رجل له أملاك وزوجة وأولاد (بنون وبنات)، ارتأى في حياته قبل موته وهو سليم صحيح تقسيم أملاكه على أولاده وفق الشريعة
وردتني هذه المسألة المتعلقة
بأحكام الهبة والمواريث :
ء==================
.
رجل له أملاك وزوجة وأولاد (بنون وبنات)، ارتأى في حياته قبل موته وهو سليم صحيح تقسيم أملاكه على أولاده وفق الشريعة (يقصد وفق معايير التوريث الشرعي) في جو ودي حتى إذا إذا أدركه الموت لا يكون قد ترك لأولاده مجالا للخصومة والخلاف.
لكن أطال الله في عمر الرجل حتى توفيت زوجته بعد التقسيم، ثم كتب الله له أن يتزوج بامرأة ثانية ويرزق منها بنتا.
وبعد ذلك، توفي الرجل ولم يترك خلفه شيئا يورث بعد أن قسم أملاكه على أولاده من زواجه الأول، فيما بقيت الزوجة الثانية وابنتها بلا نصيب.
الآن الأولاد من الزوجة الأولى يتساءلون إن كان ثمة مستحقات لزوجة أبيهم وأختهم منها بعد أن استأثروا بكل مال أبيهم على سبيل الهبة الشرعية وقبل حصول الزواج الثاني. فهم يسألون هل عليهم من شيء يعطونه لزوجة أبيهم وأختهم لأبيهم أم أن الأمر قد تم على أنه لا نصيب لهما باعتبار أن والدهم لم يترك شيئا للتوريث.
.
انتهى نص السؤال
.
ء============================
نص الجواب :
ء============================
.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد،
.
فإن ما فعله الأب يدخل في باب الهبة، والهبة من أبواب التملك شرعا. ولكل امرئ الحق في التصرف في أملاكه إنفاقا وإهداء وهبة ونحو ذلك ما لم يصاحب ذلك الإسراف والتبذير ((وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)) (29 الإسراء) أو تداخله إرادة الحرمان أو الأذى ومجانبة العدل.
.
فما فعله الأب لا دليل على عدم جوازه إلا إذا ارتبط بنية الحباء (تفضيل بعض الأولاد على بعض) أو نية حرمان بعض الورثة من الميراث.
.
فظاهر نص السؤال أنه عند التقسيم لم يكن الرجل ينوي الزواج. وإن صح ما فهمته من ظاهر نص السؤال، فالرجل بريء من نية حرمان الزوجة الثانية وولدها من الميراث ومن نية الحباء في الهبة، وهذه التهمة قد يتلبس بها البعض ليسترضي أولاده وزوجته الأولى للزواج الثاني، ومرت بي حالة في هذا الاتجاه !!
.
لكن مع اعتبار براءته وحسن نيته، فقد وردت أقوال لبعض أهل العلم بعدم استحباب تقسيم المال في الحياة لما قد يترتب عليه من احتياجه له في آخر حياته خصوصا إذا ارتبط الاحتياج بعقوق الأولاد ويقوى حس هذا المعنى في الازمنة السيئة التي تشرئب فيها أعناق الشح والعقوق كزمننا الذي نعيش. ولعله نبا لسمع كثير منكم قصص عن كوارث من هذا القبيل.
.
وقد وقفت على نقل لرواية عن الإمام أحمد رحمه الله بكراهة أن يهب المرء كل ماله لأولاده بالعدل إذا أمكن أن يولد له !!
.
وإليكم النقل كاملا :
قال في " الإنصاف " (7/142) : " لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده . على الصحيح من المذهب . وعنه: يكره . (يعني : عن الإمام أحمد قول آخر بالكراهة ) قال في الرعاية الكبرى : يكره أن يقسم أحد ماله في حياته بين ورثته إذا أمكن أن يولد له " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" : " (16/463) : " ننصح والدك ألا يقسم ماله في حياته ، فربما احتاج إليه بعد ذلك " انتهى .
.
وعودا على الحالة المطروحة، نقول للأولاد المستفيدين من القسمة : حلال لكم ما استفدتموه من باب الهبة إن سلم والدكم من نية الحرمان او الحباء. وتبقى لكم فتحة بر لأبيكم مفادها ما يلي : إذا غلب على ظنكم ان الوالد أراد بالهبة العدل بين ورثته في حياته وأنه كان غافلا لحظة الهبة عما قُدِّرَ له من الزواج مجددا وأن تكون له بعد الهبة زوجة أخرى واولادا آخرين، وانه لو استقبل من أمره ما استدبر لكان توزيع هباته على النحو الذي يسوي فيه بينكم وبين اختكم لأبيكم وبين أمكم وأمها ... فإذا كان هذا ظنكم بأبيكم فمن البر منكم له أن تمضوا ما استطعتم من ظنكم به بأن تقسموا لأختكم بالتعاون بينكم ولو بعضا مما يقتضيه ظنكم بوالدكم وإحسانكم له في مماته كما أحسن إليكم في حياته
.
والله تعالى اعلم
وصلى الله وبارك وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
..