الحقوق والحرمات في خطبة حجة الودا
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ، وسببا للمزيد من فضله ، جعل لكل شيء قدرا ،ولكل قدر أجلا ، ولكل أجل كتابا .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تزيد في اليقين ، وتثقل الموازين ،وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أمين وحيه ، وخاتم رسله ، وبشير رحمته ، ونذير نقمته ، بعثه بالنور المضي ، والبرهان الجلي ، فأظهر به الشرائع المجهولة ، وقمع به البدع المدخولة ، وبين به الأحكام المفصولة
العنصر الأول :
لماذا سميت بحجة الوداع؟ومتى كلمت؟
=====================
قال ابن عمر: "كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع"( رواه البخاري), وعنده أيضًا من رواية ابن عمر: (كتاب الحج) قال: "فودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع".
و حج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الحجة ما يقارب مائة وأربعة وعشرون ألف نفس، وقيل: مائة وأربعة وأربعون ألفًا. ذكره المباركفوري في الرحيق المختوم.
و من المعجزات التي حصلت: أن الخطبة سمعها جميع من كان في الحج بدون مكبر صوت، فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى، ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول، ونحن في منازلنا" (رواه أبو داود في سننه. صحيح أبي داود).
وقيل سمّيت حجة الوداع بهذا الاسم؛ لأنّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها، وودّع المسلمين بهذه الحجة، من خلال ما قدمه لهم من تعاليم ونصائح ووصايا ولم يمكث الرّسول الكريم بعد هذه الحجة سوى ثلاثة أشهر ثم توفاه الله تعالى بعد ذلك، وأنهى الرسول عليه الصلاة والسلام حجه بعد أن علّم المسلمين كيفية أداء مناسك الحج، كما بيّن لهم ما فرض الله تعالى وما حرّم على المسلمين، وكانت هذه الحجة حجة البلاغ، وحجة الوداع أيضاً.
إن خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرَفات في حَجَّة الوداع فيها مِن الدروس ما فيها، يشعُّ منها النور، فلو تدبَّرها المسلمون وعملوا بما فيها، لكانت سببًا لسعادتهم في الدنيا والآخِرة، وإن شاء الله - عز وجل - سأُحاول بيان بعض الدُّروس والفوائد مِن هذه الخطبة الجامِعة الشاملة، وأسأل الله - عز وجلَّ - أن يَرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
وامامتى كانت حجة الوداع :
*********
لقد فرض الله سبحانه وتعالى الحجّ على المسلمين بعد أن تمّ إرساء قواعد الدولة الإسلاميّة، وبلغت الرّسالة، ودخل النّاس في دين الله سبحانه وتعالى،، وقد كان ذلك في أواخر السّنة التّاسعة من الهجرة، حيث عزم النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أمره على الذّهاب إلى الحجّ،
ولمّا سمع النّاس بذلك خرج خلق كثر يرديون أن يحجّوا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن يأتمّوا به عليه السّلام. ثمّ خرج النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - من المدينة، وكان ذلك في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، من السّنة العاشرة للهجرة، حيث أعلن الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - للنّاس عن نيّته بالحجّ، وأشعرهم بذلك، ليصحبه من شاء منهم،
فخرج عليه السّلام من المدينة في أواخر شهر ذي القعدة، وذلك بعد أن أمّر عليها في غيابه أبا دجانة. وقد كان الحجّ في ذلك العام مختلفاً عن حجّ العرب في أيّام الجاهليّة، حيث انتهت عهود المشركين، وحظر عليهم أن يدخلوا إلى المسجد الحرام،
وبالتالي أصبح أهل الحجّ جميعهم من الموحّدين المؤمنين بالله عزّ وجلّ، الذين لا يشركون بالله شيئاً، ولا يعبدون معه إلهاً آخر،
وقد أقبل النّاس من كلّ مكان ميمّمين وجوههم صوب البيت العتيق، وهم على علم بأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - سيكون أميرهم في الحجّ ومعلمهم.
وقد حرص النّبي - صلّى عليه وسلّم - على أن ينتهز اجتماع المسلمين ليغرس في قلوبهم الدّين، ويبدّد ما في نفوسهم من بقايا الجاهليّة، ويؤكّد على حرص الإسلام على إشاعة الآداب، والعلائق، والأحكام، فألقى على مسامع المسلمين خطبته المشهورة باسم خطبة حجّة الوداع،
وقد كانت خطبةً جامعةً، وذلك في يوم عرفة من هذه الحجّة العظيمة، حيث نزل قول الله عز وجلّ:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ... "، المائدة/3.
وعندما سمع عمر بن الخطاب هذه الآية بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنّه ليس بعد الكمال إلا النّقصان. وكأنّه استشعر أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قد اقتربت ساعته وحان أجله. وقد كانت مشاعر التّوديع واضحةً في عبارات النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في هذه الخطبة، كقوله عند جمرة العقبة:" خذوا عنّي مناسككم فلعلّي لا أحجّ بعد عامي هذا "
.