خطبة أقبل شهر الخير خطبة الجمعة ليوم :27 شعبان 1445هـ /08 مارس 2024 م
خطبة الجمعة ليوم:27شعبان1445ه/08مارس2024م تحت عنوان
[وَسَائِلُ إِقْبَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، عَلَى الْخَيْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ]
من إعداد: رشـيــد الـمـعاشــي
اَلْخُطْبَةُ الْأُولَى
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَجْزَلَ لَنَا فِيهِ الْمِنَنَ وَالْعَطَايَا وَالْإِحْسَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِلرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَسِيلَةً لِلْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجَانِّ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ بِإِحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
تَنْتَظِرُ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِشَوْقٍ كَبِيرٍ هَذِهِ الْأَيَّامَ، اِسْتِقْبَالَ رَمَضَانَ خَيْرِ الشُّهُورِ فِي الْإِسْلَامِ، فَهُوَ أَعْظَمُ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ، وَأَفْضَلُ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي تَتَنَزَّلُ فِيهَا الرَّحَمَاتُ، شَهْرٌ لَا يُشْبِهُهُ شَهْرٌ، شَهْرٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ، شَهْرُ الْقَبُولِ وَالسُّعُودِ، وَمَوْسِمُ الْعِتْقِ وَالْجُودِ، وَمَيْدَانُ التَّرَقِّي وَالصُّعُودِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ. لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ: وَسَائِلُ إِقْبَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، عَلَى الْخَيْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، اِنْطِلَاقًا مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِنَّ الَّذِي يُنَادِي هُوَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ أَنَّهُ إِلْهَامٌ يَضَعُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، بِأَنَّ هَذَا زَمَنُ التَّنَافُسِ فِي فِعْلِ الْخَيْرَاتِ. وَإِلَيْكُمْ - مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ - أَهَمَّ وَسَائِلِ الْإِقْبَالِ عَلَى الْخَيْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ:
اَلْوَسِيلَةُ الْأُولَى: تَحْقِيقُ اَلتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ بِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْحَقَّ لَا يَجِدُ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى حَرَجٍ، وَلَا يَشْعُرُ فِي جَوَارِحِهِ بِأَدْنَى تَرَدُّدٍ مِنْ تَنْفِيذِ أَيِّ أَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مِمَّا تَهْوَاهُ النُّفُوسُ أَمْ لَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. وَصِيَامُ رَمَضَانَ أَمَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَعَلَهُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَوَاجِبًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ صَحِيحٍ مُقِيمٍ خِالٍ مِنَ الْمَوَانِعِ، كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.
اَلْوَسِيلَةُ الثَّانِيَةُ: تَحْقِيقُ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اَلَّتِي هِيَ: اِمْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. وَهِيَ أَعْظَمُ الْغَايَاتِ الَّتِي شُرِعَ مِنْ أَجْلِهَا الصِّيَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ الْكَلَامِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. ذَلِكَ أَنَّ النَّفْسَ الْإِنْسَانِيَّةَ إِذَا تَرَكَتْ مَا هُوَ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ - وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ - اِمْتِثَالاً لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، كَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا لِتَرْكِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي غَيْرِ نَهَارِ رَمَضَانَ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ لَّمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ.
اَلْوَسِيلَةُ الثَّالِثَةُ: تَحْقِيقُ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اَلَّتِي هِيَ: دَوَامُ عِلْمِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِكَ. ذَلِكَ أَنَّ عِبَادَةَ الصَّوْمِ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْفِطْرِ إِلَّا اسْتِحْضَارُ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثَوْبَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَّ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا.
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَأَجَارَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنْ عَذَابِهِ الْـمُـهِينِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَـوْلَ فَيَتَّبِعُـونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
اَلْوَسِيلَةُ الرَّابِعَةُ: تَحْقِيقُ ضَبْطِ النَّفْسِ، فَالْمُسْلِمُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَّا يَجْعَلَ مِنَ الصِّيَامِ ذَرِيعَةً لِلْغَضَبِ وَالِانْفِعَالِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَمْلِكَ أَعْصَابَهُ طَاعَةً لِلَّهِ، وَأَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، مَهْمَا سَمِعَ وَمَهْمَا رَأَى مِنْ سَفَاهَاتٍ وَمَكْرُوهَاتٍ، وَإِلَّا ضَاعَ مِنْهُ ثَوَابُ الصِّيَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ اِدْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: اَلصِّيَامُ جُنَّةٌ - أَيْ: وِقَايَةٌ -، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَاَ يَرْفُثْ وَلَاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. فَاتَّقُواْ اللَّهَ - إِخْوَةَ الْإِيمَانِ -، وَأَقْبِلُواْ عَلَى الْخَيْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، اِمْتِثَالًا لِأَمْرِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَانِ، تَنَالُواْ الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ وَالْعِتْقَ مِنَ النِّيرَانِ.
اَلدُّعَاءُ