في تصنيف بحوثات ومذكرات تعليمية وتخصصات جامعية وثانوية جاهزة بواسطة

بحث حول الأخلاق عند الفلاسفة اليونان مفهوم الأخلاق في الفلسفة اليونانية والحديثة PDF النظرية الأخلاقية عند الفلاسفة 

الأخلاق عند بعض فلاسفة اليونان

الأخلاق في الفلسفة اليونانية PDF

أقوال الفلاسفة عن الأخلاق 

نشأة فلسفة الأخلاق

مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم  في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية  والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ بحث حول الأخلاق عند الفلاسفة اليونان مفهوم الأخلاق في الفلسفة اليونانية PDF النظرية الأخلاقية عند الفلاسفة

الإجابة هي كالتالي 

نظريات الأخلاق عند بعض فلاسفة اليونان

سنبدأ بالإطلال على الجانب الأخلاقي في الفلسفة اليونانية والحديثة ونرجو أن نفيد فائدتين:

الأولى:

إثبات عجز الفلاسفة عن اللحاق بآفاق الشريعة الإسلامية حيث تحقق للإنسان إذا ما التزم بها وطبقها أعلى مستوى أخلاقي ممكن على مستوى الفرد والفيعات والأمم، ومن ثم فلا محيص عن اتباع شريعة الله تعالى دون غيرها.

الثانية:

اختصار الطريق لفهم جوهر الحضارة الغربية المعاصرة والوقوف على عللها وتفسير موقفها منا، وما يمليه هذا الموقفى من تحديد موقفنا نحن أيضًا منها، فإن الأنظمة الغربية في السياسة والاقتصاد والاجتماع قائمة على أصول فلسفية وأخلاقية.

وما دمنا مستهدفين كأمة ذات حضارة كانت رائدة العالم لعدة قرون لغزو عسكري واقتصادي وثقافي منظم متواصل، فلا سبيل إلى صده والعمل على إبطال مفعوله إلا بمنهج مضاد في مجال العلم والمعرفة ليصبح رائدًا في حيز العمل والسلوك والتعامل مع هذه الحضارة.

يقول جارودي "كان الشاغل الأساسي للمستعمر هو أن يقوض ثقة الشعوب المستعمرة في نفسها - لقد سعى جاهدًا ليدمر اعتزاز الشعوب بماضيها".

إن جارودي بسبب إخلاصه للقيم التي هي ملك الإنسانية جمعاء كان دائم الحرص على توجيه النصح إلى أهل أوروبا وأمريكا للانفتاح على قيم الشعوب الأخرى والتخلص من الاستعمار حيث تزعم أوروبا وأمريكا الشمالية بأنها المركز الوحيد في المبادرة التاريخية وفي خلق القيم.

وذهب جارودي إلى أن الإنسانية في عصرنا الحاضر سوف تصاب بطعنات قاتلة إذا ما امتنعنا "أي أهل الغرب" عن البحث والكشف عن القيم التي من صنع تلك الشعوب التي عرقل الاستعمار نموها الأصيل وجردها من تاريخها الخاص.

لذلك فإن منهجنا الذي لن نحيد عنه قيد أنملة- والذي يمليه علينا الإخلاص لقواعد المنهج العلمي العقلي - هذا المنهج يتلخص في دراسة ما عند الغرب من ألوان الثقافة التي تتناول الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والأخلاق إذ أنها تشكل التكوين الثقافي للشخصية الغربية ثم موازنتها بتراثنا الإسلامي في العلوم نفسها تاركين لبني قومنا- من الطلاب والقراء - إصدار أحكامهم بأنفسهم حيث لا تعوزهم ملكة الاختيار.

سقراط والنظرية الخلقية:

كان سقراط خصمًا عنيدًا للسوفسطائيين، وأخذ على عاتقه الرد على أباطيلهم بكل الوسائل بما في ذلك مجادلة الناس في الأسواق وعلى قارعة الطريق، وعرضته مواقفه للمحاكمة حيث صدر الحكم بإعدامه فتقبل هذا الحكم بصدر رحب ولم يحاول أن يبرئ نفسه.

وإن الباحث ليقف طويلًا أمام العبارة التي أوردها الشهرستاني مشيرًا إلى نهي قومه عن عبادة الأوثان والشرك، إذ يصفه بأنه "الحكيم الفاضل الزاهد من أهل أثينية، وكان قد اقتبس الحكمة من فيثاغورس وأرسالاوس، واقتصر من أصنافها على الإلهيات، والأخلاقيات واشتغل بالزهد، ورياضة النفس وتهذيب الأخلاق وأعرض عن ملاذ الدنيا واعتزل الجيل وأقام في غربة.. ثم يستطرد في باقي الحديث عنه فيقول إنه "نهى الرؤساء الذين كانوا في زمانه عن الشرك وعبادة الأوثان، فثاروا عليه الغاغة وألجأوا ملكهم إلى قتله، فحبسه الملك، ثم سقاه السم وقضيته معروفة".

وقد يظن القارئ لأول وهلة أن الشهرستاني يضعه في إطار ديني حيث يدعو إلى التوحيد، ولكن النصوص التي وردت في محاورات "فيدون" تؤيد هذه الرواية مما يدعم تحري الشهرستاني للوقائع وأمانته ودقته في القول، وإن اتفاق نصوص المحاورات التي نشرت حديثًا تتفق مع عبارته الآنفة الذكر.

ومن واقع رواية "السحب" لأرسطو، فإن الخصم العنيد لسقراط أورد ضمن اتهاماته إياه اتهامه "بالكفر بآلهة المدينة"، وورد في عريضة المحكمة "أنه ينكر آلهة المدينة، ويقول بغيرهم، ويفسد الشباب".

فماذا كان يقول سقراط أمام المحكمة؟

إنه يقول إن إرادة إلهية أوحت إليه أن يعظ مواطنيه ويحثهم على الصلاح بتعاليمه ونصائحه، راغبًا هدايتهم غير راغب في عرض من أعراض الدنيا، وإنه يتقبل الحكم عليه في كلا الحالتين بصدر رحب، وإذا صدر الحكم بموته فإنه لا يخشى الموت ولا يعتبره شرًا "بل يرى فيه الخير كل الخير سواء افترضناه سباتًا أبديًا أبو بعثًا لحياة جديدة".

وكان سقراط أثناء حياته يأبى تصديق ما يروى من شهوات الآلهة وخصوماتها لأن هذا يتضمن انهيار الدين من أساسه، بينما يرى من مهام الدين "تكريم الضمير النقي للعدالة الإلهية، لا تقديم القرابين وتلاوة الصلوات مع تلطخ النفس بالإثم" وقد أرجع مصدر آرائه وتعاليمه التي يبثها بين الشباب إلى ذلك الصوت الذي كان يسمعه في نفسه ينهاه عن إتيان الفعل الضار به "وكان يسميه بالروح الإلهي ولا ينسبه لإله معين".

إن المحنة السقراطية تكشف لنا عن احتمال قيام سقراط بمحاولة بعث لبقايا عقيدة دينية تأثر بها وأخذ عنها.

ومع هذا، فإنه من الصعب القطع برأي في هذه المسألة لا سيما وأنه أحيانًا يتحدث عن آلهة وأحيانًا عن الإله، ولكن دراسة الظروف والملابسات التي مر بها في حياته تجعلنا نتساءل أيضًا هل كان يؤمن بوجود الله وخلود النفس؟.

لقد سبق أستاذ الدكتور قاسم - يرحمه الله - بهذا التساؤل لكي يتخذ من الإجابة عليه دليلًا على أن سقراط اتجه اتجاهًا روحيًا خلقيًا ودينيًا بحيث يعد بمثابة رد فعل لمادية معاصريه، كما يتخذ من التجربة السقراطية برهانًا على زيف في دعوى دوركايم الذي يرى في العبقرية نتاجًا للمجتمع، إذ يثبت لنا سقراط بآرائه وسلوكه أن عبقريته لم تكن من صنع المجتمع "لكن عبقريته، واستعداده النفسي الخاص، دفعاه إلى أن يفكر تفكيرًا مخالفًا لمعاصريه".

نظريته الخلقية:

كان لسقراط إرهاصات في التفكير الخلقي تتمثل "في العبارات البسيطة المتناثرة في شعر الحكمة إبان القرن السابع والسادس قبل الميلاد"، وقد خلفت لنا بعض الفلاسفة في هذه الفترات شذرات من هذا القبيل لأن جل اهتمامهم كان متجهًا نحو موضوعات البحث الطبيعي والميتافيزيقي، من هؤلاء فيثاغورس "500 ق.م" وهيرقليطس "470 ق.م" إلا أن سقراط كان "أول من اهتم اهتمامًا ملحوظًا بدراسة السلوك الإنساني".

إنه تصدى لمغالطات السوفسطائية التي تستهدف زعزعة المبادئ الأخلاقية والاجتماعية، مما دعا سقراط إلى الاهتمام في فلسفته بالإنسان وسلوكه بعد أن كان هذا البحث يشغل مكانًا ثانويًا في البحث الفلسفي السابق عليه، إذ أنه لم يحفل بالنظريات العلمية- أي بالطبيعيات والرياضيات في عصره حيث آثر النظر في الإنسان فانحصرت الفلسفة عنده في محيط الأخلاق؛ لأنها أهم ما يتصل بالإنسان ويهمه ((وهذا معنى قول شيشرون إن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، أو إنه حول النظر من الفلك والعناصر إلى النفس، وتدور الأخلاق على ماهية الإنسان".

ولأهمية الدور الذي قام به سقراط في ميدان الأخلاق، ينبغي أن نعرض أولًا بإيجاز لموقف السوفسطائيين منها:

كان السوفسطائيون يدعون أن الطبيعة الإنسانية شهوة وهوى، وقد وضع المشرعون القوانين بغية قهر هذه الطبيعة، فهي تتغير بتغير الظروف والعرف، إنها إذن نسبية "ومن حق الرجل القوي بالعصبية أو بالمال أو بالبأس أو بالدهاء أو بالجدل أن يستخف بها أو ينسخها ويجري مع هوى الطبيعة".

وقد أقام السوفسطائيون المعرفة أيضًا على الإحساس، وذهب زعيمهم بروتاجوراس إلى القول بأن الفرد هو مقياس الأشياء جميعًا، وبذا تتعدد الحقائق بتعدد مدركيها وامتنع وجود حق أو باطل في ذاته.

ولئن كانت هذه النظرية في المعرفة، إلا أنهم مدوا أثرها إلى مجال الأخلاق وأصبحت القيم والمبادئ الخلقية - تبعًا لذلك - نسبية تتغير كما قلنا بتغير الزمان والمكان. لقد أطاحوا بالحقائق الثابتة في مجال المعرفة وأبطلوا القول بالمبادئ المطلقة في مجال الأخلاق.

"ورأى سقراط لزامًا عليه أن يهدم نظريتهم في المعرفة أولًا، لأنها أساس البناء الأخلاقي لهم، فأقام الحقائق الثابتة على العقل في ميدان المعركة بعد فصله بين موضوع العقل وموضوع الحس، وأصبح يرى أن الإنسان له عقل وجسم، فإن قوة عقله هي التي تسيطر على دوافع الحس ونزواته، مثبتًا أنه إذا كانت قوانين الأخلاق تتعارض مع الجانب الحيواني في طبيعتنا، فإنها تتمشى مع طبيعتنا الإنسانية العاقلة".

والقوانين العادلة تصدر عن العقل، وبعدها صورة مطابقة للقوانين الغير المكتوبة التي رسمها الآلهة في قلوب البشر، فالذي يحترم هذه القوانين فإنه يحترم العقل والنظام الإلهي أيضًا، وحتى إذا احتال البعض لمخالفتها تفاديًا للعقاب الذي قد يتعرض له في الدنيا، إلا أنه سيؤخذ بالقصاص لا محالة في الحياة المقبلة.

وأطلق سقراط عبارته المشهورة "الفضيلة علم والرذيلة جهل"، لأنه يرى أن الإنسان يريد الخير دائمًا ويهرب من الشر بالضرورة، "فمن تبين ماهيته وعرف خيره بما هو إنسان أراده حتمًا، أما الشهواني فرجل جهل نفسه وخيره، ولا يعقل أنه يرتكب الشر عمدًا".

وقد أشار سقراط إلى خلود الروح، وأن هذا الخلود هو الثمن المقابل لحياة النفس الفاضلة في هذه الدنيا "وأن هذه النفس حينما تغادر الجسد سرعان ما تغمرها السعادة الدائمة لأنها ستحيا إلى جوار الآلهة في العالم العقلي".

وأثار سقراط مشكلات كثيرة في المحيط الأخلاقي ما زالت تشغل بال أهل الفكر حتى العصر الحاضر، فقد أراد بناء الأخلاق على العقل، وأساسها على قواعد ثابتة، وألغى رد الأخلاقية إلى سلطة خارجية.

ويظهر أثر النظرية السقراطية العكسي في دوائر متأخرة علماء اللاهوت في الغرب حيث يرون أن الله سبحانه وحده هو الذي يحدد الخير ويميز بينه وبين الشر، كما اتضح أثرها المؤيد عند أصحاب المذاهب الوضعية من العقليين والحدسيين بعد تعديله، وما زال ناشبًا بينهم وبين أصحاب المذاهب الذاتية من الأخلاقيين الذين اعتنقوا مذهب السوفسطائيين معدلًا.

ومهما يكن من أمر، فقد اتجه سقراط اتجاهًا روحيًا خلقيًا ودينيًا إذ أعلن لقضاته ولشعب أثينا أنه يضع طاعة الإله فوق طاعتهم وفوق محبته لهم، وأنه لن يكف عن إرشادهم إلى الفضيلة - أي السعادة - وكان موقفه هذا رد فعل ضد الاتجاه المادي الغالب على معاصريه، ولهذا فإن اتجاهه الفلسفي الإنساني - كما يرى أستاذنا الدكتور قاسم - يعطينا "ردًا حاسمًا على نظرية بعض المحدثين الذين يفسرون العبقرية بأنها من صنع المجتمع. ومنهم دوركايم

يتبع في الأسفل 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة

الأخلاق في الفلسفة اليونانية ن

2-ظرية أفلاطون في الأخلاق:

تابع أفلاطون أستاذه سقراط ابستمولوجيًا وأخلاقيًا، ففي المعرفة فصل بين المعرفة الظنية بالمحسوسات والماهيات المفارقة للمادة "المثل"، ومن هنا عد الخير أسمى المثل وهو عنده مصدر الوجود والكمال، مخالفًا بذلك سقراط إذ أنه تجاوز الماهيات المتحققة في الموجودات المحسوسة إلى ما سماه بالمثل.

ولأفلاطون دور كبير في إبطال الاتجاه السوفسطائي الذي أقام الأخلاقية على الوجدان، إذ استهدف أفلاطون جعل القانون الأخلاقي عامًا للناس في كل عصر ومصر "ولا يتيسر هذا إلا بإقامته على أسمى جانب مشترك في طبائع البشر ونعني به العقل"، وزاد خطوة عن موقف أستاذه تجاه السوفسطائية، فرأى أن الفعل الخلقي يتضمن جزاءه في باطنه، وأن الإنسان الفاضل يؤدي الفعل الخير لذاته باعتباره غاية في نفسه، وأبطل بذلك المذهب السوفسطائي الذي وضع غاية الأخلاقية خارجها، ورهن الخيرية باللذة التي تنجم عنها.

واعتبر أفلاطون كأستاذه سقراط أن النفس أسمى من الجسد، فهي الحاصلة على الوجود الحقيقي وما وجود الجسد إلا وجودًا ثانويًا وغير مؤكد "وهو الذي يحمل قواها الروحية النبيلة ويوجهها وجهة غير أخلاقية لأنه مصدر الشرور والآثام.

ولهذا فإن النفس تشقى بهذا الوجود الأرضي، وتعود فتحاول الانطلاق من محبسها لتصعد إلى العالم المعقول".

وكان خصمًا لدودًا للسوفسطائيين القائلين باللذة وإن علامة العدالة هي سيادة الأقوى وإذعان الأضعف له، وإن الجميع يبتغون السعادة فلا ضرورة للخضوع لأي قانون، لأنه يكفي أن يتعهد الإنسان في نفسه أقوى الشهوات حتى تتحقق العدالة والفضيلة والسعادة، إذ على الشخص أن يستخدم ذكاءه وشجاعته لإرضاء شهوته مهما بلغت من قوة.

ويتلخص رد أفلاطون في أنه جاء الشهوات هو في الحقيقة تعهد آلام في النفس لا تهدأ فتصبح حياة الشهوة موتًا متكررًا، مثال ذلك "الأجرب الذي لا يفتأ يحس حاجته لحك جلده فيحك بقوة فتزيد حاجته ويقضي حاجته في هذا العذاب"، بينما الحكيم هو الذي يتقيد بحياة الاعتدال. ولما كان اهتمام أفلاطون بالفرد ككائن اجتماعي أيضًا يعيشه في ظل نظام سياسي معين، فإن الأخلاق ارتبطت عنده بالسياسة، ولذا فإن الحكيم في السياسة بوجه خاص يجب عليه الاعتدال وضبط شهواته قبل حكمه على الآخرين وإلا فسدت حاله وحالهم.

وردًا على حياة اللذة التي تصورها أتباع المذهب السوفسطائي، فإن أفلاطون يرى على العكس أن خفة الانفعال وضعف اللذة والألم هي سمة الحياة الفاصلة، وهي ألذ حياة، بينما حياة الرذيلة هي التي تتسم بالألم الذي يغلب ويدوم.

والفضائل عنده أربعة: ثلاثة منها تدبر قوى النفس وهي:

1- الحكمة فضية العقل تكمله بالحق، وهي أولى الفضائل ومبدؤها.

2- العفة فضيلة القوة الشهوانية تلطف الأهواء.

3- الشجاعة وهي فضيلة القوة الغضبية.

وقد رمز أفلاطون بقوى النفس الثلاث - أي الغضبية والشهوانية والعقلية - بالعربة ذات الجوادين فهما بمثابة القوتين الغضبية والشهوانية "أما الحوذي الذي يشد أعنة الجوادين فهو يرمز إلى القوة الناطقة".

وإذا ما تحققت الفضائل الثلاث للنفس، تحقق فيها التناسب والنظام، "ويسمي أفلاطون حالة التناسب هذه العدالة"، وهي الفضيلة الرابعة.

وإذا كان العدل على المستوى الفردي عند أفلاطون هو التوازن الصحيح بين القوى الثلاث، فإنه يصبح على المستوى الاجتماعي أداء الوظيفة المناسبة في المجتمع.

والعدل والحكمة - في رأي الدكتور سدجويك - هما الفضيلتان الرئيسيتان عند أفلاطون، وهما - متى بلغتا أسمى صورهما - تضمنت إحداهما الأخرى بالتبادل "فالنفس الحكيمة هي بالضرورة تلك التي تعمل فيها كل القوى باتساق وانسجام، ولا يكون عملها هذا كاملًا ما لم تكن القوة الناطقة المهيمنة حكيمة حقًا".

وإذا ما تحقق التوازن - أي العدالة - بين قوى النفس وفضائلها تحقق للنفس سعادتها، وهي حالة باطنية عقلية أخلاقية، يظهر فيها فيل النفس وصحتها "وسيطرة الجزء الإلهي فيها على الشهوات ورغبات الجسد، وهذا هو الوضع الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان".

إنه يؤكد أن الفضيلة - أي الحكمة - يكمن فيها خير الإنسان وسعادته. لبيان كذب دعوى السوفسطائيين الذين ينادون بطلب اللذة استجابة لنداء الطبيعة، فإن دليل كذبهم أن الطبيعة لا تدعو إلى أن يعمل الإنسان على دمار نفسه، ولهذا فهو لا يكتفي بتقويض دعائم آرائهم، بل يذهب إلى ضرورة فرض أنوع من العقوبات على المنحرفين إلى الرذيلة، فليس أشنع من ارتكاب المرء جريمة ثم الإفلات بلا عقاب يصلحه ويقومه. ويظهر تأثر أفلاطون بالمذهب الفيثاغوري في تصوره الجسم بأنه مصدر شقاء النفس وأصل جميع الشرور، فهي سجن النفس ومانعته من الانطلاق إلى العالم الأعلى، ولا خلاص لها إلا بالتطهر والمجاهدة، وهكذا تنتهي الأخلاق عنده إلى نوع من الزهد والنسك.

3- الأخلاق عند أرسطو:

إذا كان أفلاطون قد وضع الشروط التي ينبغي توافرها في المقاييس الخلقية، فإن أرسطو هو واضع المذهب الأخلاقي المستند إلى فكرة السعادة.

يقول أرسطو في مقدمة كتابه "الأخلاق النيقوماخية": "إن كل فن وكل فحص، وكذلك كل فعل واستقصاء لا يقصد به أن يستهدف خيرًا ما، ولهذا السبب فقد قيل بحق إن الخير هو ما يهدف إليه الجميع". ويفصل الغايات من الأفعال واختلافها، فيتساءل "فما هو إذن الخير في كل واحد منها؟" أليس هو الشيء الذي من أجله يصنع كل الباقي؟ " ويعدد الأمثلة التي يشرح بها رأيه فيقول "في الطب مثلًا هو الصحة، وفي فن الحركات العسكرية هو الظفر، وهو البيت في فن العمارة، وهو غرض آخر في فن آخر. لكن في كل فعل، وفي كل تصميم أدبي، الخير هو الغاية نفسها التي تبتغي".

وإذا كانت الغائية ظاهرة في الطبيعة، فهي في الإنسان أظهر والأخلاق باعتباره علم عملي - والعمل يتجه بالضرورة إلى تحقيق غاية - ومن ثم أصبح من الطبيعي أن يبدأ بحثه في تحديد غاية الحياة، لأن الغايات متعددة ومترتبة فيما بينها، لكن لابد من التوقف عند حد لتسلسلها وهي الغاية القصوى التي تحتفظ بقيمة ذاتية وهي غاية الأفعال جميعًا "هذه الغاية هي من غير شك الخير الأعظم وإن معرفتها لتهمنا إلى أكبر حد، لأن على معرفة الخير يتوقف توجيه الحياة".

ويحدد أرسطو تعريفه للسعادة كغاية قصوى بقوله: "على هذا فالسعادة هي إذن على التحقيق شيء نهائي كامل مكتف بنفسه، ما دام أنه غاية جميع الأعمال الممكنة للإنسان".

ويختلف الناس في فهم السعادة حيث يقسمهم أرسطو إلى مراتب ثلاث من حيث السلوك الأخلاقي. فالطائع العامية الغليظة ترى السعادة في اللذة، إذ يختار أكثر الناس بمحض ذوقهم عيشة البهائم. وضد هؤلاء أصحاب العقول الممتازة النشيطة وغايتهم تحقيق السعادة في المجد - أو الكرامة السياسية - تبقى المرتبة الثالثة من مراتب السلوك الأخلاقية وهي مرتبة حياة الحكمة والتأمل أو العيشة التأملية والعقلية وهي السعادة الحقة عند أرسطو.

وقد اتخذ أرسطو منذ البداية نفس موقف سقراط وأفلاطون في محاربة اللذة، واعتبر السعادة غاية قصوى لأفعال الإنسان، وها نحن نلاحظ في تقسيمه للسلوك الأخلاقي أن الاقتصار على اللذة يجعل الإنسان في مرتبة البهائم، ذلك أن الإنسان يتميز عن سائر الكائنات بالعقل - وكمال وجوده مرهون بتأديته لهذه الوظيفة، لأنه يشارك النبات في النمو والحيوان في الحس، ولكنه ينفرد دونهما بالتأمل العقلي "ومن ثم كانت مزاولة التأمل أكمل حالات الوجود الإنساني".

صلة السعادة بالفضيلة:

وترتبط الفضيلة بالسعادة في مذهب أرسطو، فيقول "ما دام أن السعادة على حسب تعريفنا هي فاعلية ما للنفس مسيرة بالفضيلة الكاملة، يجب علينا أن ندرس الفضيلة، وسيكون هذا وسيلة عاجلة لتجديد فهم السعادة ذاتها أيضًا".

والفضيلة تكون حيث تؤدي قوى الإنسان وظيفتها. ولما كان الإنسان يجمع بين الشهوة والعقل، فإن الفضائل صنفان، أحدهما يتمثل في التغذي والحق، والثاني يتمثل في حياة التأمل العقلي، ومن ثم تصبح فضيلة الصنف الأول في السيطرة على الشهوات والأهواء بواسطة العقل، وفضيلة الصنف الثاني في حياة التأمل وهي أسمى من الأول بكثير، والسعادة بصفة عامة تجمع بين هذين الصنفين.

ومن نظرته إلى هذه الثنائية في الإنسان، أي الشهوة والعقل، فإن الفضائل نوعان أحدهما عقلي والآخر أخلاقي (فالفضيلة العقلية تكاد تنتج دائمًا من تعليم، وإليه يسند أصلها ونموها، ومن هنا يجيء أن بها حاجة إلى التجربة والزمان. وأما الفضيلة الأخلاقية فإنها تتولد على الأخص من العادة والشيم، ومن كلمة الشيم عينها بتغيير خفيف اتخذ الأدب اسمه المسمى به).

فليست الفضيلة طبيعية إذن، ولكن الشيعي فينا قوى واستعدادات "فالفضائل ليست فينا بفعل الطبع وحده، وليست فينا كذلك ضد إرادة الطبع، ولكن الطبع قد جعلنا قابلين لها، وأن العادة لتنميها وتتمها فينا"، ومن هذه العبارة ندرك أهمية التربية عند أرسطو، فالفضيلة تتعلم كما يتعلم أي فن "بإتيان أفعال مطابقة لكمال ذلك الفن. وتفقد بإتيان أفعال مضادة. والأفعال المطابقة تخلق ملكات أو قوى فعلية تجعلنا أقدر على إتيانها". معنى ذلك بلغة أرسطو أننا لا نكتسب الفضائل إلا بعد ممارستنا لها، شأنها في ذلك شأن الفنون جميعها التي لا نتعلمها إلا بممارستها فالإنسان يصبح معماريًا بأن يبنى، وموسيقيًا بممارسة الموسيقى، ويصبح عادلًا بإقامة العدل، وحكيمًا بمزاولة الحكمة، وشجاعًا باستعمال الشجاعة.

وإذا تساءلنا عن كيفية تحديد الفضائل الخلقية عند أرسطو؟ لعثرنا على إجابته عندما يتحدث عن أفعال الإنسان وضرورة الأخذ بفكرة الوسط، فكما أن كثرة الأطعمة تفسد الصحة فكذلك قلتها عن الحد اللازم، فالأمر كذلك بالنسبة للفضائل الإنسانية كالعفة والشجاعة وغيرهما "إن الإنسان الذي يخشى كل شيء ويفر من كل شيء ولا يستطيع أن يحتمل شيئا هو جبان، والذي لا يخشى البتة شيئًا ويقتحم جميع الأخطار هو متهور. كذلك الذي يتمتع بجميع اللذات ولا يحرم نفسه واحد منها هو فاجر. وهذا الذي يتقيها جميعًا بلا استثناء كالمتوحشين سكان الحقول هو بنوع ما كائن عديم الحساسية، وذلك بأن العفة والشجاعة تنعدمان على السواء إما بالإفراط وإما بالتفريط، ولا تبقيان إلا بالتوسط.

الفضيلة إذن هي وسط بين طرفين كلاهما رذيلة، ولكن هذا الوسط الذي يعنيه أرسطو هو وسط اعتباري، يتغير بتغير الأفراد والظروف التي تحيط بهم، والعقل وحده هو الذي يعين هذا الوسط. ولكن الفضيلة لامست غاية لسلوك الإنسان، وإنما هي وسيلة لغاية هي السعادة، ولذا فإن الفضائل إرادية، فهو يقول "حينئذ الفضيلة بلا أدنى شك تتعلق بنا، وكذلك الرذيلة تتعلق بنا أيضًا وإذا كان إتيان الفعل الصالح يتعلق بنا فإنه يتعلق بنا أيضًا ترك الفعل المخجل".

يتبع في الأسفل 

بواسطة
".
ويقتضي ذلك أن يحقق الفاعل في نفسه شرطين بالإضافة إلى العلم هما: استقامة النية والمثابرة، ومن ثم يصبح الفعل صادرًا عن ملكة ثابتة "ومن يتوهم أن المثابرة غير لازمة للحصول على الكمال مثله مثل المريض الذي يريد الشفاء ولا يستعمل وسائله".
هذا بإيجاز بعض معالم المذهب الأرسطوطاليسي في الأخلاق، الذي لم يسلم من بعض المآخذ التي وجهت إليه - لا سيما في فكرة الوسط - فإن هذا الضابط لا يصلح لكل الفضائل، فإن الصدق مثلًا هو مطابقة الخير للواقع، ويظهر تكلف أرسطو حين يقول "إن الصدق وسط بين التبجح وبين التواضع الكاذب".
ولعل أهم مأخذ في نظريته الأخلاقية، يم!ش أن يستند إلى مذهبه الغائي نفسه فإننا نعلم أنه يثبت الغائية في الطبيعة، فالطبيعة عنده تعني أمرين هما: المادة والصورة، فالصورة هي الغاية التي من أجلها يتم إنجاز الشيء فإذا لم تتحقق الغاية من أي موجود طبيعي كما يحدث بالنسبة للمسخ "فإننا نقول إنه قد حدث فشل في المجهود الغائي"، وهذا ما لاحظه في صور الحياة المختلفة من أدناها إلى أعلاها، إذ أن جذور النبات التي يمدها إلى باطن الأرض تمده بالورق والأوراق تمد الثمار بظل يحميها، والطائر يبنى عشه، والعنكبوت ينسج بيته.. وهكذا فإن كمال الوجود مرهون بمدى تأديته لوظيفته.
فما بال الإنسان؟
إنه يرى أن الغاية في حياة الإنسان أظهر منها في الطبيعة، ولكنه لا يلتزم بسياق هذا المبدأ في فكرته عن السعادة، فالإنسان عنده يزاول النظر بواسطة العقل، ولكنه لا يزاوله إلا أوقاتًا قصارًا، ومن ثم فإن سعادته به ناقصة لأن السعادة لن تتحقق كاملة إلا إذا ملأ حياته بالنظر. معنى ذلك طبقًا لمذهب الغائية أن الإنسان فاتته غايته، بينما سائر الموجودات تحقق غايتها. وهنا يصح أن نشارك في التساؤل "أفليست تقتضي الغائية أن تتحقق سعادة الإنسان في حياة أخرى؟".
سنجد الإجابة على هذا السؤال عند دراستنا لأفكار شيوخ المسلمين، ذلك أن الذين تمتلكهم مشاعر سامية وحب إلهي لا يجدون في تعاليم أرسطو الأخلاقية زادًا، وهذا ما تحقق منه شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عارض النتاج العقلي للفلسفة اليونانية بكل ما أوتي من ثقافة إسلامية عميقة، ودراسة شاملة لكافة جوانب الفكر الإغريقي، مع إحاطة واعية بمعافي الكتاب والسنة، إنه يقرر أن الله سبحانه أمر بالتفكر والتدبر والنظر - أي استخدام العقل كوسيلة للمعرفة والاستدلال إنه لم يعارض الفلسفة بذاتها كلون من ألوان التفكير أو النظر العقلي، ولكنه وقف بصلابة معارضًا لكافة التصورات الفلسفية الإغريقية التي تسربت لفلاسفة المسلمين لأنها لا تتفق مع الحقائق التي يمدنا بها الكتاب وتوضحها لنا السنة في أحسن بيان وأكمله.
وفي موضوع الأخلاق، اتخذ نفس الموقف العدائي من الفكر اليوناني، فنراه مثلًا يوجه سهام نقده إلى رأي فلاسفتهم في النفس فهي عندهم تشتمل على شهوة أو غضب من حيث القوة العملية، ولها نظر من حيث القوة العلمية، ورأوا في الوسط هو الكمال دون أن يعرفوا محبة الله وتوحيده - وهو هنا يعني أرسطو بصفة خاصة، بعبارة أخرى كانت نظرياتهم لا تتصل بالتوحيد والإيمان بالله الذي به المسلمون عليه العقيدة والأخلاق، فإن محبة الله وتوحيده هو الغاية التي تؤدي إلى صلاح النفس حيث تتحقق الصلاحية بعبادة الله تعالى وحده، كما لا تتم زكاة النفس إلا بالتوحيد وإخلاص العبودية لله عز وجل وحده، وهذا معنى قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [فصلت: 6، 7]، فابن تيمية لا يفسر معه الزكاة هنا بزكاة الأموال وهي النصاب المحدد الذي يجب إخراجه عن الأموال التي مضى عليها الحول ولكنه يفسر الزكاة بزكاة النفوس، فإن ما تزكو به النفوس هو التوحيد ولوازم الإيمان، وعلى العكس من لم يخلص لله ويزكي نفسه لا يصبح من أهل النجاة والسعادة.
ولعل أقوى الحجج التي استند إليها شيخ الإسلام في الطعن في نظريات الفلاسفة الأخلاقية، هي أنها اختيارية وليست ملزمة من جانب، كما أنهم من جانب آخر ذكروا الفضائل الأربعة للنفس - وهي العفة والحكمة والشجاعة والعدالة - دون تحديد دقيق لما تحتاج إليه النفس لتحقيق النجاة والسعادة، مكتفين بالنصح بالالتزام بالتوسط بين الإفراط والتفريط.
أما الأنبياء فقد فعلوا ذلك، أي حددوا مقدار ماتحصل به النجاة والسعادة.
0 تصويتات
بواسطة

ملخص بحث الفلسفة الرواقية ومعالمها:

ظهرت الفلسفة الرواقية - نسبة إلى المدرسة التي أنشأها زينون "264- 336 ق. م" بمدينة أثينا أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، وهي إلى جانب كونها مذهبًا فلسفيًا - فهي كذلك "وقبل كل شيء أخلاق ودين".

كان ظهور الرواقية إيذانًا بتغليب الفكر الشرقي أو حملة هذا الفكر إلى اليونان؛ إذ أن أغلب أنصار الرواقية من الشرقيين.

ويعني الرواقيون بالعناية الإلهية، وتعريفهم لها بأنها "الضرورة العاقلة التي تتناول الكليات والجزئيات"، مع تبرئتها من الشر. أما الشر الذي نراه في العالم فهو ضروري له كضد الخير. إن الله يريد الخير طبعًا، وقد يقتضي تحقيقه وسائل ليبست خيرًا من كافة الوجوه "أما الشر الخلقي أو الخطيئة فيعزونها إلى حرية الإنسان".

ومن المفكرين من يعد أثر الرواقية من خطورة الشأن بحيث امتد أثرها حتى العصور الحديثة. يقول رودييه "إن الإنسانية المفكرة إنما عاشت على المذهب الرواقي حتى أدركت المسيحية ولبثت تتغذى منه بعدها حقبة من الزمان"، بل إن لها سحرًا ما زال يجذب عقول المستنيرين في زمننا هذا.

ولئن كانت مبادؤها تختلف اختلافًا شديدًا عن المسيحية، إلا أن المفكرين المسيحيين أفادوا من أقواها في "الفضائل والرذائل وفي صفات الله وفي العناية الإلهية".

والمتأمل في حياة زينون مؤسس المدرسة ليعثر على مادة مهمة تصلح لدراسة مدى اتصاله بالأفكار الدينية السابقة على ظهور الفلسفة اليونانية - ونعني بها الفكر الشرقي القديم، وكأنه أحياها من جديد في قلب بلاد الإغريق.

إن زينون ولد بجزيرة قبرص، ثم انتقل إلى أثينا، وكان موضع تقدير الأثينيين، حيث رثوه رثاء رسميًا على أثر وفاته بعد أن بلغ من العمر 98 عامًا، مستحقًا لتقديرهم لحثه الشباب على الفضيلة والحكمة، وكان أثناء حياته مثلًا أعلى للأخلاق الكريمة. لقد بلغ هذا الحكيم "من قوة الإرادة وطول الصبر وضبط النفس والعفة والسيطرة على الهوى مبلغًا أدهش معاصريه، فكان الأثينيون يضربون به المثل قائلين "أضبط لنفسه من زينون".

وفي مذهب زينون عنصر مميز عن فلسفة الإغريقيين، فهو يتصل بالفينقيين، - أوتقاليد الساميين - مما جعله يختلف في آرائه وأخلاقه عن فلاسفة اليونان، حتى قيل إنه أقرب إلى مثال النبي الشرقي منه إلى مثال الفيلسوف اليوناني.

وبالمقارنة بين زينون وأفلاطون مثلًا تزداد صحة هذا الاحتمال إذا كان أفلاطون على العكس من زينون - يحاول استخلاص الحقيقة الكامنة فينا بالاستنباط، والدليل العقلي، بينما اتجه زينون في إعلان نتائجه مقتديًا بالأنبياء، إذ يكشف الحقيقة على نقيض طريقة الفلاسفة - بالتأمل والإلهام - ولأن النبي يعلن هذه النتائج باعتباره مرسلًا من عند الله، وكان زينون - في اقتراب نغمة صوته من نغمة الأنبياء "يشعر أنه مكلف برسالة يريد أن يؤديها وأن يأخذ الناس بها كاملة".

الفلسفة أو الحكمة الرواقية:

إن الفلسفة في الرواقية هي "محبة الحكمة ومزاولتها"، ويتضح من هذا التعريف الناحية العملية في هذه الحكمة حيث تشترط العمل والمزاولة. كما يظهر من التعريف التالي أيضًا الاهتمام بالإلهيات، فالحكمة أيضًا هي "علم الأشياء الإلهية والإنسانية".

كذلك يتضح أيضًا أن هدف الرواقيين هو تجاوز نظرة سقراط القاصرة على الأمور الإنسانية، حيث أضافوا إليها النظرة في الأمور الإلهية.

وتتضح أيضًا الصبغة الأخلاقية للفلسفة الرواقية التي تحتل فيها الأخلاق المكان الأول، "فالفلسفة عندهم أيضًا هي ممارسة الفضيلة بحيث يمكن القول بأنها في صميمها مذهب أخلاقي"، أو بعبارة أخرى تجعل من الأخلاق الغاية والثمرة، فالحكمة عندهم تشبه "حقلًا أرضه الخصبة العلم الطبيعي وسياجه الجدل، وثماره الأخلاق".

ومن أجل ذلك أيضًا، سنفصل القول في مذهبها الأخلاقي.

الأخلاق في المذهب الرواقي:

رأينا مما تقدم أن سقراط دعا إلى السعادة القائمة على تغليب العقل على دوافع الشهوة ودواعي الحس، كما عرفنا من اتجاه كل من أفلاطون وأرسطو أنهم يرون أيضًا فكرة السعادة في ضبط النفس.

ثم جاء زينون "270 ق. م" فرأى ضرورة العمل على "قمع الأهواء ووأد الشهوات ومحاربة اللذات والإشادة بحياة الزهد والحرمان، تحقيقًا للسعادة الرواقية".

إن من يدرس الفلسفة في المدرسة الرواقية، يتبين له أن الرواقية في صميمها مذهب أخلاقي، فما هو هذا المذهب وما هي سماته الرئيسية؟

إن ما يدل على أن الأخلاق تحتل المرتبة الأولى في المذهب الرواقي هو تعريفهم للفلسفة ذاتها، فهي عندهم "ممارسة الفضيلة، والفضيلة صناعة واحدة لا تتجزأ، وهي أشرف الصناعات متصلة، وهي تلائم طبيعة البشر ملاءمة خاصة" إن البحث في الطبيعيات والمنطق عندهم أداة لخدمة الأخلاق، والحكمة هي رأس الفضائل وتصدر عن الحكمة الفضائل الرئيسية الأربعة: الاستبصار والشجاعة والعفة والعدالة.

ويوحد أهل الرواقتى بين الفضيلة والسعادة، فالسعادة تنحصر في فضائل عقلية هي (ضبط النفس) و (الاكتفاء بالذات)، و (الحكمة) وقد اكتسبت هذه الفضائل الثلاث صبغة عقلية، وأصبحت الفضيلة عندهم عبارة عن التخلص من الرغبة والتحرر من الانفعال، حيث يظهر معنى الفضيلة بصفة خاصة عند مناداتهم بالاكتفاء بالذات باعتباره فضيلة أساسية من فضائل الرجل الحكيم فإنهم في الحقيقة يشيرون إلى حالة رجل لم يعد يعوزه شيء، أو بعبارة أخرى تنازل وتخلى تمامًا عن كل شيء.

ويظهر لنا وجه الاختلاف هنا بينهم وبين أرسطو، أنه لم يطالب بالعمل على استئصال الشهوات وقمعها، بل اكتفى بإخضاعها لحكم العقل وسيطرته، لأن الشهوات لها مكانها في الطيعة الإنسانية، ووقف الرواقيون على الضد، فاحتقروا الأهواء واعتبروها مخالفة في جوهرها لمنطق العقل مطالبين باجتثاثها وإبادتها بقدر الإمكان.

ومن أجل ذلك وضعوا الحكيم في صورة مثالية إذ أصبح في نظرهم أشبه الناس بشخص معصوم، يتقن كل أفعاله، لا سلطان للأهواء عليه، فلا يتأثر بشيء "لا يحس ألمًا، ولا يستشعر شجنًا، ولا يعرف همًا، ولا يساور قلبه وجل ولا أسف ولا رجاء، هو الغني من غير مال، والملك من غير مملكة، إنه بالإجمال الفرد العالم الذي يحيط بكل فن ويتقن كل صنعة ويعلم الأمور الإلهية والإنسانية جميعًا".

وستتضح معالم الأخلاق عند الرواقيين بصورة أعمق إذا تكلمنا عن الصلة في مذهبهم بين الطبيعة والعقل.

الصلة بين الطبيعة والعقل:

إذا كانت الطبيعة تتجه إلى غايتها بلا شعور في الجماد والنبات، وبالغريزة والشعور في الحيوان، فإنها تتخذ في الإنسان طريقًا آخر هو العقل، فهو أكمل الطرق لتحقيق أسمى الغايات، ووظيفة الإنسان "أن يستكشف في نفسه العقل الطبيعي وأن يترجم عنه بأفعاله، أي أن يحيا وفق الطبيعة والعقل".

ولذا أطلق زينون عبارته المشهورة "الحياة وفقًا للطيعة" ومعناها أولًا أن يعيش الإنسان على وفاق مع العقل، فاستخدم لفظ الطبيعة مرادفًا للقانون الكبير الذي يحكم العالم، ومن ثم فإن سعادة الإنسان تتحقق إذا عاش وفيًا للطبيعة الكلية، ويوضح لنا هذا التفسير العبارة التي قالها أحد الرواقيين: "كل شيء يلائمني إذا لاءمك أيها العالم. وما جاء في الوقت الملائم بالنسبة إليك، فليس متقدمًا ولا متأخرًا بالنسبة إلي، وكل ماجاءتنى به فصولك أيتها الطبيعة فهو تارة عندي، كل شيء يأتي منك، وكل شيء فيك، وكل شيء يعود إليك".

الطبيعة إذن بمعناها في العبارة الآنفة الذكر هي قوانين الوجود، وبمعناها الضيق المتصل بسلوك الإنسان هي العقل، وهما أمر واحد في نظر الرواقيين "لأن العالم يسير وفاقًا لقانون العقل، والإنسان الذي يتبع طبيعته العاقلة يتشبه بالعالم الأكبر، والإنسان لا يملك عصيان قوانين الوجود، ولكنه ككائن عاقل - هو الوحيد الذي يطيع هذه القوانين عن وعي وتعمد وإدراك، ابتغاء تحقيق السعادة".

ولكن كيف تتحقق هذه السعادة؟

وللإجابة على هذا السؤال علينا أن نتبين:

أولًا: الطريقة التي رأوا اتباعها لتحرير النفس من أوهام الأحكام.

ثانيًا: التمييز بين الإحساس الجسماني والموقف النفساني.

وفيما يتعلق بالشق الأول، فإنهم نظروا إلى الشرور نظرة ذات شقين: إحداهما باطنية كالخطأ وزعزعة الإيمان والأسفل والندم والحزن والجهل. وخارجية: كالفقر والرق والمرض والبؤس والإهانة والأذى والتشهير. وعالجوا المشكلة علاجًا عقليًا إذ ذهبوا إلى أن الأشياء الخارجية لاتؤثر بذاتها فينا ولكن المؤثر الحقيقي هو الاستعداد النفسي الذي يجعلنا نحكم عليها لنصفها بالحسن أو القبح بالخير أو الشر، وهذه الأحكام هي سبب شعورنا بالسعادة أو بالشقاء. ولكي نحقق السعادة علينا أن نتحرر من أوهام الأحكام بواسطة إرادتنا. مثال ذلك ما حدث لسقراط الذي أقدم على الموت بلا مبالاة، ويوضح لنا موقفه بقوله "إن الذي يصيب الناس ويؤثر في حياتهم ليست هي الأشياء نفسها، بل آراؤهم عن الأشياء، فلو كان سقراط يرى الموت شرًا لوقع الرعب منه في قلبه، لكن سقراط لم يكن يرى الموت شرًا، فأقدم عليه غير مبال".

ثانيًا:

ولكن الانفعالات المتولدة في النفس أمر خارج عن سلطان وللإرادة أو الأحكام العقلية، كاللذة والألم أوالخوف أو الرجاء، هذا هو الاعتراض الذي شغل الرواقيين، إنهم يقرون بأن الانفعالات النفسية هي حجر عثرة في طريق السعادة، وفي سبيل تذليل هذه العقبة فرقوا بين الإحساس الجسماني الذي لا قدرة لنا عليه، وبين الموقف النفساني الذي نتخذه عقب الإحساس وهو يتصل بقدرتنا وإرادتنا.

ومع الاعتراف بأن الألم يصيب المرء فيحتمله تارة ويضنيه أخرى، فإن هذا يدل على أنه يستطع أن يقرر بحريته إذا كان من اللائق به الاستسلام للألم. ويسري على باقي الانفعالات كالحزن والخوف وغيرها ما يسري على الألم. وعلاج المسألة في نظرهم بالرجوع إلى العقل الذي يوضح لنا أن أحداث الكون كلها ضرورية لأنها خاضعة للقدر، والرجل الفاضل الحكيم هو الذي "يقبل طوعًا كل ما يأتي به القدر من أحداث، حتى المصائب والنكبات، معتقدًا أنها داخلة في النظام الكلي والقضاء الإلهي".

ولعل أفضل مثال يوضح لنا تصورهم لتحقيق السعادة - ما قاله أحدهم وهو أبكتيتوس - وكان يعمل بما يقول كحال أكثر الرواقية، إذ روي عنه أنه قال: "إذا قدر لي أن أموت فلن أجد في الإقدام على الموت ما يدعو إلى التأوه والتألم، وإذا قدر لي أن أزج إلى السجن فلن أذهب إليه باكيًا منتحبًا، وإذا قدر لي أن أعاني مرارة النفي فلن أذهب إلى منفاي مكتئبًا متخاذلًا وإذا طلب إلي طاغية أن أفشي سرًا وهددني بأن يقيدني بالأصفاد، قلت له إنك تقيد ساقي ولا تملك أن تمس إرادتي بسوء وإذا أرسلني إلى السجن أمكنك أن تتحكم في جسدي دون أن تمتد قدرتك إلى نفسي، وإذا أنذرتني بفصل رأسي عن جسدي قلت لك ساخرًا: أنا الإنسان الوحيد الذي يستحيل قطع رأسه".

نقد الرواقية:

إن طريقة حياة الحكيم الضابط لنفسه كما يريدها أهل الرواق تدخل في روعنا صورة كائن صناعي متضخم العقل على حساب الروح والعاطفة، وليس الإنسان كذلك بل هو مزيج من العقل والوجدان والعاطفة، ولا تتحقق سعادته الأرضية إلا بالموازنة بين هذه العناصر لتتحقق الوسطية بينها فينتج عنها السعادة، وهو المنهج الذي رسمه الإسلام بتشريعه المحدد للسلوك الإنساني في دائرة "الحلال" دون "الحرام" مستجيبًا لدواعي الفطرة في الإنسان وضابطًا لنوازعها بلا تفريط ولا إفراط.

ومما يقرب إلينا فهم ميزة الإسلام في هذا الصدد أن نتدبر العبادات ودورها في تقويم السلوك وتربية الضمير، وأهمها الصلاة قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } [البقرة: 45] وفي دور الصلاة واستيعابها لحياة المسلم اليومية يقول الشيخ محمد الراوي "إن القرآن العظيم جعل الإنسان دائمًا مرتبطًا بالواجبات منوطًا بالتبعات وهو يرسم له في يومه الذي هو وحدة زمنية متكررة منهجًا يستوعب اليوم كله، واليوم عنده يبتدئ من مطلع الفجر الصادق حيث تقام الصلاة ويلتقي الناس على ذكر الله، وهو يطلب دائمًا أن يكون اليوم أفضل من الأمس، ومن استوى يومه بأمسه فهو مغبون.

وهكذا فإن المنهج اليومي بالنسبة للصلاة خمس فرائض، أولاها تبعثه من نومه وتوقظه، وآخرها تودعه إلى مرقده وتحفظه، وثلاث تأتي في وسط النهار وآخره، تمتزج مع السعي ونتائجه فتستقيم بها حياة الروح والجسد، وبهذا الامتزاج تنشأ آداب السلوك التي تضبط كل حركة من حركات الإنسان بضابط الخلق ورقابة الضمير".

إن الإسلام إذن بعقيدته وعباداته - وأهمها الصلاة - يصحح لنا الموقف الأخلاقي للرواقية، فقد صورت لنا هذه المدرسة الإنسان الحكيم وكأنه معصوم من الوقوع في الزلل والخطأ فأين نجد هذا الإنسان في حياتنا اللهم إلا في أشخاص الرسل والأنبياء؟ وحتى هؤلاء، فقد خاضوا حياتهم كاملة ولم يكتفوا بحياة التأمل والنظر في النفس وضبطها - بل حملوا الرسالات التي ناءت بها كواهلهم على ثقلها، مع تميزهم أيضًا بأفضل الأخلاق وأحسنها.

خاتمة:

من الحق أن يقال: إن البحث الأخلاقي عند اليونان لم يكن بدءً غير مسبوق بمقدمات تسلم إليه، فإن في حكمة الشرق الضاربة في أغوار الماضي السحيق اتجاهات أخلاقية واضحة المعالم، في تراث مصر والهند والصين واليابان صور مختلفة من التفكير الأخلاقي الأصيل نبتت في ظله فلسفة الأخلاق في أعمق اتجاهاتها.

ونحن نرى أن الرسالات السماوية قامت على الدعوة - بعد معرفة الله تعالى وتوحيده وتطبيق شرعه - إلى مكارم الأخلاق ومعاليها.

لذلك فإن النتائج الأخلاقية الصحيحة للفلاسفة ما هي إلا صدى بعض رسالات الرسل والأنبياء.

اسئلة متعلقة

...