مقالة فلسفية حول قيمة الفلسفة باك 2024
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ مقالة فلسفية حول قيمة الفلسفة باك 2024
الإجابة هي كالتالي
مقالة فلسفية حول قيمة الفلسفة
مقدمة :
تطرح التطورات العلمية الهائلة والمتلاحقة التي شهدها عالمنا المعاصر في العقدين الأخيرين ، في المجالات العلمية أسئلة هامة ومشروعة عن العلاقة المستقبلية بين العلم والفلسفة.. ومنذ بداية التسعينيات أصبح الحديث مألوفا عن بعض المفاهيم الجديدة والتي من بينها تراجع الفلسفة ، وسيادة نمط جديد من الانشغالات المعرفية .
وإذا ما تأكدت صحة تلك الطروحات ، فسنكون والعالم بأسره أمام وضع صعب ، إذ من غير الممكن أن نتصور قيام مجتمعات انسانية مفتقرة إلى الشفافية وخالية من العواطف وخاوية من النزعات الروحية.. مجتمعات يتقهقر فيها الحس الفلسفي، ويتراجع فيها الجميل من الموروث ، وتغيب فيها القيم المطلقة .
والمشكلة المطروحة في هذا السياق مرتبطة بموضوع علاقة الفلسفة بالتطورات العلمية الهائلة وهل بإمكانها أن تصمد أمام تلك التطورات ؟ أم أن وقت نهايتها قد حان ؟ ، لتحل محلها ممارسة تستعيض عن الفكر بالعمل ، وتسير باطراد وتوافق وجنبا إلى جنب مع التغيرات العلمية الهائلة .
وابتداء نذكر بأن العلم هو مجموعة من الفرضيات ثبتت بالتحقق من خلال الملاحظة و التجربة . فتتحول إلى نظريات علمية .
أما الفلسفة ، فلعلنا لا نضيف جديدا إذا قلنا أنها في مصدرها الأصلي تعني حب الحكمة . و قد بدأت تأملا في الموجودات .. في الكون والطبيعة وفي وظائف المخلوقات ، وانتهت رؤية شاملة خاصة للكون تمد بقواعد من السلوك .. بحيث تحولت في حالات كثيرة إلى أيديولوجيات وعقائد .
الموقف الأول : تاريخ الفلسفة
ربما تظهر الفعالية الفلسفية من خلال علاقتها بالعلم ففي عصر النهضة الحديثة والتطورات العلمية التي عمت مدن أوروبا الرئيسية وانبثق منها عصر الأنوار، تطورت المفاهيم الفلسفية وأصبحت مرتبطة بشكل شامل ودقيق بالتغيرات العلمية الحديثة المتتابعة .. كان الفيلسوف يستنبط من مجموع النظريات العلمية في عصره - من خلال موقعه الإجتماعي - رؤية شاملة وسلوكية للحياة ، يطرحها على الناس كمنهج اجتماعي يستقطب حوله المريدين والأتباع .
وهكذا نستطيع القول إن الصياغات الفلسفية الحديثة قد حكمها عاملان : الموقع الإجتماعي للفيلسوف و خلفياته الشخصية . و كذا جملة ما هو متاح للفيلسوف من إنجازات علمية على كافة الأصعدة .
وحين انشـطر العالم الغربي إلى رأسمالي واشتراكي ، أعلن كلا المعسكرين استنباطهما لنظرياتهما من واقع المنجزات العلمية المتاحة لهما في ذلك العصر ، رغم البون الشاسع في نظرة كل منهما . فقد ادعى آدم سميت وريكاردو وماكس فيبير بأن نظرياتهم منبثقة من العلم . كما قال جورج هيجل بأن نظريته في الديالكتيك منبثقة من العلوم الطبيعية . وحدد كارل ماركس مصادر نظريته ومنابعها في الإكتشافات العلمية لعصره ، كتولد الطاقة ونظرية النشوء واكتشاف الخلية الحية ، والإقتصاد الإنجليزي والفلسفة الألمانية والإشتراكية الفرنسية … وهكذا كانت الرؤية الإجتماعية والمنجزات العلمية الدعامات التي اتكأ عليها أولئك الفلاسفة في صياغة نظرياتهم
والواقع أن أولئك الفلاسفة استفادوا كثيرا مـن الثورات الصناعية والعلمية التي حدثت في القرن التاسع عشر. فقد كانت تلك الثورات تجري بوتائر أقل سرعة من تلك التي حدثت خلال القرن العشرين . وقد أتاح ذلك للمفكرين والباحثين فرصة العمل ضمن استقرار نسبي يمكنهم من أن يستنبطوا ويتابعوا ويحللوا ويستنتجوا مستعينين بما لديهم من أدوات تحليل علمية ومن معارف فلسفية جديدة .. لم يكن حدوث تلك التطورات العلمية بالسرعة التي تجعل الباحث أو المفكر متعجلا من أمره ، فليس هناك جديد على الصعيد العلمي يصدمه كل صباح ويجعله يغير من اختباراته وتجاربه وتحليله ، وبالتالي من قناعاته ورؤيته، إذ أن التحولات العلمية تسير بوتائر تراكمية متدرجة تتيح للفيلسوف المتابعة والتحليلوالاستنباط ، واستخـراج نظرية للحياة دون أن يصطدم بجديد " كيفي " يتعثر بسببه عمله . وفي النهاية يقدم لنا مصنفاته النظرية..
فنظرية الجاذبية ، على سبيل المثال ، تطورت عبر مراحل طويلة ، ومن خلال مساهمات أشخاص عظام مثل كوبرنيكوس و نيوتن وانيشتاين ، في وقت كانت الفلسفة تستجيب لتلك التطورات العلمية فتنتقل من طور إلى آخر على ضوء تلك المتغيرات ، محكومة في ذلك بمصالح ومواقع ورؤى اجتماعية واقتصادية وسياسية ، وصيرورة تاريخية ومنجزات علمية .
وهكذا شكل كل انجاز علمي جديد إضافة في تطور مفهوم الفلسفة
الموقف الثاني : طغيان الفلسفة على حساب العلم
لكن هذا الحال لم يستمر طويلا ، فلقد أصبح التطور العلمي الذي شهده القرن العشرين و الواحد والعشرين سريعا ومتلاحقا بحيث أصبح من الصعب على الفيلسوف متابعة حركته ، وصياغة نظرية مستمدة من تلك التطورات . إذ لا يكاد الفيلسوف ينهي مهمته حتى يواجه بتطورات علمية جديدة تنسف ما توصل إليه .. وكانت تلك بداية الإنفصام والتقهقر. فالفلسفة التي خرجت من رحم العلم وجدت نفسها تعيش أزمة بسبب من نموه وتسارع حركته وعدم قدرتها على اللحاق بتلك الحركة .و من هنا أصبحت مهمة الفيلسوف صعبة وشاقة للغاية .. فهو لا يكاد يسير في صياغة نهج ما ورؤية جديدة إلا ويصطدم بتحولات علمية هائلة ، غير مسبوقة ، تكاد تنسف كل ما بنى عليه فرضياته .
مع تسارع تلك التطورات العلمية و جدت الفلسفة ذاتها أمام منعطف خطير. لأن مهمة اللحاق بتلك التطورات وصياغة نظريات فلسفية جديدة للكون على أساسها أصبحت أكثر ارهاقا وصعوبة .
وقد تنبه المؤرخ "ويل ديورانت" إلى هذه الأزمة فأشار إلى أن الفلسفة التي سبق لها أن كانت متناسقة مع العلوم ، وجدت مهمتها في التنسيق أشد هولا مما تطيقه شجاعتها . ذلك أن المعرفة البشرية أمست جدا عظيمة وحثيثة لا يمكن للذهن البشري اللحاق بها .
وإذا كان "ويل ديورانت" قد عبر عن ذلك في النصف الأول من القرن العشرين ، فمن البديهي أن تكون الأزمة في النصف الثاني أكثر عمقا وتأثيرا.
ففي النصف الأخير من القرن العشرين حدثت تطورات مدهشة وسريعة في عالم الكمبيوتر،. لقد استقبل العالم جيلا جديدا من هذه الصناعة يتصف بدرجة عالية من الذكاء ، بإمكانه أجراء أكثر من ملياري عملية مختلفة في الثانية الواحدة ، وهو أمر يزداد سرعة وكفاءة ، و كذا تخصصا وانتشارا . وهو قادر على التحليل والتركيب والإستنتاج المنطقي وحل المسائل وبرهنة النظريات وفهم النصوص وتأليف المقالات .
وكان المجال الآخر من مجالات هذه الثورة الجديدة هو التطور المثير في تكنولوجيا والاتصالات القادرة على معالجة المعلومات وتخزينها واسترجاعها بمعدلات وسرعة تتضاعف بشكل أسي ..
وكانت الثورة العلمية التي حدثت في العقد الأخير من القرن العشرين ، محدثة تطورات مذهلة في مجالات الهندسة الوراثية إذ تمكن العلماء خلال عقد التسعينيات من تفكيك الجينات الوراثية للكائنات الحية ، وبالتالي عبروا نقطة اللاعودة في مجال نسخ الكائنات خاصة بعد النجاح المذهل الذي حققه استنساخ النعجة دوللي عام 1997م. ولا شك أن ذلك يضع البشرية أمام احتمالات غير معقولة وغير مألوفة ، بضمنها امكانية القضاء الكلي والنهائي على كل الأمراض المزمنة كالإيدز والسرطان
ولا جدال في أن هذه الثورة العلمية قد فتحت آفاقا معرفية لا نهائية لفهم أدق تفاصيل الكون والحياة والمادة ، وفهم مكوناتها وتفاصيلها الدقيقة ، بما في ذلك نشأة الكون وبروز الحياة على الكرة الأرضية وبهذا تكون الآفاق من جهة أخرى قد فتحت لإعدام الفلسفة ، مادام أنها منحت للعلم الضوء الأخضر للتوسع بشكل رهيب ، و أشبه بالمطلق على حساب الفلسفة.
فما الذي تستطيع الفلسفة أن تقدمه في معمعان هذه الحركة ، والفيلسوف بطبعه وبحكم وظيفته ، وكما رأينا ، انسان متأمل .. هل بإمكانه التعايش مع هذه التطورات المتلاحقة التي تأخذ مكانها بسرعة البرق ..؟ وماذا يمكنه أن يقدم لنا والأحداث تعصف به وتنسف مالديه من معلومات وآراء ومواقف ، رؤية ساكنة للكون ..؟ واي نظرية عامة للكون يمكن التنبؤ بها وصياغتها ، فضلا عن فرضها واستقطاب المريدين والأتباع حولها ..؟
من المؤكد أن صياغة نظرية فلسفية في مثل هذا الواقع أصبحت أقرب للمستحيل في ضوء الحقائق العلمية الجديدة .. فليس بإمكان متأمل متصوف أن يمسك بهذه التطورات من تلابيبها ، وأن يطوعها لصالح خلق رؤية فلسفية جديدة مستقرة في ظل عالم فوار يموج بالحركة والخلق والإبداع .. عالم يتغير باللحظة وليس بالساعة . وإذا افترضنا أن بإمكانه الإمساك بواحد من خيوط ، فإن سرعة حركتها ستقذف به وتجعله عاريا خاويا معلقا بالهواء
هكذا يبقى الفيلسوف بل ربما بقينا نحن رغم كل ما اتيح لنا من ممكنات وأدوات علمية أسرى للهاث طويل ومستمر دون أن نصل إلى نهاية .. ذلك أن الإعصار جامح ومدمر.
نقد الموقف الثاني :
لكن تلك التطورات العلمية – مع قيمتها العلمية -تحمـل مخاطر وخيمة وتهديدا مباشرا لمنظومة القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية والمواريث التي يؤمن بها الإنسان . و السؤال الذي يبقى بحاجة إلى جواب ، هل بالإمكان تصور قيام مجتمات إنسانية دون إشباع للروح ، ودون وجود منظومة جميلة من القيم والمبادئ والأخلاق. يركض فيه المرء بشراهة وراء عالم مادي يسلب منه كل أبعاده البشرية.
كما أننا تعلمنا منذ الأزل أن البحث عن الحقيقة هو الغاية الإنسانية المطلقة .. وأن الحقيقة ما كانت في يوم من الأيام نهائية ، بل نسبية و متغيرة دائما وأبدا . والوصول لها يعني فلسفيا أننا بلغنا خاتمة المطاف ، إذ ليس بعد الوصول سوى السكون .. وهو ما لا يمكن القبول به . ذلك أنه على الرغم من كل ما وصلنا له وأمكننا تحقيقه في هذا القرن ، فإننا نبدو وكأننا في بداية الطريقلذلك لا بد ان نحافظ بالشكل المطلق على خاصيتي الشك والنقد في وجه مبادئ العلم ، وإن تمكنا من ذلك فهذا يعني أننا حافظنا على الإبستيمولوجيا وأحيينا فلسفة العلم من جديد .
خاتمة :
إنها حقا لمعضلة . وحلها هو أن نتمكن من تحقيق المزاوجة ، في بحثنا المستمر عن الحقيقة ، بين سوحنا العلمي الواسع بحثا عما في هذا الكون وبين الغوص إلى أعماق النفس البشرية مستعينين بالموروث ومنظومة القيم .. وما لدينا من فنون وابداعات ، وهي مزاوجة في غاية التعقيد ، لكننا مجبرون على التنبه لها وتفعيلها ، قبل فوات الأوان .