في تصنيف مناهج تعليمية بواسطة

فلسفة العلوم الإنسانية بكالوريا، ملخص درس العلوم الإنسانية في الفلسفة مقدمة حول العلوم الإنسانية مفهوم العلوم الإنسانية 

مقدمة حول العلوم الإنسانية

بحث حول العلوم الإنسانية في الفلسفة 

فلسفة العلوم الإنسانية PDF

ملخص درس العلوم الإنسانية في الفلسفة

فلسفة العلوم الإنسانية

مقدمة : طرح المشكلة 

الإنسان مادة وروح إضافة إلى هذا فهو اجتماعي ، وله من القدرات النفسية ما يجعله يعيش الماضي ويتطلع إلى المستقبل ، وكل بعد من هذه الأبعاد على علاقة بالإبعاد الأخرى ، وفي هذه الحالة هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي عند دراسة الظواهر الإنسانية . وهل يمكن التنبؤ بما يصدر عن الإنسان من سلوك ، وهل يمكن التوصل إلى الكشف عن القواعد المتحكمة في سلوكه ؟ وإذا كانت العلوم الإنسانية لا تتمتع بالدقة الموجودة في العلوم التجريبية ، هل يمنع ذلك من قيام علوم إنسانية ؟

 العلوم الإنسانية

1 ـ مفهوم العلوم الإنسانية 

العلوم الإنسانية هي علوم متخصصة في دراسة الفئات البشرية من حيث أنماطها وصور حضارتها ، في الحاضر أو في الماضي وتتقاطع عدة علوم في دراسة الإنسان منها علم الانتروبولوجيا ، وعلم النفس وعلم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم الأخلاق ومهما اختلفت هذه العلوم في مناهجها وأهدافها فهي تجتمع حول موضوع واحد وهو الإنسان . إن العلوم الإنسانية هي مجموع الاختصاصات التي تهتم بدراسة مواقف الإنسان وأنماط سلوكه , وبذلك فهي تهتم بالإنسان , من حيث هو كائن ثقافي , حيث يهتم علم النفس بالبعد الفردي في الإنسان ، ويهتم علم الاجتماع بالبعد الاجتماعي , ويهتم التاريخ بالبعدين الفردي والاجتماعي معا لدى الإنسان .

2فلسفة العلوم الإنسانية ـ موضوعها 

هو كل ما يصدر عن الإنسان من أنواع السلوك ، سواء كفرد مستقل بذاته أو كعضو في المجتمع .

3 ـ العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية والعلوم التجريبية.

إذا كانت العلوم المعيارية تهتم بما ينبغي أن يكون مثل علم الأخلاق الذي يهتم بما يجب أن يكون عليه سلوك الإنسان وحثه على فعل الخير ، وعلم الجمال الذي يضع الأسس والمعايير التي تقاس بها الأعمال الفنية فغايته التمييز بين القبيح والجميل . وهي في هذه الحالة ابعد ما تكون عن الدقة المطلوبة ، ولهذا يوجد من يفي علمية هذه المجالات لأن قضايا العلم الحقيقي عندهم تستمد من الواقع ، وتعبر عما هو كائن بصيغة المضارع كان نقول : الحديد يتمدد بالحرارة ، وهذا يسمى أحكاما "تقريرية " وإذا كان الأمر كذلك ، أي اذا كان العلم يعبر فقط عما هو كائن ، فمن التناقض تصور علم بكل معاني كلمة العلم تكون أحكامه غير مستمدة من الواقع.

لهذا العلوم المعيارية في نظر ليفي برويل فكرة متناقضة ، لأنه لا يمكن أن يجتمع في آن واحد فكرة العلم وفكرة المعيارية ، أي الأحكام التقريرية والأحكام المعيارية فالأخلاق مثلا إن كانت علما بكل معاني الكلمة ، لا يمكن أن تكون معيارية أيضا، اعني أنها تنحصر في استقصاء الوقائع السلوكية للإنسان كما هي حادثة فعلا في المجتمعات ، وتستنبط منها قوانينها كما في العلوم الحقة ، لا أن تشرع قوانين مثالية للسلوك ، وتلزم الناس بها ، لهذا لا يقر ليفي برويل بوجود علم الأخلاق واستبدله بعلم العادات ، لأنها تصبح دراسة للظواهر السلوكية المعتادة في كل مجتمع على حدة . وهذه الخصائص نجد بعضها في العلوم الإنسانية ، لكن هذا لا يسمح بوصفها بالعلوم المعيارية ، لأننا في المقابل نجدها تحاول الاعتماد على المنهج التجريبي ، والاستفادة من نتائج العلوم التجريبية .

ـ إمكانية قيام علوم إنسانية

يرى البعض استحالة قيام علوم إنسانية ، لأن من شان العلم أن يقوم على الموضوعية والملاحظة والتجريب والسببية والحتمية ، وهذا متعذر عند دراسة الإنسان ، بسبب بعض العوائق التي تقف أمام الدراسات الإنسانية . ولم تكن هذه الظاهرة ، هي الوحيدة التي عانت من عوائق تمنع من دراستها بالشكل اللائق ، لقد وجدت مثل هذه العوائق ، وكانت تحد من دراسة المادة الجامدة ، وبشكل أكثر عند دراسة المادة الحية ، لكن هذه العلوم تمكنت من تجاوز هذه العوائق ولو بشكل متفاوت يختلف من علم لأخر , فما المانع من تكرار هذا التجاوز في العلوم التي تدرس الإنسان ؟

عوائق تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة الإنسانية 

تختلف الظاهرة الإنسانية عن ظواهر الطبيعة ، إن الظواهر الطبيعية ذات طبيعة تسمح بتطبيق المنهج التجريبي عليها دون صعوبة تذكر ، خاصة عندما يتعامل المنهج مع المادة الجامدة ، لكنه يصطدم بعوائق عندما يتعامل مع المادة الحية ، لكن يمكن القول إن العلماء في طريقهم إلى تجاوز هذه العوائق بفضل التطور التكنولوجي . إلا أن الظاهرة الإنسانية اشد تعقيدا عما وجده العلماء في المادة الحية، إنها متداخلة بحيث لا يمكن أن ينفرد علم واحد بدراستها ، فالإنسان موضوع لدراسة علوم كثيرة بما فيه العلوم التجريبية ، يضاف إلى ذلك علوم أخرى تدرس سلوك الإنسان وردود أفعاله ، واثر ذلك في حاضر المجتمع ومستقبله ، كما تلتفت هذه الدراسات إلى ماضي الإنسان ، لأنه قد يؤثر في حياته القادمة . والعوائق المسجلة هنا متفاوتة من علم لأخر . يقول كلود ليفي ستروس : " يفترض كل بحث علمي ثنائية الملاحظ وموضوعه ، ففي العلوم الطبيعية يضطلع الإنسان بدور الملاحظ ويتخذ من العالم موضوعا له ... وان كانت العلوم الاجتماعية والإنسانية علوما حقيقية فإنه يتعين عليها أن تْبقي على هذه الثنائية ... وبذلك تصبح القطيعة بين الإنسان الملاحظ ، والإنسان الملاحَظ فردا كان أو جماعة ." ويضيف قائلا : " إن الفرق الأساسي بين العلوم الفيزيائية والعلوم الإنسانية ، لا يتمثل حينئذ كما يقال عادة في أن العلوم الفيزيائية تنفرد بالقدرة على القيام بتجارب ، وعلى إعادتها كما هي في أزمنة وأمكنة أخرى ، فالعلوم الإنسانية تستطيع ذلك هي أيضا وان لم تكن كل العلوم الإنسانية قادرة على ذلك. "  

ومن كلام ستروس نفهم أن العلوم الإنسانية إذا أرادت لنفسها مكان بين العلوم على المختصين في هذا المجال المحافظة على شرط الموضوعية والاقتداء بما يقوم به العلماء في مجال العلوم التجريبية ، فهل يمكن ذلك وهل يستطيع العلماء الالتزام بالروح العلمية ، والفصل بين الذات الدارسة والموضوع المدروس مثل ذلك الجيولوجي الذي يبحث في الصخور ، فلا علاقة أو عاطفة تربطه بموضوع دراسته إلا ما تسفر عنه الأبحاث والنتائج . هذا ما نحاول الكشف عنه من خلال التطرق لثلاثة علوم إنسانية، علم التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع .

1 ـ الظاهرة التاريخية

الظاهرة التاريخية

تابع قراءة في الأسفل 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
فلسفة العلوم الإنسانية

 1 ـ الظاهرة التاريخية

الظاهرة التاريخية

هي كل ما صدر عن الإنسان من أفعال في الماضي ، بشرط أن يترك هذا الفعل اثر واضح في حياة الإنسان . بمعنى أن الظواهر التاريخية لا تطلق إلا على الأحداث المهمة ، والتي يمكن أن يكون مصدرها الطبيعة كالزلازل والبراكين ، ولكن بشرط أن يقع أثرها بشكل مباشر على من عاصرها . هذه الأحداث يكشف عن أسبابها علم التاريخ .

مفهوم علم التاريخ  

هو الدراسة العلمية لحوادث إنسانية ماضية .أي هو التعرض للحوادث البشرية الماضية من حيث أسبابها وحركاتها ووسائلها والنتائج التي تترتب عنها ، أي هو دراسة الإنسان في صيرورته وتطوره عبر العصور الزمنية المختلفة . فموضوع التاريخ هو البحث في جميع ظواهر الحياة السياسية والاقتصادية للبشر .

خصائص الظاهرة التاريخية وعوائق دراستها

ـ الحادثة التاريخية فردية ، لا تتكرر أي أنها تحدث مرة واحدة ، تتكرر في نفس الظروف ومنه القول بان التاريخ يعيد نفسه ليست صحيحة تماما . ولا تخضع لقانون الحتمية ، ولا يمكن اصطناع الحادثة التاريخية ، وليس من السهل تحديد المنطلقات الحقيقية للحادثة بشكل دقيق ، كما دراستها تفتقر إلى الموضوعية والدقة .

هذه الخصائص يمكن النظر إليها على أساس أنها تشكل عوائق كبيرة أمام المؤرخ ، خاصة وأن المؤرخ إنسان له معتقدات وميول شخصية ، والتي قد تؤثر على موضوعيته . ومن هنا ماهي السبل والكيفية التي يستطيع من خلالها المؤرخ تجاوز هذه العوائق .

تجاوز العوائق في دراسة الظاهرة التاريخية

إنه مما لا شك فيه أن هذه الاعتراضات لها ما يبررها من الناحية العلمية خاصة غير أنه ينبغي أن نؤكد بأن هذه الاعتراضات لا تستلزم الرفض القاطع لعملية التاريخ لأن كل علم له خصوصياته المتعلقة بالموضوع وبالتالي خصوصية المنهج المتبع في ذلك الموضوع . فهناك بعض المؤرخين استطاعوا أن يكونوا موضوعيين إلى حد ما ، وان يتقيدوا بشروط الروح العلمية .

ويذهب بعض المفكرين إلى القول بأن الذين نفوا أن تكون الحوادث التاريخية موضوعا للعلم ، لم يركزوا إلا على الجوانب التي تعيق الدراسة العلمية لهذه الحوادث فالظاهرة التاريخية لها خصوصياتها فهي تختلف من حيث طبيعة موضوعها عن العلوم الأخرى , وبالتالي من الضروري أن يكون لها منهج يخصها . وهكذا أصبح المؤرخون يستعملون في بحوثهم منهجا خاصا بهم وهو يقترب من المنهج التجريبي.

منهج علم التاريخ

بما أن الظاهرة التاريخية فريدة من نوعها ولا أمل في تكرارها ، فلأجل دراستها لا يجد المؤرخ من سبيل ، إلا الاعتماد على أثار الحادثة . فكيف يمكن الوصول إلى الحقيقة التاريخية من خلال هذه الآثار ؟

1 ـ جمع المصادر

وهي كل ماله صلة بالحادثة التاريخية وتختلف باختلاف الحوادث وهي نوعان :

1 ـ مصادر مباشرة

وهي مصادر وضعت ، وكان القصد من وضعها حفظ التاريخ فتسجل في الكتب والأشعار والروايات والملاحم والنصب التذكارية والمتاحف ... الخ وهذه المصادر ينبغي أن يتعامل معها المؤرخ بحذر وتحفظ .

2 ـ مصادر غير مباشرة

وهي وثائق وضعت إبان الحادثة وغرضها الاستعمال الآني والمنفعة المؤقتة كالرسائل والمباني والنقود والأسلحة وهذه الوثائق أحسن ما يستند عليه المؤرخ .

3 ـ التحليل التاريخي

مؤرخ يعمل على التاريخ للثورة الجزائرية وإذا به يعثر على رسالة كتبها احد الجنود الجزائريين كان قد بعث بها إلى أهله يخبرهم عن أحواله وظروف الحرب .

كيف يتحقق المؤرخ إن الرسالة تعود إلى سنوات الحرب الجزائرية ؟

ـ قد ينظر إلى الشكل الخارجي للورقة وينظر إن كانت قديمة ولونها قد تغير عبر الزمن ، لكن ألا يمكن لمن يريد تشويه التاريخ إن يستعمل ورقة قديمة ليكتب عليها نص حتي يظن القارئ أنها تعود إلى فترة الاستعمار ؟

يقوم المؤرخ في هذه المرحلة بفحص الوثائق والمستندات والمصادر التي يجمعها وينظر في صحتها وهل هي مزورة أو ناقصة أو خيالية ويبدأ المؤرخ في دراسة الوثيقة في حد ذاتها ( الشكل ، الحبر ، الورق ) ويستعين المؤرخ بعلوم مساعدة لمعرفة صحة الوثائق كالتحليل الكيميائي للتأكد من زمن الوثيقة وزمن الحبر مثلا وعلم الجيولوجيا للتأكد من صحة الأحجار الأثرية.

كما يلجأ المؤرخ إلى المقارنة بين المصادر، كما يستعين بعلم الخطوط لمعرفة الخط الذي كتبت به الوثيقة ، وهو الفن الذي يستعمل في قراءة خطوط اللغات القديمة ، ويستعين بعلم اللغة ( الألسنية ) فينتهي به النقد إلى معرفة صحة الوثائق في جانبها المادي . ومن هنا روح النقد ضرورية في التاريخ ، فإذا كان هذا النقد خارجي للوثيقة ، فإن النقد الداخلي يركز على محتوى الوثيقة ، فيتعرف المؤرخ على أفكار الكاتب ، وتصوراته للمجتمع الذي يعيش فيه ، ومذهبه ، والظروف المحيطة به . وأحيانا يكون مضطر للاستعانة بالتحليل الكيميائي للوثيقة ، بعد نقدها شكلا ومضمونا .

1 ـ التأريخ بالفحم 14 :

يتحول الفحم 14 إلى نيتروجان ثابت بدورة نشاط إشعاعي تساوي 5568 سنة أي انه بعد 5568 سنة تصبح كمية الفحم 14 نصف ما كانت عليه ، وبهذا يمكن أن نحدد تاريخ وفاة أي كائن حي ، لأنه عندما يموت تتواصل فيه عملية التحطيم النووي للفحم 14 الذي يتغير إلى نيتروجين دون أن يستوعب الميت من المحيط فحما 14 آخر ، إذ انه ميت وتنخفض هكذا شيئا فشيئا نسبة الفحم 14 في الكائن الميت ، فإذا انخفضت هذه النسبة إلى النصف ، تكون قد مرت فترة زمنية طولها 5568 سنة ، أي أن الكائن الحي مات منذ 5568 سنة ، وإذا تحلل الكربون بصفة كاملة يكون قد مات الكائن منذ 11136 سنة وهكذا .

ثم وجدوا أن الكربون 14 غير فعال أحيانا ، لان الفترة التي يمكنه الكشف عنه قصيرة نوعا ما ، وهنا لجاء المؤرخون إلى التاريخ بالبوتاسيوم ـ ارغون .

2 ـ البوتاسيوم ـ ارغون :

عنصر البوتاسيوم غير ثابت مثل الفحم 14 فيتحطم نوويا ويتغير إلى عنصر الأرغون 40 ، ودورة نشاطه النووي كبيرة جدا وهي 1300 مليون سنة والعملية مشابهة تماما لعملية التأريخ بالفحم 14 ، غير أن الفترة الزمنية التي يمكن تقديرها بهذا العنصر تفوق 10000 مرة الفترة المقدرة بوسيلة الفحم 14 .

3 ـ علم الاحاثة :

توجد الأدوات الحجرية عادة في محيط عاشت فيه كائنات حية في عصور معروفة كأنواع من الحلزون وأنواع من السمك التي عاشت في وقت معروف وانقرضت فوجودها مع الأدوات التي نعتزم تاريخها يثبت ذلك التاريخ بصفة تقريبية .

4 ـ علم الطبقات :

الأدوات الحجرية توجد أيضا في طبقات أرضية معروفة عادة بأساليب علمية أخرى فمعرفتنا للطبقات الأرضية يدلنا على تاريخ الأدوات المدفونة فيها بصفة تقريبية .

5 ـ جداول الأدوات الحجرية :

وضعت هذه الجداول ودققت من طرف هيئات علمية عديدة تجمع المعلومات من كل أنحاء الأرض في تاريخ الأدوات واحدة بعد الأخرى ، فإذا وجدنا أداة في مكان لا نستطيع تأريخه ، ننظر التاريخ الذي صنع فيه الإنسان تلك الأداة في هذه الجداول فنحصل على تاريخ تقريبي . وقد نشر مثلا المركز القومي للبحث العلمي الفرنسي جدولا مفصلا في 25 فترة زمنية للعصور قبل التاريخ ، صنعت فيها أدوات حجرية يمتد تاريخها في الماضي إلى 6 مليون سنة من الآن .

3 ـ التركيب التاريخي

بعد التأكد من صحة الوثائق يقوم المؤرخ بضم بعضها إلى بعض حتى تعطي صورا واضحة ، أي يقوم بعملية التركيب ، فيرتب الحوادث ويصنفها حسب التسلسل الزمني والمكاني ، ويحدد العلاقات الموجودة بينها . وإذا وجدت فجوات وثغرات بسبب غياب الوثائق ، يعمد إلى الافتراض المعقول .

4 ـ تفسير التاريخ

وهو الكشف عن الأسباب والشروط التي أدت إلى وقوع الحوادث التاريخية . هذه المراحل وان كانت ضرورية لكل مؤرخ فان المؤرخين ولأسباب تتعلق بالقيم والايدولوجيا( الايديولوجيا هي منظومة من الأفكار والمعتقدات والمواقف تؤثر على العلوم الإنسانية حين تتسلل خفية فتؤثر على موضوعية المؤرخ ) التي يؤمنون بها ، تتعدد مناهجهم وهذا يؤدي إلى اختلاف تفسير الحادثة التاريخية

تقييم علم التاريخ

إذا كان علم التاريخ يوقفنا على أحوال الماضين من الناس في حياتهم المدنية وفي أخلاقهم وسياستهم وديانتهم وأساليبهم في الإنتاج والتجارة ومنه نأخذ العبر ، ويساهم التاريخ من جهة أخرى في منح الإنسان هويته ويحصنه من الذوبان في الأمم الأخرى ، فأنه لم يسلم من الانتقاد خاصة من حيث صعوبة تحقيق الموضوعية في الدراسات التاريخية فقد تتسلل الذاتية من حيث لا يشعر فيركز على البعض الأحداث ويهمل الأخرى ، وفي حالات أخرى لا يتمكن من جميع المصادر الكافية وفي هذه الحالة يلجأ إلى الافتراض ، ومهما كان حذرا فانه من الممكن أن يجانب الصواب وبالتالي لا يستطيع أن يكون صورة صحيحة عن الحدث التاريخي المدروس . هذا إذا أحسنا الظن بالمؤرخ ، أما إذا تعمد التضليل وتشويه التاريخ فان القضية تتعقد أكثر، وكل هذا نتيجة لطبيعة الظاهرة التاريخية التي تتميز التعقيد . يقول المفكر شاكر مصطفى محاولا كشف العوائق التي تصادف المؤرخ ومنه الدفاع عن هؤلاء العلماء ، يقول : " نحن مضطرون مبدئيا إلى أن نقرر دون أسف أو غضب أن نوعية المعرفة التاريخية ليست مطابقة لنوعية وطبيعة المعرفة في العلوم ، لأن الحادث التاريخي في الأصل ، وهو موضوع تلك المعرفة ، ليس مشابها للحادث الفيزيائي أو الكيميائي المبسط ، ولا البيولوجي أيضا . انه من التعقيد الخفي بحيث تصبح الحادثة الفيزيائية بعلاقاتها الرياضية لعبة أطفال أمام تشابك القوانين في أي حادث تاريخي صغير " ولكن مع ذلك لا يجب أن يخرج التاريخ من بين العلوم ، فإن كان لم يصل إلى الموضوعية المطلوبة فهذا ليس من شأن علم التاريخ فقط فالكثير من العلوم تنقصها الموضوعية ، هذا بالإضافة إلى الجهود المبذولة من طرف المؤرخين للإفادة من مناهج العلوم الطبيعية الابتعاد قدر الإمكان عن تأثير العوامل الذاتية .  

إن للحادثة التاريخية خصائصها مثلما للظاهرة الحية أو الجامدة خصائصها وهذا يقتضي اختلافا في المنهج وهذا جعل من التاريخ علما من نوع خاص ليس علما استنتاجيا كالرياضيات وليس استقرائيا كالفيزياء وإنما هو علم يبحث عن الوسائل العلمية التي تمكنه من فهم الماضي وتفسيره وعلى هذا الأساس فإن القول بأن التاريخ لا يمكن أن يكون لها علما لأنه يدرس حوادث تفتقر إلى شروط العلم أمر مبالغ فيه , كما أن القول بإمكان التاريخ أن يصبح علما دقيقا أمر مبالغ فيه أيضا وعليه فإن الحوادث التاريخية ذات طبيعة خاصة , مما استوجب أن يكون لها منهجا خاصا بها . وبالتالي فالتاريخ علم يحدد موضوعه الخاص ويتبع في ذلك منهجا يتفق مع طبيعة الموضوع وهذا يؤهله لأن يكون جديرا بأن يعد من مجموع العلوم .

إن العلوم أنواع مختلفة واعتبار التاريخ ليس مؤهلا لأن يكون علما صحيحا مثل الرياضيات والفيزياء لأن نتائجه ليست دقيقة وثابتة فهو علم يهتم بالحوادث الإنسانية ويتبع طرقا علمية في تحليلها ودراستها وإذا كانت العلوم الإنسانية لم تصب من التقدم ومن الدقة نصيبا يعادل ذلك الذي حققته الفيزياء مثلا فإن هذا الوضع الذي توجد عليه حاليا لا يمنع من السير نحو المزيد من التقدم والضبط . فالعلم طريقة في التفكير ونظام في العلاقات أكثر منه جملة من الحقائق . إذ يمكن للمؤرخ أن يقدم دراسة موضوعية فيكون التاريخ بذلك علما , فالعلمية في التاريخ تتوقف على مدى التزام المؤرخ بالشروط الأساسية للعلوم . وخاصة الموضوعية وعليه فإن مقعد التاريخ بين العلوم الأخرى يتوقف على مدى التزام المؤرخين بخصائص الروح العلمية والاقتراب من الموضوعية .
0 تصويتات
بواسطة
فلسفة العلوم الإنسانية

2 ـ الظاهرة النفسية

الظاهرة النفسية

الإنسان ليس كائن بيولوجي فقط ، انه بالإضافة إلى النشاط الحيوي الذي يقوم به الجسم من تنفس وهدم وبناء على مستوى الأعضاء ونمو ، فإنه يقوم بأفعال إرادية وغير إرادية ويقوم بأنشطة لا يمكن تفسيرها عضويا ، وتصدر عنه ردود أفعال غير متوقعة ، وله عالمه الداخلي المليء بالانفعالات والعواطف ، ويفكر ويتذكر ويمارس باقي الأنشطة الذهنية ولها دورها في حياته ، ولا يمكن بأي حال تجاوزها وعدم دراستها والكشف عن أسبابها ومحاولة التحكم فيها ، وهذا ما يطمح إليه علم النفس .

مفهوم علم النفس

النفس هي مبدأ الحياة والفكر والحس والحركة الإرادية مادام مخالطا للبدن ويقابلها الجسم ، وعلم النفس هو العلم الذي يدرس النفس من حيث هي محل لأحوال أو مصدر لأفعال ، لمعرفة طبيعة هذه الأحوال وشروط هذه الأفعال . ويمكن تعريفه بأنه الدراسة العلمية لسلوك الإنسان وذلك بهدف التوصل إلى فهم سلوك الإنسان وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه

عوائق الدراسة النفسية

لقد تحققت الموضوعية في العلوم التجريبية، نظرا لاستقلال الباحث عن موضوع البحث ، أما في علم النفس فهما متصلان ، بل قد يكون الباحث هو موضوع البحث ، فيجد صعوبة في التخلص من ميوله ورغباته وأرائه ومعتقداته ، وهنا يصدق قول بول نواكيه : " إننا لا نستطيع أن ندعي بشيء من الموضوعية ما دمنا خصوما وحكاما في نفس الوقت ." إن الدراسة النفسية تقف أمامها عوائق ابستمولوجية ، فليس من السهل تجاوزها ، فالحوادث النفسية كالانفعال والتذكر والخوف والغضب حالات ذاتية ، لا يشعر بها إلا صاحبها . ولا تعرف السكون ، إنها في تغير مستمر ، ودراستها تعني إيقاف هذا الديمومة. كما انه لا يمكن تحديد مكانها.

تجاوز العقبات في علم النفس

هذه العوائق لم تكن كافية للنيل من عزيمة علماء النفس الذين حاولوا مع بداية القرن 19 تجاوزها . فكان لعلم النفس موضوع ـ الظاهرة النفسية ـ ومناهج .

مناهج علم النفس

1 ـ منهج الاستبطان

الاستبطان هو ملاحظة الذات لأحوالها وأفعالها الباطنية ، أو هو معرفة أحوال النفس بالانعكاس على الذات ، ثم نعمم ما نصل إليه من فهم وتفسير على الجميع . فإذا عرفت مثلا أسباب غضبي ، أقول أن هذه الأسباب نفسها ، ستؤدي إلى الغضب إذا ظهرت عند كل إنسان ، ذلك لأن الطبيعة البشرية واحدة ، ويقر بفعالية هذا المنهج برغسون .

إن الحوادث النفسية حوادث باطنية ، يعانيها الشخص ذاته من الداخل ، إذ لا يمكن للغير أن يطلع عليها ، ولهذا فهي تقتضي في معرفتها الإدراك المباشر ، الذي يكون عن طريق التأمل الذاتي للأحوال النفسية ، وهذا هو الاستبطان ، وهو يقوم على ملاحظة الشخص لنفسه وأحواله ، ثم يحللها بغرض تفسيرها وفهمها . وعلى هذا الأساس فإن الاستبطان لا يعني مجرد الشعور بالظاهرة أو الحالة النفسية ، بل هو ذلك التأمل العميق الذي تقوم به الذات ، وهي في حالة وعي ويقظة ، من أجل فهم الحالة النفسية المدروسة ، ومن ثمة تحديد أسبابها ووضع قوانين لها ، وتعتبر المدرسة الشعورية في علم النفس أهم من قال بالاستبطان ، ومن أنصاره أيضا "مونتاني " الذي يقول: " لا أحد يعرف هل أنت جبان أو طاغية إلا أنت ، فالآخرون لا يرونك أبدا " .

النقد :

تعرض هذا المنهج لانتقادات كثيرة ، فهذا بول غيوم يتساءل حول مصداقية هذا المنهج فقال : " افليست دراسة الذات هي بالضرورة معالجتها كموضوع ؟ وهذا مايفعله الاستبطان ، إن كان صحيح أن هذه الطريقة تستلزم ازدواجا يصبح فيه الفكر موضوعا للفكر " ونفس الاعتراض لهذا المنهج نجده عند أوجست كونت : "يلاحظ انه لا مكان بأي وجه من الوجوه لعلم النفس الوهمي هذا الذي هو آخر تحول للاهوت والذي يراد عبثا بعثه اليوم من جديد ... يدعي التوصل إلى الكشف عن قوانين الفكر البشري الأساسية بتأمله في ذاته أي بإهمال كل من الأسباب والنتائج إهمالا كليا " ويضيف : " إن هذا التأمل المباشر ( الاستبطان ) المزعوم الذي يقوم به الذهن على ذاته هو مجرد وهم " ويقول : " حتى لو تمكن احد من القيام بمثل هذه الملاحظات على نفسه فلن تكون لها من دون شك أهمية علمية كبيرة أبدا وتكون أفضل وسيلة لمعرفة الأهواء هي دائما ملاحظتها من الخارج " ويقول : "فالفرد المفكر لا يمكنه أن ينشطر شطرين احدهما يفكر والآخر يشاهد التفكير ". ويرى انه إذا كان بإمكانك رؤية نفسك ـ ذاتك ـ من النافدة وهي تمر في الشارع حينها فقط يمكنك الاستعانة بمنهج الاستبطان.

إن الاستبطان رغم النتائج الإيجابية التي حققها والخدمات الكثيرة التي قدمها لعلم النفس في الكشف مباشرة عن الأسباب الداخلية للحوادث النفسية ، فإنه لم يعد طريقة علمية وهذا لاتحاد ذات الملاحظ بموضوعها . وهكذا فقد لقيت هذه الطريقة اعتراضات شديدة ، تتجه إلى القول بأن المنهج العلمي يتطلب الملاحظة الخارجية .

2 ـ المنهج السلوكي

إن المنهج الاستبطاني لم يكن منهجا علميا فقد كانت نتائجه ذاتية تأملية ، وحتى يكون المنهج علميا لابد أن يكون موضوعيا ، وحتى يكون كذلك لابد أن تخضع فيه الظواهر إلى الملاحظة الخارجية أي ملاحظة السلوك . فكما أن للظاهرة النفسية باطن خفي لا يدركه إلا صاحبه فإن لها ظاهر مرئي يمكن ملاحظته في سلوك الإنسان الخارجي ، وهذا ما نجده عند أصحاب المنهج السلوكي.

السلوك :

هو جملة الأفعال القابلة للملاحظة الحسية التي يرد بها الكائن الحي على مؤثرات خارجية . السلوك هو رد فعل العضوية تجاه المثيرات تجاه المثيرات ومنه يمكن تحديد القوانين المتحكمة في السلوك كما فعل فيبر في قانونه : " أن الكمية التي يجب إضافتها إلى إثارة ما ، لإحداث فرق في الإحساس هي في الظروف العادية جزء ثابت من الإثارة "

وفي هذا المنهج لابد من قياس الضغط والنبض والتنفس والكهرباء الدماغية ، وهذا ما قام به كوفكا وبافلوف وواطسون ويركس وثورندايك . ودور علم النفس عندهم هو الوصول إلى التوقع والتنبؤ والاستجابة . يقول جون واطسون : " إن علم النفس كما يرى السلوكي فرع موضوعي وتجريبي محض من فروع العلوم الطبيعية هدفه النظري التنبؤ عن السلوك وضبطه " . إن السلوكية مذهب من يقصر موضوع علم النفس على ما يلاحظ من السلوك الخارجي من حيث هو حركة أو لغة أو إفرازات غدية مع استبعاد الشعور وطريقة الاستبطان يقول بيار نافيل : "إن السلوكي يرى قبل كل شيء أن الميدان الحقيقي لعلم النفس لا يتمثل إلا في الحركات القابلة للملاحظة فلا يمكن صياغة قوانين ولا القيام بالقياسات إلا بالنسبة إلى أشياء قابلة للملاحظة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة " ويضيف بيار نافيل : "فالسلوكية قسم من العلوم الطبيعية ميدانه الخاص هو كل مجال التكيفات البشرية وهي لا تريد أن تلجأ إلا إلى مناهج العلوم الموضوعية وهي مناهج القياس وبالتالي مناهج الملاحظة الخارجية " ويقول إن السلوكي لا يرضى أن يكون مجرد مشاهد لنشاط الإنسان بل يريد مراقبته وتوجيهه كما تجتهد في ذلك جميع العلوم الطبيعية الأخرى "

النقد :

لكن هذا المنهج يؤدي إلى تداخل علم النفس والفزيولوجيا ، كما أن الاستجابات للمثير تختلف باختلاف الأفراد .

3 ـ منهج التحليل النفسي

يستعمله علماء النفس التحليلي ـ خاصة فرويد ـ معتمدين على المحادثة والحوار، وهو منهج مؤسس على مسلمة اللاشعور ، ولا يهدف إلى تفسير الظواهر النفسية ، بل يهدف إلى العلاج ، ويقوم هذا المنهج على التداعي الحر ، كوسيلة لسرد الذكريات ومحور التحليل النفسي ، هو مرحلة الطفولة لأنها مصدر تكوين الشخصية والعقد النفسية ، ويعتمد على تشجيع المريض حتى يتذكر كل شيء يتعلق بحياته الماضية وكل ما يذكره المريض له دلالات ومعاني ينبغي الوقوف عندها .

النقد : هذا المنهج ظهر من حلال التعامل مع المرضى وأريد له التطبيق على الأصحاء .

4 ـ المنهج التجريبي

ويكون عن طريق اصطناع مواقف ، تجعل المجرب عليه يقوم بردود أفعال وسلوكات ثم تُفحص هذه الأخيرة بالمقارنة مع سلوكات أخرى ناتجة عن منبهات مختلفة ، مع استخدام الإحصاء في تحليل وتوضيح السلوك ، وصياغة النتائج صياغة رياضية بهدف الحصول على قوانين كلية . وهذا ما قام به بياجي عندما بحث في نشؤ المفاهيم والتصورات العقلية عند الطفل ، فكان يعرض عل الطفل زجاجتين (أ )و(ب) فيهما ماء في نفس المستوى ثم يفرغ الزجاجة (ب) في زجاجتين (ب1 ) و(ب 2) ويطلب من الطفل المقارنة بين حجم الماء الموجود في الزجاجة ( أ) والماء الموجود في الزجاجتين (ب1) و(ب2) قد يكتشف التساوي لكن يمكن تضليله لو أفرغت الزجاجة (ب) في أربعة زجاجات (ب1)و(ب2)و(ب3)و(ب4) قد يعتقد أن الماء الموجود في هذه الزجاجات اكبر من الكمية الموجودة في الزجاجة (أ) .

النقد : الظاهرة النفسية تختلف عن الظاهرة المادية ، ولهذا ليس من السهل التعامل معها تجريبيا .

رغم الاعتراضات الكثيرة المنتقدة لعلم النفس فإنه ساهم في تحرير الظاهرة النفسية من الاعتبارات الخرافية وأصبح من الميسور توجيه السلوك وتعديله وأصبح علم النفس مطلوب في المدارس والمصانع والحروب .

اسئلة متعلقة

...