في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

خطبة عن شهر محرم - ملتقى الخطباء

خطبة في فضل شهر المحرم وعاشوراء

خطبة الجمعة أول محرم

فضل شهر الله المحرم PDF

خطب شهر محرم

خطبة الجمعة شهر الله المحرم وفضل صيام عاشوراء

شهر الله المحرم فضائل وأحكام

خطبة عن شهر الله المحرم وعاشوراء ملتقى الخطباء

شهر الله المحرم فضائل ومكارم (خطبة قصيرة)

عناصر الخطبة

1/غفلة بعض الأنام عن حكم تعاقب الأيام والأعوام 2/وقفات مع شهر الله المحرم 3/ضلال بعض العباد عن هديه صلى الله عليه وسلم في عاشوراء 4/دعوة لاستغلال الأعمار لنيل دار القرار.

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ، يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَصْطَفِي مِنْ خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ؛ سُبْحَانَهُ جَعَلَ فِي تَقَلُّبِ الْأَيَّامِ عِظَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي تَعَاقُبِهَا عِبْرَةً لِلْمُدَّكِرِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الشَّاكِرِينَ، وَإِمَامِ الْمُوَحِّدِينَ، قَامَ بِحَقِّ رَبِّهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ أَفْضَلُ صَلَاةٍ وَأَتَمُّ تَسْلِيمٍ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللَّهِ: اتَّقُوا اللَّهَ؛ فَإِنَّ فِي تَقْوَاهُ سَعَادَةً لِلْعِبَادِ، وَهِيَ خَيْرُ مَا يُتَزَوَّدُ بِهِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَتَوَالَى اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ، وَتَتَعَاقَبُ السُّنُونَ وَالْأَعْوَامُ، وَالْبَعْضُ فِي غَيِّهِمْ يَلْعَبُونَ وَبِدُنْيَاهُمْ مُنْشَغِلُونَ، فَلَا آمَالُهُمْ تَحَقَّقَتْ وَلَا سَاعَاتُهُمْ أُجِّلَتْ؛ بَلْ ذَهَبَتِ الْأَمَانِي وَوَقَعَ الْمَنُونُ؛ وَالنَّتِيجَةُ أَنَّهُمْ لَا لِدُنْيَاهُمْ حَفِظُوا، وَلَا لِآخِرَتِهِمُ اسْتَعَدُّوا؛ إِنَّمَا غَادَرُوا الدُّنْيَا كَمَا دَخَلُوهَا، وَرَحَلُوا إِلَى الْآخِرَةِ كَمَا وُعِدُوا بِهَا؛ (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ)[الْأَنْعَامِ: 94].

عِبَادَ اللَّهِ: لَا تَكَادُ تَنْتَهِي مَوَاسِمُ طَاعَاتٍ حَتَّى تَعْقُبَهَا أُخْرَى، وَلَا تَنْقَضِي فُرَصُ خَيْرٍ حَتَّى تُطِلَّ عَلَيْنَا غَيْرُهَا.. وَهَا نَحْنُ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ تَوْدِيعِ عَامٍ هِجْرِيٍّ كَانَ خِتَامُهُ شَهْرًا مُحَرَّمًا، تَخَلَّلَتْ أَيَّامَهُ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ وَشَعِيرَةٌ جَلِيلَةٌ؛ إِنَّهَا فَرِيضَةُ الْحَجِّ، كَمَا نَسْتَقْبِلُ عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا يَفْتَتِحُهُ شَهْرٌ حَرَامٌ؛ وَهُوَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَلَنَا مَعَكُمْ فِيهِ وَقَفَاتٌ:

أَوَّلُهَا: تَسْمِيَتُهُ وَمَا قِيلَ فِيهَا؛ فَقِيلَ: سُمِّيَ مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ فِيهِ عَلَى إِبْلِيسَ. وَقِيلَ: مُحَرَّمًا تَأْكِيدًا لِحُرْمَةِ الْقِتَالِ فِيهِ؛ حَيْثُ إِنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَلَاعَبُ فِي تَحْرِيمِهِ فَكَانُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ آخَرَ، كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي الْمُحَرَّمَ بِشَهْرِ اللَّهِ الْأَصَمَّ؛ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ تَحْرِيمِهِ وَتَعْظِيمِهِمْ لَهُ، وَيُسَمُّونَهُ صَفَرَ الْأَوَّلَ. ثُمَّ صَارَتْ تَسْمِيَتُهُ إِسْلَامِيَّةً شَرْعِيَّةً "شَهْرَ اللَّهِ الْمُحَرَّمَ".

ثَانِيهَا: تَخْصِيصُ نِسْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ دُونَ سَائِرِ الشُّهُورِ؛ فَيُقَالُ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِ كَذَلِكَ؛ وَفِي حِكْمَةِ ذَلِكَ يَقُولُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ فِي (شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ): "الْحِكْمَةُ فِي تَسْمِيَةِ الْمُحَرَّمِ شَهْرَ اللَّهِ، وَالشُّهُورُ كُلُّهَا لِلَّهِ! يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فِيهَا الْقِتَالَ، وَكَانَ أَوَّلَ شُهُورِ السَّنَةِ أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَخْصِيصٍ وَلَمْ يَصِحَّ إِضَافَةُ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا شَهْرَ اللَّهِ الْمُحَرَّمَ". اهـ.

إِضَافَةً إِلَى أَنَّ فِي تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ مَزِيدَ فَضِيلَةٍ؛ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحَرَّمَ شَهْرَ اللَّهِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- تَدُلُّ عَلَى شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- لَا يُضِيفُ إِلَيْهِ إِلَّا خَوَاصَّ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا نَسَبَ مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ، وَنَسَبَ إِلَيْهِ بَيْتَهُ وَنَاقَتَهُ".

ثَالِثُهَا: أَنَّهُ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَيَأْتِي فِي أَوَّلِهَا؛ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- افْتَتَحَ السَّنَةَ بِشَهْرٍ حَرَامٍ -أَيِ: الْمُحَرَّمِ- وَخَتَمَهَا بِشَهْرٍ حَرَامٍ -أَيْ: ذِي الْحِجَّةِ- فَلَيْسَ شَهْرٌ فِي السَّنَةِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُحَرَّمِ".

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِذَا تَأَكَّدَ تَحْرِيمُ الظُّلْمِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 36].

قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي تَفْسِيرِهِ: "خَصَّ اللَّهُ -تَعَالَى- الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ بِالذِّكْرِ وَنَهَى عَنِ الظُّلْمِ فِيهَا؛ تَشْرِيفًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلِّ الزَّمَانِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، أَيْ: لَا تَظْلِمُوا فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الْحُرُمِ أَنْفُسَكُمْ".

رَابِعُهَا: أَنَّ شَهْرَ اللَّهِ الْمُحَرَّمَ أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْهِجْرِيَّةِ أَوِ الْقَمَرِيَّةِ، وَتَمَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى هَذَا فِي عَهْدِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَنَةَ (16 ه)، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)[التَّوْبَةِ: 36].

خَامِسُهَا -يَا عِبَادَ اللَّهِ-: أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَشْهُرِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، رَجَّحَ ذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَيِّ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَفْضَلُ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ: أَفْضَلُهَا شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَرَجَّحَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ اللَّيْلِ خَيْرٌ؟ وَأَيُّ الْأَشْهُرِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: خَيْرُ اللَّيْلِ جَوْفُهُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْهَرِ شَهْرُ اللَّهِ، الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ"، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَإِطْلَاقُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ رَمَضَانَ".

سَادِسُهَا: اسْتِحْبَابُ الصِّيَامِ فِيهِ، وَتَأْتِي أَفْضَلِيَّةُ الصِّيَامِ فِيهِ بَعْدَ فَضْلِ الصِّيَامِ فِي رَمَضَانَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ 1163).

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ حَوْلَ مَدْلُولِ الْحَدِيثِ، وَهَلِ الْمَقْصُودُ صِيَامُ الشَّهْرِ كَامِلًا أَمْ أَكْثَرِهِ؟ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ كَامِلًا، وَحَمَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الْإِكْثَارِ مِنَ الصِّيَامِ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ لَا صَوْمِهِ كُلِّهِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- ذَكَرَتْ مَا رَأَتْهُ هُنَا، وَلَكِنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَى صِيَامِ الشَّهْرِ كَامِلًا.

شَهْرُ الْحَرَامِ مُبَارَكٌ مَيْمُونُ *** وَالصَّوْمُ فِيهِ مُضَاعَفٌ مَسْنُونُ

وَثَوَابُ صَائِمِهِ لِوَجْهِ إِلَهِهِ *** فِي الْخُلْدِ عِنْدَ مَلِيكِهِ مَخْزُونُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، وَالْأَمْنِ مِنَ الْفَزَعِ يَوْمَ الْعَرْضِ فِي الْعَرَصَاتِ.

قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنَبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

تابع قراءة الخطبة في اسفل الصفحة على مربع الاجابة اسفل الصفحة الخطبة الثانية 

3 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
الخطبة الثانية:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْوَقَفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِشَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي نَصَرَ اللَّهُ فِيهِ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ الْمُؤْمِنِينَ (مُوسَى وَقَوْمَهُ)، وَهَزَمَ فِيهِ الْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ الْكَافِرِينَ (فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ)، وَلَا يَزَالُ هَذَا الِانْتِصَارُ مَحَلَّ اعْتِبَارٍ إِسْلَامِيٍّ وَتَقْدِيرٍ وِجْدَانِيٍّ؛ فَشُرِعَ لَنَا صِيَامُهُ قِيَامًا لِلَّهِ بِشُكْرِهِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، كَمَا رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَى صِيَامِهِ ثَوَابًا عَظِيمًا شُكْرًا لِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ الشَّرِيفَةِ؛ فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا: "وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ".

هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَأَمَّا عَنْ فِعْلِهِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ؛ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ"؛ وَمَعْنَى "يَتَحَرَّى" أَيْ: يَقْصِدُ صَوْمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِهِ، وَالرَّغْبَةِ فِيهِ".

وَعَنْ مَرَاحِلِ صَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَاشُورَاءَ نَجِدُ أَنَّهَا كَانَتْ عِدَّةَ مَرَاحِلَ؛ فَفِي مَكَّةَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُهُ، فَصَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْ أَصْحَابَهُ بِصِيَامِهِ، ثُمَّ لَمَّا ارْتَحَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَجَدَ أَهْلَ الْكِتَابِ يَصُومُونَهُ فَصَامَهُ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِصِيَامِهِ، ثُمَّ لَمَّا نَزَلَتْ فَرْضِيَّةُ صَوْمِ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ وَتَرَكَ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ، ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ عَزَمَ أَنْ يُخَالِفَ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي صِيَامِهِ فَيَزِيدَ عَلَيْهِ التَّاسِعَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عِبَادَ اللَّهِ: هَذَا أَبْرَزُ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ مِنَ الْمَسَائِلِ وَالْأَحْكَامِ؛ لَكِنْ مِنَ الْمُؤْسِفِ أَنْ تَجِدَ مِنَ الْعِبَادِ مَنْ لَا يَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ، وَيَقِفُ بِهِ الِاتِّبَاعُ حَيْثُ هَدْيُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَكْتَفُونَ بِمَا وَرَدَنَا عَنْهُ قَوْلًا وَعَمَلًا؛ بَلْ شَرَعُوا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِهِ؛ ظَانِّينَ -وَخَابَ ظَنُّهُمْ- أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، فَابْتَدَعُوا وَلَيْتَهُمُ اتَّبَعُوا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ، سَوَاءٌ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ عُمُومًا أَوْ فِي عَاشُورَاءَ خُصُوصًا؛ يَقُولُ أَبُو شَامَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَلَمْ يَأْتِ شَيْءٌ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ فَتَّشْتُ فِيمَا نُقِلَ مِنَ الْآثَارِ صَحِيحًا وَضَعِيفًا، وَفِي الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ فِيهَا شَيْئًا، وَإِنِّي لَأَتَخَوَّفُ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ- مِنْ مُفْتَرٍ يَخْتَلِقُ فِيهَا".

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ سَلَفَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَلَفَهَا الْمُتَّبَعِينَ لَا يَعْرِفُونَ عَنْ عَاشُورَاءَ إِلَّا أَنَّهُ يَوْمُ نَصْرٍ وَتَمْكِينٍ لِمُوسَى وَقَوْمِهِ، وَهَلَاكٍ لِفِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ، فَصَامَهُ مُوسَى وَنَبِيُّنَا -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- وَرَغَّبَا فِي صِيَامِهِ، وَلَمْ يَجْعَلُوا مِنْهُ مُنَاسَبَةَ حُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ أَوْ مَوْعِدَ انْتِقَامٍ وَثَأْرٍ أَوْ لِقَاءَ فُحْشٍ وَاخْتِلَاطٍ وَإِبَاحَةٍ أَوْ إِثَارَةِ الشَّحْنَاءِ وَإِحْيَاءٍ لِلْفِتْنَةِ وَإِذْكَاءٍ لِلْحُرُوبِ وَقَدْحٍ فِي الصَّحَابَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِيَّاتِ وَالْحَوْزَاتِ.

عِبَادَ اللَّهِ: أَعْمَارُنَا هِيَ مَحَطُّ أَعْمَالِنَا، وَمَقَادِيرُ آجَالِنَا، وَفِي تَبَدُّلِ الْأَيَّامِ وَتَعَاقُبِ الْأَعْوَامِ حِكْمَةٌ وَعِبْرَةٌ، تَكْمُنُ فِي أَنْ يُقَدِّمَ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ تَوْبَةً نَاصِحَةً وَرَجْعَةً صَادِقَةً، يَغْسِلُ بِهَا مَاضِيَ دُنْيَاهُ وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا مَوْعِدَ أُخْرَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النُّورِ: 31].

قَطَعْتَ شُهُورَ الْعَامِ لَهْوًا وَغَفْلَةً *** وَلَمْ تَحْتَرِمْ فِيمَا أَتَيْتَ الْمُحَرَّمَا

فَلَا رَجَبًا وَافَيْتَ فِيهِ بِحَقِّهِ *** وَلَا صُمْتَ شَهْرَ الصَّوْمِ صَوْمًا مُتَمَّمَا

وَلَا فِي لَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي *** مَضَى كُنْتَ قَوَّامًا وَلَا كُنْتَ مُحْرِمَا

فَهَلْ لَكَ أَنْ تَمْحُو الذُّنُوبَ بِعَبْرَةٍ *** وَتَبْكِي عَلَيْهَا حَسْرَةً وَتَنَدُّمَا

وَتَسْتَقْبِلَ الْعَامَ الْجَدِيدَ بِتَوْبَةٍ *** لَعَلَّكَ أَنْ تَمْحُو بِهَا مَا تَقَدَّمَا

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِيمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَوَفِّقْهُمْ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ وَجَنِّبْهُمْ بِطَانَةَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ.

اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَى وَالْحُرُوبَ وَالْمِحَنَ وَالْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ مَوْتَانَا وَاشْفِ مَرْضَانَا وَعَافِ مُبْتَلَانَا.

عِبَادَ اللَّهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]
بواسطة
خطبة عن شهر محرم وصيام عاشوراء
خطب محرم مكتوبة
خطبة جمعة في شهر محرم
خطبة عن شهر الله المحرم
خطبة محرم
خطبة عن فضائل شهر الْمُحَرَّمِ
0 تصويتات
بواسطة
خطب مكتوبة عن شهر الله المحرم

فضل شهر الله المحرم

خطبة عن شهر محرم وصيام عاشوراء

خطبة عن شهر محرم

أسرار شهر الله المحرم

خطبة عن المحرم وعاشوراء
0 تصويتات
بواسطة
خطبة عن فضل شهر محرم 1445

اسئلة متعلقة

...