في تصنيف مناهج تعليمية بواسطة

شرح فصل إشكالية فلسفة العلوم خطوات المنهج التجريبي مع تبرير الاستقراء 

إشكالية فلسفة العلوم خطوات المنهج التجريبي مع تبرير الاستقراء مفصل 

الوحدة التعليمية : في العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية في )علوم المادة الجامدة وعلوم المادة الحية (

1- خطوات المنهج التجريبي وقيمة الفرضية . 

2- مشكلة تبرير الاستقراء .

3- نسبية الحقائق العلمية.

4- تجاوز العوائق الابستيمولوجية في البيولوجيا .

5- الحتمية والغائية في البيولوجيا .

6- البيولوجية والقيم الإنسانية . )البيوتيقا(

خطوات المنهج التجريبي : 

  طرح المشكلة 

إذا لم يتم استخدام المنهج التجريبي استخداما صارما في دراسة المادة الجامدة ، فهل يرتجى الحصول على نتائج دقيقة ؟ وهل يمكن تطبيقه بنفس الصرامة في دراسة المادة الحية ؟ ما مدى تطبيق المنهج التجريبي في علوم المادة الجامدة ؟ وهل يمكن تطبيقه على المادة الحية ؟ 

I ـ التجربة هي مقياس العلم

أولا : استقلال العلم عن الفلسفة 

لم يظهر العلم إلا عندما اهتدى الباحثون إلى استخدام التجربة في مفهومها المنهجي، ولم يتأت لهم ذلك إلا بعد أن اتضحت لديهم خطوط الانفصال بين الفلسفة والعلم . وتحقق لهم هذا الانفصال يوم أعرضوا عن طرح المسائل الميتافيزيقية واهتموا بدراسة الظواهر التي تقع تحت المشاهدة دراسة موضوعية . وهو الأمر الذي اقتضى منهم تبني المنهج التجريبي .

ثانيا : المنهج التجريبي وخطواته

المنهج التجريبي هو المنهج الذي يتعامل مع الحوادث الطبيعية المادية بغرض تفسيرها عن طريق الملاحظة والفرض والتجربة . 

1 : الملاحظة 

هي المشاهدة الحسية للظواهر الطبيعية وهي نوعان: 

أ ـ الملاحظة العادية 

 يمارسها الإنسان في حياته اليومية ، وتتحكم فيها المصادفة وتكون غير منظمة وعفوية توجهها المنفعة وتعتمد على الحواس.  

ب ـ الملاحظة العلمية

  هي المشاهدة الدقيقة لظاهرة من الظواهر لأجل تفسيرها أو هي توجيه الفكر إلى ظاهرة ما توجيها منظما هدفه التفسير والكشف عما هو جديد في الظاهرة ، فهي تتجاوز الملاحظة العادية إلى الملاحظة الإشكالية أي تثير إشكال ما يقول أندري فيرجيس : " نقطة الانطلاق بالنسبة إلى البحث إذن ليست الحادثة الحسية في حد ذاتها وإنما هي المشكل الذي تطرحه الحادثة " والملاحظة العلمية نوعان .

1 ـ ملاحظة علمية بسيطة 

يعتمد فيها الباحث على حواسه المجردة . لكن الحواس قاصرة على الإلمام بكل صغيرة وكبيرة يقول كلود برنار عالم فيزيولوجي فرنسي اشتهر بعرض المبادئ العامة التي قادت خطاه في أبحاثه العلمية في كتابه " المدخل لدراسة الطب التجريبي" يقول : " لا يستطيع الإنسان أن يلاحظ الظواهر المحيطة به إلا في حدود ضيقة جدا لان القسم الأعظم منها خارج نطاق حسه " ولهذا كان الباحث في حاجة إلى ملاحظة أكثر نجاعة . 

2 ـ ملاحظة علمية مركبة 

 يوظف فيها الآلات والأجهزة لتعويض نقص الحواس يقول كلود برنار : "فلا يقنع ـ الباحث ـ إذن بالملاحظة البسيطة بل يوسع مدى معرفته ويزيد قوة أعضائه الحسية بالآلات الخاصة ، كما يجهز نفسه بأدوات مختلفة تساعده على النفوذ إلى داخل الأجسام لتقسيمها ودراسة أجزائها الخفية "

هذا وقد توصف الملاحظة بالكيفية إذا اقتصر صاحبها على مجرد الوصف الكيفي ، أما إذا اعتمد على القياس وصياغتها في عبارات رياضية فهي ملاحظة كمية " وهذه الأنواع من الملاحظات قابلة للتداخل.

شروط الملاحظة العلمية 

 أن تكون موضوعية ، غرضها البحث العلمي وان لا تهمل أي من عناصر الظاهرة وان يتحرى الدقة ويسجل كل ما يتوصل إليه . يقول كلود برنار : " يجب على العالم أن يكون مصورا مبينا للحوادث التي يلاحظها دون فكرة مسبقة كما يجب عليه أن يجعل عقله قابلا للحوادث لا فاعلا فيها ، يصغي إلى الطبيعة ويكتب ما تمليه عليه " 

2 ـ الفرضية 

الفرض هو تلك التكهنات التي يضعها الباحث لتفسير الظواهر الطبيعية وهدفه الوصول إلى القانون المتحكم فيها ، انه حل مؤقت يقول عنه كلود برنار : " ليس لدينا قاعدة لتوليد فكرة صحيحة في ذهن العالم " ومع هذا يمكن الحديث عن شروط عامة لوضعه تتفرع إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية . 

1 ـ العوامل الخارجية 

وتتمثل في الحاجة العملية ، بمعنى ضرورة إيجاد حلول لمشاكل يعاني منها المجتمع ، وقد تكون صحية مثلا ، ثم أن الإيمان بنسبية الحقيقة العلمية يدفع إلى وضع فروض علها تكشف عن صورة مختلفة لهذه الحقيقة أو تلك ، إلا أن هذه العوامل حسب الدكتور " عبد الرحمن بدوي " تبقى غير كافية ، يقول : " العوامل الخارجية لوضع الفروض ...ليست إلا مجرد فرص ومناسبات لوضع الفرض ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون كافية للافتراض " 

2 ـ العوامل الداخلية 

تخص الباحث نفسه ، الطامح إلى تفسير الظواهر الطبيعية ، طموح معزز بالاطلاع الواسع والتفرغ للبحث العلمي ، وفضلا عن هذا لابد أن يتمتع بخيال علمي خصب ، هذه الجوانب قد تكون هي المقصودة بقول " كلود برنار " :" القواعد التي نستطيع أن نضعها هي تلك المتصلة بما يتلو وضع الفرض ، أما قبل وضع الفرض ، فالأمر يتعلق بشيء ذاتي ، بعاطفة تلقائية " 

شروط الفرض 

ينبغي أن يستند إلى الواقع ويبدأ منه ويخلو من التناقض ويكون منسجما مع الحقائق العلمية ، وان يكون واضح الصياغة ، قابل للتحقق منه ومحتمل ويجب الاقتصار على اقل عدد منه . يقول لابلاس "يمكننا أن نزيد في احتمل نظرية من النظريات بإنقاص عدد الفرضيات التي تتضمنها أو بزيادة عدد الحوادث التي توضحها " مثال ذلك أنه في سنة 1844 لاحظ الطبيب المجري " اجناز سيمولويز" في مستشفى فينا ، أن نسبة الوفيات بحمى النفاس بين النساء اللائي يضعن حملهن يتزايد في احد أقسام المستشفى فقدم عد افتراضات . منها 1 ـ الوباء يأتي من خارج المستشفى عن طريق الحوامل . 2 ـ سبب الوفاة قد يكون الازدحام داخل المستشفى . 3 ـ قد يعود السبب إلى سؤ التغذية . 4 ـ أو قد يرجع إلى الفحص الخشن الذي يقوم به طلبة الطب . إلا أن الواقع لم يؤيد كل من هذه الفرضيات . لكن وبالصدفة أصيب احد الأطباء في هذا المستشفى بجرح في أصبعه وتوفي على اثر ذلك وهنا أدرك " سيمولويز" أن سبب الوفيات يكمن في مباضع الجراحين الملوثة . 

3 ـ التجريب

هو إحداث ظاهرة وفق شروط يصطنعها العالم الباحث في ضوء فرض من الفروض للتأكد من صحته في ظروف خاصة تسمح بالملاحظة الواضحة فيعدل من هذه الظروف في المخبر ويغير ما يمكن تغييره ، كما يعزل هذه الظاهرة عن الظواهر الأخرى وبالتالي يفككها ، فإذا أراد التأكد من أن سقوط جسمين مختلفين في وقت واحد ، سيصلان في نفس الوقت ، عليه أن يعزلهما عن الهواء بواسطة أنبوبة نيوتن ـ يقول كلود برنار : " إن المجرب يوجه أسئلة إلى الطبيعة ولكن بمجرد أن تتكلم الطبيعة يجب أن يلزم الصمت وان يلاحظ ما تجيب عليه وان يسمعها حتى النهاية وان يخضع في جميع الحالات لما تمليه عليه " ويقول كوفييه : " أن الملاحظ يصغي إلى الطبيعة أما المجرب فيسألها ويرغمها على الجواب " . 

أنواع التجريب 

1 ـ التجريب الناقص 

أو التجربة المرتجلة يلجأ إليها الباحث عندما لا يتوفر على أية فكرة مسبقة أو فرضية ممكنة ، ويُعتمد عليها أيضا عندما يكون في مرحلة التحسس والتكهن وغرضه معرفة الاتجاه الذي يمضي فيه . 

2 ـ التجريب العلمي 

وهي التجربة الحقيقية التي تتم في ضوء فرض علمي ، وهدفها التثبت من صحته والوصول إلى بعد ذلك إلى قانون أو نظرية . 

التجربة بالمعنى الواسع

إن التجريب ، لا يحتل فقط، موقعا محوريا بالنسبة إلى خطوات المنهج في جملتها ، بل يكاد يكون هو كل هذه الخطوات ، إذ لا معنى للملاحظة العلمية في حد ذاتها ، ولا معنى للفرضية في حد ذاتها إن التجربة تستوعب نتائج الخطوتين الأوليين وتتهذب حسب تنوع ميادين البحث واتساعها .

وقد يستغني الباحث عن بعض خطوات المنهج التجريبي ويستبدلها بغيرها تماشيا مع طبيعة الموضوع الذي يدرسه وخصوصيات العلم الذي ينتمي إليه . فيتعين عليه اللجوء إلى الاستدلال مثلا: عندما لا يتمكن من المشاهدة الحسية المباشرة كما هو الحال مع مركز الأرض لمعرفة هل هو صلب أو سائل أو غاز . ويستطيع أن يعرف ذلك عن طـريق الآثار التي تتركها هذه الظواهر . إلا أن الاستخلاص يكون بالتجريب في معناه الواسع .

وعلى هذا الأساس ، يمكن القول بأن مفهوم الملاحظة لا يبتعد اليوم ، عن مفهوم التجريب . وإذا وجدنا بعضهم يميز بينهما ، فذلك التمييز يبقى صالحا من الناحية النظرية أو لأغراض منهجية ، لأن الملاحظة تقوم هي الأخرى ، على نشاط العقل وقد تلعب دور التجريب ، ولأن التجريب في واقع أمره ليس سوى نوع آخر من الملاحظة . إن للملاحظ والمجرب فيما يرى " كلود برنار " هدفا واحدا مشتركا ، وهو إدراك الحوادث وضبطها بالوسائل العلمية الدقيقة . والفرق الوحيد بينهما هو أن المجرب لا يدرك الحوادث كما هي عليه في الطبيعة ، بل يدركها في شروط يهيئها هو نفسه لغرض علمي معين 

 

 مشكلة تـرير الاستقراء : 

مفهوم الاستقراء : لغة : هو تتبع الأمر لمعرفة بيان أحواله.

اصطلاحا : هو الانتقال من قضية جزئية إلى أخرى كلية ، أو من قضية خاصة إلى أخرى عامة.هذا وقد عرفه ابن تيمية بقوله : هو كل استدلال جزئي على آخر كلي ،ويكون يقينيا إذا كان تاما باعتبار أننا نحكم على القدر المشترك بما صح أصلا لجميع الأفراد .

انواعه : 

استقراء تام : هو استقراء لجميع جزئيات الموضوع أي حكمنا عن الكل بعد تفحص أجزائه. 

مثل : الحديد يتمدد بالحرارة 

         الذهب يتمدد بالحرارة عن طريق التجربة

       الفضة تتمدد بالحرارة 

الحديد والذهب والفضة معادن 

إذن :كل المعادن تتمدد بالحرارة .

الاستقراء الناقص : وهو الحكم الناتج عن بعض العينات التي شاهدناها بعد استعمال التجربة ، ثم تم الانتقال إلى الحكم على بعض الأجزاء التي لم نشاهدها ولم نقيم عنها التجارب.

وعليه هل هذا الحكم ، أو التعميم نتائجه مطلقة ؟. هل هو مشروع؟ 

إذا كانت نتائج العلوم التجريبية تعتمد على الاستقراء .فهل هذا الاستقراء مشروع ومبرر ؟

إذا كان صدق الفرض العلمي مبني على نتائج الظواهر الملاحظة فقط ، فما مبرر العلماء في انتقالهم من الحقائق الجزئية الى القوانين الكلية ؟. 

     الاتجاه التجريبي الاتجاه العقلي 

         

المسلمات: الاستقراء غير مبرر وغير مشروع لأنه المسلمات : الاستقراء مشروع ومبرر ، لأنه يقيني :

نسبي. المبررات : لأنه يقوم على مبدأ السببية العام وهو 

المبررات : 1-الاستقراء يحمل الشك ، لان جل الملاحظات عقلي قبلي ثابت

 والتجارب تقوم على عينات فقط ولا تتم على جميع بوانكاري : )إن الطبيعة خاضعة لنظام ثابت لا يقبل الشك 

الظواهر . ولا مجال فيه للصدفة أو العشوائية(.

 صدق القضايا الاستقرائية في الماضي والحاضر التعميم :مؤكد ومشروع يقول لا بلاس : )ان الحالة 

 ليس دليلا على صدقها في المستقبل. وهو المبرر الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة وسببا في حالته

الوحيد ، فنحن تعودنا على رؤية تعاقب وتتابع اللاحقة(

الظواهر مثل :الليل/النهار/الرق /الرعد النقد : إذا كان مبدأ الحتمية مبدأ مطلق ، فبماذا   

هيوم :) إن فكرة النسبية لا تعني أكثر من التتابع نفسر ظهور مبدأ اللاحتمية وحساب الاحتمالات؟

 الناتج عن العادة (

النقد : لكن الشك المطلق أو الشك من اجل الشك هدم 

للعلم من أساسه . فهل يمكن أن نتصور قيام علم من 

دون سببية ؟

 

التركيب : إن الشك في الاستقراء هو هدم للعلم والثقة المطلقة فيه يكذبها تطور العلوم الفيزيائية ، لذا يتعين علينا أن نضع الاستقراء في مكانه الصحيح أي لا ينبغي أن يكون هناك نفي صارم ولا إثبات مطلق وإنما يجب القول :إن القوانين العلمية حقائق لا يجب إنكارها وهي نتيجة للاستقراء المبني على مبدأ السببية والحتمية   

الخاتمة : غير أن حكم الإنسان على المستقبل يظل أمر نسبي وليس مطلق .

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة

تبرير الاستقراء مفصل وتام 

طرح المشكلة:

يعتقد القدماء أن الأرض مركز الكون . وقد استنتجوا ذلك من اعتقادهم أن الإنسان أفضل المخلوقات ، وان أفضل المخلوقات لابد أن يستوطن أفضل الكواكب ، وأفضل الكواكب هي التي تحتل المركز ، ومنه الأرض وهي موطن الإنسان، هي مركز الكون. ما هو تعليقك على هذا الاستنتاج ؟

التعليق 

يبدوا للوهلة سلامة البناء المنطقي للحكم السابق ، لكن مقارنته بالاكتشافات الحديثة ، تجعله غير قابل حتى للنقاش فهو ابعد ما يكون عن الحقيقة ، لأن القدماء اعتمدوا في تفسيرهم للظواهر على العقل والتسلسل المنطقي للأفكار وان كان يستخدم في الرياضيات والمنطق ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ فإن الاعتماد على المنطق في العلوم التجريبية ، يكون قد ساهم في تأخر هذه الأخيرة ، فكان من الضروري تغيير المنهج القائم على المنطق الصوري ، إلى منهج يقوم على البحث في الوقائع وتتبعها ، وبعدها يتم إصدار الحكم ، هذا المنهج يعرف بالاستقراء ، فما هو الاستقراء ؟  

I ـ الاستقراء

الاستقراء 

الاستقراء في اللغة هو التتبع ، وفي الاصطلاح هو عملية ذهنية يتتبع خلالها الفكر أحوال أفراد النوع الواحد بحيث إذا كان حكمه على كل فرد مماثلا لحكمه على سائرها ، اصدر حكما عاما يشمل النوع كله، فهو انتقال الفكر من أحكام جزئية إلى أحكام أو حكم كلي وعام . وقد عرفه الخوارزمي بقوله : " الاستقراء هو تعرف الشيء الكلي بجميع أشخاصه " وعرفه الغزالي : " هو أن تتصفح جزئيات كثيرة داخلة تحت معنى كلي حتى إذا وجدت حكما في تلك الجزئيات حكمت على ذلك الكلي به " وهو نوعان يشير إليهما ابن تيمية بقوله " هو الاستدلال بالجزئي على الكلي والاستقراء يكون يقينيا إذا كان الاستقراء تاما لأنه حينئذ نكون قد حكمنا على القدر المشترك بما وجدناه في جميع الأفراد وإلا فهو ناقص ".

أنواع الاستقراء

1 ـ الاستقراء التام : يشمل كل الظواهر والأفراد الذين هم قيد الدراسة فنحكم على الكلي بما حكمنا به علي الجزئي .

2 ـ الاستقراء الناقص : لا يشمل جميع الظواهر والأفراد والذين هم قيد الدراسة بل يخص بعضها والفكر يحكم من خلال البعض على الكل وجميع العلوم التجريبية تقوم عليه . وفي كلا النوعين يكون الباحث في حاجة للمنهج التجريبي ، ويتكون من ثلاثة خطوات وهي :الملاحظة والفرضية ، والتجربة ـ المنهج التجريبي وخطواته ، يفصل في مشكلة العلوم التجريبية ـ والتجربة تأتي للتحقق من الفرضية عن طريق إعادة التجارب مرات عديدة ، وفي ظروف معينة ، لكن جون ستوارت مل حاول أن يحد من عدد التجارب التي تهدف للتحقق من الفرض عن طريق ما يعرف بقواعد الاستقراء .

التحقق من الفروض عند "مل"

وضع جون ستيوارت مل ، قواعد للتحقق من الفروض ، وهي : 

1 ـ طريقة الاتفاق أو التلازم في الوقوع

مفادها انه إذا اشتركت حالتان أو أكثر للظاهرة المراد بحثها في عامل واحد كان هذا العامل الذي يثبت في جميع الحالات هو سبب الظاهرة وأساس ذلك تلازم العلة والمعلول في الوقوع ويتطلب تطبيق هذه الطريقة جمع اكبر عدد من حالات الظاهرة مع تنوع هذه الحالات فبتحليل العناصر يتبين أن السابق الثابت هو علة اللاحق الثابت ويمكن أن يرمز إلى ذلك على الوجه التالي :

أ ، ب ، ج س ، ط ، ل "حالة للظاهرة "

أ ، د ، هـ س ، ط ، ل " حالة أخرى لنفس الظاهرة

اتفقت الحالة الأولى مع الحالة الثانية في أ و س

فهنا يتبين أن الثابت السابق أ هو العلة واللاحق س هو المعلول ومثل "مل" على هذه الطريقة ، بان التركيب البلوري لأجسام مختلفة ينجم عن مرور الجسم من حالة السيولة إلى حالة التجمد دائما . 

2 ـ طريقة الاختلاف أو التلازم في الاختلاف : 

إذا كان هناك عاملان في ظاهرة معينة يتلازمان في الوقوع ، فإذا حدث أن غاب العامل الأول ولوحظ غياب العامل الثاني الملازم له لاستخلصنا من هذا أن الأول علة الثاني .

أ ، ب ، ج س ، ص ، ع " حالة للظاهرة "

ب ، ج ، ص ، ع " حالة أخرى لنفس الظاهرة "

نلاحظ انه ترتب على غياب أ غياب س وعلى ذلك أ هو علة س ومن أمثلة ذلك العلاقة بين الأكسجين والتنفس فغياب الأول يؤدي إلى الاختناق .

3 ـ الجمع بين الاتفاق والاختلاف : 

إذا كانت لدينا حالتان تحدث فيهما الظاهرة ولوحظ أن هاتين الحالتين تختلفان في كل شيء ماعدا عاملا واحدا وإذا كانت لدينا حالتان أخريان لا تحدث فيهما تلك الظاهرة ولوحظ أنهما يتفقان في أمر واحد فقط هو غياب ذلك العامل فنستنتج أن ذلك العامل الموجود في الحالتين الأوليين والغائب في الحالتين الأخيرتين هو علة الظاهرة وملخص ذلك إذا حظرت العلة حضر المعلول وإذا غابت العلة غاب المعلول .

4 ـ التغير النسبي

وهي طريقة التلازم في التغير ويقصد بها أن أي تغير يحدث للعلة يستتبع التغير في المعلول ، وهذه الطريقة لا تستلزم إيجاد العلاقة بين ظاهرتين وإنما تستهدف فقط تحديد العلاقة بينهما تحديدا كميا ، ومن أمثلة ذلك التلازم العكسي بين حجم الغاز والضغط الواقع عليه ، وهو احد القوانين المشهورة التي اكتشفها بويل . 

5 ـ طريقة البواقي

إذا كانت لدينا ظاهرة تشمل مجموعة من العناصر تبين بالطرق السابقة ، العلاقة العلية بين بعضها والبعض الأخر ، فان ما بقي منها يرتبط ارتباط علة بمعلول ، فإذا كانت أ ، ب ، ج علل د ، هـ ، و. وأثبتنا أن أ علة د ، و أن ب علة هـ ، فان ج الباقية هي علة و . وقد أورد "مل" المثال التالي : إذا علقنا إبرة ممغنطة بخيط من حرير ، ثم حركناها فوق وعاء من نحاس ، لشاهدنا أن رجوعها إلى السكون أسرع ، وليس أمامنا إلا عاملان يمكن اعتبارهما علة لهذه الظاهرة ، وهما مقاومة الهواء ومقاومة الخيط ، فإذا أسقطنا تأثير هذين العاملين لم يعد لدينا إلا سبب واحد ، وهو وعاء النحاس ، فهو المعيق لحركة الإبرة ـ نقلا عن كتاب أسس المنطق والمنهج العلمي لـ : محمد فتحي الشنيطي .

ـ الاستقراء والأحكام المسبقة

من المفروض منهجياً عند اعتماد المنهج التجريبي ، أن يتجنب الباحث أي سوابق أحكامٍ ، ولكن الباحث في واقع ممارسته للبحث ينطلق وهو مؤمن مسبقاً بمبادئ كلية مجردة غير مثبتة علمياً مثل : الحتمية ، السببية ، و أطراد الحوادث ، فكيف السبيل إلى حلِّ هذا التعارض ؟

ضرورة استبعاد الأحكام المسبقة من البحث العلمي : 

الأحكام السابقة هي الآراء التي يكونها العقل ، بالاعتماد على الموروث الثقافي، دون عرضها على التجربة للتأكد من صدقها ، وقد تصدى لها فرنسيس بيكون ، ووصفها بالأوهام، التي يجب الحذر منها .

ضرورة التسليم بأحكام مسبقة تتقدم التجربة :

إن البحث العلمي لا يمكن أن يصل إلى غايته ، إذا استبعد الباحث هذه المبادئ :

1 ـ مبدأ السببية العلمية  

السبب هو ما يحدث شيئا آخر ، والسببية هي العلاقة القائمة بين السبب والمسبب ، مادام لكل شيء سبب . وجاءت كنتيجة لاقتران بعض الظواهر بظواهر أخرى متتابعة ، فتكون الأولى علة الثانية . وكانت السببية عند القدماء ينظر إليها بوصفها قانون يفسر الظاهرة ، وتقوم السببية على فكرة التتابع الزمني .  

ولكن في العصر الحديث بدا التخلي عن السببية بوصفها مبدأ فلسفي ميتافيزيقي يهتم بالبحث في الأسباب القريبة والبعيدة . ومن الرافضين لمبدأ السببية "ديفيد هيوم " الذي قال :" عندما نقول أن شيئا مقترن بشيء آخر ، فإننا نريد فقط أن نقول أن هذين الشيئين قد اقترنا في ذهننا ، وأنهما يولدان هذا الاستنباط الذي يجعل كل واحد منهما دليلا على وجود الآخر " فأنكرها وردها إلى التعود كما رفضها " أوجست كونت " واعتبرها مبدأ فلسفي .

2 ـ مبدأ اطراد الظواهر  

الظواهر الطبيعية تحكمها قوانين دقيقة تجعل عناصرها تتحرك بشكل أطرادي ، أي كل حركة تؤدي إلى حركة وهكذا . واطراد الظواهر يعني أن الكون منظم لا فوضى فيه .

 3 ـ مبدأ الحتمية

إذا تكررت نفس الشروط ، فإن الظواهر نفسها ، ستحدث من جديد . وهذا هو مبدأ الحتمية الذي اخذ مكان السببية ، ومبدأ الحتمية حسب غوبلو هو انه " إذا اعتبرنا أن العالم متسق ، تجري حوادثه على نظام دائم ، وان نظام العالم كلي عام ، لا يشد عما هو عليه" بمعنى أن العالم يحكمه النظام ، وظواهره مضطردة . ويعتبر كلود برنار أن الحتمية أساس التفكير العلمي يقول:" إن مبدأ الحتمية مبدأ عام يشمل العلوم الطبيعية كلها ، لأنه ضروري لعلوم الأحياء كما هو ضروري لعلم الفيزياء والكيمياء " ويقول أيضا : " في العلم مسلمة ضمنية لجميع القوانين العلمية، وهي أن ثمة حتمية تقتضي أن تأتي الظواهر في المستقبل على نفس النسق الذي جاءت عليه في الماضي والحاضر " ويضيف : " لا يمكن أن يخطر بذهنه ـ ذهن الباحث ـ فكرة إنكار مبدأ الحتمية المطلق للظواهر، لان الشعور بهذا المبدأ هو الصفة المميزة التي يتميز بها العلم الجدير بهذا الاسم على وجه التحقيق ." ويقول: " إن عالما لا تسوده الحتمية هو عالم موصد في وجه العلماء ، العلم بطبيعته حتمي " كما أن الإيمان بالحتمية لا يترك مجالا للصدفة أو الاحتمال يقول " لابلاس " :" يجب علينا أن نعتبر الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة ، وسببا في حالته التي تأتي بعد ذلك مباشرة " ويرى انه بالإمكان أن يصبح المستقبل والحاضر ماثلا أمامنا إذا توفرنا على شروط ذلك من ذكاء ومعرفة لحقائق الأمور " .

 ـ الاستقراء والحقيقة

الاستقراء منهج للوصول إلى الحقيقة ، لكن من يضمن وصوله لذلك ؟

الوصول إلى الحقيقة بضمانة من عقلنة الظواهر 

الفرضية والقانون العلمي مؤشر على العقلنة، إن الفرض هو تكهنات أو مشروع حل لمسألة علمية مطروحة ، ويجب أن يتوفر على شروط صارمة ، أبرزها أن يكون معقولا ، وقابلا للتأكد من صحته . لكن قبل ذلك الفرض هو عبارة عن تصورات في العقل ، وهذا يعني أن الاستقراء ، لا يهمل دور العقل. و نفس الشيء عند صياغة القانون العلمي ، وهو في حقيقته ، محصلة نتائج البحث المعتمد على المنهج التجريبي ، ويصاغ صياغة رياضية ، ويكون معبرا عن رابطة ونسبة بين الظواهر . وهذه النسبة في الحقيقة تكون على مستوى العقل. أي أن الوصول إلى الحقيقة في هذا الإطار ، يمر عبر استخدام العقل ، في فهم وتفسير الظواهر الطبيعية . 

الوصول إلى الحقيقة بضمانة من انتظام الظواهر 

التعميم والتنبؤ مؤشر على انتظام الظواهر ، فالتعميم عملية عقلية ، من خلالها نعمم القوانين العلمية على باقي الظواهر المتجانسة والمتشابهة ، والتي توصلنا لها عن طريق التصنيف والتقسيم واستخلاص العلاقات الثابتة والعامة، والتعميم يسمح بالتنبؤ وهو غاية العلوم ، يقول عبد الرحمن بدوي : " فلسنا في حاجة إلى دراسة كل الظواهر في هذا المكان ، بل يكفي أن نقوم بالتجربة على مجموعة من الظواهر في هذا المكان، لكي نعمم الحكم فنجعله صالحا في أي مكان أخر "

و التنبؤ هو أن تفسير الوقائع الجديدة ، والتي لم تحدث بعد ، سيتماشى مع ذلك النمط العام من المعرفة الذي اكتسبناه ، وثبت لنا صوابه . فالتنبؤ معرفة مطابقة تمام المطابقة للتفسير الذي لدينا ، والفرق بين التنبؤ والتفسير، أن التفسير يحيلنا إلى حقيقة تأكدنا من قبل من صحتها ، بينما التنبؤ ينصب على معرفة قضية تحدث في المستقبل . والتنبؤ له شروطه وضوابطه ، فهو ليس رجم بالغيب ، بل خطوة تستند إلى النظريات والوقائع المعروفة. 

IV ـ الفكر بين انطباقه مع الواقع وانطباقه مع نفسه

بواسطة
كيف يمكن للفكر أن ينطبق مع الواقع ، في الوقت الذي ينطبق فيه مع نفسه ؟







النسق الرياضي يضمن انطباق الفكر مع نفسه ومع الواقع  



1 ـ النسق الرياضي المجرد يطابق العلم التجريبي



 و يمكن تبين ذلك من خلال علم الفلك ، حيث تمكن كبلر من قياس الزمن الذي يستغرقه الكوكب ليدور حول الشمس ، بل تمكن من معرفة أن مسارها اهليليجي وليس دائري . وكل هذا من خلال اعتماده على الرياضيات فقط . ثم تبين أن الواقع التجريبي لا يتناقض مع ما أسفرت عنه المعادلات الرياضية في مجال علم الفلك، بل توصل علماء الفلك إلى اكتشاف الكواكب بالاعتماد على الحسابات الرياضية .



2 ـ الرياضيات تمد العلم التجريبي بلغته الدقيقة



 ظلت العلوم تتسم بعدم الدقة في حقائقها ، وعلى العكس من ذلك كانت أحكام الرياضيات دقيقة جدا ، لأنها تتعامل مع الكم القابل للقياس . فحاول علماء التجربة أن يجعلوا حقائقهم دقيقة دقة حقائق الرياضيات ، فلجأ إليها العلماء في العصر الحديث ، وكانت البداية مع كبلر عندما حسب حركة المريخ ، ومن تم غزت الرياضيات الميادين العلمية الأخرى ، فاعتمد عليها كل من غاليلي ونيوتن في حساب الجاذبية ، واستعان بها الفيزيائيين أمثال اينشتاين والكيميائيين أمثال لافوازييه والبيولوجيين أمثال مندل .



ولما كانت بعض الظواهر يصعب دراستها كميا ثم ابتكار الآلات التي تحول الكيفيات إلى كميات ، كما طوروا وسائل الملاحظة العلمية ، يقول بوانكاريه : "إن جميع القوانين مستخرجة من التجربة ولا بد في التعبير عنها من استعمال لغة خاصة ، لأن اللغة العادية مبهمة جدا ، لا تصلح للتعبير عن العلاقات الدقيقة ، ذلك هو السبب الأول في عدم استغناء العالم الطبيعي عن الرياضيات ، فهي التي يستطيع العالم أن يتكلم بها " . ويقول برغسون : " العلم الحديث ابن الرياضيات ، ولم يولد إلا عندما أصبح الجبر مرنا قويا قادرا على شبك الحقائق وإيقاعها في حبائل حسابه، فالرياضيات إذن هي المثل الأعلى الذي يتطلع إليه العلم الحديث "



النسق المنطقي يضمن انطباق الفكر مع نفسه ومع الواقع .



الاستقراء والاستنباط



أثناء الاستقراء هل نستغني عن الاستنتاج المنطقي ؟ وهل الاستنتاج المنطقي في غنى عن الاستقراء ، وهل يتم احدهما في غياب الآخر ؟



إن الاستدلال سلسلة من الإحكام مرتبة تصاعديا أو تنازليا ، فالعقل يسلك طريق التحليل إذا نزل من المبادئ إلى النتائج ، أو من المقدمات إلى النتائج . ويسلك طريق التركيب إذا صعد من النتائج إلى المبادئ ، فلا غنى للاستنتاج عن الاستقراء ، ولا للاستقراء عن الاستنتاج . فالعقل يعتمد عليهما معا ، لأن الاستنتاج يبدأ من مقدمات كلية ، وهذه الأخيرة وصلنا إليها بالاستقراء . والاستقراء يهدف إلى حكم عام، ولكي نتحقق من صدقه نعتمد على الاستنتاج .



 ( حل المشكلة )



إن المشكلة الفلسفية التي يعرفها منطق انطباق الفكر مع نفسه ، ليست في الحدة التي يطرحها منطق انطباق الفكر مع الواقع ، من حيث أن الأول يتعامل مع مفاهيم وتصورات وافتراضات كمنطلقات مسلم بها ، تلزم عنها بالضرورة نتائج صحيحة . أما الثاني فرغم اعتماده على الملاحظة والتجربة ، فهو مضطر أيضا إلى الانطلاق من مبادئ مصدرها بعيد عن التجربة ، كمبدأ السببية والحتمية . وإذا وصف المنطق الأرسطي بأنه منهج عقيم وانه يقوم على أسس غير مستمدة من الواقع ، فنفس الكلام ينسحب على المنهج الاستقرائي

اسئلة متعلقة

...