نواصل قصة البداية والنهاية لدولة السلاجقة العظمى، وتدافع الأحداث بعد وفاة ملكشاه بن ألب أرسلان ووزيره النجيب نظام الملك باتجاه اضطراب مملكة السلاجقة وتفككها.
النزاع بين بركياروق وأخويه محمد وسنجر
وفاة السلطان بركياروق بن ملكشاه بن أرسلان
الدولة السلجوقية في عصر السلطان محمد بن ملكشاه
الدولة السلجوقية في عهد أحمد سنجر
السلطان سنجر آخر السلاجقة العظام
تألق الدولة السلجوقية في زمن السلطان سنجر
إخماده للفتن
صراعه مع الباطنية
معركة قَطَوان
ما بعد معركة قطوان
صراع السلطان سنجر مع الغز
وصال السلطان سنجر بنور الدين زنكي
الدولة السلجوقية بعد السلطان سنجر
دور النساء في حكم السلاجقة
الديوان الخاتوني
أسباب سقوط الدولة السلجوقية
النزاع بين بركياروق وأخويه محمد وسنجر
اندلع النزاع بين أبناء السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، بركياروق الأكبر وأخويه الأوسط محمد والأصغر سنجر، بعد أن استقر الحكم نسبيًا في يد بركياروق، واستمر هذا النزاع لـ 5 سنوات منذ 492 إلى 497 هـ. تمكن خلالها محمد من إعادة الخطبة لنفسه في بغداد سنة 492 ﻫ بموافقة الخليفة المستظهر العباسي.
وسنجر ومحمد من أم واحدة وهي الجارية المملوكة لملكشاه، تاج الدين خاتون السفرية. فاصطف الأول مع الثاني ضد بركياروق. وانتهت الحرب بينهما بعقد الصلح بعد إدراكهما لعواقب هذا النزاع، يقول السيوطي: “إن الحروب لما تطاولت بينهمًا وعّم الفساد وصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والسلطنة مطموعًا فيها، وأصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قادرين دخل العقلاء بينهما في الصلح وكتبت العهود والإيمان والمواثيق
ولقد تقرر أن يبرم الصلح وفق جملة شروط وقواعد أرسل بها بركياروق إلى الخليفة العباسي المستظهر بالله، فما كان من الخليفة إلا أن أجابه بقبولها وأمر بإقامة الخطبة لبركياروق كسلطان للسلاجقة سنة 497ﻫ
وعين السلطان بركياروق من جانبه أخاه سنجر واليًا على خراسان، وكان الأخير صاحب هيبة كبيرة وخبرة بفنون السلطنة والحكم في البلاد ولذلك استمر حكمه واحد وستين عامًا، كان خلالها ملكًا على خراسان لمدة عشرين عامًا بأمر من أخيه بركياروق، ثم واحد وأربعين عامًا سلطانًا للسلاجقة، ويعده المؤرخون آخر السلاجقة العظام وهو سادسهم.
وفاة السلطان بركياروق بن ملكشاه بن أرسلان
أصاب السلطان بركياروق مرض توفي على أثره بعد نحو عام فقط من تاريخ الصلح، أي في سنة 498 ﻫ وذلك ببروجرد، ويقول ابن كثير فيمن توفي من الأعيان في هذا العام: “بركياروق بن ملكشاه ركن الدولة السلجوقي، خطب له ببغداد سِتَّ مرات وعزل عنها ست مرات وكان عمره يوم مات أربعًا وعشرون سنة وشهورًا وقام من بعده ولده ملكشاه، فلم يتّم أمره بسبب منازعة عمه محمد له
وقال الذهبي عنه: “وكان بركياروق شابًا شهمًا شجاعًا لعابًا، فيه كرم وحلم، وكان مدمنًا، للخمر، تسلطن وهو حدث، له ثلاث عشرة سنة، فكانت دولته في نكد وحروب بينه وبين أخيه محمد، يطول شرحها وهي مذكورة في الحوادث… مات بعلة السَّل والبواسير، وكان في أواخر دولته قد توطَّد ملكه وعظم شأنه ولما احتضر، عهد بالأمر من بعده لابنه ملكشاه بمشورة الأمراء، فعقدوا له، وهو ابن خمسة أعوام
ولم يسمح محمد لابن أخيه ملكشاه بتولي الحكم لصغر سنه، فنازعه فيه حتى استقر له بعد ذلك مدة أكثر من ثلاثة عشر عامًا يقول في ذلك التنازع الذهبي: “عمت الفوضى في أثنائها جميع أنحاء الدولة فضعف الشرق الإسلامي أمام الصليبيين في بلاد الشام وأمام القوات الأخرى المعادية في جوف الدولة الإسلامية وأهمها الطائفة الإسماعيلية
وهكذا أعقب وفاة السلطان بركياروق انقسام شديد لسلطان الدولة السلجوقية بسبب مسألة التنازع على الملك، حيث أصبح كل جزء منها تابعًا لوالي مستقل، يقول الذهبي: “فالأجزاء الشرقية تخضع لحكم سنجر، والأجزاء الشمالية تخضع لحكم أخيه محمد وبلاد الشام تحت سيطرة أبناء تتش، وآسيا الصغرى تحت حكم أبناء سليمان بن قتلمش وتفككت وحدة الدولة عما كانت عليه في عهد السلاجقة العظام
الدولة السلجوقية في عهد أحمد سنجر
تمت مبايعة محمود بن محمد بن ملكشاه للسلطنة بعد وفاة والده وكان حينئذ في الرابعة عشرة من عمره، ووافق الخليفة العباسي المستظهر بالله على إقامة الخطبة له ببغداد في سنة 512 ﻫ.
لكن عمه سنجر لم يكن ليقبل بهذا الأمر، كونه اعتبر نفسه أحق منه بالسلطنة بعد وفاة أخيه محمد، فأعلن نفسه سلطانًا على السلاجقة وغير لقبه من ناصر الدين إلى معز الدين وهو لقب أبيه ملكشاه وأدى ذلك إلى انقسام الدول السلجوقية واندلاع القتال بين سنجر وابن أخيه محمود وجمع كل منهما جيشه وقوته.
وبالفعل التقى الجمعان بالقرب من مدينة ساوة سنة 513 ﻫ، واستعمل سنجر في هذه المعركة الفيلة فرجحت كفة النصر لصالحه، لكن مع ذلك أبرم اتفاق الصلح بين العم وابن أخيه، حيث أن محمود توجه إلى عمه سنجر، فأكرمه وصفح عنه وسامحه عما بدر منه، وعامله معاملة حسنة وقبل شفاعته في آخرين وقبل محمود كل شروط عمه، وأطاعه واحترمه، فقرر السلطان سنجر اختياره وليًا لعهده ونائبًا عنه في العراق سنة 513 ﻫ، وسمح له بالتلقب بلقب سلطان.
وخطب للسلطان سنجر وابن أخيه السلطان محمود معًا في عام 514 ﻫ، على أن يكون محمود تحت حكم عمه سنجر الذي أعاد لابن أخيه كل ما كان تحت سلطانه ما عدا الري، وظل محمود يحكم لمدة أربعة عشرة عامًا حتى توفي عام 525 ﻫ وقال عنه ابن كثير:
كان من خيار الملوك وكان فيه حلم وأناة وبر وصلابة وجلسوا لعزائه ثلاثة أيام، سامحه الله.
وكما جرت به العادة فقد أعلن الخليفة العباسي المسترشد بالله في سنة 513 ﻫ سنجر سلطانًا أعظم للسلاجقة وأقام الخطبة باسمه في كافة أقاليم الدولة السلجوقية، ومن جانبه أكرم السلطان سنجر بن ملكشاه أبناء أخيه محمد، فوزع عليهم حكم مدن وأقاليم إيران والعراق، وتمكن بفضل حنكته القيادية وسياسته في الحكم من بسط نفوذه على كل أراضي ما وراء النهر حيث كان يتنقل بنفسه إلى أقاليم هذه المنطقة للاطمئنان على أحوال سلطنته فيها.
وتمكن السلطان سنجر من إخضاع جميع حركات التمرد في دولته وتأليف قلوب من يطمع في الملك من أسرته، مما أدى إلى استقرار الدولة السلجوقية في عصره، وبذلك استحق لقب سلطان جميع الممالك السلجوقية.
وامتد نفوذه إلى سائر البلاد حتى يقال إن الخطبة له وصلت إلى كاشغر، وأقصى بلاد اليمن ومكة والطائف ومكران وأذربيجان وغزنة وسمرقند، وخراسان وطبرستان، وكرمان، وسجستان، وأصفهان، وهمذان، والري، وآرنيه، وآرمينية، وبغداد والعراقين، والموصل، وديار بكر، وديار ربيعة والشام والحرمين.
وضربت له السكة في جميع هذه الأقاليم، وبذلك تمكن السلطان سنجر من إعادة الهيبة والوحدة والقوة للدولة السلجوقية ولكن لآخر مرة، فسجل عصره آخر حقبة لعصر السلاجقة العظام.