في تصنيف بكالوريا جميع الشعب بواسطة

هل تتحدد الهوية الشخصية عن طريق الذاكرة حلل النص وناقشه كيف تتحدد الهوية الشخصية ؟

الموضوع

« إن المعيار الغالب للحكم على أن الشخص هُوَ هُوَ، كما يرى الحس العام، هو استمرارية الجسد المادية عبر الزمن، وهو المعيار نفسه الذي نستخدمه للحكم على أن الدراجات الهوائية أو غيرها هي نفسُها دون سواها. أما إذا تحدثنا بخلاف ذلك، فإن حديثنا سيكون على سبيل الاستعارة (كأن أقول مثلا أنا إنسان جديد)، فلو صَحَّ هذا القول لما كان بوسعي التفوه به. وحقيقةً أننا نشعر أن هويتنا الجسدية عبر الزمن أمر معقد وأنها تتأكد من خلال المعرفة الداخلية بماضينا التي تأتي بها الذاكرة. يجب ألا يُثير دهشتَنا على الإطلاق كون الذاكرة نفسها تتصل بالضرورة بأدمغتنا وبأجسادنا. وإذا كانت ذكرى الماضي قد سببها ما حَدَثَ لنا، أي ما حدث لأجسادنا وأدمغتنا، فمن غير المدهش أن استمرارية هذه الأجساد عبر الزمن يجب في بعض الأحيان على الأقل، أن يتأكد من خلال معيار الذاكرة.»

حلل النص وناقشه

يثير هذا النص الذي بين أيدينا موضوعا فلسفيا غنيا ومعقدا أثار جدل العديد من الفلاسفة والنقاد حيث يعالج بشكل عام موضوع الوضع البشري الذي يعد مجالا واسعا تتضارب فيه الآراء. فهو يعالج وضعية الإنسان في الوجود وهذا الإشكال ليس كما يبدو سهلا بل على العكس من ذلك فهو مجال صعبة الدراسة فيه. فهو لا يكتفي بدراسة الشخص كشخص واحد، بل في إطار جماعة يوجد فيها مع آخرين أغيار وفي إطار علاقة تحددهم حيث أن هذه العلاقة يشوبها العديد من الغموض. فمن الممكن أن تتأسس على الحب والإخاء كما يمكن أن تتأسس على الصراع والعداء. وهذا النص يؤسس بشكل خاص لمفهوم الشخص وتحديدا لمفهوم الهوية الشخصية باعتبارها المحدد الأساسي للشخص. الشيء الذي يتيح إمكانية طرح التساؤل التالي : كيف تتحدد الهوية الشخصية ؟

هذا السؤال الواسع تتشعب منه عدة أسئلة فرعية نذكر من أهمها :

1- هل تتحدد الهوية الشخصية عن طريق الذاكرة ؟

إذا كان نعم فكيف يتم ذلك ؟

2- ألا يمكن اعتبار أن هناك أشياء أخرى تحدد هذه الهوية ؟

3- هل هذه الهوية الشخصية ثابتة أم متغيرة ؟

عند بداية تحليلينا للنص الذي بين أيدينا، يتبين بأن صاحب النص يدعم فكرة أن المعيار الأساسي للحكم على الشخص هو هو يتمثل في استمرارية الجسد المادية عبر الزمن. فهو بهذا القول يصرح وبشكل علني عن طرحه ويبدأ بتفسيره ولكنه أولا يعطي مثالا من خلاله يريد تأكيد طرحه، حيث أعطى مثالا واضحا أشد الوضوح هدفه من ذلك هو أن يبين بأن المعيار الذي جعلنا نقول بأن هذا الشيء هو هذا أو ذاك هو نفس المعيار الذي سيمكننا من معرفتنا لذواتنا كما أنه يؤكد على أن أي طرح آخر يعد خاطئا ويعطي مثالا بقوله (كأن أقول مثلا أنا إنسان جديد) وهذا ليس منطقيا فالإنسان هو الإنسان لا يتجدد ولا يتغير، يتغير جسده وتتغير ملامحه وأفكاره لكن هويته تبقى ثابتة مع مرور الزمن، ثم يعود ليصرح من جديد وبشكل واضح بطرحه القائم على أساس أن الهوية الشخصية تتحدد بواسطة الذاكرة، حيث أن هذه الأخيرة هي من توفر تلك المعرفة الداخلية التي تربطنا بالماضي فالذاكرة هي من تخول لنا تذكر الأشياء وبالتالي معرفتها وتحديدها. كما أنه يضيف إلى ذلك أن هذه الذاكرة ليست وحدها من تؤسس للمعيار الذي يساعدنا على معرفة الأشياء ومعرفة ذواتنا بل يضيف إليها كلا من العقل والجسد باعتبار هاذين الأخيرين يرتبطان أو بالأحرى يتصلان بالذاكرة. حيث يمكن أن نعتبرهم كخلية موحدة تتشارك وتتضامن لتحقيق هدف معين ألا وهو المعرفة المؤكدة للأشياء ومن تم لذواتنا حيث أن ذكرى شيء من الماضي تتعلق بشيء حدث لأجسادنا أو لأدمغتنا مما يؤكد الترابط الوثيق بين الذاكرة والعقل والجسد. من هذا يتبين بأنه لكي تكون هناك استمرارية للأجساد يجب في بعض الأحيان أن يتأكد على الأقل من خلال الذاكرة. فلا يمكن اعتبار إنسان بلا ذاكرة فذلك سيكون جسدا فقط جسدا به روح لكنه لا يستطيع معرفة الآخرين فكيف بالأحرى سيستطيع معرفة نفسه وتأكيد شخصيته وهويته ؟!

من خلال هذا يتبين بأن أطروحة صلب النص أطروحة فلسفية واضحة تتأسس على كون أن الذاكرة هي المحدد والمؤسس الضروري للهوية الشخصية في اتصالها بالضرورة بأدمغتنا وأجسادنا. ففي غياب الذاكرة تغيب الهوية الشخصية وبالتالي يغيب الفرد داخل المجتمع فيصبح خاليا من كل ما من شأنه أن يحدده.

واعتمد صاحب النص لتأكيد أطروحته على بنية حجاجية منطقية ومترابطة حيث استهل نصه بطرح أطروحته ثم سرعان ما بدأ بتفسيرها وشرحها واعتمد في ذلك على إعطاء بعض الأمثلة الواضحة لتسهيل الفهم والاستيعاب كما أنه تدرج في شرح أطروحته حتى تظهر واضحة للجميع.

حسب صاحب النص تتأسس الهوية الشخصية وتتحدد على أساس الذاكرة في ارتباطها بالجسد والعقل.فإلى أي حد يمكن القول بهذا الطرح ؟ ألا يمكن القول بأن هناك أشياء أخرى تحدد الهوية الشخصية كالعقل، الإرادة، الشعور الوعي. ألا يمكن أن تتحدد الهوية الشخصية باجتماع كل هذه المقومات أو بعضها ؟ هذه الأسئلة تحيلنا إلى استحضار مواقف بعض الفلاسفة.

يمكن القول أن هناك بعض المواقف المؤثرة التي تفيد التبسيط لإمكانية معالجة هذا الإشكال، نذكر كمثال الفيلسوف "ديكارت". فهذا الفيلسوف الذي ينتمي إلى التصور العقلاني يرى بأن المحدد الأساسي للهوية الشخصية يتمثل في العقل باعتباره الشيء الوحيد الثابت اللامتغير في الشخص، الشيء الذي من خلاله يستطيع الشخص إثبات وجوده وذاته ومن تم هويته وشخصيته وذلك انطلاقا من أفعال الشك التي بواسطتها يستطيع الإنسان إثبات ذاته والعمل بمبدأ الكوجيطو "أنا أفكر أنا موجود". فبتفكيري النابع من عقلي وحده الغير مرتبط بالأشياء الحسية الملموسة أستطيع إثبات وجودي وأناتي. حيث أن "ديكارت" لا يؤمن بأي شيء قابل للتجديد والتغيير وخصوصا بالأشياء الحسية ففي نظره هي أشياء خادعة وكاذبة. من هنا يتبين بأن "ديكارت " لا يوافق صاحب النص في كون الذاكرة يمكن أن تحدد الهوية الشخصية لكننا يمكن أن نعتبر بأنه مؤيد لصاحب النص من ناحية العقل ومن أهميته في تحديد الهوية الشخصية.

هذا فيما يخص "ديكارت" أما بالنسبة "لشوبنهاور" فهو يتوافق مع "ديكارت" في كون أن محدد الهوية الشخصية يجب أن يكون شيئا ثابتا غير قابل للتجديد، لكنهما على العكس من ذلك هما متعارضان بالنسبة لتحديد هذا الشيء. فإن كان بالنسبة "لديكارت" العقل هو ما يحدد الهوية الشخصية فعلى العكس من ذلك يرى "شوبنهاور" بأن المؤسس الوحيد والضروري للهوية الشخصية يتمثل في الإرادة، إرادة الحياة والبقاء. فإن سألنا أي شخص كيفما كان عما هو الشيء الثابت فيه فسيقول إرادة الحياة والبقاء على الوجود هي دوما حلمه الذي لا يتغير بتغير الزمان والمكان فالإنسان بطبعه يميل للبقاء. وعليه فإن "شوبنهاور" يجد بأن الذاكرة لا يمكن اعتبارها شيئا محددا للهوية الشخصية فهذه الذاكرة قد يصيبها التلف والنسيان فبمجرد إصابة الشخص بحادثة أو مرض يمكن أن يفقد ذاكرته أو بالأحرى سيفقد هويته إذا ما اعتبرنا أنها المحدد للهوية. فكيف يمكن أن نربط مصير وجودنا بشيء يمكن أن نفقده بمجرد إصابتنا بحادثة كما يمكن أن تكون الحادثة هي إصابتنا بقطعة حجر من هنا يتبين بأن "شوبنهاور" لا يتفق مع صاحب النص في كون أن الذاكرة هي من تحدد الهوية الشخصية للأفراد.

بين هذا وذاك نجد بأن هناك بعض الفلاسفة الذين ربطوا مصير الهوية الشخصية بالإحساس والشعور ثم بالذاكرة والوعي. فحسب الفيلسوف التجريبي "جون لوك" ترتبط الهوية الشخصية بكل ما هو حسي ملموس. فهذا الفيلسوف المنتمي للتصور التجريبي يرى بأن الإحساس والشعور هما المحددان الأساسيان للهوية الشخصية. فعن طريقهما يمكن أن نعرف ذواتنا معرفة كلية مطلقة. فهذا الإحساس والشعور يعد وعيا كليا بوجودنا من هنا يمكن أن نؤكد أنه حسب "جون لوك":الشعور والإحساس المصاحبان للوعي يحددان هوية الشخص كما لا ينفي دور الذاكرة في تحديد الهوية الشخصية فهو يعتبرها امتدادا للشعور في الزمان وبهذا يمكن اعتباره مؤيدا لصاحب النص من هذه الناحية فبالنسبة إليه الذاكرة تحيلنا على أحاسيس ومشاعر كانت لدينا في الماضي وبواسطة الذاكرة نستطيع الاحتفاظ بها.

إذا كانت الذاكرة والشعور هما المحددان للهوية حسب "جون لوك" ألا يمكن أن نعتبر الطبع أيضا محددا ومؤسسا لبناء الهوية الشخصية للأفراد ؟ حسب فلسفة "لاشوليي" نجد بأنه يؤكد على ضرورة الطبع والذاكرة لتحديد الهوية الشخصية فطبعنا بالأمس هو نفس طبعنا اليوم لا يتغير مع تغير الزمان ويساعده على ذلك الذاكرة. فبوجودها نستطيع أن نضمن ثبات طبعنا وإذا ضمنا ثبات طبعنا ضمنا معرفتنا لذواتنا معرفة دائمة لا متغيرة.

بعد التطرق إلى مواقف هؤلاء الفلاسفة يتبين بأن هذا الإشكال عميق جدا تتضارب فيه الآراء من فيلسوف لآخر حيث أن هناك من يرى بأن الهوية الشخصية ثابتة تتمثل أو بالأحرى تتأسس على العقل أو الإرادة وهناك من يرى بأن الهوية تعتمد على شيء متغير كالشعور والوعي والذاكرة والطبع.

صفوة القول إن الإشكال الذي بين أيدينا والذي يتعلق بالهوية الشخصية والمعايير المعتمدة لتحديدها هو عبارة عن قضية من بين القضايا الفلسفية والفكرية الشائكة التي أثارت جدل الكثير من الأشخاص والتي جعلت الأرضية خصبة أمام فلاسفة لإبراز آرائهم وتأكيدها.

من هنا يبرز جليا كما أنه من الواضح أن الهوية الشخصية تعتمد إما على شيء ثابت كالعقل والإرادة أو على شيء متغير كالشعور والطبع فإن كانت تعتمد على الشيء الأول أي ثابت فإنها لا تعتمد على شيء متغير.

إنجاز التلميذة مريم دقاق

الشعبة: مسلك العلوم الرياضية أ

الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الغرب اشراردة بني احسن

الثانوية التأهيلية محمد الخامس

الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة - أجود إنجازات التلاميذ في مادة الفلسفة الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا 2010

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
هل تتحدد الهوية الشخصية عن طريق الذاكرة حلل النص وناقشه كيف تتحدد الهوية الشخصية ؟

اسئلة متعلقة

...