حقيقية الدولة الصفوية
الدولة الصفوية ................. دوله وجدت لمحاربه اهل السنه في ايران والعالم الاسلامي
ينسب الصفويون على صفي الدين الإردبيلي، المولود سنة 650هـ (1334م)، والمتوفى سنة (753هـ)، وهو الجد الخامس للشاة إسماعيل، وقد نشأ نشأة صوفية، وكان صاحب طريقة، مما ساعد على التفاف الكثير من المريدين حوله، وانتشار دعوته وأنصاره.
وبعد وفاته خلفه في رئاسة أتباعه، ابنه صدر الدين موسى، الذي سار على طريقة أبيه، ثم انتقل الأمر إلى ابنه صدر الدين خواجة علي سياهبوش، وهو أول من اعتنق المذهب الشيعي من الأسرة الصفوية، ودعا إليه الأمر الذي يعد نقطة تحول في مسيرة هذه الأسرة التي ادعت انتسابها إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسين بن علي رضي الله عنهما، كما جرت العادة عند الشيعة والصوفية.
وبعد وفاة خواجة علي سياهبوش، خلفه ابنه شيخ شاه، وسار على خطاه، وبعد وفاته، خلفه ابنه السلطان جنيد، الذي كثر أتباعه، وبدأ يكشف عن رغبته في الملك تدريجياً، وهذا ثاني أخطر تحول في مسار الأسرة الصفوية بعد التشيع
ولا يخفى أن سعي الصفويين لإقامة دولة مخالف لما يعتقد به الشيعة من حصر إقامة الدولة بالمهدي المنتظر، وأن أية دولة تقوم أو راية ترفع قبله هي راية طاغوتية.
وبدأ السلطان جنيد بإقامة حكم مستقل في أردبيل وأخذ يتقوى ويعد الجيوش لغزو شروان، ودخل في معركة مع حاكمها لكنه هزم وقتل، وتعد هذه المعركة تحولاً خطيراً في مسيرة الصفويين كونها أول معركة يخوضنها.
وبعد مقتل جنيد، انتقلت الرئاسة إلى ابنه حيدر، الذي أخذ يعد العدة لمقتل والده، وأعد جيشاً يرتدي أفراده القبعات الحمر، ويعرفون باسم "القزلباش" إلا أن حاكم "شروان" استعان بأسرة "آق قويونلو" واستطاعا هزيمة حيدر وقتله، فانتقلت الزعامة إلى ابنه علي، الذي ما لبث أن قتل، فآلت الأمور إلى إسماعيل الصفوي ابن حيدر.
حظي إسماعيل برعاية من حاكم "لاهيجان"، مدة خمس سنوات، وفترة إعداد ثقافية وعسكرية، وفي الوقت نفسه كان الخلافات تعصف بأسرة "آق قويونلو"، فتمكن من الانتصار عليها واحتلال عاصمتها تبريز، ودخلها دخول الفاتحين، وأعلنها عاصمة لدولته الفتية، ثم إعلان المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة سنة (907هـ)، (1501م)، رغم أن ثلاثة أرباع إيران كانوا على مذهب أهل السنة.
ساعدت إسماعيل الصفوي عدة عوامل في أن يبسط سيطرته على إيران وما جاورها وتحقيق حلم آبائه في تأسيس دولة شيعية، أهمها:
1- انتشار الفوضى والفتن في إيران بعد موت تيمور لنك، والصراعات التي دبت بين أبنائه، ثم الصراع المحتدم بين قبيلتي "أق قويونلو" و"قرا قويونلو" التركمانيتين اللتين كانتا تسيطران على أجزاء من إيران. كل هذه الصراعات سببت الضعف والانقسام، وولدت الظلم بحق الرعايا، الأمر الذي استغله إسماعيل والصفويون لتحقيق الانتصار على المنافسين.
2- نشاط دعاة الشيعة وانتشارهم بين القبائل، وخاصة في مدن كاشان وقم والري، بل إن النشاط التبشيري الشيعي انتقل إلى أراضي الدولة العثمانية، كما تجلى ذلك في "فتنة شاه قولي" التي تناولنا في العدد 30 من الراصد.
3- القهر الذي مارسه الشاه إسماعيل ضد السنة، والذي جاوز كل الحدود، فعندما فرض إسماعيل التشيع على إيران، ذكر له أن ثلاثة أرباع سكان إيران والعاصمة الجديدة تبريز على مذهب أهل السنة، فلم يأبه لذلك، وأصر على موقفه وقتل من أهل تبريز وحدها (20) ألف سني، والذي بقوا أحياء، فرض عليه التشيع بحد السيف
4- الدافع القومي لدى الشعوب التي كانت تسكن في إيران، والمكونة من أجناس وقوميات مختلفة، كالفرس والترك والعرب والمغول، وكان التعصب للجنس ظاهراً بينهم، فاستطاع الشاة إسماعيل أن يستغل هذا الأمر ويذكي حماس القبائل ضد بعضها البعض، وأشار عليهم بتكوين تجمع خاص يحفظ لهم قوتهم وسيطرتهم على المنطقة.
يقول المفكر الإيراني الشيعي د. علي شريعتي: "الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية، والمذهب الشيعي، حيث تولدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية، وتفضيل العجم على العرب، وإشاعة اليأس من الإسلام، وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع، وتمجيد الكاسرة
ليس من قبيل المبالغة القول بأن قيام الدولة الصفوية شكل "كارثة" لإيران والعالم الإسلامي، فلقد "ظلت غيران ما يقرب من تسعة قرون من الزمان تتبع مذهب أهل السنة والجماعة، فكانت الصبغة السنية ظاهرة فيها، واضحة في جميع ألوان النشاط البشري لأهلها، ما مكن إيران من المساهمة في بناء صرح الحضارة الإسلامية الراقية بواسطة علمائها في مختلف العلوم والفنون، من أمثال البخاري ومسلم وسيبويه والخليل بن أحمد والطبري والبيروني وابن سينا والغزالي والفارابي والفخر الرازي، وغيرهم يعدون من مفاخر المسلمين جميعاً"
وبقيام الدولة الصفوية الشيعية في إيران تغير مسار النشاط البشري فيها تغيراً جذرياً شاملاً من النواحي السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والعلمية والثقافية، ووجه الإيرانيين إلى وجهة مغايرة لوجهة إخوانهم المسلمين في بقية الأقطار
كما أن "كارثة" قيام الدولة الشيعية الصفوية أدت إلى انقسام العالم الإسلامي إلى معسكرين: معسكر سني بزعامة الدولة العثمانية، ومعسكر شيعي يتبع الصفويين، وزاد من حدة الانقسامات تلك المؤامرات التي حاكها الصفويون ضد العثمانيين الذين كانوا منطلقين في أوروبا فاتحين، كما سنتحدث عنه بعد قليل.:
انطلقت الدولة الصفوية من مذهبها الشيعي الذي فرضته على إيران في كل صغيرة وكبيرة،، فغيرت صيغة الأذان والصلاة وكافة العبادات على طريقة المذهب الشيعي، دون السماح بإظهار مذهب أهل السنة فيها، وصارت الحركة الثقافية والتأليف مصطبغاً بالمذهب الشيعي، وتبوأ رجال الدين الشيعة مكانة عالية في الدولة الصفوية، وفرض لهم السلاطين خمس أموال الناس وأرباح التجار
ويعتبر محمد باقر المجلسي (ت1111هـ)، أحد أبرز الأمثلة لما عملته الدولة من دعم التشيع، فقد اعتبر "شيخ الدولة الصفوية" وكانت له الكلمة المسموعة، وعاش في المرحلة الصفوية الأخيرة عيشة ترف وأبهة، وكان شديد التعصب لمذهبه فأغرى الدولة باضطهاد جميع مخالفيه.
واشتهر المجلسي بكثرة مؤلفاته التي تروج لمذهب الشيعة، وأبرزها: "بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار"، ويقع في (25) مجلداً ضخماً، كل مجلد منها يبلغ عدة مجلدات، حتى إن مجموعها بلغ (111) جزءاً، الأمر الذي جعل الشيعة يعتبرونه "دائرة معارف لا مثيل لها".
وكتاب "بحار الأنوار" للمجلسي من أهم كتب الحديث عند الشيعة، وقد جمع فيه مؤلفه ما هب ودب من الأخبار والأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من غير تهذيب ولا تحقيق
وبلغ تعصب الصفويين لمذهبه حداً جعل الشاه عباس يحج من عاصمته أصفهان إلى مدينة مشهد (حيث يوجد مقام الإمام الرضا، ثامن الأئمة عند الشيعة)، سيراً على الأقدام ودعا الشيعة إلى الاقتداء به، والحج إلى مشهد، وجعل علماء الشيعة ومراجعهم يعلنون أن الحج إلى مدينة مشهد يكفي ويغني عن الحج على الكعبة وزيارة بيت الله الحرام
كما تميز العصر الصفوي بالمبالغة لما يسمى "الشعائر الحسينية" وإظهار الحزن على استشهاد الحسين وبعض الأئمة.
كان من الطبيعي أن تثير سياسة الصفويين ومؤامراتهم، الدولة العثمانية السنية التي كانت في أوج قوتها، وكانت تدافع عن ديار الإسلام، وتقاتل أعداءه من الصليبيين على عدة محاور: الروس، والنمسا، والإمارات الإيطالية، وفرنسا، وإنكلترا، والبرتغاليين، والكل يحقد على هذه الدولة.
وفي الوقت الذي كان يقوم فيه العثمانيون بحصار بعض دول أوروبا تمهيداً لفتحها، كان سهام الصفويين تنطلق باتجاه الدولة العثمانية، وتشغلها عن متابعة فتوحاتها، وعمد الصفويون إلى احتلال بعض البلدان التابعة للعثمانيين كالعراق، وعقدوا تحالفات مع الدول الأوروبية ضدها، الأمر الذي جعل الصدام بين العثمانيين والصفويين أمراً لا مفر منه، وتعتبر معركة "جالديران"" سنة (920هـ - 1514م) أكبر المعارك بين الطرفين وانتصر فيها العثمانيون انتصاراً كبيراً، غير أنه لم يقضى على الصفويين قضاءً نهائياً، فأعادوا تنظيم صفوفهم خاصة أن المنية عاجلت السلطان العثماني سليم الأول. وتسببت المؤامرات الصفوية ضد العثمانيين بأمرين خطيرين:
الأول: إعاقة الفتوحات الإسلامية لأوروبا، ذلك أن العثمانيين كانوا يضطرون لوقف حصارهم للمدن الأوروبية، والعودة لتأمين حدودهم مع الصفويين، واسترجاع ما كان يستولي عليه الصفويون من بلاد.
الثاني: أن التحالفات التي عقدها الصفويون مع الدول الأوروبية والتسهيلات التي منحوهم إياها شكلت بداية عهد الاستعمار، والوجود الأوروبي في بلاد المسلمين.
1- إسماعيل بن حيدر: مؤسس الدولة سنة 907هـ، اتفق مع البرتغاليين وحارب العثمانيين، والأوزبك، ومات في الثلاثينات من العمر. انصرف بعد هزيمته أمام العثمانيين إلى معاقرة الخمر والعزلة والفجور.
2- طهماسب بن إسماعيل: تولى الحكم بعد وفاة والده إسماعيل (930هـ)، ولم يكن قد جاوز العاشرة من عمره، فتولى الوصاية عليه زعماء الشيعة، حتى بلغ سن الرشد، انتصر على الأوزبك، ولكنه لم يلبث أنهزم، ودخل بغداد حتى جاءت جيوش العثمانيين فطردت الصفويين منها.
3- إسماعيل الثاني ابن طهماسب: تولى الحكم بين سنتي (984-985هـ)، واختلف مع إخوته، وقتل، وكانت له ميول سنية، وكان يرغب في إعادة إيران إلى المذهب السني.
4- محمد خدابنده بن طهماسب: امتد حكمه خلال الفترة (985-995هـ).
5- عباس بن طهماسب، الملقب بعباس الكبير، وحكم فترة طويلة امتدت من 995هـ حتى 1037هـ، وفي عهده هاجم العثمانيين بعد أن هدأت الجبهة معهم خمس عشرة سنة، كما حارب الأوزبك وانتزع جزءاً من بلادهم، وجعل عاصمته أصفهان. وقد ضعفت الدولة بعد موته، خاصة وأنه كان له أربعة أبناء قتلهم كلهم وسمل عينهم خوفاً من أي يزيلوه عنه.
6- صفي بن صفي مرزا بن عباس، الملقب بصفي الأول وحفيد عباس الكبير، حكم حتى 1052هـ، هزم أمام العثمانيين الذين أخذوا العراق وعقد معاهدة بين الطرفين سنة 1094هـ.
7- عباس بن صفي (عباس الثاني): حكم خلال الفترة (1052-1077هـ)، ولم يلتفت إلى شؤون الدولة.
8- صفي الثاني بن عباس الثاني، حكم بين (1105- 1135هـ)، وعرف كذلك باسم "سليمان الأول"، وفي عهده استولى الهولنديون على جزيرة قشم في مضيق هرمز، وأخذ الأوزبك خراسا، وقضى حياته بين الخمر والنساء.
9- حسين الول بن عباس الثاني (1105-1135)، بدأ في عهده الصراع مع الأفغان، وكان يبيح في عهده الخمور، وكان لعبة بيد الحريم([15]).
10-طهماسب الثاني بن صفي الثاني، حكم خلال الفترة (1135-1144هـ)، واستمر الصراع مع الأفغان في عهده، وأيده نادر خان.
11-عباس الثالث بن طهماسب الثاني، الملقب بالرضيع، لتوليه المنصب طفلاً، بعد خلع والده سنة 1144هـ، واستمر في الحكم بشكل صوري حتى 1148هـ .
انتهت دولة الصفويين سنة 1148هـ، على يد نادر خان الذي كان في أول أمره من قطاع الطرق، وكان يتمتع بالطموح والذكاء، وقد تمكن بجيش من أفراد قبيلته (الأفشار) من الاستيلاء على إقليم خراسان، وأخذ يمسك بزمام الأمور في هذا الإقليم، وظهرت قوته، مما جعل الشاه طهماسب الثاني يستعين به، ويعينه قائداً لجيشه، واستطاع أن يصبح أقوى شخصية في إيران بعد تحقيقه لعدة انتصارات ضد منافسي الدولة.
ثم أصبح نادر شاه في منزلة هيأت له عزل طهماسب الثاني، وتعيين ابنه الطفل عباس الثالث ملكاً على الصفويين، وصار نادر وصياً على العرش، ولكن هذا الوضع لم يستمر سوى ثلاث سنوات، إذ بادر نادر شاه إلى عزل عباس الثالث، وتنصيب نفسه ملكاً على إيران، واتخذ لقب الشاه، كما أعلن سقوط الدولة الصفوية وقيام دولة شيعية محلها هي الدولة الأفشارية، التي كان نادر شاه أول ملوكها، واستمرت حتى القضاء عليها من قبل الزنديين سنة 1210هـ.
وبالرغم من أن نادر شاه شيعي المذهب، إلا أنه حاول التقليل من المفاسد التي أحدثها الصفويون، ومنها سب الصحابة والخلفاء الراشدين، كما حاول إحداث تقارب بين السنة والشيعة، الأمر الذي لم يقبله الإيرانيون المتعصبون فبادروا إلى قتل نادر شاه سنة 1160هـ .
المصدر
(1) "الصفويون والدولة العثمانية" علي عطرجي (ص9).
(2) المصدر السابق.
(3) أردبيل: من أشهر مدن أذربيجان.
(4) شروان: مدينة ناحية أرمينية.
(5) أسرة تركية سنية المذهب كانت تسيطر على إيران، وكانت تربطهم بالصفويين روابط النسب.
(6) لاهيجان: إحدى مدن إقليم كيلان، وتقع على بحر قزوين.
(7) "الصفويون" لعطرجي (ص19)، ومقال أحمد تمام المنشور في إسلام أون لاين.
(8) "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" (119-122).
(9) "إيران في ظل الإسلام" د. عبد النعيم حسنين (69-70).
(10) المصدر السابق (ص70).
(11) المصدر السابق (105).
(12) انظر مقال: "المجلسي يؤلف بحار الأنوار" المنشور في الراصد عدد26
(13) "إيران في ظل الإسلام" (ص80).
(14) انظر: "الصفويون والدولة العثمانية" لعلوي عطرجي، وانظر أيضاً العدد الثاني من الراصد: "الصفويون يحالفون الصليبيين
(15) التاريخ الإسلامي" ، محمود شاكر (11-13)، و"الصفويون" لعطرجي (57-58).