تحليل المشكلة الجزئية السادسة 6 في الانتاج الفلسفي
هل التصوف يرشدنا الى الحقيقة ؟. واذا كانت الحقيقة بجانب اهله ، فما السبيل اليها
ملخص تحليل المشكلة الجزئية السادسة 6 في الانتاج الفلسفي
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ تحليل المشكلة الجزئية السادسة 6 في الانتاج الفلسفي
الإجابة هي كالتالي
.
المشكلة الجزئية السادسة
هل التصوف يرشدنا الى الحقيقة ؟. واذا كانت الحقيقة بجانب اهله ، فما السبيل اليها ؟.
* ثم ، اني لما فرغت من هذه العلوم ، اقبلت بهمتي على طريق الصوفية ، وعلمت ان طريقهم انما تتم بعلم وعمل ؛ وكان حاصل علومهم قطع عقبات النفس والتنزه عن اخلاقها المذمومة وصيفاتها الخبيثة حتى يتوصل بها الى تخلية القلب عن غير الله تعالى ، وتحليتهبذكر الله . وكان العلم ايسر علي من العمل . فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل "قوت القلوب "لابي طالب المكي رحمه الله وكتب الحارث المحاسبي والمتفرقات المأثورة عن الجنيد والشبلي وابي يزيد البسطامي – قدس الله ارواحهم- وغيرهم من المشايخ حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية ، وحصلت ما يمكن ان يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع . فظهر لي ان اخص خواصهم ، ما لا يمكن الوصول اليه بالتعلم ، بل بالذوق والخال و تبدل الصفات .
وكم من الفرق بين ان تعلم حد الصحة وحد الشبع واسبابهما وشروطهما ، وبين ان تكون صحيحا وشبعان ؟وبين ان تعرف حد السكر ، وانه عبارة عن حالة تحصل من استلاء ابخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكر ، وبين ان تكون سكران . بل السكران لا يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران ، وما معه من علمه شيء. والصاحي يعرف حد السكر واركانه وما معه من السكر شيء 65 والطبيب في حالة المرض حد الصحة واسبابها وادويتها ، وهو فاقد الصحة . فكذلك فرق بين ان تعرف حقيقة الزهد وشروطه واسبابه ، وبين ان تكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا .فعلمت يقينا انهم ارباب الاحوال ، لا اصحاب الأقوال ، وان ما يمكن تحصيله بطريق العلم ، فقد حصلته ، ولم يبق الا ما لا سبيل اليه بالسماع والتعلم ، بل بالذوق والسلوك . وكان قد حصل معي – من العلوم التي مارستها والمسالك التي سلكتها في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية–ايمان يقيني بالله تعالى وبالنبوة وباليوم الاخر .*
فهذه الاصول الثلاثة من الايمان ، كانت قد رسخت في نفسي ، لا بدليل معين محرر بل بأسباب وقرائن وتجارب لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها. وكان قد ظهر عندي ، انه لا مطمع لي في سعادة الاخرة الا بالتقوى وكف النفس عن الهوى ، وان راس ذلك كله ، قطع علاقة القلب عن الدنيا بالتجافي عن دار الغرور ، والانابة الى دار الخلود والاقبال بكنه الهمة على الله تعلى ؛ وان ذلك لا يتم الا بالاعراض عن الجاه والمال ، والهرب من الشواغل والعلائق .
ثم لحظت احوالي ، فاذا انا منغمس في العلائق ، وقد احدقت بي من الجوانب ، ولاحظت اعمالي – واحسنها التدريس والتعليم – فاذا انا فيها مقبل على علوم غير مهمة ولا نافعة في طريق الاخرة .
ثم تفكرت في نيتي في التدريس ، فاذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى ، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت ؛ فتيقنت اني على شفا " جرف هار " واني قد اشفيت على النار اذ لم اشتغل بتلافي الاحوال .
فلم ازل اتفكر فيه مدة ، وانا بعد على مقام الاختيار ، اصمم العزم على الخروج من بغداد ، ومفارقة تلك الاحوال يوما ، واحل العزم يوما ، واقدم فيه رجلا واؤخر عنه اخرى ، لا تصدق لي رغبة في طلب الآخرة بكرة ، الا ويحمل عليها جند الشهوة حملة ن فيفترها عشية ، فصارت شهوات الدنيا تجاذبني بسلاسلها الى المقام ومنادي الايمان ينادي : الرحيل . الرحيل . فلم يبق من العمر الا قليل وبين يديك السفر الطويل ، وجميع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء وتخييل . فان لم تستعد الان ، للآخرة فمتى تستعد ؟. وان لم تقطع الان هذه العلائق ن فمتى تقطع ؟. فعند ذلك ، تنبعث الداعية وينجزم العزم على الهرب والفرار .
ثم يعود الشيطان ويقول : هذه حال عارضة ؛ اياك ان تطاوعها ، فإنها سريعة الزوال ؛ فان اذعنت لها وتركت هذا الجاه العريض والشأن المنظوم الخالي عن التكدير والتنغيص والامر المسلم الصافي عن منازعة الخصوم ، ربما التفتت اليه نفسك ، ولا يتيسر لك المعاودة .
فلم ازل اتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ، ودواعي الاخرة قريبا من ستة اشهر ؛ اولها : رجب سنة ثمان وثمانين واربعمائة . وفي هذا الشهر جاوز الامر حد الاختيار الى الاضطرار ، اذ اقفل الله على لساني حتى اعتقل على التدريس .فكنت اجاهد نفسي ان ادرس يوما واحدا تطييبا لقلوب المختلفين الي فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا استطيعها البتة ، حتى ارثت هذه العقلة في اللسان حزنا في القلب ، بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب ؛ فكان لا ينساغ لي ثريد ولا تنهضم لي لقمة وتعدى الى ضعف القوى حتى قطع الاطباء طمعهم من العلاج وقالوا : " هذا امر نزل بالقلب ومنه سرى الى المزاج ؛ فلا سبيل اليه بالعلاج الا بان يتروح السر عن الهم الملم .
ثم لم احسست بعجزي ، وسقط بالكلية اختياري ، التجأت الى الله تعالى التجاء المضطر الذي لا حيلة له ؛ فأجابني الذي " يجيب المضطر اذا دعاه" ، وسهل على قلبي الاعراض عن الجاه والمال والاهل والولد والاصحاب ؛ واظهرت عزم الخروج الى مكة ، وانا ادبر في نفسي ، سفر الشام حذرا ان يطلع الخليفة وجملة الاصحاب على عزمي على المُقام في الشام ؛فتلطفت بلطائف الحيل في الخروج من بغداد على عزم ان لا اعاودها ابدا ؛واستهدفت لائمة اهل العراق كافة ، اذ لم يكن فيهم من يجوز ان يكون للإعراض عما كنت فيه سبب ديني اذ ظنوا ان ذلك هو المنصب الاعلى في الدين ، وكان ذلك مبلغهم من العلم .
ثم ارتبك الناس في الاستنباطات ، وظن من بعد عن العراق ، ان ذلك كان لاستشعار من جهة الولاة ؛ فكان يشاهد الحاحهم في التعلق بي ،والانكباب علي واعراضي عنهم ، وعن الالتفات الى قولهم ، فيقولون : " هذا امر سماوي ، وليس له سبب الا عين اصابت اهل الاسلام وزمرة اهل العلم "ففارقت بغداد ، وفارقت ما كان معي من المال ، ولم ادخر الا قدر الكفاف وقوت الاطفال ترخصا بان مال العراق مرصد للمصالح ولكونه وقفا على المسلمين ن فلم ار في العالم مالا يأخذه العالم لعياله اصلح منه .
ثم دخلت الشام ، واقمت به قريبا من سنتين ، لا شغل لي الا العزلة والخُلوة والرياضة والمجاهدة اشتغالا بتزكية النفس وتهذيب الاخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى ، كما كنتُ حصلتهُ من كتب الصوفية .فكنت اعتكف 74 مدة في مسجد دمشق ، اصعد منارة المسجد طول النهار ، واغلق بابها على نفسي .
ثم تحركت في داعية فريضة الحج والاستمداد من بركات مكة والمدينة وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله وسلامه عليه ، فسرت الى الحجاز .ثم جذبتني الهمم 75 ودعوات الاطفال الى الوطن ، فعاودته بعد ان كنت ابعد الخلق عن الرجوع اليه ؛ فأثارت العزلة به ايضا ، حرصا على الخلوة وتصفية القلب للذكر .وكانت حوادث الزمان ومهمات العيال وضروريات المعاش تُغير في وجه المراد وتشوش صفوة الخلوة . وكان لا يصفو لي الحال الا في اوقات متفرقة ، لكني مع ذلك ، لا اقطع طمعي منها ، فتدفعني عنها العوائق واعود اليها .ودمت على ذلك مقدار عشر سنين وانكشفت لي في اثناء هذه الخلوات امور لا يمكن احصاؤها واستقصاؤها . والقدر الذي اذكره ، ليُنتفع به : اني علمت يقينا ان الصوفيةهم السالكون لطريق الله تعالى ، خاصة وان سيرتهم احسن السير وطريقهم اصوب الطرق واخلاقهم ازكى الاخلاق ، بل لو جمع عقل العقلاء ، وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على اسرار الشرع من العلماء ، ليغيروا شيئا من سيرهم واخلاقهم ، ويبدلوه بما هو خير منه ، لم يجدوا اليه سبيلا . فان جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم ، مقتبسة من نور ومشكاةالنبوة ؛ وليس وراء نور النبوة على وجه الارض نور يُستضاء به .
وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها ؟ واول شروطها تطهير القلب بالكلية ، عما سوىالله تعالى ؛ ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة ، استغراق القلب بالكلية بذكر الله ، واخرها الفناء بالكلية ، في الله . وهذا اخرها بالإضافة الى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من اوائلها . وهي على التحقيق اول الطريقة ، وما قبل ذلك ، كالدهليز للسالك اليه .
ومن اول الطريقة تبتدئ المُكاشفات ، والمُشاهدات ، حتى انهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة ، وارواح الانبياء ويسمعون منهم اصواتا ويقتبسون منهم فوائد . ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والامثال ، الى درجات يضيق عنها نطاق النطق ، فلا يحاول معبر ان يعبر عنها الا اشتمل لفظه على خطا صريح لا يمكنه الاحتراز عنه . وعلى الجملة ، ينتهي الامر الى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول ، وطائفة الاتحاد ، وطائفة والوصول ؛ وكل ذلك خطا 76وقد بينا وجه الخطأ فيه في كتاب " المقصد الاسنى"، بل الذي لابسته 77 تلك الحالة لا ينبغي ان يزيد على ان يقول :وكان ما كان مما لست اذكره ** فظُن خيرا ولا تسال عن الخبر .78 وبالجملة فمن لم يُرزق منه شيئا بالذوق ، فليس يدرك من حقيقة النبوة الا الاسم وكراماتالاولياءهي على التحقيق بداياتالانبياء . وكان ذلك اول حال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اقبل الى جبل "حراء" حيث كان يخلو فيهبربه ، ويتعبد حتى قالت العرب : " ان محمدا عشق ربه" .
وهذه حالة يتحققها بالذوق من يسلك سبيلها ؛ فمن لم يُرزق الذوق ، فيتيقنها بالتجربة والتسامع ، ان اكثر معهم الصحبة حتى يفهم ذلك بقرائن الاحوال يقينا ؛ ومن جالسهم استفاد منهم هذا الايمان . فهم القوم لا يشقى جليسهم ؛ ومن لم يُرزق صحبتهم ، فليعلم امكان ذلك يقينا بشواهد البرهان ، على ما ذكرناه في كتاب " عجائب القلب " من كتب " احياء علوم الدين" .
والتحقيق بالبرهان :علموملابسة عن تلك الحالة : ذوقوالقبول من التسامع والتجربة بحسن الظن : ايمان .
فهذه ثلاث درجات :" يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات" .ووراء هؤلاء قوم جهال هم المنكرون لأصل ذلك ، المُتعجبون من هذا الكلام ، يستمعون ويسخرون ويقولون : العجب . انهم كيف يهذون وفيهم قال الله تعالى : " ومنهم من يستمع اليك حتى اذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم ماذا قال انفا اولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا اهواءهم ". فأصمهم واعمى ابصارهم . ومما بان لي بالضرورة ، من ممارسة طريقتهم ، حقيقة النبوة وخاصيتها ، ولا بد من التنبيه على اصلها لشدة مسيس الحاجة اليها .