خطبة بعنوان يوم عاشوراء تاريخ وعبادة. قصة موسى عليه السلام مع فرعون فضل صيام عاشوراء
موضوع الخطبة يوم عاشوراء تاريخ وعبادة
عناصر الخطبة
1/ قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون وما فيها من الدروس والعبر 2/ فضل صيام عاشوراء.
الخطبة الأولى:
يوم عاشوراء تاريخ وعبادة
(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61].
أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 102-103].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2-3].
اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا، وأن تلمَّ شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس: 83].
ملك من الملوك، طاغية عصى الله، وادعى الألوهية، كان حاكماً لمصر، فادعى: أنه إله لهم؛ لذلك سطر الله ذلك في القرآن، فقال: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ).
علو وكبر وغطرسة وجحود.
قال لأهل مصر بعدما استخفهم وظلمهم، وجار عليهم، وذبح ذكورهم، واستحيا نساءهم: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38].
أي لا أعرف إلها ولا ربا ولا خالقا، ولا موجدا لكم -يا أهل مصر- إلا أنا!.
عالٍ في الأرض، قال الله: (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) أسرف وطغى وبغى وتجبر، وتعدى الحدود، فبعث الله إليه موسى -عليه الصلاة والسلام-، وبعثه إلى أهل مصر، فدعاهم إلى عبادة الله وتوحيده، وأن الذي يستحق العبادة هو الذي يكور الليل على النهار، ويجعل الشمس تخرج من المشرق، وتغيب من المغرب، الذي يقول للشيء كن فيكون، والذي يهب لمن يشاء ذكورا ويهب لمن يشاء إناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً.
والذي يجري السحاب، فيأمرها بإنزال المطر، ويأمر الأرض بإخراج الثمر.
إنه الله الخالق الرازق الحكيم السميع، لا إله إلا هو.
فآمن لموسى طائفة من أهل مصر، فاشتد عليهم الظلم والجور من قبل فرعون وأزلامه، قتل فيهم فرعون وسجن وطرد، وعذب وارهب، ثم شكل وزارات ومراكز وفرقاً لمكافحة ما يسمى بالإرهاب، وصف موسى بأنه: إرهابي متطرف، فاجتمع موسى مع قومه، فقال: (يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) [يونس: 84].
يا قوم العاقبة للمتقين، وهذا خلق من خلق الله، وعبد من عبيده، أتعبدون المخلوق أم الخالق؟ أتعبدون المعبود أم تعبدون العبد؟!
من آمن بالله فلا يخشى ظالماً، ومن توكل على الله فلا يخشى حاكماً، ومن اعتصم بالله فلا يخشى طاغية ولا جنوداً.
لقد وقف غلام على ضعفه وقلة حيلته، أمام ملك من الملوك على قوته وجبروته وحاشيته، بأي قوة وقف الغلام؟
بقوة: (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ) [التوبة: 40].
ووقف النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام الدنيا بأسرها؛ لأن الله معه.
فإن كان الله معك وكنت مع الله أيضرك شيء؟! أتعرفون ماذا قال قوم موسى له؟!
قالوا عندما سمعوا خطاب موسى: (فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس: 85 - 86].
ونزل الإذن لموسى أن يخرج هو وقومه من مصر إلى الشام آخذين بالأسباب، بعد التوكل على القوي المتعال، قال له: اخرج (مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) [النساء: 75].
ومن هذا الحاكم الجائر إلى بلاد الشام!.
وانظر كيف صور الله في كتابه العظيم هذا الحدث: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [الشعراء: 54].
بعدما خرج موسى وقومه أرسل فرعون عبر وزاراته وقواته وجنوده في مصر، تعميماً: إن موسى وأصحابه: (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [الشعراء: 54].
"شرذمة" تحقيراً لهم، واسخفافاً بهم، بأجساد ضعيفة، وأعداد قليلة، وأموال زهيدة، وإمكانيات محدودة، بنظرة مادية: (وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ) [الشعراء: 55-60].
خرج موسى، وخرج خلفه فرعون، ذكر أهل السير: أن فرعون خرج في أكثر من مليون وستمائة ألف جندي! كان معهم الخيول أكثر من مائة ألف.
سار موسى ومن معه من المؤمنين الفارين بدينهم، حتى بلغوا البحر، فكان البحر من أمامهم، وفرعون من خلفهم، فلم يجدوا فرارا ولا ملجئا أما بحر يغرق، أو عدو مهلك، واشتد الرعب والخوف في أوساط اتباع موسى، فالموت يحاصرهم من كل جانب، ورائحة الموت أزكمت الأنوف، ومنظر الموت يلوح في الأفق من كل جانب، إذ أنهم يعرفون فرعون سنين من الظلم والجور، فهو جبار طاغية ظالم، لا يعرف رحمة، ولا الرحمة تعرف طريقا إلى قلبه، فرأوا أنهم محاصرون؛ بحر قوي، وأمواج تتلاطم، وعدو من خلفهم، جاء قوم موسى إليه، فقالوا له: اين المفر أنت من أتيت بنا إلى هنا؟ (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61].
قال موسى المؤمن بقوة ربه القوي، وبضعف هذا الكافر الغبي: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
لا تنظروا إلى مقياس البشر، أخفتم من فرعون وجنوده؟! لا يتسلل الخوف إلى قلوبكم، لا يجتمع خوفان في قلب المؤمن: خوف من الخالق، وخوف من المخلوق: (كَلَّا).
من خلقهم وأوجدهم؟
إنه الله.
ومن خلق الجبال؟
إنه الله.
ومن خلق السماء وأوجد الأرض والبحر؟
إنه الله.
نحن نعيش في ملك الله.
حتى إذا اشتد الهلع، وزاد الخوف، وموسى يصبر قومه موقنا بما عند الله، قال: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
حتى إذا ما اشتد الأمر، واقترب منهم فرعون، وزاد الخوف، في تلك الأثناء أنزل الله على موسى: (أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء: 63].
موسى كان ينتظر المفاجأة، ما كان يعلم أن المفاجأة بالعصى بين يديه، لكنه كان يعلم أن نصر الله قادم، لكن لا يدري من أين؟ هل سيرفعه الله إلى سمائه أم ينزله إلى أرضه؟ أم تأتي طيور فتحمله؟ أم يهلك الله فرعون أمامه؟
كل ذلك في ملكوت الله، فكان موقنا، مطمئن البال، منشرح الصدر، مؤمنا بقضاء الله، حتى بين الله: أن السر يا موسى في أضعف شيء معك؛ إنها العصا، ادمر بها ملك الظالم، وأدس بها أنف كبريائه في البحر، ليس بسماء تموج، ولا ريح تهيج، فهو أضعف من ذلك، بل بهذه العصا، هزها، واضرب بها البحر.
البحر الذي لو اجتمع الناس كلهم بمعداتهم أن يخففوه أو يجففوه ما استطاعوا، لذلك قال الله: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف: 109].
دليل على عظم البحر وقوته.
يقول أهل الأرض والجيولوجيا: إن البحر ثلاثة أرباع الأرض، فبمجرد ضربة عصا من موسى انفلق البحر، فكان أرضاً يابسة، كأن لم تصبها قطرة من ماء!.
البحر جعله الله رحمة، فيه لحم طري، ويكون نجاة كما كان لنبي الله يونس -عليه السلام- عندما التقمه الحوت، ويكون عذاباً كما كان قبل أشهر قريبة، وذلك كما حدث في زلزال تسونامي، من دمار، طال بلاد جنوب شرق آسيا، ومنها ماليزيا وإندونيسيا، وما جاورها من البلاد.
وقد تحدث العلماء عن ذلك، وتكلم الخطباء وكتب الكاتبون.
ومات فيه أكثر من مائتي ألف نسمة، وكان ذلك في عام 1427.
أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فهو خلق من خلقي، وعبد من عبيدي، فضرب البحر، قال أهل السير والتفسير: فتح الله في البحر اثنا عشر طريقاً، وليس طريقا واحدا، فكان البحر فجاجاً، يسير أصحاب موسى بينه ينظرون يمنة ويسرة، وإذا البحر جامد كالجبال الشامخة، طولا وعرضا، لا يصيبهم منه قطرة.
تكملة الخطبة الأولى والخطبة الثانية: على مربع الاجابة اسفل الصفحة تابع القراءة