في تصنيف بكالوريا جميع الشعب بواسطة

هل يمكن اعتبار الصداقة أساس العلاقة مع الغير ؟ حلل وناقش 

تحليل نص هل يمكن اعتبار الصداقة أساس العلاقة مع الغير

أهلاً بكم اعزائي طلاب وطالبات علم الفلسفة وكل تخصصات البكالوريا شعبة آداب و فلسفة في موقع النورس العربي alnwrsraby. التعليمي المتميز بمعلوماته الصحيحة والمتفوقة في جميع مواضيع الفلسفة يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم أروع المقالات الفلسفية المقترحة لهذا العام لكل الشعب الجزائري كما نقدم لكم الأن إجابة السؤال الفلسفي بمنجية صحيحة بطريقة مقالة وهي إجابة السؤال ألذي يقول..... مقترح بك 2024 حيث وقد قمنا بنشر جميع المقالات ودروس الفلسفة المتوقعة لهذة العام في صفحة موقعنا النورس العربي alnwrsraby. يمكنكم البحث عن أي مقال أو أي سؤال فلسفي تبحثون أو يمكنكم طرح أسئلتكم المتنوعة علينا في موضعها اعلا الصفحة أو من خلال التعليقات ومربعات الاجابات اسفل الصفحة ونحن سنقدم لكم الأجابة على سؤالكم على الفور والان أحبائي الطلاب والطالبات كما عودناكم أن نقدم لكم إجابة سوالكم هذا وهي كالتالي......حلل وناقش النص هل يمكن اعتبار الصداقة أساس العلاقة مع الغير

هل يمكن اعتبار الصداقة أساس العلاقة مع الغير ؟ حلل وناقش 

1-مطلب الفهم: 

                    

  يعالج مضمون هذا السؤال موضوع الغير، وهو من المواضيع التي استقطبت اهتمام الفلسفة منذ ميلادها مع اليونان إلى الآن، وخاصة الجانب الأكسيولوجي في العلاقة مع الغير، وهذا راجع بالأساس للمكانة الهامة التي يحتلها الغير في حياة الأنا كشخص، فالمرء يولد ويموت بمفرده، لكنه يحيا مع الآخرين وبالآخرين وللآخرين، لذا فإثبات الأنا لوجودها كذات، واستكمال وعيها بنفسها، لا يمكن أن يتم إلا بانفتاحها على الغير والتعرف عليه وإقامة علاقة إيجابية معه، لكن الأنا، وفي محاولتها للتواصل مع الغير، وتحقيق الغايات المنشودة معه، تصطدم بمفارقات يكشف عنها واقع الغير، فهو تارة يكشف عن عالم من السعادة والطمأنينة والارتياح، وتارة أخرى، يكشف عن عالم من القلق والتوثر والمعاناة، مما يجعل الأنا في حيرة من أمرها، بين الإندفاع نحو الغير وربط علاقات معه، أو الإنعزال عنه، وفي ذلك قضاء على هويتها كشخص، هذه المفارقة والإلتباس الذي يكشف عنها الغير، هو ما حاول واضع السؤال إثارته بصيغة " هل يمكن اعتبار الصداقة أساس العلاقة مع الغير ؟ "، وتساؤل من هذا النوع، يجعل من موضوع العلاقة مع الغير، موضوعا إشكاليا، يحمل مفارقات يمكن تبينها في التساؤل التالي:

إذا كان الغير وكما عرَّفه الفيلسوف الفرنسي الوجودي جون بول سارترJean Paul Sartre ( -1905 -1980)، " هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا، وإذا قبلنا بضرورة وجود الغير ومعرفته المعرفة اليقينية، فكيف ينبغي أن تُبْنَى العلاقة معه ؟ فهل ينبغي بناء هذه العلاقة على التفاهم والتعاون والتسامح، أم على الصراع والإقصاء والتشييء ؟

2-مطلب التحليل :

                             

 بالرجوع إلى مضمون هذا السؤال، يتبين أن الأطروحة التي تحكمه هي تلك التي ترى في العلاقة مع الغير علاقة إيجابية، يكشف عن هذا الأمر مضمون السؤال، الذي يفتح بأداة استفهام " هل "، وهي تفيد الإثبات أو النفي لأطروحة تقر بأن الصداقة هي ما يرسم العلاقة مع الغير، ومفهوم " الصداقة " هنا في دلالته الإشتقاقية إلى معنى الصدق وحسن القصد، ودلالته الإصطلاحية إلى العلاقة التي تجمع بين قريبين أو شخصين متجاورين أو متباعدين على أساس الإخلاص والمحبة والمودة والفضيلة، فضمون السؤال إذن، يطالبنا بشكل ضمني، إن كنا نقبل أم لا بهذا التصور الذي يراهن على الصداقة لبناء علاقة إيجابية مع الغير، وقبل إبداء الرأي في هذا التصور، والكشف عن مدى صحته، تجدر الإشارة أوَّلاً إلى طبيعة هذا الموقف الفكري، والحجاج التي اعتمدها للإقناع، يحضر في هذا الإطار موقف أحد أبرز مفكري اليونان القديمة، الفيلسوف أرسطوAristote ( 384-322 ق.م)، الذي منح الصداقة أهمية كبرى في حياة الإنسان، إنها في نظره تجلي من تجليات التعاطف مع الآخرين، أو بتعبيره " إحدى الحاجات الأشدّ ضرورة للحياة "، وهو الأمر الذي أكده في مؤلفه: " Ethique à Nicomaque الأخلاق إلى نيقوماخوس "، حيث اعتبر الصداقة الماهية الحقيقية التي تربط الإنسان بالآخرين، مهما كان سن هذا الإنسان ومرتبته الاجتماعية، وما يدعم هذا القول بالنسبة لأرسطو هو تأسيس الصداقة على مفهوم " الفضيلة "، والفضيلة قيمة أخلاقية ومدنية، تنبي على محبة الخير والجمال لذاته أولا ثم للأصدقاء ثانيا، إنها الوسط الذهبي الذي لا يمنع تحقق المنفعة والمتعة، لذلك فهي تدوم وتبقى، بخلاف صداقة المنفعة والمتعة التي تزول بزوالهما، فالصداقة إذن في نظر أرسطو كفضيلة، ضرورية ومطلب أساسي للحياة المشتركة، ولو أمكن قيام صداقة الفضيلة بين الناس جميعا، لما احتاجوا إلى العدالة والقوانين، وفي هذا يقول أرسطو: " الصداقة فضيلة، أو هي على أقل مصحوبة بالفضيلة، وفوق ذلك فهي ضرورية على وجه الإطلاق للحياة: فبغير أصدقاء لا أحد يريد العيش، حتى ولو كان ينعم بجميع الخيرات الأخرى، فالأغنياء وذوو المناصب وأصحاب السلطة العليا، بصفة خاصة، يحتاجون فيما يظهر لأصدقاء، إذ ماذا يفيدهم أن ينعموا على هذا النحو بالخيرات، إذا ما حرموا من ملكة إسداء الخير إلى الأصدقاء ؟ فالصديقان كائنان يسيران متحدان، وبالفعل فإن الإنسان يكون على هذا النحو أقوى على التفكير والعمل...وفوق ذلك فإن المواطنين لو تعلق بعضهم ببعض برباط الصداقة لم احتاجوا إلى عدالة "، إذن فالصداقة – في نظر أرسطو- هي الملاذ الوحيد الذي يمكن الاعتصام به، في حالة البؤس و الشدائد المختلفة، فالشاب في حاجة إلى الصداقة لتعصمه من الزلات، والشيخ هو أيضا في حاجة ماسة إليها، حين تضعف قواه ويقل نشاطه، والقوي هو بدوره في حاجة إليها لإتمام عمله، هذا ناهيك-يقول أرسطو- على أن قانون الطبيعة يقضي بأن الحب إحساس فطري، في قلب الكائن الذي يَلِدْ نحو الكائن الذي وَلَدَه، وكم تشعر السياحة في البلدان-يقول أرسطو- بحاجة الإنسان لشخص جذاب وصديق، وهي نفس حاجة المشرعين والممالك لها، يماثل اشتغالهم أو أكثر بالعدل، هكذا يتبين من هذا التحليل لموقف أرسطو من العلاقة مع الغير، وهو الموقف المعبر عنه في السؤال، أن الصداقة هي أسمى الفضائل التي يجب أن تقوم عليها العلاقة بين الأنا والغير، فلا غنى للإنسان في حياته عنها إذا كان ينشد الحياة السعيدة، لكن هل يمكن القبول بهذا التصور كحل لإشكالية العلاقة مع الغير ؟ أ فعلا أن الصداقة بدلالتها السابقة، هي الطريق السليم لتواصل حقيقي مع الغير، مهما كانت طبيعة هذا الغير، أم أن الأمر يستدعي منا البحث عن أساس آخر لهذه العلاقة ؟

تابع في الأسفل قراءة مطلب المناقشة 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة

هل يمكن اعتبار الصداقة أساس العلاقة مع الغير

4-مطلب المناقشة:                    

لقد كان لتصور أرسطو هذا لمفهوم الصداقة في دلالتها الأخلاقية، وهو التصور المعبر عنه في السؤال، تأثير كبير على الفلسفات اللآحقة، الحديثة منها والمعاصرة، حيث راهنت هذه الفلسفات هي أيضا على الصداقة في بعدها الأخلاقي، باعتبارها أساس العلاقة الإيجابية مع الغير، نذكر من هؤلاء الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط E. Kant ( 1724-1804 )، الذي أكد في مؤلف له بعنوان: " مذهب الفضيلةDoctrine de La vertu " على أهمية الصداقة كفضيلة، في تأسيس علاقة إيجابية مع الغير، صداقة تتعالى عن كل ما هو نفعي، وتَنشُدُ الشخص في ذاته، بغض النظر عن انتماءاته العرقية والطبقية والدينية، استجابة لنداء الواجب الأخلاقي الكوني الذي يقوم على القاعدة الأخلاقية التالية: " اعمل دائما، حيث تعامل الإنسانية في ذاتك وذات الآخرين، لا كوسائل وإنما كغايات "، وانطلاقا من هذا التصور الأخلاقي للشخص الذي توجهه الإرادة الطيبة، يُعَرِّف كانط الصداقة باعتبارها "اتحاد بين شخصين يتبادلان نفس مشاعر الحب و الاحترام"، إنها صورة مثالية، وتحمل غاية أخلاقية طيبة، لأنها تستهدف تحقيق الخير للصديقين معا، ومن هنا كانت واجبا أخلاقيا يلزم على كل إنسان السعي نحو تحقيقه، وهذا الواجب يستدعي المساواة بين مشاعر الحب من جهة، باعتبارها قوة جذب وتجاذب بين الصديقين، ومشاعر الاحترام من جهة أخرى، باعتبارها قوة دفع وتباعد بينهما، لذلك يجب- يقول كانط- أن تكون مشاعر الصداقة المتبادلة بين الصديقين، متعالية عن كل ما هو نفعي آني مباشر، صدى هذا القول الكانطي الأخلاقي لمفهوم الصداقة، نجده يتردد في العصر المعاصر، بشكل أكثر واقعية مع الباحثة الأمريكية، ذات الأصل الألماني حنا أراندتHannah Arendt )1906-1975(، في مؤلف: " ديريدا وآخرون، المصالحة والتسامح وسياسة الذاكرة "، فهي تمنح الصداقة معاني الحب والصفح والاحترام، وهذه الصداقة ينبغي أن تكون بلا حميمية ولا قرب، إنها تقدير للشخص من خلال المسافة التي يضعها العالم بين الأنا والغير، وهذا التقدير لا ينبغي أن يخضع ـ في نظر حنا آراندت ـ لمزايا يمكن أن تثير الإعجاب، ولا لأعمال يمكن أن تحظى بالإجلال، فالاحترام مثلا كشكل من أشكال الصداقة، ينبغي أن يكون واجبا في حق الجميع، وليس في حق من ينالون الإعجاب والإجلال، هكذا تنتهي حنا آراندت، إلى القول بضرورة الصداقة مع الغير، المؤسسة على الحب والاحترام والصفح، وهذا لا يمكن أن يتم، إلا بالانفتاح على الغير، لأنه ـ تقول حنا آراندت ـ بتقوقعنا على ذواتنا، لن نستطيع الصفح لبعضنا البعض عن أتفه السيئات...

 إذن مفهوم الغير الصديق ينطوي في نظر كل من أرسطو وكانط وحنا آراندت، على معنى الحب والاحترام والصفح والتقدير، لكن مفهوم الغير الغريب يوحي على عكس ذلك بمشاعر النفور والكراهية والحقد والعداء، ومن ثم يُفترض أن يواجه الغريب في الواقع العملي بالإقصاء والتهميش والنبذ أو الحرب والتدمير، حين يتشخص في الأجنبي الدخيل أو المهاجر والمختلف ثقافيا أو دينيا، أو عرقيا أو سياسيا، وإذا كان هذا الأمر مقبولا إلى حد ما عند اليونان القديمة المتصارعة بينها وبين خصمها الفرس، التي كانت تعتبرهم برابرة يجب القضاء عليهم، فهل يمكن قبوله في العصر الراهن حيث أصبح العالم قرية صغيرة بفعل التطور الذي عرفته وسائل الاتصال والتواصل ؟ هل يمكن أن يواجه الغير الغريب بالنبذ والإقصاء أم بالاحترام والتسامح؟ 

عن هذا السؤال أجابت الدراسات المعاصرة حول الغير، ونبهت إلى قيمة هذا الغريب وحذرت من تهميشه ونبذه، لأنه في نهاية المطاف لا يعدو أن يكون سوى الأنا الذي يسكننا، دون أن نشعر بوجوده، وهو ما عبرت عنه الباحثة والناقدة الأدبية البلغارية Julia Kristeva في كتابها : " Etrangers à nous-mêmes "، بقولها : " ليس الغريب-الذي هو اسم مستعار للحقد وللآخر- هو ذلك الدخيل المسؤول عن شرور المدينة كلها، ولا ذلك العدو الذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى الجماعة، إن الغريب يسكننا على نحو غريب، إنه القوة الخفية لهويتنا والفضاء الذي ينسف بيتنا، والزمان الذي يتبدد فيه وفاقنا وتعاطفنا، ونحن إذ نتعرف على الغريب فينا نوفر على أنفسنا أن نبغضه في ذاته..."، فالغير الغريب إذن كما حددته كريستيفا ليس ذلك القادم من الخارج والغريب عن الجماعة، الذي يهدد تماسكها وانسجامها، ذلك أن وحدة الجماعة ليست في الواقع سوى مظهر عام عندما ندقق فيها، وينكشف لنا أن الجماعة تحمل في ذاتها بحكم اختلافاتها وتناقضاتها الداخلية، غريبا قبل أن ينفذ إليها غريب أجنبي، إن فكرة الغريب تدل، حسب كريستيفا، على غياب التمتع بمواطنة الإنسان داخل وطنه، أليس المجنون غريب جماعته؟ أليس المهمش كذلك؟ أليس ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان غرباء أوطانهم؟...إن هذه الشرائح المنسية هي الغريب الذي يجب الكشف عنه في ذوات المواطنين، الذين يعتقدون أنهم يتمتعون بجميع شروط المواطنة، و أخيرا أليس الغريب تلك النوازع و الميولات العنصرية، والإثنية و القبلية التي تشكل أنا آخر داخل الأنا، و تجعل من الصعب إقامة علاقة مع الغير.

على طرفي نقيض من هذا التصور الإيجابي للعلاقة مع الغير، الصديق منه أو الغريب، يقف مجموعة من المفكرين رأوا في العلاقة مع الغير، علاقة سلبية، مؤسسة على الصراع والتشييئ، نذكر من هؤلاء الفيلسوف الألماني فردريك هيجل F.Hegel (1770-1831)، والفيلسوف الفرنسي المعاصر جون بول سارتر J.Psartre، بالنسبة لهيجل، فقد ذهب هذا الفيلسوف في مؤلفه:الذي ذهب في كتابه " فينومينولوجيا الروح La phénoménologie de L’esprit " إلى التأكيد على الصراع كأساس للعلاقة مع الغير، إنه صراع من أجل انتزاع الاعتراف بالذات كذات حرة، ذلك أن انبثاق الأنا من حيث هي وعي بالذات، لا يمنح من طرف الغير بشكل سلمي، وإنما ينتزع عبر صراع، يخاطر كل من الوعيين( الأنا والغير) بحياته ويسعى إلى موت الآخر، دون أن يكون في وسع " الأنا " أن تنكر حق " الآخر " في البقاء، لأنها لو فعلت ذلك لما استطاعت أن تظفر منه بالإقرار المنشود أو الاعتراف المطلوب، ويقدم هيحل كنموذج لهذا الصراع مثال " جدلية العبد والسيد، التي ينتزع السيد من خلالها اعتراف العبد له بالسيادة، و أيضا ينتزع من خلالها العبد اعتراف السيد له بالسيادة، حين يضعف السيد ويستكين للراحة، هكذا يحتل الصراع ـ في نظر هيجل ـ صلب العلاقة بين الأنا والغير، وهو ما يفضي إلى علاقة سلبية مع الغير، القول نفسه نلمسه مع الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر، في مؤلفه: " الوجود والعدم "، إلى التأكيد أولا على ضرورة الغير لوجود الأنا، وفي هذا يقول: " الغير هو الوسيط الذي لا غنى عنه بيني وبين نفسي "، وعبارة " لا غنى عنه " تعني ضرورة الغير لتشكيل هوية الأنا، لدرجة يصعب معها التمييز بين الأنا والغير، لكن هذه الضرورة، لا تلغي سلبيات الغير، فهو بنظراته –يقول سارتر- يقيد تصرفاتنا ويرصد حركاتنا، بل يخلق لدى الأنا حالات نفسية متوترة، أبرزها حالة الخجل La Honte ، وهذه الحالة السيكولوجية التي تنتاب الأنا أحيانا، لا يمكن الشعور بها إلا بحضور الآخر ونظراته Ses Regards، وفي هذا يقول سارتر:" إن الخجل la Honte في تركيبه الأول هو خجل من الذات أمام الآخر، فأنا خجول من نفسي من حيث أتبدى للغير، فالرابطة بين الأنا والغير، هو قدرته على النظر إليَّ ( Le Regard ) فيحولني إلى موضوع، فأصبح موجودا للغير أتحجر تحت نظرته، ومن هنا ينشأ جزعي وقلقي على نفسي، لأن إمكانياتي مهددة من طرفه، فهو بنظرته إلي يشلني وأنا بدوري أنظر إليه وأشله وأحيله كذلك إلى موضوع، فهناك إذن هوة لا تردم بين الأنا والآخر، يستحيل معها كل التواصل، لأن كل منهما يُشيِّء الآخر ويسلب منه مقوماته كوعي وحرية وتلقائية وفرضية، بهذا المثال وغيره، يحاول سارتر أن يبين أن العلاقة مع الغير ليست بالعلاقة الإيجابية، وهو الأمر دفعه بأن يختم مسرحته " جلسة مغلقة Huis clos"، بعبارة مشهورة لديه، وهي: " الجحيم هم الآخرون، L’Enfer, c’est les autres "، عبارة تجسد بوضوح موقف سارتر من العلاقة مع الغير، التي هي علاقة سلبية.

 4 -مطلب التركيب:                

  يتبين من تحليل ومناقشة الموقف المعبر عنه في السؤال، أن هناك تباينا في فهم مسألة العلاقة مع الغير، فهناك من ذهب إلى تأكيد الطابع الإيجابي لهذه العلاقة، وهناك من ذهب عكس ذلك، إلى التنصيص على العلاقة السلبية مع الغير، المؤسسة على الصراع والتشييئ، لكن رغم المبررات التي يقدمها أصحاب القول بالعلاقة السلبية مع الغير، فإن ما يمكن تأكيده في هذا المجال، هو أن العلاقة مع الغير يجب أن تكون إيجابية، لما لهذا الغير من أهمية قصوى في تشكيل هوية الأنا كشخص، وفي غيابه تعيش الأنا عزلة قاتلة، لذا لا بد من رسم علاقة إيجابية مع الغير، سواء كان هذا الغير قريبا منا أو غريبا عنا، ولا يمكن بالتالي القبول بحكم الفيلسوف الفرنسي سارتر على الغير بأنه جحيم، تحَوَِّّل نظراته الأنا إلى موضوع، كما تحوِّل نظرات الأنا الغير إلى موضوع، " إلا إذا كانت نظرة بعضنا إلى بعض لا إنسانية، وإلا إذا شعر كل منا بأن أفعاله، بدلا من أن تتقبل وتفهم، تخضع للملاحظة مثل أفعال حشرة، كما قال بذلك الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي، كما أنها ليست من نوع الصراع، كما قال بذلك هيجل، لأن الصراع بين البشر، لا يفضي إلا إلى الهدم والفناء، فالعلاقة الإيجابية مع الغير، هي ما ينبغي أن يطبع الوجود الإنساني، لأن هذا النوع من العلاقة، هو الذي يضمن استمرارية هذا الوجود، وهذه العلاقة لا ينبغي أن تقف عند حدود الغير الصديق، بل ينبغي أن تمتد إلى الغير الغريب، حقا أن الصداقة تعتبر مختبرا حقيقيا لقدرات البشر على الوفاء والصدق، لكن يبقى هذا المفهوم غير ذي معنى إذا ما انحصر في نطاق الغير القريب، وأُقصِىِِ ما عداه من الأغيار، أي الغير الغريب، مع العلم أن الموقف إزاء ما هو غريب، هو أيضا مختبر حقيقي لإمكانيات البشر على تقبل وتفهم المخالف لنا في العقيدة والمأكل والمشرب، إنه اختبار حقيقي لقبول الاختلاف، أي قبول ما يفرق بين البشر، وليس فقط لما يجمع بينهم، لذا فالغير سواء كان فردا أو جماعة أو ثقافة، صديقا أو غريبا، قريبا منا أو بعيدا عنا، هو جزء لا ينفصل عن الذات، يمنحها الوجود والتحقق، لهذا لا بد من إقامة علاقة تواصل معه، علاقة تقوم على أساس الاعتراف المتبادل، مع نبذ كل أشكال التمييز والإقصاء والعنف، لأن الغير في نهاية المطاف، ما هو إلا أنا آخر بشري مثلنا، ووجوده هو نداء للغير من أجل تجاوز النقص الذي يعتري الأنا، ونداء له من أجل حوار حضاري مبني على الاحترام المتبادل والتسامح، بعيدا عن كل أنواع الهيمنة والتسلط.

0 تصويتات
بواسطة
هل العلاقة مع الغير علاقة صداقة أم صراع

إن العلاقة مع الغير قد تكون علاقة تكامل وتسامح واحترام، بعيدا عن كل ميل نحو امتلاك الغير والاستحواذ عليه، إذا بنيت هذه العلاقة على الصداقة كفضيلة أخلاقية. - لكن علاقة الأنا مع الغير لا تخلو من صراع وتنافر يظهر في العلاقة التشييئية التي تسلب الذات حريتها (سارتر)، والصراع من أجل نزع الاعتراف (كوجيف

اسئلة متعلقة

...