شرح فصل إشكالية فلسفة العلوم خطوات المنهج التجريبي مع تبرير الاستقراء
إشكالية فلسفة العلوم خطوات المنهج التجريبي مع تبرير الاستقراء مفصل
الوحدة التعليمية : في العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية في )علوم المادة الجامدة وعلوم المادة الحية (
1- خطوات المنهج التجريبي وقيمة الفرضية .
2- مشكلة تبرير الاستقراء .
3- نسبية الحقائق العلمية.
4- تجاوز العوائق الابستيمولوجية في البيولوجيا .
5- الحتمية والغائية في البيولوجيا .
6- البيولوجية والقيم الإنسانية . )البيوتيقا(
خطوات المنهج التجريبي :
طرح المشكلة
إذا لم يتم استخدام المنهج التجريبي استخداما صارما في دراسة المادة الجامدة ، فهل يرتجى الحصول على نتائج دقيقة ؟ وهل يمكن تطبيقه بنفس الصرامة في دراسة المادة الحية ؟ ما مدى تطبيق المنهج التجريبي في علوم المادة الجامدة ؟ وهل يمكن تطبيقه على المادة الحية ؟
I ـ التجربة هي مقياس العلم
أولا : استقلال العلم عن الفلسفة
لم يظهر العلم إلا عندما اهتدى الباحثون إلى استخدام التجربة في مفهومها المنهجي، ولم يتأت لهم ذلك إلا بعد أن اتضحت لديهم خطوط الانفصال بين الفلسفة والعلم . وتحقق لهم هذا الانفصال يوم أعرضوا عن طرح المسائل الميتافيزيقية واهتموا بدراسة الظواهر التي تقع تحت المشاهدة دراسة موضوعية . وهو الأمر الذي اقتضى منهم تبني المنهج التجريبي .
ثانيا : المنهج التجريبي وخطواته
المنهج التجريبي هو المنهج الذي يتعامل مع الحوادث الطبيعية المادية بغرض تفسيرها عن طريق الملاحظة والفرض والتجربة .
1 : الملاحظة
هي المشاهدة الحسية للظواهر الطبيعية وهي نوعان:
أ ـ الملاحظة العادية
يمارسها الإنسان في حياته اليومية ، وتتحكم فيها المصادفة وتكون غير منظمة وعفوية توجهها المنفعة وتعتمد على الحواس.
ب ـ الملاحظة العلمية
هي المشاهدة الدقيقة لظاهرة من الظواهر لأجل تفسيرها أو هي توجيه الفكر إلى ظاهرة ما توجيها منظما هدفه التفسير والكشف عما هو جديد في الظاهرة ، فهي تتجاوز الملاحظة العادية إلى الملاحظة الإشكالية أي تثير إشكال ما يقول أندري فيرجيس : " نقطة الانطلاق بالنسبة إلى البحث إذن ليست الحادثة الحسية في حد ذاتها وإنما هي المشكل الذي تطرحه الحادثة " والملاحظة العلمية نوعان .
1 ـ ملاحظة علمية بسيطة
يعتمد فيها الباحث على حواسه المجردة . لكن الحواس قاصرة على الإلمام بكل صغيرة وكبيرة يقول كلود برنار عالم فيزيولوجي فرنسي اشتهر بعرض المبادئ العامة التي قادت خطاه في أبحاثه العلمية في كتابه " المدخل لدراسة الطب التجريبي" يقول : " لا يستطيع الإنسان أن يلاحظ الظواهر المحيطة به إلا في حدود ضيقة جدا لان القسم الأعظم منها خارج نطاق حسه " ولهذا كان الباحث في حاجة إلى ملاحظة أكثر نجاعة .
2 ـ ملاحظة علمية مركبة
يوظف فيها الآلات والأجهزة لتعويض نقص الحواس يقول كلود برنار : "فلا يقنع ـ الباحث ـ إذن بالملاحظة البسيطة بل يوسع مدى معرفته ويزيد قوة أعضائه الحسية بالآلات الخاصة ، كما يجهز نفسه بأدوات مختلفة تساعده على النفوذ إلى داخل الأجسام لتقسيمها ودراسة أجزائها الخفية "
هذا وقد توصف الملاحظة بالكيفية إذا اقتصر صاحبها على مجرد الوصف الكيفي ، أما إذا اعتمد على القياس وصياغتها في عبارات رياضية فهي ملاحظة كمية " وهذه الأنواع من الملاحظات قابلة للتداخل.
شروط الملاحظة العلمية
أن تكون موضوعية ، غرضها البحث العلمي وان لا تهمل أي من عناصر الظاهرة وان يتحرى الدقة ويسجل كل ما يتوصل إليه . يقول كلود برنار : " يجب على العالم أن يكون مصورا مبينا للحوادث التي يلاحظها دون فكرة مسبقة كما يجب عليه أن يجعل عقله قابلا للحوادث لا فاعلا فيها ، يصغي إلى الطبيعة ويكتب ما تمليه عليه "
2 ـ الفرضية
الفرض هو تلك التكهنات التي يضعها الباحث لتفسير الظواهر الطبيعية وهدفه الوصول إلى القانون المتحكم فيها ، انه حل مؤقت يقول عنه كلود برنار : " ليس لدينا قاعدة لتوليد فكرة صحيحة في ذهن العالم " ومع هذا يمكن الحديث عن شروط عامة لوضعه تتفرع إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية .
1 ـ العوامل الخارجية
وتتمثل في الحاجة العملية ، بمعنى ضرورة إيجاد حلول لمشاكل يعاني منها المجتمع ، وقد تكون صحية مثلا ، ثم أن الإيمان بنسبية الحقيقة العلمية يدفع إلى وضع فروض علها تكشف عن صورة مختلفة لهذه الحقيقة أو تلك ، إلا أن هذه العوامل حسب الدكتور " عبد الرحمن بدوي " تبقى غير كافية ، يقول : " العوامل الخارجية لوضع الفروض ...ليست إلا مجرد فرص ومناسبات لوضع الفرض ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون كافية للافتراض "
2 ـ العوامل الداخلية
تخص الباحث نفسه ، الطامح إلى تفسير الظواهر الطبيعية ، طموح معزز بالاطلاع الواسع والتفرغ للبحث العلمي ، وفضلا عن هذا لابد أن يتمتع بخيال علمي خصب ، هذه الجوانب قد تكون هي المقصودة بقول " كلود برنار " :" القواعد التي نستطيع أن نضعها هي تلك المتصلة بما يتلو وضع الفرض ، أما قبل وضع الفرض ، فالأمر يتعلق بشيء ذاتي ، بعاطفة تلقائية "
شروط الفرض
ينبغي أن يستند إلى الواقع ويبدأ منه ويخلو من التناقض ويكون منسجما مع الحقائق العلمية ، وان يكون واضح الصياغة ، قابل للتحقق منه ومحتمل ويجب الاقتصار على اقل عدد منه . يقول لابلاس "يمكننا أن نزيد في احتمل نظرية من النظريات بإنقاص عدد الفرضيات التي تتضمنها أو بزيادة عدد الحوادث التي توضحها " مثال ذلك أنه في سنة 1844 لاحظ الطبيب المجري " اجناز سيمولويز" في مستشفى فينا ، أن نسبة الوفيات بحمى النفاس بين النساء اللائي يضعن حملهن يتزايد في احد أقسام المستشفى فقدم عد افتراضات . منها 1 ـ الوباء يأتي من خارج المستشفى عن طريق الحوامل . 2 ـ سبب الوفاة قد يكون الازدحام داخل المستشفى . 3 ـ قد يعود السبب إلى سؤ التغذية . 4 ـ أو قد يرجع إلى الفحص الخشن الذي يقوم به طلبة الطب . إلا أن الواقع لم يؤيد كل من هذه الفرضيات . لكن وبالصدفة أصيب احد الأطباء في هذا المستشفى بجرح في أصبعه وتوفي على اثر ذلك وهنا أدرك " سيمولويز" أن سبب الوفيات يكمن في مباضع الجراحين الملوثة .
3 ـ التجريب
هو إحداث ظاهرة وفق شروط يصطنعها العالم الباحث في ضوء فرض من الفروض للتأكد من صحته في ظروف خاصة تسمح بالملاحظة الواضحة فيعدل من هذه الظروف في المخبر ويغير ما يمكن تغييره ، كما يعزل هذه الظاهرة عن الظواهر الأخرى وبالتالي يفككها ، فإذا أراد التأكد من أن سقوط جسمين مختلفين في وقت واحد ، سيصلان في نفس الوقت ، عليه أن يعزلهما عن الهواء بواسطة أنبوبة نيوتن ـ يقول كلود برنار : " إن المجرب يوجه أسئلة إلى الطبيعة ولكن بمجرد أن تتكلم الطبيعة يجب أن يلزم الصمت وان يلاحظ ما تجيب عليه وان يسمعها حتى النهاية وان يخضع في جميع الحالات لما تمليه عليه " ويقول كوفييه : " أن الملاحظ يصغي إلى الطبيعة أما المجرب فيسألها ويرغمها على الجواب " .
أنواع التجريب
1 ـ التجريب الناقص
أو التجربة المرتجلة يلجأ إليها الباحث عندما لا يتوفر على أية فكرة مسبقة أو فرضية ممكنة ، ويُعتمد عليها أيضا عندما يكون في مرحلة التحسس والتكهن وغرضه معرفة الاتجاه الذي يمضي فيه .
2 ـ التجريب العلمي
وهي التجربة الحقيقية التي تتم في ضوء فرض علمي ، وهدفها التثبت من صحته والوصول إلى بعد ذلك إلى قانون أو نظرية .
التجربة بالمعنى الواسع
إن التجريب ، لا يحتل فقط، موقعا محوريا بالنسبة إلى خطوات المنهج في جملتها ، بل يكاد يكون هو كل هذه الخطوات ، إذ لا معنى للملاحظة العلمية في حد ذاتها ، ولا معنى للفرضية في حد ذاتها إن التجربة تستوعب نتائج الخطوتين الأوليين وتتهذب حسب تنوع ميادين البحث واتساعها .
وقد يستغني الباحث عن بعض خطوات المنهج التجريبي ويستبدلها بغيرها تماشيا مع طبيعة الموضوع الذي يدرسه وخصوصيات العلم الذي ينتمي إليه . فيتعين عليه اللجوء إلى الاستدلال مثلا: عندما لا يتمكن من المشاهدة الحسية المباشرة كما هو الحال مع مركز الأرض لمعرفة هل هو صلب أو سائل أو غاز . ويستطيع أن يعرف ذلك عن طـريق الآثار التي تتركها هذه الظواهر . إلا أن الاستخلاص يكون بالتجريب في معناه الواسع .
وعلى هذا الأساس ، يمكن القول بأن مفهوم الملاحظة لا يبتعد اليوم ، عن مفهوم التجريب . وإذا وجدنا بعضهم يميز بينهما ، فذلك التمييز يبقى صالحا من الناحية النظرية أو لأغراض منهجية ، لأن الملاحظة تقوم هي الأخرى ، على نشاط العقل وقد تلعب دور التجريب ، ولأن التجريب في واقع أمره ليس سوى نوع آخر من الملاحظة . إن للملاحظ والمجرب فيما يرى " كلود برنار " هدفا واحدا مشتركا ، وهو إدراك الحوادث وضبطها بالوسائل العلمية الدقيقة . والفرق الوحيد بينهما هو أن المجرب لا يدرك الحوادث كما هي عليه في الطبيعة ، بل يدركها في شروط يهيئها هو نفسه لغرض علمي معين
مشكلة تـرير الاستقراء :
مفهوم الاستقراء : لغة : هو تتبع الأمر لمعرفة بيان أحواله.
اصطلاحا : هو الانتقال من قضية جزئية إلى أخرى كلية ، أو من قضية خاصة إلى أخرى عامة.هذا وقد عرفه ابن تيمية بقوله : هو كل استدلال جزئي على آخر كلي ،ويكون يقينيا إذا كان تاما باعتبار أننا نحكم على القدر المشترك بما صح أصلا لجميع الأفراد .
انواعه :
استقراء تام : هو استقراء لجميع جزئيات الموضوع أي حكمنا عن الكل بعد تفحص أجزائه.
مثل : الحديد يتمدد بالحرارة
الذهب يتمدد بالحرارة عن طريق التجربة
الفضة تتمدد بالحرارة
الحديد والذهب والفضة معادن
إذن :كل المعادن تتمدد بالحرارة .
الاستقراء الناقص : وهو الحكم الناتج عن بعض العينات التي شاهدناها بعد استعمال التجربة ، ثم تم الانتقال إلى الحكم على بعض الأجزاء التي لم نشاهدها ولم نقيم عنها التجارب.
وعليه هل هذا الحكم ، أو التعميم نتائجه مطلقة ؟. هل هو مشروع؟
إذا كانت نتائج العلوم التجريبية تعتمد على الاستقراء .فهل هذا الاستقراء مشروع ومبرر ؟
إذا كان صدق الفرض العلمي مبني على نتائج الظواهر الملاحظة فقط ، فما مبرر العلماء في انتقالهم من الحقائق الجزئية الى القوانين الكلية ؟.
الاتجاه التجريبي الاتجاه العقلي
المسلمات: الاستقراء غير مبرر وغير مشروع لأنه المسلمات : الاستقراء مشروع ومبرر ، لأنه يقيني :
نسبي. المبررات : لأنه يقوم على مبدأ السببية العام وهو
المبررات : 1-الاستقراء يحمل الشك ، لان جل الملاحظات عقلي قبلي ثابت
والتجارب تقوم على عينات فقط ولا تتم على جميع بوانكاري : )إن الطبيعة خاضعة لنظام ثابت لا يقبل الشك
الظواهر . ولا مجال فيه للصدفة أو العشوائية(.
صدق القضايا الاستقرائية في الماضي والحاضر التعميم :مؤكد ومشروع يقول لا بلاس : )ان الحالة
ليس دليلا على صدقها في المستقبل. وهو المبرر الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة وسببا في حالته
الوحيد ، فنحن تعودنا على رؤية تعاقب وتتابع اللاحقة(
الظواهر مثل :الليل/النهار/الرق /الرعد النقد : إذا كان مبدأ الحتمية مبدأ مطلق ، فبماذا
هيوم :) إن فكرة النسبية لا تعني أكثر من التتابع نفسر ظهور مبدأ اللاحتمية وحساب الاحتمالات؟
الناتج عن العادة (
النقد : لكن الشك المطلق أو الشك من اجل الشك هدم
للعلم من أساسه . فهل يمكن أن نتصور قيام علم من
دون سببية ؟
التركيب : إن الشك في الاستقراء هو هدم للعلم والثقة المطلقة فيه يكذبها تطور العلوم الفيزيائية ، لذا يتعين علينا أن نضع الاستقراء في مكانه الصحيح أي لا ينبغي أن يكون هناك نفي صارم ولا إثبات مطلق وإنما يجب القول :إن القوانين العلمية حقائق لا يجب إنكارها وهي نتيجة للاستقراء المبني على مبدأ السببية والحتمية
الخاتمة : غير أن حكم الإنسان على المستقبل يظل أمر نسبي وليس مطلق .