في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة
خطبة الجمعة  مكتوبة بعنوان ماهي الدنيا( حقيقة الدنيا) خطبة الجمعة القادمة مع الدعاء مكتوبة

خطبة الجمعة القادمة مع الدعاء خطبة استرشادية تدعو إلى الاهتمام بعمل الآخرة وما هي حقيقة الدنيا

خطبه الجمعه بعنوان(حقيقة الدنيا -)

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ حد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أما بعدُ: فإن أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدَثة بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومَنْ شذَّ عنهم شذَّ في النار.

عبادَ اللهِ: إنَّ المرءَ في حياته ومعاشه، يتقلَّب بين خيرٍ وشرٍّ، ورخاءٍ وشظَفٍ، وفَتْحٍ وإغلاقٍ، وعُسْرٍ ويُسْرٍ، ومدٍّ وجَزْرٍ، هكذا هي الحياة، أيامٌ دُوَلٌ، تتقلَّب فلا تدوم على حال، فإن مَنْ سرَّتْه حالٌ ساءته أحوالٌ، والنسيم لا يهب عليلًا على الدَّوام، ولو نظَر إلى أمسه فسيراه قد فات، فلا يستطيع ردَّه، ولا يشعر بلذَّتِه التي مضَتْ، وينسي ألمَ حزنه الذي انقضى، ولو نظَر إلى غده فسيراه مجهولًا، فهو ليس على ثقة منه؛ لأنه لا يدري ما الله قاضٍ له فيه، فلا يرى حينئذ بين يديه إلا يومَه الذي يتنفَّس فيه ويسمع ويُبصِر، فصارَت محصِّلتُه من ذلكم أنَّ أمسَه أَجَلٌ، ويومَه عملٌ، ومستقبلَه أملٌ، وهو في مثل هذه الحال أحوجُ ما يكون إلى أن يستحضِر في نفسه وصيةَ النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمرَ حينَ قال له: "كُنْ في الدنيا كأنَّكَ غريبٌ، أو عابرُ سبيلٍ"، ويستحضر في نفسه أيضا وصيةَ ابن عمر بعد تنفيذه وصيةَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال قولة العارف المجرِّب: "إذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حياتكَ لموتكَ"(رواهما البخاري).

إنها الدنيا -عبادَ اللهِ-، دارُ الممرِّ لا دار المقرِّ، والناسُ فيها صنفانِ: مَنْ باع نفسَه فأَوْبَقَها، ومَنِ ابتاعَ نفسَه فأعتَقَها، (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)[الِانْشِقَاقِ: 6]، إنها لَدارٌ أولُها عناءٌ، وآخِرُها فناء، حلالُها حسابٌ، وحرامها عذاب، مَنِ استغنى فيها فُتِنَ ومَنِ افْتَقَرَ حَزِنَ، فإن ذوي الألباب إذا امتَحَنوا الدنيا تكشَّفت لهم حقيقتُها بعدَ إغراءٍ، وأن اللَّهثَ وراءها مغبتُه عناءٌ، وكم مِنْ مُغرَم بطِلَابِها زوَّرت له خصومًا في ثياب أصدقاء.

هذه هي حقيقة الحياة -عبادَ اللهِ-؛ تقلُّبٌ وغِيَرٌ ونوائبُ وزوالٌ، لا دوامَ فيها ولا بقاء، فما جعَل اللهُ الخُلْدَ فيها لبَشَر قطُّ، وإن دنيا هذه صفتُها ليست جديرةً بأن يشغل العبدُ نفسَه بها، عمَّا هي أدومُ منها وأبقى، ولا أن يُطلِق لعينيه العِنانَ، يمدُّهما إلى ما متَّع الله به أزواجًا منهم، زهرةَ الحياة الدنيا ليفتنهم فيه، ولا تستحقُّ أن يوالي عليها أو يعادِي، ولا أن يخاصِم ويناكِف، ولا أن يتحسَّر عليها حتى يكونَ حَرَضًا أو يكون مِنَ الهالِكينَ؛ فإنَّها -واللهِ وباللهِ وتاللهِ- ما كَمُلَتْ لأحدٍ إلا نَقَصَتْ، ولا اتسعت له إلا ضاقت، وما سرت أحدا إلا أحزنته، وما أضحكته إلا أبكته، وإنها مهما كبرت فهي صغيرةٌ، ومهما طالَت فهي قصيرةٌ، وما هي إلا كما قال اللهُ -جلَّ شأنُه-: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الْحَدِيدِ: 20]، فما الظن -عبادَ اللهِ- بما نهايته اصفرارٌ وحطامٌ، مهما سبقهما من زينة وتفاخر وتكاثر، إنها كما قال عنها نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لو كانت الدنيا تَعدِل عندَ اللهِ جناحَ بعوضة ما سقَى كافرًا منها شربةَ ماءٍ"(رواه الترمذي).

عبادَ اللهِ: الدنيا مسرحُ الحياة وعَرَصَاتُها، جعَلَها اللهُ ذلولًا للنَّاسِ ليمشوا في مناكبها، ويأكلوا من رزقه، ولا يُسرِفوا فيها، ولا يَجعلُوها أكبرَ هَمِّهم، ولا مبلغَ علمِهم بالتنافُس فيها، والاقتتالِ عليها، والتياثِهِم بما خَشِيَهُ عليهم نبيُّ الرحمة والهدى؛ فإنه لَمَّا قَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلى المدينة بِمَالِ الجزيةِ سَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ، فَوَافَتْهُ صَلاةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ"(رواه البخاري ومسلم).

لقد قصَد -بأبي هو وأمي، صلوات الله وسلامه عليه-، التنافسَ الموغِل، الذي يُبعد ولا يُقرِّب، ويُلهِي ولا يُعِين، ويُقَسِّي ولا يُلَيِّن، (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لُقْمَانَ: 33]، لقد قالها مَنْ خَلَقَها، وهو أعلمُ بها منَّا، فإيَّاكم وما شغَل من الدنيا عبادَ اللهِ؛ فإنها كثيرةُ الأشغالِ، لا يَفتَح رجلٌ على نفسه بابَ شغل فيها إلا أوشَك ذلك البابُ أن يَفتح عليه عشرةَ أبوابٍ، حتى يخرج منها صِفْرَ اليدينِ، كمعيِّد القريتينِ.

إنه لَمَّا تأمَّلَ سلفُنا الصالحُ حقيقةَ الدنيا وجَدُوا أنها مطعوم ومشروب وملبوس ومركوب ومشموم، فأشرفُ المطعوماتِ العسل، وهو مِجاجُ نحلةٍ صغيرةٍ، وأشرفُ المشروباتِ الماءُ، ويستوي فيه البَرُّ والفاجرُ، وأشرفُ الملبوساتِ الحريرُ، وهو نسجُ دودةٍ حقيرةٍ، وأشرفُ المركوباتِ الفَرَسُ، وعليه يُقتَل صناديدُ الرجالِ، وأشرفُ المشموماتِ الْمِسْكُ، وهو دمٌ في سر غزال، قال أبو الدرداء: "مِنْ هوانِ الدنيا على اللهِ أنها لا يُعصَى إلا فيها، ولا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلا بتركها".

الدنيا والآخرة -عبادَ اللهِ- كالضرتين، فبِقَدْر ما تُرضي إحداهما تُسخِط الأخرى، ألا أنها لم تذكر أمام الآخرة إلا كانت مذمومة، ولا فضَّلها أحدٌ على الأخرى، إلا كانت عاقبته مشؤومةً، فمِنْ ذلك قول الله -جل وعلا-: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)[الْأَنْفَالِ: 67]، وقوله: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الْأَنْعَامِ: 32]، وقوله: (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)[التَّوْبَةِ: 38]، وقوله: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الْقَصَصِ: 60].

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمِنَ الله، وإن خطأً فمِنْ نفسي والشيطانِ، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمينَ والمسلماتِ، من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إن ربي كان غفورًا رحيمًا.

----

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأصلِّي وأسلِّم على خليله الداعي إلى رضوانه.

وبعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلموا أن الإسلام دين الوسط، بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، وأن نظرة الإسلام إلى الدنيا كذلكم، فإنه لم يَذُمَّها، ولم يَدْعُ إلى هجرانها إلا إذا كانت فيما يُبعِدُ عن اللهِ والدارِ الآخرةِ، فإن ذلك خروج من دائرة الوسط، فإهمالُها مطلقًا ضِيقُ عَطَنٍ في النظرة إليها، والانغماسُ فيا مطلقًا اغترارٌ بها عن مغبَّتِها، والتنافُسُ فيها محفوفٌ بمخاطِرَ لا يتفطَّن لها كثيرٌ من المتنافِسينَ فيها، وإنما ذمَّ التنافسَ فيها؛ لأنه يُورِث الأَشَرَ، وبَطَرَ الحقِّ وغَمْطَ الناسِ، إنه التنافُسُ الملهي لا المعين، المنسِي لا المذكِّر، المؤخِّر لا المقدِّم، فكم شغَل التنافسُ عن واجباتٍ، وأَلْهَى عن مساعي الآخرةِ الباقياتِ، وكم فرَّق من مجتَمِع، وأنشأ مِنْ خُصُومات، وكم طمَس معاييرَ الإيثارِ والتآلُفِ، وكم قضى على صحة وشرَف وعَدْل وعاطفة، غيرَ أن المؤمنَ القويَّ فيها خيرٌ مِنَ المؤمنِ الضعيفِ، ومَنِ استعمَلَها فيما يُرضِي خالقَه جمَع بين خيرينِ، ثم إن ذمَّ التنافُسِ فيها لا يَعنِي حرمانَ المرء نفسَه ممَّا أفاءَ اللهُ عليه مِنْ نَعِيمِها؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال لعمر بن العاص: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُغْنِمَكَ اللَّهُ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً مِنَ الْمَالِ صَالِحَةً ". قَالَ عَمْرٌو: إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رغبةً فِي الْمَالِ، إنَّما أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَأَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ: "يَا عَمْرُو، نَعِمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ"(رواه أحمد).

وكم -يا رعاكم الله- كان في الصحابة من الأغنياء الأثرياء، بل إن الثراء والغنى المستعملين في طاعة الله، لم يمنعا بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أن يكونوا من العشرة المبشرين بالجنة؛ فإن أبا بكر -رضي الله عنه- منهم، وهو غني، وهو الذي قال عنه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ"(رواه أحمد)، ثم إن عثمان بن عفان من العشرة المبشَّرين بالجنة، وهو غني، وسعد بن أبي وقاص منهم وهو غني، والزبير بن العوام منهم وهو غني، وعبد الرحمن بن عوف منهم وهو غني، وطلحة بن عبيد الله منهم وهو غني، بل إن ثروته قد بلَغَت آنذاك ثلاثمائة مليون درهم، لكن أولئك أجمعينَ قد اتخذوا دنياهم في أيديهم، واتخذوا آخرتَهم في قلوبهم، ابتَغَوْا فيما آتاهم اللهُ الدارَ الآخرةَ، ولم ينسَوْا نصيبَهم من الدنيا، وأحسَنُوا كما أحسَن اللهُ إليهم.

ألا إنما الدنيا دارُ صدقٍ لِمَنْ صدَقَها، ودارُ نجاةٍ لِمَنْ فَهِمَ عنها، ودار غِنًى لمن تزوَّد منها، مهبط وحي الله، ومصلَّى ملائكته، ومساجدُ أنبيائه، ومتاجِرُ أوليائه، رَبِحُوا فيها الرحمةَ، واكتسَبوا فيها الجنَّةَ، قال لقمان لابنه: "يا بني، بع دنياك بآخرتك، تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا"، وقال حذيفة بن اليمان: "ليس خياركم الذين تركوا الدنيا للآخرة، ولا الذين تركوا الآخرة للدنيا، ولكن خياركم الذين أخذوا من هذه وهذه".

فهنيئًا -يا عباد الله-، لمن عرَف اللهَ فأطاعه، وعرَف الشيطانَ فعصاه، وعرَف الحقَّ فاتبعه، وعرَف الباطلَ فاتَّقاه، وعرَف الدنيا فلم تُلهِه، وعرَف الآخرةَ فلم تَفُتْهُ، (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الْقَصَصِ: 83].

هذا وصلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية، وأزكى البشرية؛ محمد بن عبد الله، فقد أمرَكم اللهُ بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكتِه المسبِّحة بقُدْسِه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون، فقال جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، صاحبِ الوجهِ الأنورِ، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيِّكَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك، يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في دينهم في سائر الأوطان، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتَنا وولاةَ أمورنا، واجعل ولايتنا فيمَن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لِمَا فيه صلاح البلاد والعباد.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهم ارفع وادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام.

عبادَ اللهِ: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون. أقم الصلاة

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
خطبة الجمعة مكتوبة بعنوان ماهي الدنيا( حقيقة الدنيا) خطبة الجمعة القادمة مع الدعاء مكتوبة
0 تصويتات
بواسطة
ﺧﻄﺒﺔ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﻦ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﺳﺎﺱ ﻛﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ

ﺍﻟﺨﻄﺒﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ .

ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ : ﻣَﻦ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﺃﻳﻘﻦ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﻤﻬﺎ ﺍﺑﺘﻼﺀ، ﻭﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻋﻨﺎﺀ، ﻭﻋﻴﺸﻬﺎ ﻧﻜﺪ، ﻭﺻﻔﻮﻫﺎ ﻛﺪﺭ، ﻭﺃﻫﻠﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻞ؛ ﺇﻣﺎ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺯﺍﺋﻠﺔ، ﺃﻭ ﺑﻠﻴﺔ ﻧﺎﺯﻟﺔ، ﺃﻭ ﻣﻨﻴﺔٍ ﻣﺎﺿﻴﺔ، ﻣﺴﻜﻴﻦٌ ﻣَﻦ ﺍﻃﻤﺌﻦ ﻭﺭﺿﻲ ﺑﺪﺍﺭٍ ﺣﻼﻟﻬﺎ ﺣﺴﺎﺏ، ﻭﺣﺮﺍﻣﻬﺎ ﻋﻘﺎﺏ، ﺇﻥ ﺃﺧﺬﻩ ﻣﻦ ﺣﻼﻝٍ ﺣُﺴِﺐ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺇﻥ ﺃﺧﺬﻩ ﻣﻦ ﺣﺮﺍﻡ ﻋُﺬِﺏ ﺑﻪ، ﻣَﻦ ﺍﺳﺘﻐﻨﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓُﺘِﻦ، ﻭﻣَﻦ ﺍﻓﺘﻘﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺰِﻥ، ﻣَﻦ ﺃﺣﺒَّﻬﺎ ﺃﺫﻟﺘﻪ، ﻭﻣَﻦ ﺍﻟﺘﻔﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻧﻈﺮﻫﺎ ﺃﻋﻤﺘﻪ .

ﻭﻛﻢ ﻛُﺸِﻒ ﻟﻠﺴﺎﻣﻌﻴﻦ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺑﻴَّﻦ ﻟﻬﻢ ﻗِﺼَﺮ ﻣﺪﺗﻬﺎ، ﻭﺍﻧﻘﻀﺎﺀ ﻟﺬﺗﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﻳﻀﺮﺏ ﺑﺎﻷﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻴﺔ، ﻗﺎﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ : ‏( ﺍﻋْﻠَﻤُﻮﺍ ﺃَﻧَّﻤَﺎ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓُ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻟَﻌِﺐٌ ﻭَﻟَﻬْﻮٌ ﻭَﺯِﻳﻨَﺔٌ ﻭَﺗَﻔَﺎﺧُﺮٌ ﺑَﻴْﻨَﻜُﻢْ ﻭَﺗَﻜَﺎﺛُﺮٌ ﻓِﻲ ﺍﻷَﻣْﻮَﺍﻝِ ﻭَﺍﻷَﻭْﻻﺩِ ﻛَﻤَﺜَﻞِ ﻏَﻴْﺚٍ ﺃَﻋْﺠَﺐَ ﺍﻟْﻜُﻔَّﺎﺭَ ﻧَﺒَﺎﺗُﻪُ ﺛُﻢَّ ﻳَﻬِﻴﺞُ ﻓَﺘَﺮَﺍﻩُ ﻣُﺼْﻔَﺮًّﺍ ﺛُﻢَّ ﻳَﻜُﻮﻥُ ﺣُﻄَﺎﻣًﺎ ﻭَﻓِﻲ ﺍﻵﺧِﺮَﺓِ ﻋَﺬَﺍﺏٌ ﺷَﺪِﻳﺪٌ ﻭَﻣَﻐْﻔِﺮَﺓٌ ﻣِﻦَ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻭَﺭِﺿْﻮَﺍﻥٌ ﻭَﻣَﺎ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓُ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﺇِﻟَّﺎ ﻣَﺘَﺎﻉُ ﺍﻟْﻐُﺮُﻭﺭِ ‏)‏[ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ 20: ‏] .

ﺷﺮﺡ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻓﺘﺘﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻬﺎ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﺼﺮ ﻧﻈﺮﻫﻢ، ﻭﺑﻴّﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﻘﺮﺍﺕ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺮﻛﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻼﺀ ﻓﻀﻠًﺎ ﻋﻦ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ ﺑﻬﺎ، ﻭﺍﻻﻧﻬﻤﺎﻙ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻬﺎ ﻭﻗﺘﻞ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻌﺐٌ ﻻ ﺛﻤﺮﺓ ﻓﻴﻪ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺘﻌﺐ، ﻭﻟﻤﺎ ﺗﺸﻐﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ، ﻭﺗُﻠﻬﻴﻪ ﻋﻤﺎ ﻳﻨﻔﻌﻪ ﻓﻲ ﺁﺧﺮﺗﻪ، ﻭﺯﻳﻨﺔ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺮﻓًﺎ ﺫﺍﺗﻴًﺎ ﻛﺎﻟﻤﻼﺑﺲ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺐ ﺍﻟﺒﻬﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﺗﻔﺎﺧﺮ ﺑﺎﻷﻧﺴﺎﺏ ﻭﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺍﻟﺒﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻣﺒﺎﻫﺎﺓ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻷﻭﻻﺩ، ﻭﻋِﻈﻢ ﺍﻟﺠﺎﻩ .

ﺛﻢ ﺃﺷﺎﺭ ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺍﻻﺿﻤﺤﻼﻝ ﻛﻤﺜﻞ ﻏﻴﺚ ﺭﺍﻕ ﺍﻟﺰُّﺭﺍﻉ ﻧﺒﺎﺗﻪ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﺑﻪ، ﺛﻢ ﻳﻬﻴﺞ ﻭﻳﺘﺤﺮﻙ، ﻭﻳﻨﻤﻮ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻗﺪﺭﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ، ﻓﺴﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﻣﺼﻔﺮًﺍ ﻣﺘﻐﻴﺮًﺍ ﺯﺍﺑﻠًﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﺃﺧﻀﺮ ﻧﺎﺿﺮًﺍ، ﺛﻢ ﻳﺼﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻴُﺒﺲ ﻫﺸﻴﻤًﺎ ﻣﺘﻜﺴﺮًﺍ ﻓﻔﻴﻪ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺑﻤﺪﺓ ﻧﺒﺎﺕ ﻏﻴﺚٍ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻳﻔﻨﻰ ﻭﻳﻀﻤﺤﻞ، ﻭﻳﺘﻼﺷﻰ ﻓﻲ ﺃﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻭﻗﺮﺏ ﻓﻨﺎﺋﻬﺎ .

ﻭﺑﻌﺪﻣﺎ ﺑﻴّﻦ - ﺟﻞ ﻭﻋﻼ - ﺣﻘﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺳﺮﻋﺔ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﺗﺰﻫﻴﺪًﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺗﻨﻔﻴﺮًﺍ ﻭﺗﺤﺬﻳﺮًﺍ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﻬﻤﺎﻙ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻬﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻓﺨﺎﻣﺔ ﺷﺄﻥ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻭﻓﻈﺎﻋﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻻﻡ، ﻭﻋِﻈﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺗﺮﻫﻴﺒًﺎ ﻭﺗﺮﻏﻴﺒًﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻟﻤﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻋﻴﻦ ﺭﺃﺕ، ﻭﻻ ﺃﺫﻥ ﺳﻤﻌﺖ، ﻭﻻ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺑﺸﺮ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺴﻤﺎﻥ :

ﻓﻄﻨﺎﺀ ﻗﺪ ﻭﻓَّﻘﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻌﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﺎ ﻇﻞٌ ﺯﺍﺋﻞ، ﻭﻧﻌﻴﻢ ﺣﺎﺋﻞ، ﻭﺃﺿﻐﺎﺙ ﺃﺣﻼﻡ ﺑﻞ ﻓﻬﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﺎ ﻧِﻌَﻢٌ ﻓﻲ ﻃﻴﻬﺎ ﻧِﻘَﻢ، ﻭﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﻧﻬﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﻓﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻣﻌﺒﺮٌ ﻭﻃﺮﻳﻖٌ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ، ﻓﺮﺿﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻴﺴﻴﺮ، ﻭﻗﻨﻌﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ﻓﺎﺳﺘﺮﺍﺣﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﻤﻬﺎ ﻭﺃﺣﺰﺍﻧﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺖ ﺃﺑﺪﺍﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻧَﺼَﺒﻬﺎ ﻭﻋﻨﺎﺋﻬﺎ، ﺟﻌﻠﻮﺍ ﺍﻟﻨﻔَﺲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻭﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﻧُﺼْﺐ ﺃﻋﻴﻨﻬﻢ، ﻭﺗﺪﺑﺮﻭﺍ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺼﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻓﻜﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﻳﺨﺮﺟﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺳﺎﻟﻢٌ ﻟﻬﻢ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻌﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﺭﻫﻢ ‏( ﻳَﻮْﻡَ ﻻ ﻳَﻨْﻔَﻊُ ﻣَﺎﻝٌ ﻭَﻻ ﺑَﻨُﻮﻥَ ‏) ‏[ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ 88: ‏] ‏( ﺇِﻟَّﺎ ﻣَﻦْ ﺃَﺗَﻰ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺑِﻘَﻠْﺐٍ ﺳَﻠِﻴﻢٍ ‏)‏[ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ 89: ‏] ، ‏( ﻳَﻮْﻡَ ﻻ ﻳُﻐْﻨِﻲ ﻣَﻮْﻟًﻰ ﻋَﻦْ ﻣَﻮْﻟًﻰ ﺷَﻴْﺌًﺎ ‏) ‏[ ﺍﻟﺪﺧﺎﻥ : 41 ‏] ، ﺃﺩﺭﻛﻮﺍ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺘﺄﻫﺒﻮﺍ ﻟﻠﺴﻔﺮ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ، ﻭﺃﻋﺪﻭﺍ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻟﻠﺤﺴﺎﺏ، ﻭﻗﺪﻣﻮﺍ ﺍﻟﺰﺍﺩ ﻟﻠﻤﻌﺎﺩ، ﻭﺧﻴﺮ ﺍﻟﺰﺍﺩ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻓﻄﻮﺑﻰ ﻟﻬﻢ ﺧﺎﻓﻮﺍ ﻓﺄﻣﻨﻮﺍ ﻭﺃﺣﺴﻨﻮﺍ ﻓﻔﺎﺯﻭﺍ ﻭﺃﻓﻠﺤﻮﺍ .

ﺇﻥ ﻟﻠﻪ ﻋﺒﺎﺩًﺍ ﻓُﻄﻨﺎ *** ﻃﻠﻘﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺧﺎﻓﻮﺍ ﺍﻟﻔِﺘﻨﺎ

ﻧﻈﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮﺍ *** ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺤﻲ ﺳﻜﻨﺎ

ﺟﻌﻠﻮﻫﺎ ﻟُﺠﺔ ﻭﺍﺗﺨﺬﻭﺍ *** ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻔﻨﺎ

ﻭﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ : ﺟُﻬﺎﻝٌ ﻋﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﺼﺎﺋﺮ، ﻟﻢ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺸﻔﻮﺍ ﺳﻮﺀ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻭﻣﺂﻟﻬﺎ، ﺩﺭﺟﺖ ﻟﻬﻢ ﺑﺰﻳﻨﺘﻬﺎ ﻓﻔﺘﻨﺘﻬﻢ ﻓﺈﻟﻴﻬﺎ ﺃﺧﻠﺪﻭﺍ ﻭﺑﻬﺎ ﺭﺿﻮﺍ ﻭﻟﻬﺎ ﺍﻃﻤﺄﻧﻮﺍ ﺣﺘﻰ ﺃﻟﻬﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺷﻐﻠﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻃﺎﻋﺘﻪ ‏( ﻧَﺴُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻓَﺄَﻧْﺴَﺎﻫُﻢْ ﺃَﻧْﻔُﺴَﻬُﻢْ ﺃُﻭْﻟَﺌِﻚَ ﻫُﻢُ ﺍﻟْﻔَﺎﺳِﻘُﻮﻥَ ‏) ‏[ ﺍﻟﺤﺸﺮ 19: ‏] .

ﻧﻌﻢ .. ﺇﻧﻬﻢ ﻧﺴﻮﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺣﻘﻮﻗﻪ، ﻭﻣﺎ ﻗﺪَﺭﻭﻩ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺍﻋﻮﺍ ﻻﻧﻬﻤﺎﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻬﺎﻟﻜﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻮﺍﺟﺐ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻧﻮﺍﻫﻴﻪ ﺣﻖ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ﻓﺄﻧﺴﺎﻫﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﺃﻧﺴﺎﻫﻢ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻭﺃﻏﻔﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﻓﺼﺎﺭ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻓُﺮﻃًﺎ، ﻓﺮﺟﻌﻮﺍ ﺑﺨﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ، ﻭﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ : " ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻙ ﻓﻴﻤﺎ ﺿُﻤِﻦ ﻟﻚ ﻣﻊ ﺗﻘﺼﻴﺮﻙ ﻓﻴﻤﺎ ﻃُﻠِﺐ ﻣﻨﻚ ﺩﻟﻴﻞ ﺍﻧﻄﻤﺎﺱ ﺑﺼﻴﺮﺗﻚ ."

ﺃﻗﺎﻣﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﺪﻣﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻋﺘﺰﻭﺍ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺄﺫﻟﺘﻬﻢ، ﺃﻛﺜﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﺃﺣﺒﻄﻮﺍ ﻃﻮﻝ ﺍﻵﺟﺎﻝ، ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ ﻭﺍﻷﻫﻮﺍﻝ، ﺭﻭﻯ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ : " ﻭَﻣَﻦْ ﻛَﺎﻧَﺖِ ﺍﻵﺧِﺮَﺓُ ﻫَﻤَّﻪُ ﺟَﻌَﻞَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻏِﻨَﺎﻩُ ﻓِﻲ ﻗَﻠْﺒِﻪِ، ﻭَﺟَﻤَﻊَ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﺷﻤّﻠَﻪُ، ﻭَﺃَﺗَﺘْﻪُ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻭَﻫِﻲَ ﺭَﺍﻏِﻤَﺔٌ، ﻭَﻣَﻦْ ﻛَﺎﻧَﺖِ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻫَﻤَّﻪُ ﺟَﻌَﻞَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻓَﻘْﺮَﻩُ ﺑَﻴْﻦَ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻪِ، ﻭَﻓَﺮَّﻕَ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﺷﻤﻠَﻪُ، ﻭَﻟَﻢْ ﻳَﺄْﺕِ ﻟَﻪُ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﺇِﻻَّ ﻣَﺎ ﻗُﺪِﺭَ ﻟَﻪُ ."

ﻭﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ : " ﻭﻗﺪ ﺃﺧﺒﺮ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﺳﺎﻭﺕ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﻣﺎ ﺳﻘﻰ ﻛﺎﻓﺮًﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎﺀ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺃﻫﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺨﻠﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻛﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻖ ﺑﺈﺻﺒﻊ ﻣَﻦ ﺃﺩﺧﻞ ﺇﺻﺒﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺟﻨﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ، ﻭﺃﻣﺮ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻏﺮﻳﺐ، ﺃﻭ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﻴﻞ، ﻭﻳﻌﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﺇﺫﺍ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻼ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻣﺴﻰ ﻓﻼ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ، ﻭﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻣﺎ ﻳُﺮﻏِّﺐ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻌﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﺭ ﻭﻋﺒﺪ ﺍﻟﺪﺭﻫﻢ، ﻭﺩﻋﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻌﺲ ﻭﺍﻻﻧﺘﻜﺎﺱ، ﻭﻋﺪﻡ ﺇﻗﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﺮﺓ ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩ .

ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻧﻬﺎ ﺣﻠﻮﺓ ﺃﻱ : ﺗﺄﺧﺬ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﺑﺨﻀﺮﺗﻬﺎ ﻭﺣﻠﻮﺗﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺑﺤﻼﻭﺗﻬﺎ ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺎﺗﻘﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺮﺍﻛﺐ ﺍﺳﺘﻈﻞ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺻﺎﺋﺐ، ﺛﻢ ﺭﺍﺡ ﻭﺗﺮﻛﻬﺎ، ﻭﻣﺮّ ﺑﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﻳُﻌﺎﻟﺠﻮﻥ ﺧُﺼًّﺎ ﻟﻬﻢ ﻗﺪ ﻭَﻫَﻰ، ﻓﻘﺎﻝ : " ﻣﺎ ﺃﺭﻯ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻻ ﺃﻋﺠﻞ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ " ، ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺴﺘﺮٍ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻪ ﻓﻨُﺰِﻉ ﻭﻗﺎﻝ : ﺇﻧﻪ ﻳﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻣﺎﻟﻪ ﻭﻋﻤﻠﻪ، ﻓﻴﺮﺟﻊ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻣﺎﻟﻪ ﻭﻳﺒﻘﻰ ﻋﻤﻠﻪ .

ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺮﻳﺢ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺒﺪﻥ، ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻄﻴﻞ ﺍﻟﻬﻤﻮﻡ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ، ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻥ ﺑﺬﻝ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﺎ ﻓﻀﻞ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺧﻴﺮٌ ﻟﻪ، ﻭﺇﻣﺴﺎﻛﻪ ﺷﺮٌ ﻟﻪ ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳُﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻔﺎﻑ .

ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻥ ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺑﻤﺘﻨﻌﻤﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺈﻥ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ، ﻓﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﺿﻮﻥ ﺑﻨﻌﻴﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻮﺿًﺎ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭﻳﻮﻥ : ﻳﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻣَﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ؟ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺧﻮﻑ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻻ ﻫﻢ ﻳﺤﺰﻧﻮﻥ، ﻗﺎﻝ : ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﻃﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺣﻴﻦ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺟﻠﻬﺎ، ﻓﺄﻣﺎﺗﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺨﺸﻮﻥ ﺃﻥ ﻳُﻤﻴﺘﻬﻢ، ﻭﺗﺮﻛﻮﺍ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺘﺮﻛﻬﻢ ﻓﺼﺎﺭ ﺍﺳﺘﻜﺜﺎﺭﻫﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﺳﺘﻐﻼﻟًﺎ، ﻭﺫﻛﺮﻫﻢ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﻓﻮﺍﺗًﺎ، ﻭﻓﺮﺣﻮﺍ ﺑﻤﺎ ﺃﺻﺎﺑﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺰﻧًﺎ، ﺧﻠﻘﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻓﻠﻴﺴﻮﺍ ﻳﺠﺪﺩﻭﻧﻬﺎ، ﻭﺧﺮﺑﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﻠﻴﺴﻮﺍ ﻳﻌﻤﺮﻭﻧﻬﺎ، ﻭﻣﺎﺗﺖ ﻓﻲ ﺻﺪﻭﺭﻫﻢ ﻓﻠﻴﺴﻮﺍ ﻳُﺤﻴﻮﻧﻬﺎ ﻳﻬﺪﻣﻮﻧﻬﺎ ﻓﻴﺒﻨﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺁﺧﺮﺗﻬﻢ، ﻭﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻬﺎ، ﻓﻴﺸﺘﺮﻭﻥ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻬﻢ، ﺭﻓﻀﻮﻫﺎ ﻓﻜﺎﻧﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﻫﻢ ﺍﻟﻔﺮﺣﻴﻦ، ﻭﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺻﺮﻋﻰ ﻗﺪ ﺣﻠﺖ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﻤَﺜﻼﺕ ﻓﺄﺣﺒﻮﺍ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺗﺮﻛﻮﺍ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ."

ﻭﻣَﻦ ﻳﺬﻕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺈﻧﻲ ﻃﻌﻤﺘﻬﺎ *** ﻭﺳﻴﻖ ﺇﻟﻲَّ ﻫﻨﺎﺀ ﻋﺬﺑﻬﺎ ﻭﻋﺬﺍﺑﻬﺎ

ﻓﻠﻢ ﺃﺭﺍﻫﺎ ﺇﻻ ﻏﺮﻭﺭًﺍ ﻭﺑﺎﻃﻨًﺎ *** ﻓﻤﺎ ﻻﺡ ﻓﻲ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﻔﻼﺕ ﺳﺮﺍﺑﻬﺎ

ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﺟﻴﻔﺔ ﻣﺴﺘﺤﻴﻠﺔ *** ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻼﺏٌ ﻫﻤﻬﻤﻦّ ﺍﺟﺘﺬﺍﺑﻬﺎ

ﻓﺈﻥ ﺗﺠﺘﻨﺒﻬﺎ ﻛﻨﺖ ﺳﻠﻤًﺎ ﻷﻫﻠﻬﺎ *** ﻭﺇﻥ ﺗﺠﺘﺬﺑﻬﺎ ﻧﺎﺯﻋﺘﻚ ﻛﻼﺑﻬﺎ

ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺴﺪ ﺑﺎﺏٌ ﻋﻨﻚ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺣﺎﺟﺔ *** ﻓﺪﻋﻬﺎ ﻷﺧﺮﻯ ﻳﻨﻔﺘﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﺑﻬﺎ

ﺍﻟﺨﻄﺒﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :

ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺴﺎﻧﻪ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﻘﻪ ﻭﺍﻣﺘﻨﺎﻧﻪ ﻭﺑﻌﺪ :

ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ : ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺣﺒُّﻬﺎ ﻳُﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺮﻭﻫﺎﺕ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ، ﻭﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺮ، ﻓﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﻜﺬﺑﺔ ﻷﻧﺒﻴﺎﺋﻬﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﺣﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﻫﻢ ﻭﻫﻼﻛﻬﻢ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ؛ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻟﻤﺎ ﻧﻬﻮﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﻤﻠﻬﻢ ﺣﺒُّﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﻭﺗﻜﺬﻳﺒﻬﻢ، ﻓﻜﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺻﻠﻬﺎ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻻ ﺗﻨﺲَ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺍﻷﺑﻮﻳﻦ ﻗﺪﻳﻤًﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺣﺐ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻻ ﺗﻨﺲ ﺫﻧﺐ ﺇﺑﻠﻴﺲ، ﻭﺳﺒﺒﻪ ﺣﺐ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺷﺮّ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﻛﻔﺮ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﺎﻥ ﻭﺟﻨﻮﺩﻫﻤﺎ، ﻭﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﻭﻗﻮﻣﻪ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩ؛ ﻓﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤَّﺮ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤَّﺮ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺸﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﺑﻜﺜﻴﺮ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﺒُّﻬﺎ ﻳُﻠﻬﻲ ﻋﻦ ﺣﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺫﻛﺮﻩ، ﻭﻣَﻦ ﺃﻟﻬﺎﻩ ﻣﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺳﺮﻳﻦ .

ﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻭﻣﻔﺴﺪًﺍ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ :

ﺃﻭﻟﻬﺎ : ﺃﻧﻪ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺗﻌﻈﻴﻤﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺣﻘﻴﺮﺓ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ .

ﻭﺛﺎﻧﻴﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻌﻨﻬﺎ ﻭﻣﻘﺘﻬﺎ ﻭﺃﺑﻐﻀﻬﺎ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻣَﻦ ﺃﺣﺐ ﻣﺎ ﻟﻌﻨﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻘﺘﻪ ﻭﺃﺑﻐﻀﻪ، ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ﻭﻣﻘﺘﻪ ﻭﻏﻀﺒﻪ .

ﻭﺛﺎﻟﺜﻬﺎ : ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺒﻬﺎ ﺻﻴَّﺮﻫﺎ ﻏﺎﻳﺘﻪ، ﻭﺗﻮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﻓﻌﻜﺲ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻗﻠَﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﺎﻧﺘﻜﺲ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﺍﻧﻌﻜﺲ ﺳﻴﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻭﺭﺍﺀﻩ .

ﻭﺭﺍﺑﻌﻬﺎ : ﺃﻥ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﻌﺘﺮﺽ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺑﻴﻦ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻔﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ؛ ﻻﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﻪ، ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐ : ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻬﻢ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺷﺮﺍﺋﻌﻪ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﺣﺒُّﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﺒﺎﺕ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﻳﻌﺎﺭﺽ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﻗﺎﻡ ﺑﻐﻴﺮﻩ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ ﺃﺩﺍﺋﻪ ﻓﻴﺆﺩﻳﻪ ﻇﺎﻫﺮًﺍ ﻻ ﺑﺎﻃﻨًﺎ .

ﻭﺃﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻋﺸﺎﻕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺃﻗﻞ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺣﺒّﻬﺎ ﺃﻥ ﻳَﺸﻐﻞ ﻋﻦ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺒﺪ، ﻭﻫﻮ ﺗﻔﺮﻳﻎ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻟﺤﺐ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻟﺴﺎﻧﻪ ﻟﺬﻛﺮﻩ، ﻭﺟﻤﻊ ﻗﻠﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻪ، ﻭﺟﻤﻊ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻭﻗﻠﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻪ ﻓﻌﺸﻘﻬﺎ ﻭﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﻀﺮ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ، ﻭﻻﺑﺪ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺗﻀﺮ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ .

ﻭﺧﺎﻣﺴﻬﺎ : ﺃﻥ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻫﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ .

ﻭﺳﺎﺩﺳﻬﺎ : ﺃﻥ ﻣﺤﺒﻬﺎ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﺬﺍﺑًﺎ ﺑﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﻣﻌﺬَّﺏٌ ﻓﻲ ﺩﻭﺭﻩ ﺍﻟﺜﻼﺙ : ﻳﻌﺬﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺘﺤﺼﻴﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻣﻨﺎﺯﻋﺔ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ .

اسئلة متعلقة

...