَفسُهُ في الفَرِيضَةِ وَتَرتَاحُ، وَيُدرِكُ مِنَ الخُشُوعِ وَالطُّمَأنِينَةِ مَا لا يُدرِكُهُ مَن لم يَأتِ الصَّلاةَ إِلاَّ مَعَ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ، فَإِنَّ المُسلِمَ الَّذِي يَبتَدِرُ الخَيرَ في شَعبَانَ، وَيُنَوِّعُ مِنَ العِبَادَاتِ وَيُكثِرُ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَيُسَارِعُ في الخَيرَاتِ وَيُسَابِقُ لِلحَسَنَاتِ، لا يَدخُلُ عَلَيهِ رَمَضَانُ إِلاَّ وَقَدِ اشتَاقَت إِلَيهِ نَفسُهُ، وَنَزَعَت إِلى بُلُوغِهِ رُوحُهُ، لِيَزدَادَ مِنَ الخَيرِ وَيَتَزَوَّدَ مِنَ التَّقوَى.**
**وَمِن ثَمَّ فَلا غَرَابَةَ وَلا عَجَبَ أَن يُكثِرَ إِمَامُنَا وَحَبِيبُنَا -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- مِنَ الصِّيَامِ في شَهرِ شَعبَانَ، رَوَى البُخَارِيُّ عَن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- قَالَت: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- استَكمَلَ صِيَامَ شَهرٍ إِلاَّ رَمضَانَ، وَمَا رَأَيتُهُ أَكثَرَ مِنهُ صِيَامًا في شَعبَان.**
**فيا أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِذَا كَانَ تُجَّارُ الدُّنيَا يُبَادِرُونَ بِالتَّأَهُّبِ قَبلَ كُلِّ مُوسِمٍ بما يُنَاسِبُهُ، وَيَتَجَهَّزُونَ مَعَ دُخُولِهِ بِالبِضَاعَةِ اللاَّئِقَةِ لِلتَّكَسُّبِ وَطَلَبِ الرِّبحِ، فَكَذَلِكَ يَنبَغِي أَن يَكُونَ تُجَّارُ الآخِرَةِ. فمن نَوَى التَّقَرُّبَ بِهِ إِلى رَبِّهِ في ذَلِكَ الشَّهرِ العَظِيمِ، فَلْيَبدَأْ بِالتَّجَهُّزِ لَهُ مِنَ الآنَ، فَإِنَّ أَحَدَنَا لا يَدرِي هَل يَبلُغُ رَمَضَانَ أَم لا يَبلُغُهُ؟!. وَلأَنْ يَقبِضَ اللهُ رُوحَ المُؤمِنِ وَهُوَ يَتَرَقَّبُ مَوسِمَ الخَيرِ بِكُلِّ شَوقٍ وَصِدقٍ، مُتَجَهِّزًا لَهُ تَجَهُّزَ الصَّادِقِينَ، آخِذًا لَهُ عُدَّتَهُ كَفِعلِ العَامِلِينَ، خَيرٌ مِن أَن يُؤخَذَ عَلَى غِرَّةٍ، وَتُفتَلَتَ نَفسُهُ وَهُوَ في غَفلَةٍ، وَكَم مِن نِيَّةٍ لِلخَيرِ صَادِقَةٍ، بَلَّغَت صَاحِبَهَا مَنَازِلَ أَهلِ الخَيرِ وَإِنْ هُوَ لم يَعمَلْهُ لِعُذرٍ أَو مَانِعٍ.**
**أقول قولي هَذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.**
** **//****
**الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.**
**أما بعد -إخوة الإسلام-: جاء في الحديث عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ!، مَا لِي أَرَاكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَصُومُ فِي غَيْرِهِ؟. فقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلامُ-: "شَهْرُ شَعْبَانَ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالِي فِيهِ إِلَى اللهِ وَأَنَا صَائِمٌ". [رواه الترمذي والنسائي]**
**في هَذَا حَدِيثُ كأنَّ نبينا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ- أرادَ أن يقولَ لكلِّ مسلمٍ: "يا مسلم، لا ينبغي لك أن تغفُلَ عن الله حينَ يغفُل الناسُ، بل لا بُدَّ أن تكونَ مُتيقظًا لربِّك -سبحانه وتعالى- غيْر غافلٍ عنه، فأنت المقبلُ حالَ فِرارِ النّاس، وأنت المتصدِّقُ حال بُخْلِهم وحِرْصهم، وأنت القائمُ حالَ نومِهم، وأنت الذاكرُ لله حالَ بُعْدِهم وغَفْلَتِهم، وأنت المحافظُ على صلاتك حالَ إضاعتهم لها.**
**فلنعمرَ أوقات هذا الشّهر المبارك التي يغفل عنها الكثير بطاعة الله قدْر استطاعتنا؛ فما شهرُ شعبان إلا دورة تأْهِيليَّة لرمضان، لنحافظ على الصّيام كما كان يفعله النّبيُّ -صلى الله عليه وسلّم- في شهر شعبان، ونحن لا نريد أن نقولَ: نصوم كلَّ الشهْر ولا نصفه، ولكن نصوم الاثنين والخميس والأيَّام البيض منه، ولنحافظ على الصّلاة جماعة في المسجد، ولنحافظ على قراءة القرآن، ولنعوِّد أنفسَنا على الصّدقة والإحسان وحفظ اللّسان ومراقبة البصر وسائر القربات.**
**ثم لنعلم -عباد الله-: أنّ في هذا الشهر المبارك ليلة عظيمة، ليلة ينظر الحقّ -سبحانه وتعالى- إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالمغفرة والرّحمات، روى أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].**
**فهناك فرصة للمغفرة والرّحمة في هذه الشهر لجميع عباد الله المؤمنين الموحّدين، إلا لمشرك بالله تعالى، فهو محروم من رحمة الله تعالى ومغفرته في تلك الليلة. وأما المحروم الثاني: فهو المسلم المشاحن والمخاصم الذي في قلبه عداوة لأخيه المسلم.**
**فمن أراد أن يعفو الله عنه في هذا الشهر فليعف عن خلق الله، يقول الحقّ -تبارك وتعالى-: ((وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )).**
**هذا وصلوا وسلموا عباد الله على خير خلق الله،...**