أقوال الفلاسفة عن المسيح المنتظر . المسيح المُنتظَر في بعض الفلسفات المُلحِدة
نرحب بكم زوارنا الاعزاء على موقع النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل المعلومات والحلول الثقافية عن اسالتكم التي تقدمونها ولكم الأن إجابة السؤال ألذي يقول....أقوال الفلاسفة عن المسيح المنتظر . المسيح المُنتظَر في بعض الفلسفات المُلحِدة
وتكون اجابتة الصحيحة هي الأتي
أقوال الفلاسفة عن المسيح المنتظر . المسيح المُنتظَر في بعض الفلسفات المُلحِدة
- خلدون النبواني
سيرتكز حديثنا في هذه الدراسة على كشف تلك المفارقة المتمثِّلة بانشغال عدد من فلاسفة الإلحاد بنزعة الخلاص le messianisme ذات الأصل الدينيّ الإبراهيمي وتحولها لديهم إلى هاجس فلسفيّ ومحور من محاور فلسفاتهم.
وما نقصده هنا بالتبشيريّة أو الخلاصيّة هو: تكثُّف اللحظة الراهنة في ترقُّبِ وانتظار المُخلِّص المُنتَظَر والموعود حيث يأخذ هذا التصوُّر في الفلسفة المعنى البطولي للعالَم أي توتير الحاضر في انتظار خلاص بطولي أو طوباوي يريحه من كل مشكلاته. إذن سنعمل هنا على دراسة هذه “الظاهرة” عند كل من نيتشه وهيدغر ودريدا حيث يظهر هذا التبشير الخلاصي عند نيتشه في ترقب ديونيزوس ليُخلِّص الحاضر من أزمته الروحية عبر الفن، ويأخذ عند هيدغر صيغة ترقب الوجود المنسي من قبل الموجود، وعند دريدا شكل “الديمقراطية القادمة”، ولكن المستحيلة.
أولاًـ نيتشه، عندما يحتفل عدو المسيح بعودة مسيحه المُنتظر:
بعد أن أدان العقل بوصفه مسؤولاً عن ذلك الانحطاط الروحي الذي يغشى الغرب الحديث، فإن نيتشه الشاب يستحضر الأسطورة (نقيض العقل) وذلك بالعودة إلى مصادرها ما قبل الحداثية من أجل أن يعثر على “روح زمنٍ جديد ووعيِّ جديد(1)”. يجد نيتشه ضالته في الحضارة الإغريقية القديمة التي رأى أن كل شيء فيها كان عظيماً وإنسانيَّاً وطبيعيّاً. في الحضارة القديمة ما قبل المسيح، بل وما قبل سقراط يتراءى لنيتشه “وطن الأسطورة” الضائع. ببحثه عن الأصول الأسطوريّة، لا ينوي نيتشه التخلص من مواجهة الحاضر والهروب للإقامة في “منازل الأمس”، لا بل على العكس من ذلك فهو يحثَّ المستقبل على إيقاظ الماضي الأسطوري من سُباتِه. لم يكن المشروع النيتشويّ في نهاية الأمر سوى وعياً تبشيريّاً جديداً بالزمان وذلك عبر استحضاره لديونيزوس الإله القادم من الماضي لينقذ الحاضر. وفي الحقيقة فإن نيتشه لم يكن أول الفلاسفة الذين استحضروا ديونيزوس ليمنح العالم الحديث ذلك الأمل بالخلاص، بل هو تقليدٌ شهدته رومانسية نوفاليس وشلينغ وهولدرين الذين أثّروا في وعي نيتشه الشاب. كان نيتشه واثقاً أن عودة ديونيزوس هي من سيُخلّص حاضر الغرب من الانحطاط الروحي الذي آل إليه لذا فقد احتفل بهذا المخلِّص المُنتظر والمرتقب الذي بقدومه ” ستتراجع الدولة والمجتمع، بل وكل ما يفصل الإنسان عن الإنسان عموماً، أمام مشاعر للوحدة كليَّة القدرة تعيدنا إلى حضن الطبيعة ذاتها(2).” وقد لمح الشاب نيتشه أطياف روح الفن الديونيزيّة المُرتقبة في موسيقا فاغنر الذي رأى فيه “مُثوِّراً للمجتمع”.
على الرغم من ذلك النقد القاسي جدّاً الذي يوجّهه نيتشه إلى المسيح والمسيحيّة وتنصيب نفسه عدو المسيح الأول Der Antichrist، إلا أن فكرته عن عودة ديونيزوس من الماضي لكي يُنقذ الحاضر من مأساته ويخرجه من ذلك الطريق المسدود الذي انتهى إليه، ليست إلا تكراراً لفكرة عودة المسيح المُخلِّص التي تعرفها الديانات الإبراهيمية الثلاث والمعروفة بالأدبيات الإسلاميّة بعودة المهدي المُنتّظّر. من خلال هذا التشابه يمكن لنا إذن الحديث عن نزعة تبشيريّة نيتشويّة تتمثَّل في انتظار، بل وفي الاحتفال بعودة ديونيزوس الإله القادم والمبعوث من رماد الماضي لينفخ الروح في حضارةٍ أوروبيّة جففتها العقلانيّة كما يرى نيتشه.
ثانياًـ هيدغر، ترقب الوجود المنسي أم نزعة خلاصيّة جديدة ؟
مرّةً أخرى نحن حيال فيلسوفٍ مُلحد يجعل من النزعة الخلاصيّة، والتي هي بالتعريف نزعة دينيّة، موضوعاً رئيسيّاً لفلسفته الوجوديّة. هكذا سنعمل هنا على تقصي آثار هذا التوجه في “فلسفة الأصل المتزمّنة” عند هيدغر.
في الواقع، لقد أراد هيدغر متابعة ذلك التقليد الديونيزي الذي سار عليه الرومانسيون الألمان ثم نيتشه، ولكنه سيعمل على نقل تلك الدعوة من إطار الفن (كما كان عليه الحال عند كلٍّ من هولدرين ونيتشه) إلى إطار أنطولوجيا الوجود. لقد وجد هيدغر إن مثل هذه النُقلة ضروريّة لمشروع فلسفته الوجوديّة، ولكن ولكي يكون مثل هذا التحوّل مُمكناً، كان على هيدغر أن يستبدل نزعة التبشير الديونزيّة النيتشويّة بنزعة خلاصية قلقة لوجودٍ مُطلق وأنطولوجيّ متزمناً في الحاضر جعل منه الأُفق الصوريّ للموجود.
تحت تأثير نيتشه، يعود هيدغر بدوره إلى المنابع الفلسفية ما قبل السقراطيّة أو إلى ما كان يسميه ﺑ “الأصول الجوهريّة” wesensherkunft. إن هذه العودة نحو الماضي ليست في الحقيقة بالنسبة لهيدغر سوى تقدم نحو المستقبل لأن: ” اكتمال حقبة ما هو تشييد، وقد غدا مُطلقاً للمرة الأولى وكامل سلفاً، لما هو غير متوقع، وأيضاً لما لا يمكن انتظاره أبداً […]، لشيء جديد(3)”. هكذا وكما كان عليه الأمر عند نيتشه، فإن الماضي يرتبط بالمستقبل أيضاً عند هيدغر الذي رأى أن الغرب بحضارته التقنية والعلميّة المهيمنة قد أمعن في نسيان “الوجود”. إن هذا النسيان وهذا الغياب الدائم للوجود يثيران حالة من القلق ومن فراغ المعنى فبغيابه الدائم يثير الوجود قلق الموجود. كان هيدغر يرى أن أحد أسباب القلق الوجوديّ يتمثل في تملص الوجود المستمر(4)، ولكي يوضع حدٌ لهذه الهروب المتواصل ولهذه المعاناة الدائمة، يجب أن يشهد العالم بداية جديدة. هكذا يشحذ هيدغر الوعي بالزمان عبر توتير أفق الحاضر في ترقبه للوجود. بهذا المعنى، فإن النزعة الخلاصيّة عند هيدغر تتمثل في حاضرٍ مشدود ومتوتر ومشحون بعودة الوجود المحتجب وراء غيوم الميتافيزيقا الداكنة والكثيفة. إذن لا بُدّ أولاً من تفكيك تاريخ الميتافيزيقا الغربيّة لضمان عودة الوجود.
مُحبطاً من التطور العلمي والتقني الكاسح الذي شهدته أوروبا منذ بداية عصرها الحديث، يعلن هيدغر (الفيلسوف المُلحِد) في عام 1966 في مقابلة (ستنشر بعد موته) مع المجلة الألمانية الشهيرة دير شبيغل Der Spiegel بالقول :”إله فقط يمكن أن ينقذنا” (nur ein Gott kann uns retten).
ثالثاًـ دريدا، والانتظار المستحيل للمخلِّص:
نستنتج من خلال مثاليّ نزعة التبشير عند نيتشه ونزعة الخلاص عند هيدغر أن هناك دائماً فكرة حاضرٍ مأزوم يحتاج إلى مُخلِّصٍ أو لمسيحٍ جديدٍ ليخرجه من الطريق المسدود الذي انتهي ولينفخ فيه الروح بعد أن جففتها ماكينة الحداثة بعقلانيتها وتقنيتها حسب تعابير هيدغر وماكس فيبر على سبيل المثال. لا تعترف نزعة الخلاص لدى كلٍ منه نيتشه وهيدغر بسيرورة التاريخ الخطيّة على الطريقة الهيغلية أو الماركسيّة أي بالارتقاء من ماضيٍ يحيل إلى حاضر فإلى مستقبل أكثر اكتمالاً، وإنما هي “وثبة نمرٍ”ـ كما يدعوها نيتشه ـ من الماضي إلى الحاضر.إذن هي عملية خرق لهذا النظام الغائي للتاريخ الذي افتتحه عصر التنوير الأوروبي وصقله هيغل وأتباعه. بهذا المعنى تحمل فكرة الخلاص عندهما وعياً جديداً بالزمان تتمثّل بعكوف كلٍ منهما على تحديد لحظةً في التاريخ يمكن لها أن تعيد بعث الحياة في الحاضر المأزوم.
سيؤثر هذا الإرث الخلاصيّ “الدنيويّ” profane على فلسفة جاك دريدا الذي ورغم تأكيده على خلو نزعته التبشيريّة من أي بعدٍ دينيّ بقوله: ” إن هذا البعد الخلاصيّ messianique لا يعتمد أي دعوة خلاصيّة، ولا يتبع أي وحيٍّ مُحدَّد ولا ينتمي إلى أي دين ابراهيميّ(5)”، إلا أن آثار التصوف اليهوديّ تبدو واضحة الأثر على “نزعته” التبشيريّة.
كما كان الأمر عليه مع هيدغر، تظل نزعة الخلاص عند دريدا صوريّةً كذلك أي “بدون مضمون وبدون مسيحٍ مُحدّد(6)” ليس لمسيح دريدا ملامح واضحة وهو لا يضرب لنا أي موعدٍ لوصوله، الشيء الذي يذكِّرنا بفكرة الحدث ereignisعند هيدغر.
لمّا كان دريدا وريثاً “وفيّاً وغير وفيٍّ(7)” لميراثه في آن معاً، فإن عدم وفائه لنيتشه وهيدغر واختلاف “دعوته التبشيرية” وتميزها عن دعوتيهما، يتجلى في بعدها المستحيل. يتجاوز المستحيل عند دريدا حدود الممكن ويتعالى عليه ويشكل في نفس الوقت الأفق العام الذي لا يمكن دونه أن نفهم الممكن أو أن نقيمه( إذن إذا كان الممكن هو المُحدَّد، والنهائي، والقابل للتحقيق، والذي يمكن التنبؤ به وبرمجته الخ..، فإن المستحيل ـ الذي يُمثِّل شروط وحدود الممكن ـ هو غير المُحدّد، واللانهائي، وغير القابل للتحقيق، والذي لا يمكن التنبؤ به أو توقعه، وغير القابل للبرمجة، الخ. من خلال هذا التمييز يقيم دريدا مثلاً تميِّزاً بين نوعين من المستقبل فمن ناحية هناك «le future » وهو، بالنسبة لدريدا،: غداً، فيما بعد، العصر القادم أي المستقبل المبرمج والذي يمكن التنبؤ به أو توقعه. ومن ناحية ثانية هناك « l’avenir » وهو ما سيأتي والذي لا يكون قدومه أو حدوثه متوقّعاً ولا يكون لدينا القدرة على توقع زمان حدوثه. بالنسبة لدريدا فإن المستقبل غير المرئي والذي ليس لدينا أية قدرة على انتظاره هو المستقبل الحقيقي(9).
استناداً إلى هذا التمييز بين الممكن والمستحيل، فإن دريدا يرى أن القانون ينضوي في إطار الممكن بينما تجد العدالة نفسها في إطار المستحيل. إن العدالة ـ التي تُمثل أفق القانون وحَدَّه ـ تتجلى فيما يدعوه دريدا ﺑ “الديمقراطية القادمة”. وفي الحقيقة ليس ترقب هذه الديمقراطية المستحيلة إلا عزفاً جديداً على وتر النزعة الخلاصيّة التي توتر الحاضر وتشده وتجعله في حالة ترقبٍ وانتظار علماً بأن الانتظار عند دريدا هو انتظار ما لا يأتي أي هو ترقب حدوث المستحيل. يشرح دريدا ما يعنيه ﺑ “الديمقراطية القادمة بالقول:
“ما أود أن يُفهم من “الديمقراطية القادمة” هو أنها لا تعني ديمقراطية مُستقبلية ستكون “حاضرةً” في يومٍ ما. سوف لن توجد الديمقراطية أبداً في الحاضر، فهي مُتعذرة الحضور، كما أنها ليست كذلك فكرة مُوَجِّهَة بالمعنى الكانطي. ولكن هناك المُستحيل الذي تحفر فيه الديمقراطية القادمة الوعد الذي يُجازف، وعليه دائماً أن يُجازف، بالانحراف إلى تهديد. هناك المُستحيل والمُستحيل يظل مُستحيلاً بسبب معضلة aporie الشعب […]. يظل هذا المُستحيل الذي هناك qu’il y a غير قابلٍ للمحو، وغير قابلٍ للاختصار أيضاً، بقدر ما نتعرّض لما يأتي. إنه التعرّض (الرغبة، الانفتاح، ولكن الخشية أيضاً) الذي يفتح، الذي ينفتح، الذي يفتحنا على الزمن، على ما يأتي علينا، على ما يحدث، على الحدث؛ على التاريخ […] تاريخ للتفكير مُختلف عن التفكير فيه، انطلاقاً من الأُفق الغائي، وحتى من أي أفق باختصار. عندما أقول “المُستحيل الذي هناك”، أعني ذلك النظام الآخر “للمكن – المستحيل” الذي أُحاول أن أُفكِّر فيه عبر التساؤل بكل الطرق (على سبيل المثال، التساؤل حول مسائل العطية، والعفو، والضيافة، الخ)، بمحاولة “تفكيك”، ميراث مفاهيم “الإمكانية” و”المقدرة” و”الاستحالة”، الخ.(10)”
حاولنا من خلال هذه الأمثلة الثلاثة أن نميط اللثام عن هذا “اللاهوت المُلحد” الذي يعود، وبعد أن أفرغ العالم من الآلهة وصلب المسيح من جديد، ليخترع آلهته وليبشَّر بعودة مسيحه الذي سينقذ الحاضر المأزوم ويبثّ الروح في عالمٍ ميّت بارد الجثّة.