مفهوم السنن عند امبرتو ايكو تعريف السنن في الفلسفة بحث حول السنن في الفلسفة مع المراجع
مقدمة عن السنن
تعريف السنن
انواع السنن في الفلسفة
خاتمة عن السنن في الفلسفة
السنن عند أمبرتو إيكو
تمهيد:
يندرج اسم أمبرتو إيكو Umberto Eco ضمن موسوعة عربية عن الفلسفة الغربية المعاصرة، يقول فيها اليامين بن تومي إنه:« ولد في مدينة ألساندريا بإقليم بييمومنتي ( إيطاليا) سنة 1932 ...، كتب أطروحته حول توما الإكويني ، و حصل على دكتوراه في الفلسفة في 1954، ...، و يعد واحدا من رواد التنظير النقدي في الفكر المعاصر، و هو من كبار السيميائيين الذين يمتلكون مشروعا نقديا أقل ما يقال عنه إنه متعدد الاختصاصات أو الاهتمامات.»(1)، و يبدو اهتمام إيكو جليا بميدان السيميائيات كما يتضح من مؤلفاته التي يقول في مقدمة أحدها:« كما يتبين من الفهرس فإن هذا الكتاب يدرس خمسة مفاهيم سيطرت على جميع النقاشات السيميائية ، و هي العلامة و المدلول و الاستعارة و الرمز و السنن، و ذلك من خلال إعادة النظر فيها من الزاوية التاريخية، و بالرجوع إلى الإطار النظري الذي كنت قد رسمته في أعمالي السابقة ، من ذلك دراسة في السيميائية العامة و القارئ في الحكاية»(2)، و يوضح من جانب آخر بداهة العلاقة بين الفلسفة و السيميائيات باستقراء تاريخ الفلسفة قائلا:« لو قمنا بإعادة قراءة جيدة لأدركنا أن كلا من الفلاسفة الكبار في الماضي ( و في الحاضر) قد قام - على نحو ما- بصياغة سيميائية معينة»(3)، و يحاول هذا البحث في ضوء ما سبق قوله توضيح مفهوم و أبعاد مصطلح سيميائي على قدر كبير من الأهمية و هو السنن في فكر هذا الفيلسوف السيميائي الإيطالي.
1) تعريف السنن:
نقل المصطلح الغربي Le code إلى العربية بأشكال متعددة منها الشكل الذي أتبناه في هذا البحث و هو السنن، و تعرفه اللسانيات على أنه:« نسق إشارات ( أو علامات أو رموز) موجه بوساطة تواضع قبلي لتمثيل و نقل المعلومة بين مصدر( باث) الإشارات و وجهتها( متلق)،...، و تدعى عملية تحويل الرسالة في صيغتها الجديدة المسننة codée بالتسنين codage أو encodage »(4)، و يظهر من هذا التعريف ثلاثة جوانب محورية تشكل مفهوم السنن ، هي نسقيته و تواضعيته و قبليته الضرورية على عملية التسنين، و فيما يتعلق بكون السنن في مستوى أولي نسقا للعلامات يوضح أمبرتو إيكو أنه دعم فرضية أن:« ما يميز نسقا سيميائيا هو خاصية قابليته للتأويل و ليس خاصيته كأحادي المستوى.»(5)، و يبدو أن هذه القابلية للتأويل لنسق العلامات هو ما يعطي الفرصة للمتواصلين بالتواضع على تأويل معين لكل عنصر من عناصر النسق، و بالتالي قابليته من جهة أخرى للتمظهر ضمن سنن تواصلي يسمح بنقل المعلومة و تمثيلها.
و يبدو أن إيكو لا ينفي جانب التواضعية عن السنن بل هو يوكده:« إن مفهوم السنن يستلزم في جميع الحالات مفهوم التواضع أي الاتفاق الاجتماعي - من ناحية- و من ناحية أخرى مفهوم الآلية التي تتحكم فيها قواعد.»(6)، غير أنني أعتقد أن بالإمكان رد هذه الآلية التي تتحكم فيها قواعد إلى عملية التواضع في حد ذاتها بعدﹼ التواضع عملية معقدة في تكوينها على الرغم من البساطة التي قد تبديها في الظاهر، و لكن إيكو يوضح مسألة أخرى تتعلق بالجانب النسقي للسنن ربما كان فيها إضافة مهمة للتعريف اللساني للسنن الوارد سابقا:« منذ أول ظهوره - و كما اتضح في علم الأصوات الوظيفي الجاكبسوني- يظهر السنن لا باعتباره آلية تسمح بالتواصل بقدر ما يظهر باعتباره آلية تسمح بالتحويل بين نظامين.»(7)، إذ يتضح أن النسق السيميائي أي نسق الدوال يرتبط من خلال التواضعية السننية بنسق آخر للمدلولات، و تظهر الإضافة التي يوضحها إيكو في المظهر النسقي الذي يعطيه للمدلولات أيضا، و هكذا ربما اتضح معنى مفهوم التحويل بين نظامين، غير أنني من جانب آخر أعتقد بضرورة رد هذا التحويل بين نظامين إلى صلب الآلية التي تسمح بالتواصل ، إذ لا يمكن الحديث عن تواصل في نظري لولا ذلك الترابط بين نسقي الدوال و المدلولات معا عبر وساطة التواضع الاجتماعي.
2) السنن و اللغة و النص:
يعد السنن واحدا من محاور النموذج اللغوي التواصلي الذي وضعه رومان ياكبسون Roman Jakobson الذي يرى إن :« مسألة حضور و تراتبية تلك الوظائف الأساسية التي نلاحظها في اللغة - مثل التركيز على المرجع، و الشفرة، و المرسل، و المرسل إليه، و اتصالهما، أو أخيرا التركيز على الرسالة نفسها- يجب أن تطبقا أيضا على الأنظمة السيميائية الأخرى.»(8)، غير إن أمبرتو إيكو يناقش مسألة سننية اللغة أي كونها سننا أو نسقا فحسب، حيث إن:« الفكر البنوي الحديث قد أقر بوضوح أن اللغة هي نظام علامات، و اللسانيات هي جزء مكون لعلم العلامات أي السيميائيات.»(9)، و هكذا يقول:« إن السنن في حالة اللسان يعرف اتساعا نتيجة التثبيت الاجتماعي، و يتعلق الأمر بمعدل الاستعمال، فبمجرد ما يستقيم هذا السنن، يتحتم على كل الذوات المتكلمة استعمال نفس العلامات للإحالة على نفس المفاهيم، و التأليف بينها وفق نفس القواعد.»(10)، و ربما فهم من كلامه هذا أن اللغة المتداولة البسيطة تشكل سننا ضيقا يقوم فقط على جزء معين من نسق اللغة، و يبقى الجزء الآخر من اللغة بعيدا عن التداول بسبب فقدانه نسبيا الإجماع التواضعي الذي ربما حظي به لدى الجماعة الناطقة في فترة سابقة ، ليبقى حبيس معاجم اللغة و بعيدا عن التداول العام، و من هنا يتضح لي أن أمبرتو إيكو يركز بشكل واضح على الخاصية التواصلية للسنن حتى و إن صرح بالتركيز أكثر على مفهوم التحويل بين نظامين كما تم التعرض له في موضع سابق من البحث، كما ربما اتضح أيضا أن اللغة و الكلام أيضا بعدﹼه البعد الواقعي للغة، تبقى نسقامن العلامات، و لا يمكنها أن تتحول إلى سنن بشكل كامل إلا في حالة كاملة كلية من التواضع الاجتماعي ، و هي حالة مثالية كما أعتقد.
تكلم يالمسلاف Louis Hjelmslev عن ثنائية التقرير/ الإيحاء ( denotation/connotation) في العبارات حيث:« بالنسبة ليالمسلاف فإن دراسة الإيحاء لا تختص بها اللسانيات، فالإيحاءات تظهر كحتوى أو مضمون يستأثر على مستوى العبارة بمجمل لغة التقرير، فإذا كان العمل التقريري لسانيا محضا( في إطار نظرية العلامة لدى سوسير) ، فإن لعبة الإيحاءات تأخذ مستوى أعلى من مستوى اللغة و لا يمكن تحليله لدى يالمسلاف إلا في إطار السيميائيات، بعدﹼها العلم العام للعلامات و ليس علم العلامات اللسانية فحسب.، و يفهم ن هذا الكلام أن التقرير يمثل في المعنى المباشر للعبارة أو النص، بينما يمثل الإيحاء في معاني إضافية يمكن الوصول إليها عن طريق التأويل، و بناء على ثنائية التقرير و الإيحاء يقر رولان بارت Roland Barthes أن:« سيميائيا، كل إيحاء هو نقطة بداية لسنن ما.»(12)، و يناقش أمبرتو إيكو هذه المسألة قائلا:« إذا كان الإيحاء معدودا كظاهرة تخص العلاقة بين سيميائيتين ( إذن بين نسقين) ، فيتوجب علينا تبعا لذلك و بالضرورة القبول أن الإيحاءات مسننة في النسق،...، غير أن بالإمكان تخيل سياقات لا تظهر فيها إيحاءات مسننة، ...، و أيضا تخيل سياقات أخرى تتأسس فيها إيحاءات ليست غير مسننة فحسب، و لكنها تبقى مفتوحة.»(13)، و يبدو لي أن هذه الإيحاءات غير المسننة أو المفتوحة التي تعرض لها ترتبط باللغة الشعرية التي تتميز بالغموض كما يوضح ياكبسون:« الغموض هو خاصية جوهرية لا تقبل التفنيد لكل خطاب مرتكز على ذاته، و باختصار هو لازمة اضطراريةللشعر.»(14)، و ربما تمكنت مما سبق الاستنتاج أن اللغة الشعرية تحفل بإيحاءات غير مسننة اجتماعيا، ينتج عنها عنصر الغموض فيها، و لكنها على الرغم من ذلك ربما امتلكت سننا شعريا شخصيا ينفتح على محاولات التأويل في سبيل تيسير تمثله لفئات المجتمع الأخرى و تسنينه اجتماعيا بذلك.
3) أنواع السنن:
يميز إيكو بين نوعين من السنن هما السنن القوي و السنن الضعيف، حسب قوة و ضعف إحالة عناصر أنساق العلامات على مدلولاتها ، فيقول مثلا:« عند التدقيق فإن العلامة الضعيفة ليست خالية من ضرورة، إلا أنها عوض أن تحيل على علة واحدة فهي تحيل على مجوعة من العلل، إن وجدت شعلة، فثمة بالضرورة شخص أشعلها و حركها ، إن كان التنفس مضطربا ، فثمة بالضرورة اضطراب في نسق دقات القلب ( مجموعة من الظواهر تنتمي إليها أيضا الحمى).»(15)، و يضيف موضحا هذا التمييز:« على المستوى السيميائي يتم تحديد شروط الضرورة بالنسبة إلى العلامة اجتماعيا، سواء بحسب سنن ضعيف أو بحسب سنن قوي، و في هذا المعنى يمكن أن يمثل حدث ما علامة ثابتة ، حتى و إن لم يكن علميا كذلك، و هذا التدرج في الضرورة السيميائية هو الذي تقوم عليه العلاقات المتبادلة بين المقدم و التالي و يجعلها مساوية للعلاقات المتبادلة بين العبارة و المضمون.»(16)، و يبدو لي من تمييزه هذا أنه يقصد بقوة السنن شفافيته، أي شفافية علاماته، و قد تكلم رولان بارت في كتابه أسطوريات(17) عن مصطلح الشفافية، و أعتقد أنه يقصد به ثبات الإحالة لدى العلامة على مدلولها، و يكون بهذا السنن قويا إذا كانت عناصر نسق علاماته ثابتة الإحالة على مدلولاتها.
و من جهة أخرى يورد وحيد بن بوعزيز جردا لأنواع للسنن آخر لدى إيكو لا يبدو لي أنه يقوم على أساس تمييزي صارم يحصر نوعا عن الأنواع الأخرى، و من هذه الأنواع أورد ما يلي :
« - الأنظمة الشمية: يذهب إيكو إلى أن الشعر الرومنسي قد عرف ما يسمى بشفرة العطور، فمن الناحية العاطفية توجد عطور لها أبعاد و قيم إيحائية بارزة و مضبوطة، لهذا يمكن اعتبارها كما يعتقد بيرس نمطا من الأمارات indices .
- التواصل اللمسي: تعتبر من مجالات البسيكولوجيا، ساهمت كثيرا في تطوير التواصل بين العميان، و سعت الآن لتشمل السلوكات الاجتماعية مثل القبل و الصفعة و الضرب على الكتف.
- اللغات الطبيعية: و هي ميدان اللسانيات العامة، حيث تتم الدراسة العلمية للسان بوصف مستوياته الصوتية و التركيبية و الدلالية.
- بنى الحكي: محاولة لمعرفة أنظمة السرد داخل الخطابات الحكائية، تعدﹼ فيه بحوث بروب و غريماس و بريمون و جينيت و تودوروف بمثابة العمدة الفكرية.»(18)، و ربما كان هذا الجرد على قدر من الأهمية في توضيح مفهوم السنن و أبعاده المختلفة في الحياة الاجتماعية البشرية، غير أن ما يبدو لي مشتركا بين التمييز الأول بين السنن القوي و بين السنن الضعيف، و الجرد الثاني لبعض من أنواع السنن مختلفة، هو ارتباط مفهوم السنن وثيق في فكر أمبرتو إيكو بالخاصية التواصلية لعناصر نسق العلامات، و يبدو تبعا لهذا صعبا الحديث عن سنن دون الحديث عن خاصية تواصلية مرتبطة به قوية كانت أو ضعيفة.
تابع قراءة المزيد من المعلومات المتعلقة بمقالنا هذا في اسفل الصفحة على مربع الاجابة