خطبة الجمعة بمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية ليوم: 06شعبان 1445ه/16 فبراير2024م تحت عنوان
[آفَـــةُ التَّهَـوُّرِ فِي السَّيْرِ، وَضَرَرُهَا عَلَى النَّفْسِ وَالْغَيْرِ]
الإجابة هي كالتالي
خطبة الجمعة بمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية ليوم: 06شعبان 1445ه/16 فبراير2024م تحت عنوان
[آفَـــةُ التَّهَـوُّرِ فِي السَّيْرِ، وَضَرَرُهَا عَلَى النَّفْسِ وَالْغَيْرِ]
من إعداد: رشـيــد الـمـعاشــي
اَلْخُطْبَةُ الْأُولَى
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِعِبَادِهِ الْمَرَاكِبَ وَالسَّيَّارَاتِ، وَيَسَّرَ لَهُمُ التَّنَقُّلَ بِهَا لِقَضَاءِ مُخْتَلِفِ الْأَغْرَاضِ وَالْحَاجَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْبَرِيَّاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي عَلَّمَنَا آدَابَ السَّيْرِ فِي الطُّرُقَاتِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَابِعِيهِمْ مَا دَامَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ حَوَادِثَ السَّيْرِ قَدْ أَلْحَقَتْ أَضْرَارًا جَسِيمَةً بِالْفَرْدِ وَالْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالدَّوْلَةِ، وَأَدَّتْ إِلَى تَيَتُّمِ أَطْفَالٍ أَبْرِيَاءَ، وَخَسَارَةِ شَبَابٍ أَقْوِيَاءَ، وَقَتْلِ شُيُوخٍ ضُعَفَاءَ، وَتَرَمُّلِ الْكَثِيرِ مِنَ النِّسَاءِ، وَهَدْرِ الْوَقْتِ وَالْمَالِ فِي الْعِلَاجِ وَالدَّوَاءِ، وَلَوْ رَجَعْنَا إِلَى أَرْقَامِ الْإِحْصَائِيَّاتِ، لَوَجَدْنَا أَنَّ السَّائِقِينَ هُمُ السَّبَبُ فِي الْكَثِيرِ مِنَ الْحَالَاتِ، وَبِمُنَاسَبَةِ تَخْلِيدِ الْـمَغْرِبِ لِـ(الْيَوْمِ الْوَطَنِيِّ لِلسَّلَامَةِ الطُّرُقِيَّةِ) فِي الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ فَبْرَايِرْ كَكُـلِّ سَنَةِ، سَنَتَنَاوَلُ هَذَا الْمَوْضُوعَ مِنَ الْمَنْظُـورِ الشَّـــرْعِيِّ، وَسَيَكُونُ عُنْـوَانُ خُطْبَتِنَا لِـهَذَا الْيَوْمِ الْـمُبَارَكِ بِحَـوْلِ اللَّهِ تَعَـالَى هُـوَ: آفَـــةُ التَّهَـوُّرِ فِي السَّيْرِ، وَضَرَرُهُ عَلَى النَّفْسِ وَالْغَيْرِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
اَلْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: حِرْمَةُ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالنَّفْسِ، فَالْحِفَاظُ عَلَى الْأَرْوَاحِ مِنْ أَغْلَى الْمَطَالِبِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَغْلَاهَا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَكْرَمُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى رَبِّ الْأَنَامِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مُحْكَمِ الْكَلَامِ: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطَّيّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا. فَالنَّفْسُ الْإِنْسَانِيَّةُ لَيْسَتْ مِلْكًا لِصَاحِبِهَا، وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ سُبْحَانَهُ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا حَتَّى مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهَا فَقَالَ: وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: اَلتَّهْلُكَةُ: مَصْدَرٌ مِنْ (هَلَكَ) أَيْ: لَا تَأْخُذُواْ فِيمَا يُهْلِكُكُمْ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَهْلُكَةٌ فِي الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَـذَا. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِـــمٌ عَـــنْ ثَابِتِ بْـنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
اَلْعُنْصُرُ الثَّانِي: حِرْمَةُ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ، فَإِنَّ قَتْلَ النَّفْسِ أَوِ الْإِضْرَارِ بِهَا بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ، مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. فَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا مُتَعَمِّدًا قَتْلَهُ، فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ مِنَ الْوَعِيدِ مَا ذَكَرَهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتَ.
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّـهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَأَجَارَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنْ عَذَابِهِ الْـمُـهِينِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
اَلْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: اَلتَّهَوُّرُ فِي السِّيَاقَةِ إِضْرَارٌ بِالنَّفْسِ وَالْغَيْرِ، فَلْنَعْلَمْ جَمِيعًا - مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ - أَنَّ التَّهَوُّرَ فِي سِيَاقَةِ الْمَرَاكِبِ، وَعَدَمَ التَّفْكِيرِ فِيمَا لِذَلِكَ مِنَ الْعَوَاقِبِ، يَجُرُّ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالدَّوْلَةِ الْكَثِيرَ مِنَ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ، لِذَلِكُمْ لَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي هَذِهِ الْأَضْرَارِ، وَأَنْ يَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنْهَا مُرَاقَبَةً لِلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الدِّينَ حَقَائِقُ وَأَعْمَالٌ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ أَقْوَالٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الِامْتِثَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: اَلْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. فَاتَّقُواْ اللَّهَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتُ -، وَاحْذَرُواْ مِنَ التَّهَوُّرِ فِي اسْتِعْمَالِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَرَاكِبِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَتَحَلَّواْ بِآدَابِ السَّيْرِ عَلَى الطُّرُقَاتِ.