خطبة جمعة بعنوان لمن فاته الحج ومن لم يستطع فمن استطاع إليه سبيلا خطبة عن الأعمال التي ينال بها فاعلها أجر الحج أو العمرة.
خطبة الجمعة بعنوان لمن أراد أجر الحج ولم يحج
خطبة جمعة بعنوان
لمن فاته الحج
الخطبة الأولى وهي كالتالي
الحمد لله المحمودِ بجميع المحامد تعظيماً وثناءً...
المتصفِ بصفات الكمال عزّة وكبرياءً..
الحمد لله الواحدِ بلا شريك..
القويِّ بلا نصير.. العزيزِ بلا ظهير..
الذي رفع منازل الشهداء في دار البقاء..
وحث عباده على البذل والفداء..
أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.. فهو الأول والآخر.. والظاهر والباطن.. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير..
وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه،
يا من تُحل بذكره عُقد النوائب والشدائد ...
يا من إليه المشتكى وإليه أمر الخلق عائد
أنت العليم لما بليت به وأنت عليه شاهد ...
أنت المعز لمن أطاعك والمذلُ لكل جاحد
أنت المنزّه يا بديع الخلق عن ولد ووالد ...
يسّر لنا فرجاً قريباً يا إلهي لا تباعد
وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه،...
أنذر أمته من بلاء ينزل آخر الزمان لا عاصم لهم منه إلا التقوى والعمل الصالح قال: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه تعرض من الدنيا) ...
يا بائعآ في أرض طيبة عنبرآ ***
بجوار أحمد لا تبيع العنبرا
إن الصلاة على النبي وآله ***
يشدو بها من شاء أن يتعطرا
صلوا على خيرالبرية تغنموا ***
عشرًا يصليها المليك الأعظمُ
من زادها ربي يفرّج همه ***
والذنب يعفى والنفوس تُنَعم
بأبي وأمي أنت يا خير الورى ***
وصلاةُ ربي والسلامُ معطرا
يا خاتمَ الرسل الكرام محمد ***
بالوحي والقرآن كنتَ مطهرا
صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ أفْضل أصحَابه،
وعَلَى عُمر الَّذِي أعَزَّ الله بِهِ الدِّيْنَ واسْتَقَامَتِ الدُّنْيَا بِهِ،
وَعَلَى عثمانَ شهيدِ دارِهِ ومِحْرَابِه،
وعَلى عليٍّ المشهورِ بحَلِّ المُشْاكِلِ من العلوم وكَشْفِ نِقابه، وَعَلَى آلِهِ وأصحابه ومنْ كان أوْلَى بِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً ...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]،...
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله،
وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة،
وكل بدعة ضلالة،
وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون / عباد الله:
سبحان من جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنًا, يترددون إليه, ويرجعون عنه,
ولا يرون أنهم قضوا منه وطرًا.
لقد أضاف الله -تعالى- البيت لنفسه..
(بيت الله)..
فتعلقت قلوب المحبين ببيت محبوبهم,
فكلما ذكر ذلك البيت حنّوا,
وكلما تذكروا بعدهم عنه أنّوا.
يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق,
ولمن شاهد السائرين إلى دار الحبيب وهو قاعد أن يحزن.
ألا قل لزوار دار الحبيب ***
هنيئًا لكم في الجنان الخلودُ
أفيضوا علينا من الماء فيضًا ***
فنحن عطاش وأنتم ورودُ
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم:
لما كان الله -سبحانه وتعالى- قد فطر قلوب عباده على حب بيته,
وليس كل أحد قادرًا على زيارته كل عام,
فرض الله -تعالى- على المستطيع الحج مرة واحدة في العمر,
وقد شرع الله -تعالى- أعمالاً من قام بهامستحضرًا صالح النية ،
كتب له من الأجر ما يماثل أجر الحاج والمعتمر.
وفي هذه الخطبة -بإذن الله تعالى-
نتناول شيئًا من هذه الأعمال التي ينال بها فاعلها أجر الحج أو العمرة.
فأول هذه الأعمال ما رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء الفقراءُ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقالوا : ذهب أهلُ الدُّثورِ منَ الأموالِ بالدرجاتِ العُلا والنعيمِ المقيمِ؛
يُصلّون كما نُصلّي،
ويصومونَ كما نصومُ،
ولهم فضلٌ من أموالٍ يحجُّونَ بها ويعتمِرونَ، ويُجاهدونَ ويتصدَّقونَ".
قال -صلى الله عليه وسلم-:
"ألا أُحدِّثُكمْ بأمرٍ إن أخذتُمْ بهِ،
أدركْتُم مَن سبقَكمْ،
ولمْ يدرككُمْ أحدٌ بعدَكُم،
وكنتُمْ خيرَ مَنْ أنتمْ بينَ ظهرانَيهِ،
إلا مَن عملَ مثلَهُ؟
تُسبِّحونَ وتحمدونَ وتكبِرونَ، خلفَ كلِّ صلاةٍ، ثلاثًا وثلاثينَ".
قال أبو هريرة:
فاختلفْنا بيننا،
فقال بعضُنا: نسبحُ ثلاثًا وثلاثينَ،
ونحمدُ ثلاثًا وثلاثينَ،
ونكبِّرُ أربعًا وثلاثينَ،
فرجعْتُ إليهِ، فقال: "تقولُ سبحانَ اللهِ،
والحمدُ للهِ، واللهُ أكبرُ، حتى يكون منهنَّ كلُّهنَّ ثلاثًا وثلاثينَ".
نعم..
هكذا لما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- تأسف فقراء الصحابة وحزنهم على ما فاتهم من إنفاق إخوانهم الأغنياء أموالهم في سبيل الله وابتغاء مرضاته,
فطيّب النبي -صلى الله عليه وسلم- قلوبهم,
ودلّهم على عمل يسير يدركون به مَن سبقهم,
لا يلحقهم أحد بعدهم إلا مَن عمل مثل عملهم, ألا وهو الذكر بعد الصلاة من التسبيح والتكبير والتحميد.
لكن سمع الأغنياء بذلك ففعلوا مثله, فتساوى حينئذ الفقراء والأغنياء في هذا الذِّكر,
فرجع الفقراء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا:
"سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله" -وكأنهم يريدون شيئًا آخر يختصون به-ـ,
فقال -صلى الله عليه وسلم-:
"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
تأمل أخي .
كيف جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أجر قائل هذا الذِّكر المواظب عليه ينال به أجر مَن له مال يحج به ويعتمر, ويجاهد ويتصدق..
إنه ذكر الله تعالى,
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41- 42].
جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "
إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذِكر الله"
, قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "
ما شيء أنجى من عذاب الله من ذِكر الله".
ذكرتك يا سؤلي وغاية مقصدي ***
وأنت لنا يا سيدي خير ذاكر
فجد بقبول منك أرجو به المنى***
فذكرك في قلبي وسري وخاطري
لقد جعل الله -تعالى- لمن يكثر من ذكر الله -تعالى- عظيم الأجر
(وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35],
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "
ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله -تعالى- فيها".
بذكر الله ترتاح القلوب ***
ودنيانا بذكراه تطيب
عباد الله:
ومن الأعمال التي ينال بها أجر الحج والعمرة صلاة الضحى.
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس,
ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة".
وقد سُئل جابر بن سمرة -رضي الله عنه-:
"أكنتَ تجالس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم كثيرًا،
كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس,
فإذا طلعت الشمس قام,
وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم".
فلا تنس تسبيح الضحى إن يوسفًا***
دعا ربه فاختاره حين سبّحا
ومن الأعمال التي يلحق فاعلها بالحاج والمعتمر المشي إلى المساجد:
روى أبو داود عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "
من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم,
ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا يُنصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر".
إن خروج المسلمين متطهرين من بيوتهم إلى بيت الله -تعالى- لأداء صلاة الجماعة في وقت واحد, يشبه خروج الحجيج من بيوتهم متوجهين بأبدانهم وقلوبهم إلى البيت العتيق لأداء مناسك الحج,
وهؤلاء وهؤلاء ضيوف الله -تعالى- ووفده,
روى عمرو بن ميمون الأزدي قال:
أدركت أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقولون:
"إن المساجد بيوت الله في الأرض,
وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها".
لله قوم شروا لله أنفسهم ***
فأتعبوها بذكر الله أزمانا
أما النهار فقد وافوا صيامهم ***
وفي الظلام تراهم فيه رهبانا
أبدانهم أَتعبت في الله أنفسهم ***
وأنفسٌ أَتعبت في الله أبدانا
ذابت لحومهمُ خوف العذاب غدًا ***
وقطعوا الليل تسبيحًا وقرآنا
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة,
ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة,
قد قلت ما سمعتم,
وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
تابع قراءة الخطبة الثانية في الأسفل