في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

موضوع خطبة الجمعة القادمة 9 ذو الحجة 1443هجريا تحت عنوان الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع

خطب مشكولة 9 ذو الحجة 1443هجريا ملتقى الخطباء

الإجابة هي كالتالي 

موضوع خطبة الجمعة القادمة

9ذو الحجة1443هجريا  تحت عنوان "الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع".

عناصر الخطبة:-

1- فضل يوم عرفة للحاج ولغيره

2- أعمال يوم عرفة للحاج ولغيره      

3- تجليات الرحمة والقدرة الإلهية يوم عرفة.

4~أحكام الأضحية وآدابها 

خطب مشكولة ومتنوعة

خطب الجمعة مشكولة من المغرب

خطبة الجمعة ليوم غد 9 ذو الحجة 

خطبة تهز القلوب مكتوبة عن يوم عرفة 

خطب منبرية صلاة الأرحام 

خطب الجمعة موقع سحنون

خطبة الجمعة مكتوبة قصيرة عن حجة الوداع

الخطبة الأولى:الحمد لله الملك الحق المبين؛ ذي القوة المتين، هدى العباد صراطه المستقيم، ودلهم على شرعه القويم، وهو الولي الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ في هذه الأيام العظيمة يجتمع أهل الموسم على ذكره وشكره وحسن عبادته، ويعظمون حرماته وشعائره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ ضحى وشرع الأضحية لأمته، فهي من آكد سنته، فمن قدر عليها فلا يحرمن نفسه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموه في أعظم أيامه؛ فإن هذه الأيام أعظم أيام الدنيا.. تزود فيها من البر والتقوى، وجانبوا الإثم والهوى ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج:30].

أيها الناس: فضائل هذه الأيام كثيرة، ولبعضها خصائص ليست لغيرها كيوم عرفة، ويوم النحر. وهذا حديث عن يوم عرفة، وما فيه من الفضائل؛ لنعلم قدره، ونعظم حرمته، ولا نهدر منه لحظة.

وإذا ذكر عرفة سحت العيون بالدمع على مشهد الحجيج وهم في عرفة يجأرون لله تعالى بصالح الدعوات؛ فرحا بهم، وغبطة لهم، وشوقا إلى المشاعر المقدسة.

إن يوم عرفة هو يوم من أيام الأشهر المحرمة، وهو من أيام العشر المفضلة، وهو من الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج:27]. وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم مما يدل على فضله وعظمته، ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج:3] قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ

وهو يوم كمال الدين، وتمام النعمة؛ كما في حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3] قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رواه الشيخان. 

وهو كذلك يوم عيد للمسلمين؛ كما في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ. 

وهو ركن الحج الأعظم، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج معذورا كان أم غير معذور؛ لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ: " الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ..." رواه أحمد.

وهو يوم المباهاة بأهل الموقف كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» صححه ابن خزيمة وابن حبان.

وهو يوم العتق من النار؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"رواه مسلم. 

فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام يعتق الله تعالى فيه خلقا من النار. والظاهر أن العتق من النار ليس خاصا بأهل عرفة، وإنما هو عام لهم ولغيرهم، وإن كان يرجى لأهل عرفة أكثر من غيرهم.

يوم عرفة، وما أدراكم ما يوم عرفة؟! إنه يوم مشهود، ويوم عظيم، أقسم الله به لمكانته في الإسلام، فقال -تعالى-: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) [البروج:1-3]. وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ" رواه الترمذي.

ويُعد الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، فمن فاته الوقفُ في وقته فقد فاته الحج، ووقته إذا زالت الشمس -أي: وقت الظهر- من يوم عرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر؛ فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَاهُ نَاسٌ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْحَجِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ" رواه النسائي

ومن الغريب -أيها الإخوة- أن كل الأيام تبدأ من الليل، فنحن نقول مساء الخميس بأنه ليلة الجمعة، ونقول ليلة رمضان ثم بعد ذلك يأتي رمضان، أي أن الأيام تبدأ من الليل، وهذا حكم عام، إلا في يوم واحد يشذ من هذه القاعدة، وهو يوم عرفة، فيوم عرفة لا يبدأ من الليل، وإنما يبدأ من الصباح وينتهي عند فجر عيد الأضحى، أي أن ليلة عرفة تبدأ بعد يوم عرفة، فاليوم الوحيد في السنة الذي يبدأ من النهار ولا يبدأ من الليل هو يوم عرفة.

وينقسم فضل يوم عرفة إلى شطرين: شطر يخص الحجاج، وشطر لغير الحجاج. فأما عن فضل يوم عرفة للحجاج فقد صحت عدة أحاديث: منها ما رواه ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل سأله عن بعض فضائل الحج: "وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاؤوني شعثا من كل فج عميق، يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر، لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له"، أي: ولمن دعوتم له. رواه الطبراني وحسنه الألباني.

لذلك احرصوا على أن يدعو لكم الحجاج، خصوصا في يوم عرفة، فإن شفاعتهم لمن دعوا له مقبولة بإذن الله؛ لأن الله -تعالى- سيقول لهم: "أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له".

وروت عَائِشَةُ -رضي الله عنها- أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِم الْمَلائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ؟" رواه مسلم.

وجاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب، فقال "يا بلال، أنصت لي الناس"، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنصت الناس، فقال: "معشر الناس، أتاني جبرائيل -عليه السلام- آنفا، فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله -عز وجل- غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات"، فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "يا رسول الله، هذا لنا خاصة؟"، قال: "هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة"، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كثر خير الله وطاب!" رواه ابن المبارك وصححه الألباني.

ويُعد الدعاء في يوم عرفة من أفضل الأدعية، لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الدعاء فيه، فقد روى أسامة بن زيد -رضي الله عنه- : "كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفات فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها، فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى" رواه النسائي.

وأفضل الأدعية التي يسن أن يكثر منها في يوم عرفة ما رواه عمرو بن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" رواه الترمذي.

وإن سألت وقلت إن هذا ليس دعاء وإنما هذا ثناء وتمجيد لله -عز وجل-، قال بعض أهل العلم: إن تَسْمِيَتهُ دُعَاء إِمَّا لأَنَّ الثَّنَاء عَلَى الْكَرِيم تَعْرِيض بِالدُّعَاءِ وَالسُّؤَال، وَإِمَّا لِحَدِيثِ "مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ" شرح الترمذي.

أيها الإخوة الحضور: وأما عن فضل يوم عرفة لغير الحاج، فهو في صيامه واستثماره بالعمل الصالح، فأما عن صيامه، فقد روى أبو قتادة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية" رواه الإمام مسلم.

وأما عن استثماره بالعمل الصالح؛ لأن العمل الصالح فيه أفضل من الجهاد، لأن يوم عرفة أحد أيام عشر ذي الحجة التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" رواه الترمذي.

فيا إخوة يا كرام: إذا لم تكونوا من حجاج بيت الله هذا العام، فلا ينبغي أن تفوتوا عليكم الفضل الباقي، وهو كفارة ذنوب سنتين كاملتين لمن صام يوم عرفة، فبعض الناس يحملون قلوبا باردة قد يفوتون على أنفسهم فضل صيام يوم عرفة لأي سبب تافه، فيحرمون من فضل عظيم، ولا شك أن هذا من ضعف الإيمان، إذ إن من علامات ضعف الإيمان: عدم الاكتراث لفوات مواسم الخيرات، فإنك ترى البعض تسأله يوم عرفة: هل صمت اليوم؟ فاليوم يوم عرفة! فيقول: لا والله نسيت! أو: ما علمت! أو: كنت مشغولا! أو: ما تسحرت! هكذا يتعلل بكل برود، ولو أنه فاتته صفقة تجارية أو حتى مباراة رياضية لوجدته مهموما سائر يومه.

فإياك -أخي المسلم- أن تكون من هذا الصنف: المحروم من فضل الله، وإن كان هناك مشاغل تعيقك عن صيام يوم عرفة حاول أن تقطعها، فإن صيام نحو بضع ساعات ستكفر عنك ذنوب سنتين مليئتين بالذنوب والمعاصي، فينبغي ألا نفرط في هذا الفضل.ما بعد: فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم، واغتنموا ساعات العمر ولحظاته، وتعرضوا لنفحات الله الجواد الكريم؛ فإن لله مواسم خيرات، يغفر فيها الذنوب والخطيئات، ويقيل العثرات، ويتجاوز عن السيئات، ويعظم فيها الأجر ويضاعف الحسنات، فلا تفوتكم هذه المواسم الخيّرات، فالأعمار محدودة، والأنفاس معدودة.

تابع قراءة الخطبة الأولى والثانية مع الدعاء اسفل الصفحة الخطبة الثانية على مربع الاجابة اسفل الصفحة 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
يتبع الخطبة الأولى. أعمال يوم عرفة للحاج ولغيره

أيها الإخوة في الله: في يوم عرفة أخذ الله -عز وجل- الميثاق من ذرية آدم على أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ يَعْنِي عَرَفَةَ فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلاً قَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" رواه الإمام أحمد.

قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف:172-174].

فيوم عرفة يوم نتذكر فيه الميثاق الذي أخذه الله علينا يوم أخرجنا من صلب أبينا آدم، وأشهدنا أن لا نشرك به شيئا.

أيها الإخوة في الله: وفي يوم عرفة أكمل الله هذا التشريع، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، فقد روى عمار بن أبي عمار قال: "قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا، وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ: لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَيْنَا لاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فِي يَوْمِ جُمعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ" رواه الترمذي. فيوم عرفة يوم عظيم على المسلمين، ويوم مشهود.

إن يوم عرفة إخوتي- يوم فخر للمسلمين، إذ لا يمكن للمسلمين في أي مكان أن يحتشدوا بهذا العدد في وقت واحد، ومن دول متفرقة، إلا في هذا المكان.

وإن في هذا الاجتماع آية عظيمة على قدرة الله -سبحانه وتعالى-، إذ يسمع دعاء كل هؤلاء في وقت واحد على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأجناسهم، ويعطي كل واحد سؤله دون أن تختلط عليه المسائل والحاجات أو تخفى عليه الأصوات والكلمات، سبحانه هو السميع البصير، العلي الخبير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور

أخبروا إخوانكم وأقاربكم وجلساءكم عن هذا اليوم العظيم، وعن فضل صيامه؛ لتؤجروا معهم، فالدال على الخير كفاعله. جعلني الله وإياكم من المستمعين للقول والمتبعين أحسنه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
0 تصويتات
بواسطة
الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين، وقدوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

بعض أحكام الأضحية وآدابها

تعريف الأضحية

هي: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى تقرُّباً لله.

مشروعية الأضحية

 الْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.

 أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].

وداوم النبي -صلى الله عليه وسلم- على فعلها، كما في حديث أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ. (1)

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ. (2)

الحكمة من مشروعية الأضحية

للأضحية حِكم كثيرة، منها:

1- التقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره، ومنها إراقة الدم.

2- التربية على العبودية.

3- إعلان التوحيد، وذكر اسم الله عز وجل عند ذبحها.

4- إطعام الفقراء والمحتاجين بالصدقة عليهم.

5- التوسعة على النفس والعيال بأكل اللحم الذي هو أعظم غذاء للبدن.

6- شكر نعمة الله على الإنسان بالمال.

- حكمها

- أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً غَيْرَ وَاجِبَةٍ، لَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبِلَالٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ -رضي الله عنهم- وَبِهِ قَالَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وأحمد وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

ومن الأدلة لهذا القول حديث أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ )). (3)

فقد عَلَّقَ الفعل عَلَى الْإِرَادَةِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْإِرَادَةِ.

- وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا)). (4)

- وقتها

يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد؛ لحديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ)).(5)

ويمتد وقت الذبح إلى آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة، لحديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ )). (6)

والأفضل ذبحها في اليوم الأول بعد الصلاة لحديث البراء السابق.

- صفة ذبحها

يسن أن يذبحها بيده، فإن كانت من البقر أو الغنم أضجعها على جنبها الأيسر، موجهة إلى القبلة، ويضع رجله على صفحة العنق، ويقول عند الذبح: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عني (أو اللهم تقبل مني ) وعن أهل بيتي، أو عن فلان -إذا كانت أضحية موصي - ويدل على هذه الصفة الأحاديث الآتية:

- حديث أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ. (7)

- حديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: ((يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ))، ثُمَّ قَالَ: ((اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ ))، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: ((بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ )).(8)

- أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير القبلة. (9)

- أما جملة: ( اللهم هذا منك ولك) فقد جاءت في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، فَقَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: ((اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ ))، ثُمَّ سَمَّى اللَّهَ وَكَبَّرَ وَذَبَحَ. (10)

- وإن كانت الأضحية من الإبل نحرها معقولة يدُها اليُسرى؛ لحديث ابْن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنه أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا فقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-. (11)

- ويحرم بيع شيء منها حتى من شعرها وجلدها، ولا يُعطى الجزارُ أجرة عمله من الأضحية، لحديث عَلِيٍّ -رضي الله عنه-، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا، قَالَ: ((نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا )). (12)

ما يجزئ من الأضاحي

أ- لا تجزئ الأضحية من غير بهيمة الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) قال تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } [الحج: 28]

وبهيمة الأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم.

ب- تجزئ الشاة عن الواحد وأهل بيته ولو كثر عددهم، عن عَطَاءَ بْن يَسَارٍ قال: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه-: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. (13)

- وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة وأهل بيوتهم؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. (14)

ج- أقل ما يجزئ من الضأن ما له نصف سنة، وهو الجذع؛ لقول عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِجَذَعٍ مِنَ الضَّأْنِ. (15) وَالْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ. (16)

وأقل ما يجزئ من المعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنين. (17)؛ لحديث عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ )). (18)

قال ابن عبد البر-رحمه الله-: وَثَنِيُّ الْمَعْزِ إِذَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ، وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ. وَثَنِيُّ الْبَقَرِ إِذَا أَكَمَلَ لَهُ سَنَتَانِ، وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ. وَالثَّنِيُّ مِنَ الْإِبِلِ إِنَّمَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ. (19)

- ما لا يجزئ في الأضاحي

عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه- أن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ، الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ، الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ، الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي )). (20) (21)
بواسطة
- السنة في حق من أراد أن يضحي

مَن أرادَ الأضحيةَ فليُمسِكَ عن الأخْذِ مِن شعْرِه وظُفْرِه وبَشَرَتِه، منذ دخولِ العشْرِ إلى أنْ يذبحَ أُضحيتَه، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ )). (22)

وفي لفظ له: ((إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا )).

والشعور التي يُمنع أخذُها هي جميعُ شعور البدن؛ ما حرُمَ حلقُه كشعر اللحية، وما استُحبَ أخذُه كالشارب، وما أُبيح حلقُه كشعر الرأس.

وهذا النهي خاص بصاحب الأضحية، أما المضحى عنهم من الزوجة والأولاد فلا يعمهم النهي؛ لأن النبي ذكر المضحي، ولم يذكر المضحى عنهم.

 ومن أخذ شيئاً من شعره أو ظفره في العشر متعمداً فلا يمنعه ذلك من الأضحية، ولا كفارة عليه، ولكن عليه أن يتوب إلى الله تعالى.

بعض المسائل المهمة التي تتعلق بالأضحية

الأضحية عن الميت

أ- تصح الأضحية عن الميت إذا كانت إنفاذاً للوصية.

ب- أما أن يفرد الميت بأضحية تبرعاً، فهذا ليس من السنة، وقد مات عم النبي -صلى الله عليه وسلم- حمزة وزوجته خديجة، وثلاث بنات متزوجات، وثلاثة أبناء صغار، ولم يرد عنه أنه أفردهم أو أحداً منهم بأضحية.

ج- إن ضحى الرجل عنه وعن أهل بيته ونوى بهم الأحياء والأموات شملهم جميعاً. (23)

إذا تعينت الأضحية تعلق بذلك أحكام

أحدها: أنه لا يجوز نقل الملك فيها ببيع ولا هبة ولا غيرهما إلا أن يبدلها بخير منها، أو يبيعها ليشتري خيراً منها فيضحي به.

وإن مات من عينها لم يملك الورثة إبطال تعيينها، ولزمهم ذبحها أضحية.

الثاني: أنه لا يجوز أن يتصرف فيها تصرفا مطلقا، فلا يستعملها في حرث ونحوه، ولا يركبها بدون حاجة ولا مع ضرر، ولا يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها أو يحتاجه ولدها المتعين معها. ولا يجز شيئا من صوفها ونحوه إلا أن يكون أنفع لها، وإذا جزه فليتصدق به أو ينتفع، والصدقة أفضل. (24)



إذا تعيبت الأضحية بعد شرائها

فلها حالان

الحال الأولى: أن يكون ذلك بدون فعل منه ولا تفريط؛ فيذبحها وتجزئه.

الحال الثانية: أن يكون تعيبها بفعله أو تفريط؛ فيلزمه إبدالها بمثلها. (25)

شراء الأضحية دَيْناً

يجوز شراء الأضحية دَيْناً لمن قدر على السداد، وإذا تزاحم الدَيْن مع الأضحية قدم سداد الدين لأنه أبرأ للذمة.

إهداء الكافر من الأضحية

يجوز أن يهدي منها كافراً غير مقاتل للمسلمين، خاصة إن كان يُرجى إسلامه، وعلى هذا فيجوز أن تهدي عاملاً أو خادمةً أو راعياً ولو كان كافراً، قاله ابن عثيمين رحمه الله.

هل يشترك في الجزور أو البقر من يريد اللحم؟

يجوز أن يدخل مع المشتركين في البقرة أو البعير من لا يريد الأضحية لكن يريد اللحم.

التصدق بالجلديجوز أن يتصدق بالجلد على فقيرٍ، أو يهب لمن يشاء.

إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية

يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لصرفها على الفقراء، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها، فإن إظهار الشعيرة من مقاصد الأضاحي وهي عبودية لله.

الفقير يبيع ما يصله من لحم الأضحية

يجوز للفقير أن يبيع ما يصله من لحم الأضاحي.

اجتماع الأضحية مع العقيقة:

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: تجزئ الأضحية عن العقيقة، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة، وهو قول الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.

وقد جعلوا هذه المسألة مثل مسألة اجتماع الجمعة والعيد، وأنه يجزئ القيام بإحدى الصلاتين عن الأخرى، فقد اشتركا في العدد والخطبة والجهر فكان الفعل واحداً، وكذا هنا فإن الذبح واحد.

وقالوا – أيضاً -: كما لو صلى المسلم ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة.

القول الثاني: أنه لا تجزئ الأضحية عن العقيقة، وهو قول المالكية، والشافعية، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد.

وقال هؤلاء: إن الأضحية والعقيقة ذبيحتان لسببين مختلفين، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى، كما لو اجتمع دم التمتع ودم الفدية فإنه لا يجزئ أحدهما عن الآخر.

وقالوا – أيضاً -: إن المقصود في الأضحية والعقيقة إراقة الدم في كل منهما؛ لأنهما شعيرتان يُقصد منهما إراقة الدماء، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى.

وقد سئل ابن حجر المكي الشافعي رحمه الله: عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة، فهل يحصلان أو لا؟

فأجاب: "الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين: أنه لا تداخل في ذلك؛ لأن كلاًّ من الأضحية والعقيقة سنَّةٌ مقصودةٌ لذاتها، ولها سبب يخالف سبب الأخرى، والمقصود منها غير المقصود من الأخرى، إذ الأضحيةُ فداءٌ عن النفس، والعقيقةُ فداءٌ عن الولد، إذ بها نُمُّوهُ وصلاحهُ، ورجاءُ بِرِّهِ وشفاعته، وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كلٍ منهما، فلم يمكن القول به، نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد، وسنة الظهر وسنة العصر، وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد، وذلك حاصلٌ بصلاة غيرها، وكذا صوم نحو الاثنين؛ لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة، وذلك حاصلٌ بأي صومٍ وقع فيه، وأما الأضحية والعقيقة، فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح. . . " انتهى. (26)



والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه تجزئ ذبيحة واحدة بنية العقيقة والأضحية، وقد اختار هذا القول فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله. (27)

اجتماع النذر مع الأضحية

لا يجمع بين النذر والأضحية؛ لأن كلاً منهما مستقل عن الآخر، وباب النذر يتشدد فيه ما لا يتشدد في غيره؛ لأن الإنسان ألزم به نفسه ولم يلزمه الله به.

من كان متزوجاً زوجتين

إن كان الرجل متزوجاً زوجتين أو أكثر فأضحية واحدة تكفي كما أجزأت أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- عن زوجاته جميعاً.

إن كان معه في البيت من ليس من أولاده

من معه يتيم أو ابن لابنته أو ابن لابنه، ويأكل ويعيش معهم في البيت، فأضحية صاحب البيت تكفي عنه.

إن كان في البيت إخوة

ففيه تفصيل:

1- إن كانا مستقلين عن بعضهما في البيوت فالأصل أن لكل واحد أضحية تخصه.

2- إن كانا مشتركين في بيت واحد فأضحية واحدة تكفي على الصحيح.

إن كان الأولاد متزوجين ففي أضحيتهم تفصيل

1- إن كان الأولاد مع أبيهم في بيته: فتكفي أضحيته.

2- إن كان الابن معزولاً: فيضحي عن نفسه أفضل إن كان قادراً، فإن رأى أن هذا يؤثر على شعور والده، وقد يشعر والده بالألم، فلا بأس أن يكتفي بأضحية والده، فهم جميعا أهل بيتٍ واحد.

من كان في بلدٍ لا يُذبح فيها الذبح الشرعي

من كان في بلد لا يذبح فيها الذبح الشرعي كالبلاد الغربية فيرسل مالاً إلى أهله يوكلهم على أضحيته، ويمسك هو عن شعره وأظفاره.

حكم من نسي فأخذ من شعره وأظفاره

من نسي فأخذ من شعره أو أظفاره فلا شيء عليه ويضحي ولا حرج؛ لعموم رفع الحرج عن الناسي.

هل على الحاج أضحية؟

الأضحية تجب على غير الحاج، أما الحاج فقد اختلف أهل العلم فيها، والراجح أنها لا تجب، ولم يُعرف عن الصحابة الذين حجوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم ضحوا، ورجَّحه ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، وجماعة من أهل العلم.

أفضل الأضاحي

اختلف العلماء في أفضل الأضاحي من حيث النوع، والراجح أن:

أفضل الأضاحي البدنة، ثم البقرة، ثم الشاة، ثم شرك في بدنة - ناقة أو بقرة -؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ. . . . )). (28)

زمن ذبح الأضحية

يجوز الذبح نهاراً أو ليلاً لا حرج في ذلك، ولا يوجد دليل على النهي عن وقت من الأوقات لذاته.

إذا ولدت الأضحية

إذا ولدت الأضحية فإنه يذبح ولدها تبعاً لها؛ لأنه أخرج أمها في سبيل الله فيُخرج ما كان تابعاً لها كذلك، وعليه الجمهور من أهل العلم. (29)

توكيله غيره على الذبح

الأفضل أن يذبح أضحيته بنفسه، ويجوز أن يوكل عليها مسلماً غيره.

إذا ماتت الأضحية أو سرقت أو ضلت

إذا ماتت الأضحية أو سرقت أو ضلت قبل الأضحى فليس على صاحبها ضمان ولا بدلٌ إن كان غير مفرط، فإن كان مفرطاً لزمه بدلها كالوديعة.

من ذبح أيام العيد وصنع وليمة بعد ذلك

من أراد أن يذبح الأضحية أيام التشريق ويصنع وليمته بعد ذلك، فلا حرج ما دام الذبح وقع في أيام التشريق، لأن العبرة بالذبح وقد وقع صحيحاً معتبراً شرعاً.

هل على المسافر أضحية

اختلف العلماء في ذلك، والصحيح أن السفر لغير الحج لا يمنع الأضحية وهو قول الجمهور من أهل العلم، وذلك لعموم الأدلة الواردة فيها.

من كان مغتربا في بلد وأهله في بلد آخر

من كان مغتربا في بلد وأهله في بلد آخر كالعمال مثلاً فيجوز لهم أن يذبحوا في البلد التي يعملون فيها، ويجوز لهم أن يوكلوا أهلهم أن يذبحوا عنهم.

من كان لديه ابنٌ مغترب ولا يستطيع الأضحية

من كان ابنه مبتعثاً للدراسة أو غيرها في بلد فيجزئ عنه أضحية والده في بلده.

التضحية بالعجول المسمنة

العجول المسمنة هي التي لم تبلغ السن المعتبرة شرعاً، لكن يقوم أهلها بتسمينها فتصبح أكثر وزناً من التي بلغت السن المعتبرة، والصحيح أنه لا يجوز أن ينقص من السن لثبوت ذلك في الأحاديث، وليس اللحم هو المقصود من الأضحية وإنما المقصود التعبد لله بالذبح.
بواسطة
جز صوف الأضحية

صوف الأضحية إن كان جزه أنفع لها، مثل أن يكون في زمن الربيع تخف بجزه وتسمن: جاز جزه ويتصدق به.

إذا اشترى أضحية فهل يجوز تبديلها بأفضل منها؟

اختلف العلماء في ذلك، والصحيح قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة أنه يجوز تبديلها بأفضل منها؛ لأنه بدل حقا لله بحق آخر أفضل منه.

هل يجوز نقل الأضحية إلى غير بلد صاحبها؟

الأصل أن لا تنقل الأضحية من بلد المضحي، وأن توزع على فقراء بلده المحتاجين قياساً على الزكاة، فإن دعت الحاجة أو كان مصلحة يجب مراعاتها، كأن يوجد فقراء في بلد إسلامي آخر أشد حاجة فإنه يجوز نقلها.

أحاديث لا تصح في الأضحية

هناك أحاديث تذكر في هذا الباب وهي غير صحيحة، منها:

1- عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا )). (30)

2- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟ قَالَ: ((سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ )) قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((بِكُلِّ شَعَرَةٍ، حَسَنَةٌ )) قَالُوا: " فَالصُّوفُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ، حَسَنَةٌ )). (31)

3- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ -رضي الله عنها-: ((قَوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبُكَ )) قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ خَاصَّةً أَوْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: ((بَلْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً )). (32)

4- وكذلك حديث: ((استفرهوا - وفي رواية- عظموا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط - وفي رواية – على الصراط مطاياكم – وفي رواية – إنها مطاياكم إلى الجنة)). (33)

5- عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ ضَحَّى طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، مُحْتَسِبًا لِأُضْحِيَّتِهِ؛ كَانَتْ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ )). (34)

6- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: نَهَى أَنْ يُضَحَّى لَيْلًا.(35)

قال ابن العربي المالكي -رحمه الله-: ليس في فضل الأضحية حديث صحيح وقد وروى الناس فيها عجائب لم تصح. (36)

الذكاة وشروطها

الذكاة: فعل ما يحل به الحيوان الذي لا يحل إلا بها من نحر أو ذبح أو جرح.

فالنحر للإبل: والذبح لغيرها. والجرح لما لا يقدر عليه إلا به.

ويشترط للذكاة شروط:

1- الأول: أن يكون المذكي عاقلاً مميزاً فلا يحل ما ذكاه مجنون أو سكران أو صغير لم يميز أو كبير ذهب تمييزه ونحوهم.

2- الثاني: أن يكون المذكي مسلماً أو كتابياً وهو من ينتسب إلى دين اليهود والنصارى. فأما المسلم فيحل ما ذكاه سواء كان ذكراً أم أنثى عدلاً أم فاسقاً طاهراً أم محدثاً.

وأما الكتابي فيحل ما ذكاه سواء كان أبوه وأمه كتابيين أم لا. وقد أجمع المسلمون على حل ما ذكاه الكتابي لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل من شاة أهدتها له امرأة يهودية.

3- الشرط الثالث: أن يقصد التذكية لقوله تعالى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ }. والتذكية فعل خاص يحتاج إلى نية فإن لم يقصد التذكية لم تحل الذبيحة مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط.

4-الشرط الرابع: أن لا يكون الذبح لغير الله فإن كان لغير الله لم تحل الذبيحة كالذي يذبح تعظيماً لصنم أو صاحب قبر أو ملك أو والد ونحوهم لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}. إلى قوله: { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}.

5-الشرط الخامس: أن لا يسمي عليها باسم غير الله مثل أن يقول باسم النبي أو جبريل أو فلان فإن سمى عليها باسم غير الله لم تحل وإن ذكر اسم الله معه لقوله تعالى: { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ }.

ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ )). (37)

6- الشرط السادس: أن يذكر اسم الله تعالى عليه فيقول عند تذكيتها باسم الله، لقوله تعالى: { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ }.

ولحديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ، فَكُلْ )). (38)

7- الشرط السابع: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم من حديد أو أحجار أو زجاج أو غيرها لحديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ، فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ، وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ )). (39)

 وفي الصحيح أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهَا. (40)

8- الشرط الثامن: إنهار الدم أي إجراؤه بالتذكية لحديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ، فَكُلْ)). (41)

 ثم إن كان الحيوان غير مقدور عليه كالشارد والواقع في بئر أو مغارة ونحوه كفى إنهار الدم في أي موضع كان من بدنه والأولى أن يتحرى ما كان أسرع إزهاقاً لروحه لأنه أريح للحيوان وأقل عذاباً.

9- الشرط التاسع: أن يكون المذكي مأذوناً في ذكاته شرعاً.

آداب الذكاة

للذكاة آداب ينبغي مراعاتها ولا تشترط في حل التذكية بل تحل بدونها فمنها:

1- استقبال القبلة بالذبيحة حين تذكيتها.

2- الإحسان في تذكيتها بحيث تكون بآلة حادة يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة لحديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه-، أن رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )).(42)

3- أن تكون الذكاة في الإبل نحراً وفي غيرها ذبحاً فينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فإن صعب عليه ذلك نحرها باركة. ويذبح غيرها على جنبها الأيسر فإن كان الذابح أعسر يعمل بيده اليسرى ذبحها على الجنب الأيمن إن كان أريح للذبيحة وأمكن له. ويسن أن يضع رجله على عنقها ليتمكن منها.

4- قطع الحلقوم والمريء زيادة على قطع الودجين.

5- أن يستر السكين عن البهيمة عند حدها فلا تراها إلا عند الذبح.

6- أن يكبر الله تعالى بعد التسمية.

7-أن يسمي عند ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له بعد التسمية والتكبير ويسأل الله قبولها فيقول بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك عني إن كانت له أو عن فلان إن كانت لغيره.

أخطاء تقع عند الذبح

1- حد السكين والبهيمة تنظر.

2- أن يذكي البهيمة بآلة غير حادة وهذا فيه تعذيب للحيوان.

3- أن يفعل ما يؤلمها قبل زهوق نفسها. مثل: أن يكسر عنقها أو يبدأ بسلخها أو يقطع شيئاً من أعضائها قبل أن تموت.

4- ومن الأخطاء: ما يفعله كثير من الناس من منع البهيمة من تحريك يديها أو رجليها بعد ذبحها ويظن أن ذلك من تمام الذبح وكماله.

5- يظن بعض الناس أنه لابد من الجهر بالنية عند الذبح وأنه إذا لم يجهر بها فإنها لا تجزئ وهذا غير صحيح1977)

اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك. اللهم احفظ الحجاج في حلهم وترحالهم وردهم إلى أهلهم سالمين غانمين، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين

اسئلة متعلقة

...