في تصنيف بكالوريا جميع الشعب بواسطة

فلسفة نيتشه باختصار، جماليات التفكير الناقد عند فريدريك نيتشه 

. فلسفة نيتشه باختصار

. أقوال نيتشه الفلسفية 

. مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم  في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية  والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ فلسفة نيتشه باختصار، جماليات التفكير الناقد عند فريدريك نيتشه أقوال نيتشه حول السؤال والفكر 

الإجابة هي 

جماليات التفكير الناقد عند فريدريك نيتشه

ربما كانت اللحظة الأهم في الفلسفة هي لحظة الدهشة التي تعترى الذات أمام موضوع ما أو فكرة أو إشكالية. وعندما تثار الدهشة تتنقل الذات من أفق العادي والمألوف إلى أفق التفكير والتحليل والتأمل والسؤال. وهذا ما يلمسه القارئ لكتابات نيتشه؛ دهشة الفيلسوف أمام العالم ووقائعه وتاريخه.

ونيتشه عبر كتاباته نجده يبجل التفكير ويصفه بالنشوة العارمة التي من خلالها يستيقظ الذهن الإنساني ليتمكن من السؤال والدهشة ومن ثم الإبداع. يقول عبد الغفار مكاوي «لاشك عندي من أن نيتشه مفكر وجد في التفكير وحده كل نشوته وعذابه، وبهجته وألمه، بل ان التفكير المجرد ليبلغ عنده تلك القمة التي يصبح فيها فكرًا غنيًا بالصور الحية التي تليق بفيلسوف الحياة».

ويكفى أن نطلع على فقرة واحدة مما كتب . وأن نتذكر العبارة التي قالها في كتابه الأكبر «إرادة القوة» الذي لم يقدر له أن يتمه وجمع ونشر بعد موته : «إن الفكر هو أقوى شئ نجده في كل مستويات الحياة»، والعبارة التي صرح بها في إحدى كتاباته المتأخرة : «إن التفكير المجرد لدى الكثيرين عناء وشقاء، أما عندي فهو في الأيام المواتية عيد ونشوة» وأخيرًا هذه العبارة التي دونها في أوراقه التي عثر عليها بعد موته وكأنه كان يتنبأ بالغيب ويرد على الأجيال التي شعر أنها لن تفهمه ولن تنصفه : « «إرادة القوة» .. كتاب هدفه التفكير، ولا شئ غير التفكير».(1)

ويمكن القول إن هناك سمة تميز بها نيتشه .. إنها القدرة على السؤال، ولأنه قادر على السؤال فمعنى ذلك لديه قدرة عالية على الدهشة؛ فالدهشة تعنى زلزلة لكل ما هو قائم وما هو معتاد وما هو راسخ، والدهشة بداية المعرفة وبداية الهدم وبداية البناء أيضًا .

يقول «لم يحدث إطلاقًا أن توقفت عند الأسئلة التي ليست أسئلة حقا، ولم يحدث إطلاقًا أنني استنفدت قواي . فعلى سبيل المثال ليست لدى خبرة بالمشكلات الدينية الحقيقية، وأنا لست على ألفة بالشعور «بالخطيئة» وبالمثل ينقصني معيار صادق لتحديد وخز الضمير. ومما يسمعه الإنسان فإن وخز الضمير لا يلوح لي شيئًا جديرًا بالتبجيل. أنا أكره أن أترك فعلا من أفعالي يتسكّع، إنني أحب أن أقتلع كلية النتيجة السيئة، النتائج، من أية مشكلة تتضمن القيم. في وجه النتائج الشريرة من السهل للغاية أن أفقد الوجهة الحقة التي أنظر منها إلى الحدث. إن وخز الضمير يبدو لي نوعًا من «العين الشريرة»(4).

اتسمت أعمال نيتشه المبكرة بخاصية رفض ما هو عقلي -المنظور التعليمي لما بعد الفلسفة السقراطية – لصالح الانفعال الحدسي اللبيدى للفن الديونسيوسي، وهي نظرة جمالية عن الوضع البشرى تؤكد الحياة، غير أنه مع نشر كتابه «إنساني مفرد في إنسانيته» عام 1878 فإننا نرى جانبًا نقديًا منفصلًا أكثر من فكر نيتشه.

وها هنا يظهر السؤال : ما التاريخ ؟ فقد طرح في تحليل زمني، منعكسًا على نجاح العسكرية البروسية في أوربا عام 1870.

في عام 1870 خدم نيتشه فترة قصيرة في الحرب الفرنسية – البروسية بوصفه متطوعًا كمساعد ممرض، لكنه أصيب بمرض الدسنطاريا والدفتريا مما تطلب فترة نقاهة طويلة. ولقد رفض رفضًا تامًا الحماس البطولي «للرايخ الثاني» البروسي، واعتباره انتصارًا للمثل العليا للثقافة الألمانية في هذه الحرب .

«ليس لنا نحن المحدثين ثقافة نقول عنها إنها ثقافتنا؛ فنحن نملأ أنفسنا بعادات وفلسفات أجنبية، وكذلك بديانات وعلوم بحيث نصبح موسوعات جوالة» (استخدام التاريخ وإساءة استخدامه) والمهم هو تمثل الماضي، واستخدامه في صنع حياتنا وثقافتنا. إن التاريخ عبء ميت ثقيل على الحاضر.

ما التربية؟ تقدم لنا التربية قدرًا كبيرًا من المعلومات عن الثقافة، وتكون نتيجتها ما يسمى بالشخص المتعلم الذي يمتلك قدرًا وفيرًا من التاريخ، لكنه لا يستطيع أن يعيش حياة أصيلة من صنعه هو. وتصر التربية على تفصيلات دقيقة، وعلى موضوعية مستقلة، لا تصلح إلا لإضفاء الشلل على المشروع الفردي للتحقق الذاتي والفعل في العالم. يستطيع الإنسان أن يربى تربية جيدة بلا تاريخ على الإطلاق.

ما الثقافة؟ إذا كانت الثقافة هي هدفنا الأقصى، فربما تساءلنا : وماذا عن النظريات الميتافيزيقية التي تتأمل في طبيعة الحقيقة الواقعية مستخدمة العقل وحده؟! «صحيح أنه يمكن أن يكون هناك عالم ميتافيزيقي: فالإمكان المطلق لوجوده يصعب المجادلة فيه. إننا نرى كل شئ في الرأس البشرى وليس في استطاعتنا قطع تلك الرأس، بينما يظل السؤال رغم ذلك قائمًا، ماهو العالم الذي يمكن أن يظل هناك لو أننا قطعنا الرأس؟».

النظريات التي تحاول الإجابة عن هذا السؤال تقع ببساطة خارج مجال البحث البشري، ولقد كان لهذا السؤال دائما من الناحية التاريخية جاذبية خاصة لدى الفلاسفة، لكن ما الذي يمكن أن نربحه إذا قبلنا وجودًا بعد ميتافيزيقي؟(5).

«لِمَ» كان نيتشه فيلسوفًا لا عقليًا، فرديًا ؟ والحق أن الحملة على العقل كانت في وقت ما مظهرًا من مظاهر التحرر الفكري؛ بل من مظاهر تكريس الفكر من أجل التقدم بالإنسانية. ذلك لأن العقل كان في ذلك الحين مبدأ مضادًا للحياة، يحمل على الطبيعة الإنسانية، ويحارب الواقع ويدعو إلى الهروب منه. كان ذلك في الوقت الذي ظُن فيه أن للعقل مبادئه الثابتة التي ينبغي أن يخضع لها الواقع؛ بحيث إنه لو ظهر بينهما تعارض كانت مبادئ العقل هي الصحيحة دائمًا، وكان علينا أن نفسر الواقع تبعا لما تقتضى به هذه المبادئ.

تلك الفترة الكلاسيكية، كان يُنظر إلى العقل إذن على أنه ملكة رفيعة ذات محتوى فطرى، مصدره إلهي مباشر؛ فهو ليس قوة تيسر للمرء سبيل السلوك في هذه الحياة، بل هو قوة تعلو على هذه الحياة وتترفع عنها وترسم لها خطتها مقدمًا. وهكذا أدرك المفكرون الأحرار، في وقت من الأوقات، إنّ العقل قوة مضادة للطبيعة، تعوق الإنسان عن ممارسة ملكاته وإطلاق قواه في هذا العالم، وتربطه بعالم آخر فيه من الجمود، والأزلية، والثبات، مالا تطيقه طبيعة البشر، ولا يعرفه الواقع الإنساني، ومن هنا كانت حملتهم على العقل، ودعوتهم إلى اللامعقول(6).

من هذا المنطلق بدأ نيتشه توجيه النقد للواقع الحضاري في أوروبا لأنه مشوه ويعمل ضد الإنسان الحقيقي أو الإنسان الطبيعي، وإنما هي تعمل على صنع إنسان مسستم مؤدلج مسيطر عليه.

لابد من التمييز بين «عمال الفلسفة» و«العلماء»من جهة، و«الفلاسفة» من جهة أخرى: عمال الفلسفة حسب نيتشه لم تكن لديهم من مهام سوى الوعظ الأخلاقي، وهم من النوع «النبيل» الذي يمثله كانط وهيجل، مهمتهم تمثلت في صياغة كتلة كبيرة من أحكام القيمة؛ أي تثبيتات قديمة للقيم التي باتت سائدة واعتبرت حقائق في المنطق، أو في الأخلاق، أو في السياسة، أو في علم الجمال، لقد مدّنا عمال الفلسفة بملخص للزمن والتاريخ وانتصروا بذلك على الماضي فحققوا الرضا والكبرياء، لكن في الواقع وضمن هذا المنظور النيتشوي لم يفعل عمال الفلاسفة سوى إنتاج أوهام على أنها حقائق ثابتة. إن العودة الفيلولوجية لحضارة هي الأقدم من نوعها جسدت أصالة الفيلسوف والوحدة بين الفكر والحياة مكّنت من تشخيص أمراض الحضارة الآثمة، والتي جعلت من المفكرين عمالًا للفلسفة لا مشرعين لقيم جديدة. إن المرض الكبير الذي يعاني منه تاريخ الفلسفة هو مخلفات الأخلاق والديالكتيك الذي يعبّر عن حياة منقوصة وعن فكر مشوّه، فإن فيلسوف المستقبل – الطبيب – سيشخص باستمرار مرض واحد في علامات مرضية مختلفة؛ فيمكن للقيم أن تتغير؛ فيحل التقدم والسعادة والمنفعة محل الحقيقة أو الخير أو الإلهي.

هل حضارتنا قادرة على أن تنجب فلاسفة يشرعون تكون المعرفة بالنسبة إليهم خلق وعملهم تشريع وإرادة الحقيقة لديهم إرادة قوة ؟ (7).

ونسأل اخيرًا : ما هى هذه الزلزلة؟ وما هو هذا الفجر الجديد؟ ليس من السهل أن نحدد ما يقصده نيتشه بهاتين الكلمتين او بغيرهما من كلماته ومصطلحاته الغنية بالإيحاءات والاشعاعات، ولكن ليس من الصعب كذلك أن نرى أن نيتشه يمثل «صدعًا فى تاريخ البشرية» (والتعبير لفيلسوف الحياة لودفيج كلاجيس)، ولقد أكد تأكيدًا لا مزيد عليه أنه «آخر العدميين»، وأن رسالته هى الكشف عن تصدع عصره «البرجوازي» وانهياره على رؤوس رجاله الجوف، وتعرية وعيه الكاذب بأسره، وتغيير ألواح قيمه التي فقدت قيمتها بعد أن تداعى عامود النظام الميتافيزيقي الذي كان يستند عليه. ولكن من الذي سيطلع هذا الفجر الجديد؟ من الذى سيحول القيم من اللوجس (المنطق والجدل العقلي) إلى البيوس (الحياة وإرادة المزيد من الحياة)؟ واخيرًا من الذى سيبدع هذا العالم الجديد؟ إنه جيل المبدعين من أفراد الإنسان الأعلى (8).

تابع قراءة المزيد من المعلومات المتعلقة بمقالنا هذا في اسفل الصفحة على مربع الاجابة وهي كالتالي جماليات التفكير الناقد عند فريدريك نيتشه

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
الدهشة عند نيتشه

ما يمكن قوله إن نيتشه يضعنا أمام دهشة مرعبة وسؤال محير مربك، ولذلك فإما أن تهرب منه لأنك غير قادر على مسايرته، ولأن الواقع برمته غير مستعد لتلك الأفكار المدهشة والمحيرة، أو أنك تقبل عليه وتقتنع أن ما يقوله يحتاج لوقفة متأنية، لتكتشف أنه تمكن من أن ينظر إلى الواقع بشكل مختلف تمامًا عن كل ما قد بجلّناهم وقدسناهم بوصفهم فلاسفة حقيقيين، لنكتشف مع نيتشه أنهم لم يكونوا فلاسفة بالمعنى الحقيقي للفلسفة وإنما هم عمال فلاسفة: لقد تفننوا جميعا في قتل كل ما هو إنساني وذاتي، وأعلوا وبجلوا العقل. إن العقل لا يصل بالإنسان للسعادة، لكنه في أغلب الأمر يوصل الإنسان إلى الشقاء والألم والاغتراب والتشيؤ. ونسأل هل حقا كان نيتشه على صواب؟ إن الحقيقة الجلية تخرج من فم رجل مجنون!

يرى نيتشه أن مهمة الفلاسفة لا تظهر إلا داخل حضارة أصيلة لأن الفلسفة لا يمكنها أن تنتعش إلا داخل الشعوب المتعافية، والفلسفة ليس لديها القدرة أن تعيد للشعوب أو الحضارة عافيتها، وبالنظر للحضارة المعاصرة نجد أنها حضارة آسنة وبائسة بل هي آثمة بمعنى الكلمة. فقط حضارة كالحضارة اليونانية يمكنها أن تكشف ما هي مهمة الفيلسوف، هناك وحدة قوية صلبة تشد الفيلسوف إلى حضارة أصيلة؛ فالإغريق قد برروا وجود الفيلسوف انطلاقًا من واقع أنه لديهم وحدهم ليس في حالة المذنب؛ حيث توصلوا للعثور على إمكانات جميلة للحياة (9).

يتسم نيتشه بقدرته على كشف عيوب الواقع وذلك بتوجيه النقد وكشف كل صور العوار. إنّ الحضارة الأوربية قامت على أساس العقل فما الذي يعنيه تمجيد العقل والمثل العليا؟ يعني أن الإنسان عمل جاهدًا وما زال على احتقار الجسد والإساءة إليه، بل يصل الأمر إلى إذلال الجسد عن طريق الحرمان والعزل وترويض متطلباته ورغباته وغرائزه، وكلما نجح الإنسان في ذلك أصبح المكرم والمبجل والمحترم، وأكملت المسيحية ذلك الأمر بالتركيز على إماتة الجسد وإخضاعه للعقل، ولم يفعل الفلاسفة إلا نفس الأمر: إعلاء للعقل واحتقار للجسد، وهذا يعني أن الإنسان في الحضارة المعاصرة يعيش بشكل مشوه.

لما كانت الجينالوجيا تعرف المرض بأنه نتيجة طلاق عنيف للإنسان مع ماضيه الحيواني، ونتاج قفزة وسقطة في آن واحد في وضع جديد، في ظل شروط وجود جديدة، ونتيجة لإعلان الحرب على الغرائز القديمة التي كانت قوام الإنسان؛ فإن المريض المنهك يكره جسده، فلا يعتني به، إنه يحتقره في فعل الأكل، ذلك أن الغذاء النباتي مثلًا، وهو أمر دارج اليوم، ليس سوى علامة وهن، ونسيان العصور البدائية التي تتميز بالرغبة اللامحدودة في تذوق اللحوم الحيوانية. إنّ الاكتفاء بأكل الخضروات علامة على فقر الدم، وعلامة وهن في الإرادة بعد تراجع مكانة الصيد. إن نيتشه ليضع سلمًا تراتبيًا يشمل البلدان الأوروبية بحسب تفاوتها فيما توليه لأهمية الطعام(10).

بحسب نيتشه، حقيقة الإنسان ليست شيئًا آخر سوى جسده، وما الروح إلا أداة يلهو بها هذا الجسد، وبهذا تصبح الأفكار والمشاعر التي كانت انفعالات للنفس ما هي إلا تشكلات حقيقية للجسد؛ إذ هو الذي يسكن وراء كل سلوك يقوم به الإنسان ويريده. فكل ما نفكر فيه أو نحس به قد أملاه علينا جسدنا.: إن وراء أفكارك ومشاعرك ، يا أخي، يقوم سيد جبار وحكيم مجهول هو (الهو) الذي يسكن جسدك، بل هو جسدك. الجسد هو الذي يحس ويفكر، فيفرح ويتألم، ويتخيل، وعدة أفعال أخرى كان يعتقد أنها من أفعال النفس أو الروح. إنّ الجسد هذا الغائب الحاضر هو الذي يقدر كل شئ فحتى ما كان يعتقد أنه من تقديرات النفس، إنما هو من تقديراته هو؛ فقيمة الخير والشر وقيمة الحق والخطأ، وقيمة الجمال والقبح، إنما هي قيم يضعها الجسد ويقيّم الأشياء من خلالها. إن الجسد هو الذي يريد كل شئ. هكذا يصبح الجسد هو الذي يريد وليست النفس.

مع نيتشه تنفتح مرحلة جديدة للجسد حيث تنكشف قواه الإبداعية ويتخلص من كل التشويهات التي مورست عليه خلال التاريخ، وأهم أمر تمثل في إجلاء قدراته الجمالية، عبر إعادة الاعتبار للظاهر والإحساس فيصبح كل ما هو جمالي وإبداعي منبعه الجسد؛ فعبر انفعالات الجسد تنجلي معاني الحياة وتدفق الأحاسيس التي تكشف عن الصيرورة (11).

ولا شك أن نيتشه – بعد شوبنهور وفيورباخ – قد اكتشف أن الجسد فكرة أكثر إثارة للدهشة من فكرة النفس «العتيقة». وقد لا نعدو الصواب إذا قلنا باختصار يحتمه ضيق المقام إن هؤلاء الثلاثة قد عملوا على تحول الفكر الحديث من ميتافيزيقا العقل – الذى انهار وخُلِعَ عن عرشه بعد موت هيجل – إلى ميتافيزيقا الجسد والإرادة والدوافع. وقد يكون نيتشه أشدهم من هذه الناحية تاثيرًا على تيارات عديدة من فلسفة الحياة إلى فلسفة الوجود، وعلم النفس الوجودي، والانثربولوجيا الفلسفية، ومدارس التحليل النفسي المختلفة (12).

انتقد نيتشه الأخلاق المسيحية لأنها تستأنس شجاعة الإنسان وتروض جسارته، فالحيوان المتوحش متى تم استئناسه فإنه يفقد روعته، ويقول نيتشه: ما الذي نحاربه في المسيحية؟ نحن نحارب فيها سعيها إلى تحطيم الأقوياء وكسر أرواحهم واستغلال لحظات تعبهم وعجزهم، وسعيها إلى تحويل الفخور بالذات إلى حالة من القلق وتنغيص الضمير، ونحن نحارب فيها أنها تعرف كيف تسمّم أنبل الغرائز وتصيبها بالسقم والمرض حتى تتجه قوتها وإرادتها في الحياة إلى دخيلة الذات وتدمر نفسها (13).

يقول نيتشه إن أخلاقنا اليهودية–المسيحية تقدم القليل من العون؛ لأن إدانتها للقسوة ترتكز على نفس الطريقة الإشكالية التي تصبغ الطهارة بالصبغة المثالية. إنّ ما يتمسك به نيتشه هو أن تلك الأخلاق تحمل في طياتها كراهية مقدسة تجاه ما هو مختلف، وتجبر هذه الاختلافات على أن تكون نقيضًا للنقاء (14).
0 تصويتات
بواسطة
من أقوال نيتشه

إنّ الأخلاق المضادة للطبيعة تسير على العكس تماما ضد غرائز الحياة. فهذه الأخلاق هي غريزة الانحطاط نفسها؛ فالكاهن يصير كل من يخالطه من الأصحاء مريضًا فاستئصال النزوات فقط لاتقاء حماقتها أو النتائج المغضبة لحماقتها يبدو لنا اليوم مجرد شكل صارخ من الحماقة، والكنيسة تحارب النزوة ببترها، بكل معاني الكلمة؛ فأن يرغم المرء على مقاومة غرائزه تلك هي صيغة الانحطاط. كما أن مهاجمة النزوات من الجذر تعنى مهاجمة الحياة من الجذر، ولهذا يعتبر عمل الكنيسة معاد للحياة «فالمسيحية […] هي التي تخدر الأعصاب، باستعمالها أدوية خطيرة ومتهورة»(15).

تظهر جينالوجيا الأخلاق عند نيتشه في ثلاث مقالات مرتبطة: تعالج الأولى أصول التعارض الأخلاقي بين الخير والشر، والتي تعرف الخير على أنه واضح وطاهر وغير أناني، والشر على أنه نقيض ذلك، وتعرض الثانية لأصل الموضوع الأخلاقي ومعنى الذنب. وهذا نتيجة طبيعية لمنطق الخير والشر، لكنه أيضًا امتداد له وفقًا لرؤية نيتشه عن الشمولية الأخلاقية. والمقالة الأخيرة تبحث في نموذج الطهارة – الزهد – كما يظهر في الاستطيقا والفلسفة والدين والعلم، ويوضح نيتشه هنا كيف أن الفكر الأخلاقي والديني عن الخير والشر يستمر في تلويث علمانيتنا المزعومة وعصرنا التنويري ويفضي بنا إلى العدمية(16).

إن نيتشه لا يؤسس القيم الأخلاقية؛ بل يتساءل عن مشروعية وجودها، ومدى صلوحيتها بالنسبة للحياة؛ فنيتشه لا يؤسس وإنما يبحث عن الأصل؛ فهو يتساءل لماذا الأخلاق؟ هل هي تعبير عن امتلاء الحياة أم عن ضيقها وتقهقرها؟ هل تبعث فينا الأمل والشجاعة والقوة أم هي تعرقلنا؟ هكذا يضع نيتشه القيم الأخلاقية أمام المحاكمة الجينيالوجية فهو ينطلق من منطلق آخر، غير منطلق العقل، في نظره، بل الحياة هي التي تحدد المعنى. إنّ الحياة هي التي تحملنا على وضع القيم، إنّ الحياة هي التي تقوم من خلالنا في كل مرة نضع فيها قيمًا.

أي نوع من الحياة ينتج عن هذه الأخلاق؟ يتساءل نيتشه ويجيب: الحياة الآفلة، الضجرة، المذمومة. إنّ الأخلاق كما فهمت حتى الآن كما صاغها شوبنهاور في نهاية المطاف «نفى لإرادة الحياة» هذه الأخلاق هي غريزة الانحطاط. إن الأخلاق شوهت الإنسان بأن قلصت من إرادته، فالإنسان الأعلى هو أرقى من أن يمارس الشفقة، أو أن تمارس عليه؛ فهو يتميز «بإرادة القوة» وإرادة الحياة، هو الذي يخلق ذاته بذاته ولا يقوم بمجرد التمييز انطلاقًا من مبدأ الشفقة، هذا المبدأ جعل نيتشه يدعو الإنسان إلى أن يثور على كل الفلسفات السابقة(17).

ما الذي فعلته الحداثة؟ لقد انطلق الإنسان إلى خارجه. لقد تخارج الإنسان إلى الواقع المادي، وكل شئ حوله أصبح له نفع وله مقابل، وظل الداخل الإنساني بلا أدنى اهتمام، حتى أن الإنسان نفسه تشيئ وأصبح مثل باقي الأشياء المادية، لقد فقد إنسانيته، وبمعنى آخر لقد اغترب الإنسان عن نفسه، وتعالى الواقع المادي الخارجي عليه، لقد اكتشف الإنسان أنه أصبح من الصعب عليه -أو من المستحيل- أن يقيم التوازن بين ما هو مادي وما هو معنوي داخلي.

بحسب نيتشه، أصبح الإنسان الحديث مريضًا ومنحطًا؛ لأن وهنًا أصاب إرادته، كما أن هبوط حياته في تسارع مطرد ، وانحطاطه يتزايد، كي يفضى في النهاية إلى إنهاك كلي لقواه، ولعل من أهم العلامات الدالة على هذا الإنهاك، عدم الاعتناء بصحة الجسم، واحتقاره في فعل الأكل ونوعه وفى الفعل الجنسي.

وتمثل العدمية الشكل الواضح للإنسان الحديث – الإنسان الأخير – حيث إن بحثه عن المعنى جعله يبتدع قيمًا مضادة للحياة. وإذا كان نيتشه يعتبر أن الفيلسوف هو طبيب الحضارة وأن «كل فلسفة وكل فن يمكن أن يكون علاجًا»، فإن أول مهمة للفيلسوف الطبيب ستكون هي أولًا محاربة أنواع العلاجات الفاسدة والساذجة التي اعتمدها القساوسة والكهنة كوسائل لتدجين الإنسان. ولما كانت تلك العلاجات قد أنتجت أمراضًا جديدة، وبما أن الكهنة جعلوا الإنسان أكثر مرًضا وأكثر حقدًا تجاه ذاته واتجاه العالم، فإن رهان الطبيب-الفيلسوف سيكون هو تشخيص أمراض الإنسان، والبحث جينيالوجيا عن أصولها وأسبابها. كل ذلك بقصد محاربة السموم التي أطلقها لعاب الكاهن في جسم الحياة بدعوى خلق القيم: الخير والشر، والحسن والقبيح (18).

يقول نيتشه «كل حضارتنا في أوروبا ما زالت تئن وتتلوى من القلق الذي يتزايد من عقد إلى عقد كأنها في انتظار كارثة؛ فهي قلقة مضطربة عنيفة مبعثرة شذر مذر، مثل سيل جارف سيعاود منبعه، وهى ترفض أن تتأمل وتفكر – أجل ، بل أنها تخاف من التفكير». يبدو أن الذي لفت انتباهه أكثر من أي أمر آخر لم يكن «التعصب المنحرف» العصري فقط، في خلوة من أي توجيه في المسائل ذات القيم الأساسية، بل كذلك سيطرة العقلية التجارية على الحياة بما لم يعد في الإمكان تلافيه، حيث نصب مبدأ «الدفع نقدًا، وبالدَين» حكمًا على الجميع ومراقبًا عليهم. عمليًا صار الغني، وذو الثقافة المبتذلة «بلذة نهاره» الدنيئة، و«لذة ليله» مثالًا «للنوع الإنساني» على كل المستويات الاجتماعية، وحتى مطالب الجماهير المستغلة نادرًا ما بدت تتجاوز طموح تحقيق ابتذال ثقافي شامل يشترك فيه الجميع بصورة عادلة.

سبب من أسباب هذا الوضع هو الفراغ النفسي والخلقي الذي ابتدأ بالسيطرة على العالم عندما فقدت الأديان القائمة سلطتها . هناك سبب آخر، مصيري بدرجة أكبر من الأول، هو تلك الفجوة بين السير السريع بدرجة لا تصدق لمدنيتنا الخارجية – التكنيكية والعلمية – من جهة ، والتطور الداخلي أو الحضاري المتخلف للإنسان الحديث من جهة ثانية، والواقع أننا نكاد نستطيع القول إنه لم يبق ثمة جسور بين الاثنين. ومن هنا سيطرت الكمية على حساب النوع . صارت الحضارة الخلاقة تختنق شيئًا فشيئًا بدخان الإنتاج الصناعي الجبار. لقد تطور الإنسان الخارجي على حساب الإنسان الداخلي(19).

ونيتشه يعتقد في أعماله الناضجة أن الحضارة الأوربية يمكن إنقاذها من خلال ثورة تعكس اتجاه الحياة، بخضوع البرجوازية والجماهير لنخبة جديدة. وقد قال ذلك حين كان تحت تأثير موسيقى «فاجنر» الذي وجه نيتشه وجهة جمالية، ورأى نيتشه أن أوبرا فاجنر سوف تنقذ حداثة فاسدة عن طريق مزج التطهير العاطفي بالتجربة الموسيقية السامية، بالطقس الأسطوري؛ أي خلاص أوروبا من خلال موسيقى فاجنر. وقد انقلب نيتشه بعد ذلك على فاجنر وأعاد تقييم فنه في كتابه «إنساني مفرط في إنسانيته»، ووصل إلى أن أوربا الحديثة فقدت قوة الحياة الدافعة لخلق قيم وخصوبة تؤدي إلى ثقافة قوية حقًا. و«قوة الحياة» تلك يطلق عليها نيتشه «إرادة القوة». كما اكتشف نيتشه أن الجذر التاريخي لتفسخ حياة الحداثة هو مولد الأخلاق، وفلسفته هي احتفال بإرادة القوة، وهي تعني لديه حقيقة الحياة والعالم، وهى تجسد «غريزة الحياة»، والحضارة كلها من صنع أصحاب القوة الذين يمتلكون إرادة قوة لا تقهر، وهم الآريون.

وهذا الاستنتاج ليس مجرد حكم أخلاقي أو فلسفي ولكنه حكم تاريخي، لأنه يرى أن انهيار الحضارة ليس حركة للخلف نحو حالة بدائية كما يعتقد «بوكهارت»، وإنما حركة نحو الأمام، نحو التفسخ واللامعنى. وهو يرى أن الغرب الحديث مريض، وقد عبر نيتشه عن نهاية الحضارة في كتابه «هكذا تكلم زرادشت»، حيث يصف موت الإنسان الغربي وضياع الإيمان(20).

يرى نيتشه أن مهمة الفلسفة تكمن في كشف العوار أو الجوانب السلبية في الواقع المعاش، وفضح كل ماهو آسن وبليد ومدمر للحياة الإنسانية، وفي نفس الوقت تقديم الحلول الممكنة أو العلاج الممكن لإنقاذ الإنسان؛ فالفيلسوف ينبغي أن يكون بمثابة الطبيب الذي يشخص المرض وفى نفس الوقت يقدم العلاج الممكن للمرض.

كان نيتشه ينظر إلى الفيلسوف أنه بمثابة «طبيب» لأنه من المفترض أنه يبين جوانب الخلل والاضطراب إلى جانب أنه يمتلك القدرة على تقديم السبل لمعالجة أو لتلافي تلك المثالب.

هذا ما جاء على لسان زرادشت : «صوتي علاج حتى بالنسبة للذين ولدوا عميانا». يصرح الفيلسوف أن «كل فلسفة وكل فن يمكن أن يكون علاجا لكائنات تعاني». بل يعتبر نفسه طبيب الحضارة ويسند للفيلسوف مهمة جديدة: مهمة العلاج، فعوض الفيلسوف التقليدي، يصبح عندنا الفيلسوف الطبيب الذي يكشف عن علل المرض بحيث تتحدد مهمته في «البحث عن الصحة الكبرى للفرد ، والشعب والمجتمع». يستخدم نيتشه في مؤلفاته جهازًا مفاهيميًا ينتمي إلى مجال الطب أو على الأقل ينتمي إلى تصوراته كفيلسوف طبيب. وهكذا ففي المتن النتشوي يتكرر مفهوم «علاج »، بل نجد تمييزًا بين أصناف العلاج، كالعلاج الساذج والعلاج الخاطئ والعلاج الجذري. كما نجد تكاثرًا في مواقع الصحة والمرض والألم والمعاناة.

يرى نيتشه أنه يجب على الفيلسوف أن يكون فزيولوجيًا وطبيبًا كي تكون له القدرة على أن يبلغ الأعماق : حالة الجسد. ولعل ذلك ما ذهب إليه david farrel krell من أن الفزيولوجيا هي أهم تقنيات الجينالوجيا. يأمل نيتشه في أن يتم اعتماد المقاربة الفيزيولوجية في دراسة أصل الأخلاق إضافة إلى باقي المقاربات المعتمدة، بل أنه يدعو إلى إخضاع الأخلاق لاختبار طبي.

إنّ الكاهن أو رجل الدين أو اللاهوتي ينظر إلى نفسه بوصفه القادر على علاج كل تابعيه، ويعطي لنفسه كل حقوق الطبيب، بل إن الأمر يصل لدرجة مزرية عندما نجد القطيع يستسلم لذلك الكاهن ويعتبره بمثابة الطبيب والمنقذ والمفضي إلى الصحة والعلاج وإلى المنشود، بل هو الذي سيجعلهم يصلون إلى الجنة وإلى الفردوس المنشود والمأمول. نعم إن للكاهن القدرة على السيطرة على تلك النفوس الضعيفة والمضطربة والقلقة فتجد السبيل والملاذ والخلاص عند ذلك الكاهن بكل أدواته وقدرته على النفاذ إلى الداخل النفسي. وكل ما يفعله ذلك الكاهن هو تصميت العقل أو تغييبه أو عمل شلل بدرجة ما لعمل العقل ولذلك نجد نيتشه يتساءل بشكل استنكاري واستهجاني: ترى هل فعلا مثل هذا الكاهن يمكن أن يكون طبيبا بالفعل؟

لقد رأينا قلة الحقوق التي تخول له لقب الطبيب، وإن كان ينظر إلى نفسه بكثير من العجب على أنه مخلص، ويدع الآخرين يبجلونه باعتباره كذلك. إن ما يستعمله وما يوظفه الكاهن في تأسيسه للأخلاق يسميه نيتشه تطبيبًا وعلاجًا، لكنه تطبيب كهنوتي. إنّ حماة هذا التطبيب من كهنة وقساوسة يسببون بعلاجهم المزيد من المرض، ويجعلون الإنسان المريض أكثر مرضًا. فالكاهن الطبيب يجلب معه البلسم والعلاج. حيث عليه أن يجرح قبل أن يقوم بالعلاج كطبيب، فيسمم الجرح في نفس الوقت الذي يهدئ فيه الألم الناتج عن ذلك الجرح. «إنه يتقن هذا العمل، هذا الساحر والمروض للسباع ، الذي يصير كل من يغالطه من الأصحاء مريضًا». مهمة الفلسفة عنده هي تشخيص للأعراض المرضية – سمبتمولوجيا – أو سيميولوجيا تقف عند مرض المعنى. إن مهمة الفيلسوف الطبيب تقتضي أولًا محاربة أنواع العلاجات الفاسدة والساذجة التي اعتمدها القساوسة والكهنة كوسائل لتدجين الإنسان ضد كل أشكال القوة الطبيعية التي تميز حيوانيته. وبما أن الكهنة جعلوا الإنسان أكثر مرضًا وأكثر حقدًا تجاه ذاته واتجاه العالم، فإن مهمة الطبيب الفيلسوف تقوم على تشخيص أمراض الإنسان، والبحت جينيالوجيا عن أصل المرض. كل ذلك بقصد محاربة السموم التي أطلقها لعاب الكاهن في جسم الحياة بدعوى خلق القيم: الخير والشر، الحسن والقبيح. يعتبر نيتشه أن «الإنسان حيوان مريض» وأنه «أحد الأمراض الجلدية للأرض» ، ولذلك يجعل من مهمته الجينالوجيا كشف الوجوه المسمومة لعلاج القساوسة، وحتى نقده للفلاسفة يدور في عمقه على نقد الدور الذي يقوم به هؤلاء في إثبات أو نفي الصحة الكبرى، في علاج أو تسميم المجتمع، في إثبات أو نكران الحياة(22).

فماذا يقصد بالمرض في فلسفة نيتشه؟ يعرف نيتشه المرض كما يلي : «أعني بالمرض اقتراب الشيخوخة المبكرة، القبح، الأحكام التشاؤمية، ثلاث صفات مجتمعة». فالكائن المريض، ليس فقط من يعجز عن الهضم، ولكن الذي يبتلع كل شيء و يجد صعوبات في الإفراز. وللمرض أو ما يعوضه من مكافئات دلالية كالانحطاط كالانحلال، الضعف، التهجين…، وله عدة أعراض منها :ضعف الإرادة، عدم القدرة على مقاومة إثارة ما، التناقض الفيزيولوجي وعدم القدرة على هضم التجارب المعيشة و البحث عن المنبهات والمسكنات. ولما كانت الغريزة هي مركز إرادة القوة، فان كل وهن يصيب الجسد وغرائزه له تأثير كبير على طبيعة الإرادة نفسها، بحيث تصبح إرادة إثبات وصحة أو نفي وانحطاط. ويتجلى ضعف الإرادة، باعتباره عجز عن التحكم في الذات، في شكل عبودية المرء لغرائزه الأكثر قوة، باعتبار أن غياب التوازن الداخلي هو السمة المميزة لجسد مريض(24).

هذا الإنسان الذي تحول إلى قشرة خارجية منزوعة اللب إنسان يخدع نفسه بنفسه. التصق قناع المنصب أو الوظيفة التي يؤديها في المجتمع بجلده حتى أخفى وجهه الحقيقي وتوحد «بالدور» الذي يقوم به فاستبدله بذاته الأصيلة. وإذا كان هذا الدور ضرورة تحتمها الحياة الاجتماعية ويفرضها التعامل مع العالم والناس، فانه يصبح في الحالات المرضية قناعًا تتخفى وراءه الشخصية أو بالأحرى تختفي فيه.

ولا شك في أن نيتشه قد سلط نيران غضبه على الأقنعة الكاذبة التي ارتداها الناس في عصره، واستطاع أن يعرى حضارته ويكشف عن العفن والفساد والعدمية التي فغرت هاويتها المخيفة لتتردى فيها. فعل ذلك ليحمى «النفس الشابة» من لعنة الأقنعة والأدوار المتشابهة إلى ما لا نهاية، من السقوط والضياع وسط الجماهير المجهولة -كما سيقول هيدجر فيما بعد – ومن إنكار الذات الأصيلة وتسليم قيادها للناس والرأي، فعل ذلك لكي تقسو على نفسها وتقول لها : كوني نفسك! (25)

عبر هذه الصفحات يمكن أن نرى بشكل واضح مدى الدهشة التي يمكن أن تعتريك وأنت تقرأ ما يقوله نيتشه عبر كتاباته وأفكاره: إنها دهشة حيوية ومتوهجة وتجعلك تعيد النظر بشكل أو بآخر في الكثير من المسائل والأفكار. إن ما عرضه سيحدث درجة من درجات الانجذاب إلى ما يقوله، وهنا تكون الذات قبل قراءة نيتشه غيرها بعد القراءة، وتلك لحظة جمالية منشودة نحتاج آن تبقى معنا طويلًا في زمن فقد الكثير أو قل أغلب جمالياته ليسود القبح كل شيء.

،

اسئلة متعلقة

...