في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

خطبة الجمعة القادمة بعنوان 

أفضل أيام الدنيا 

 : خطبة مكتوبة ومؤثرة ومختصرة بعنوان أفضل أيام الدنيا

خطبة الجمعة بعنوان أفضل أيام الدنيا ملتقى الخطباء 

وهي كالتالي 

خطبة مؤثرة عن أفضل أيام الدنيا

الخطبة الأولى عن أفضل أيام الدنيا

الحمدُ لله الذي وعدَ المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرةِ والأجرِ العظيم، أحمدُهُ - سبحانه - يختصٌّ برحمتهِ من يشاءَ، واللهُ ذو الفضلِ العظيم، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له، لهُ ما في السمواتِ وما في الأرض وهو العليٌّ العظيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلواتُ اللهِ وسلامهِ عليهِ وعلى آلهِ وأزواجهِ وأصحابهِ وأتباعهِ المُعظِمينَ لشعائرِ اللهِ وحُرماتهِ، أولئكَ لهم أجرٌ عظيم.يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولًا سَدِيدًا * يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا) أمَّا بعد. أيها الكرماء الأجلاء عباد الله : من فضل الله تعالي على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويغفر فيها كثير من المعاصي والسيئات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات، لهذا حثنا صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذه النفحات حيث قال:” اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فاسألوا الله أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم”( أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني) ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: ” إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحةٌ فلا يشقى بعدها أبداً “( أخرجه الطبراني)، 

ولو نظرنا إلى أعمار الأمم السابقة لوجدنا أنهم كانوا يعيشون المئات بل الآلاف من السنين ، فهذا نوح عليه السلام لبث في قومه 950 سنة، قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}( العنكبوت: 14)، فمدة بعثة نوح عليه السلام 950 سنة، وعاش قبل البعثة فترة وبعد الطوفان فترة، يعني أكثر من ألف عام، فلو قارنت عمرك وحسبت صلاتك وصومك وزكاتك وجميع أعمالك في عمرك الذي يتراوح بين الستين والسبعين، كما قال صلى الله عليه وسلم:” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك”( السلسلة الصحيحة، الألباني) فكم تكون أعمالك بين هذه الأعمار المديدة؟؟!! وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً، وعرضه سبعة أذرع، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن”، فالله زاد الأمم الماضية بسطة في الجسم والعمر، وما زال الخلق يقصر طولاً وعرضاً وعمراً حتى الآن، لذلك خص الله هذه الأمة بنفحات تتمثل في أوقات قليلة تشمل فضائل ورحمات غزيرة حتى تلحق هذه الأمة غيرها من الأمم في الأجر والفضل والثواب، ، ومن هذه النفحات العشر الأوائل من ذي الحجة، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”

ولكن لماذا خُصَّت أيام العشر بالفضل وأنها أفضل أيام الدنيا؟! لقد ذكر العلماء عدة أسباب وفضائل جمعتها لكم مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة وتتمثل فيما يلي :-

أولاً : أن الله تعالى أقسم بها : وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى: { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ }، والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين، وكما قال بذلك ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد وقتادة والضحاك والسدى ومقاتل ومسروق، وغير واحد من السلف والخلف.

ثانياً : أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره :

قال تعالى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } ( الحج : 28) ، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات التي يستحب فيها الإكثار من ذكر الله تعالى هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس. وقال صلى الله عليه وسلم:”ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد “( أخرجه أحمد وصحّح إسناده أحمد شاكر.)، فأمر صلى الله عليه وسلم فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير ، وكان سعيد بن جبير – رحمه الله – إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدَرُ عليه.

 وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما، وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً ، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيّام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيّام جميعا.

ثالثاً : شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بأنها أفضل أيام الدنيا : فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أفضل أيام الدنيا أيام العشر – يعني عشر ذي الحجة – قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب”( أخرجه البزار وابن حبان وصححه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”( صحيح الجامع)، ولذلك فإن العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالي منه في بقية العام، 

قال ابن كثير: وبالجملة.. فهذه العشر أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث، وفضلها كثير على عشر رمضان الأخيرة؛ لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه.”

وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: أيهما أفضل: عشر ذى الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ فأجاب: أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.

 قال ابن القيم ـ رحمه الله: وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافياً كافياً، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذى الحجة وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، أما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر، ونخلص من ذلك : أن أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان لاشتمالها على يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لاشتمالها على ليلة القدر.

رابعاً : أنها من جملة أربعين موسى عليه السلام : وهي العشر المذكورة في قوله تعالى{ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ( الأعراف 142) قال ابن كثير : ” الأكثرون على أن الثلاثين هي: ذو القعدة وعشر ذي الحجة، قال بذلك مجاهد، ومسروق، وابن عباس وابن جريج، وغيرهم. وعن جابر رضي الله عنه قال:{وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} قال: عشر الأضحى. 

وعن مجاهد قال: ما من عمل من أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة، قال: وهي العشر التي أتممها الله عز وجل لموسي عليه السلام.”

خامساً : أنها ضمن أيام الأشهر الحرم.

سادساً : أن الله أكمل فيها الدين وأتم علينا النعمة:

ففي يوم عرفه كمل الدين ونزل قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ( المائدة : 3 )، وقد جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرءون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: وأي آية؟ قال قوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت عَشية عَرَفَة في يوم جمعة.وكأن الله جعل عيد الفطر لبداية نزول القرآن في رمضان، وعيد الأضحى لإكمال الدين في فريضة الحج، فكان نزول القرآن بدايةً ونهايةً مقروناً بفريضتين عظيمتين هما: ( الصيام والحج ) وعيدين سعيدين هما: ( الفطر والأضحى ).

سابعاً : اجتماع أمهات العبادة فيها : قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:”والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتَّى ذلك في غيرها.” وقال الإمام أبو حنيفة: جعلت أفاضل بين العبادات؛ كلما تتبعت عبادة وجدت لها أفضلية؛ فأقول: هي الأفضل؛ فلما تتبعت الحج وجدته أفضلهم لاشتماله على جميع العبادات كلها.

ففيها يوم عرفة : ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً، وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل يوم عرفة وصيامه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، منها ما أخرجه الإمام مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء”

 وأخرج مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب”، لذلك يتأكد صوم يوم عرفة، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم أنّه قال عن عرفة: ” أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”

وفيها يوم النحر : وهو أفضل أيام السنة عند العلماء، قال صلى الله عليه وسلم ” أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر “( أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع)، ويوم القر: هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، سمي بذلك لأن الناس يقرّون فيه بمنىٍ.

 وفيها الأضحية : وهي من أفضل أعمال يوم النحر ، فعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض فيطيبوا بها نفسا “( أخرجه الترمذي وصححه الألباني في تعليقاته على مشكاة المصابيح)، ويستحب للمضحي أن يمسك عن شعره وأظفاره لما روى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضّحي فليمسك عن شعره وأظفاره ” ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي، فقد قال الله تعالى: { وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه} ( البقرة : 196)، وهذا النهي يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد؛ إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا أثم عليه فيما أخذه قبل النية.

وفيها البر والصلة وقراءة القرآن والإنفاق وقيام الليل…إلخ

وفيها الركن الخامس من أركان الإسلام : وهو الحج، وما أدراك ما الحج !؟ فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”.

وفيها الصيام : فعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :” كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيّام من كل شهر.”( أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم) وقال النووي عن صوم أيّام العشر أنّه مستحب استحباباً شديداً، وأجاب العلماء عن حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر قط، بأنه إذا تعارض مثبت ومنفي قدم المثبت على المنفي، فلو قال أحدٌ رأيت المحافظ في السوق، وقال آخر : كنت في السوق ولم أره ، قدم المثبت على المنفي. اقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم. 

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
أفضل أيام الدنيا

الخطبة الثانية :

الحمدُ للهِ الذي خلقَ الموتَ والحياةَ ليبلوكُم أيٌّكم أحسنُ عملاً وهو العزيز الغفور، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريكَ له (( يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ ))، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولهُ خيرُ من أحسنَ عملهُ للهِ وشكره، فهو محسنٌ شكور صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين يُسارعُون في الخيرات، يرجونَ تجارةً لن تبور، وعلى من اتبعهم بإحسانٍ, إلى يومِ الدين، وسلم تسليماً كثيرا. أمَّا بعد: أيٌّها المسلمون عباد الله :

قال أبو عثمان النَّهْدِيُّ -رحمه الله-: كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلاثَ عَشَرَاتٍ: الْعَشْرَ الأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْعَشْرَ الأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْعَشْرَ الأُوَلَ مِنَ الْمُحَرَّمِ. (التبصرة لابن الجوزي)

وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه. (رواه الدارمي، وحسنه الألباني في إرواء الغليل ))

و كان يقول: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر مَن فاته الحجُّ في هذا العام فدونَه العملُ الصالحُ في هذه الأيام

قال الحافظُ ابنُ رجب -رحمه الله-: لمَّا كان اللهُ سبحانه قد وضعَ في نفوسِ المؤمنين حنينًا إلى مشاهدةِ بيته الحرامِ، وليس كلُّ أحدٍ قادرًا على مشاهدتِه في كلِّ عامٍ، فرَضَ على المستطيعِ الحجَّ مرةً واحدةً في عُمرِه، وجعلَ موسمَ العشرِ مشتركًا بين السائرينَ والقاعدينَ، فمَن عجزَ عن الحجِّ في عامٍ، قَدَرَ في العشرِ على عملٍ يعملُه في بيتِه يكونُ أفضلَ مِن الجهادِ الذي هو أفضلُ مِن الحجِّ.

قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: واستيعابُ عشر ذي الحجة بالعبادة ليلًا ونهارًا أفضلُ مِن جهادٍ لم يذهبْ فيه نفسُه ومالُه، والعبادةُ في غيره تعدِلُ الجهادَ للأخبارِ الصحيحةِ المشهورةِ. (الفتاوي الكبري )

وقال الحافظُ ابنُ رجب -رحمه الله-: إنما يَفضُلُ العملُ فيها على الجهادِ إذا كان العملُ فيها مستغرقًا لأيامِ العشر فيفْضُلُ على جهادٍ في عددِ تلك الأيام مِنْ غيرِ العشر، وإنْ كان العملُ مستغرقًا لبعضِ أيامِ العشرِ فهو أفضلُ مِن جهادٍ في نظيرِ ذلك الزمانِ مِن غيرِ العشرِ. (لطائف المعارف لابن رجب )

أيها المسلمون. قال حمَّادُ بن سلمة - رحمه الله -: ما أتينا سُليمان التيمي - رحمه الله - في ساعةٍ, يُطاعُ اللهُ - عز وجل - فيها إلاَّ وجدناهُ مُطيعاً، فإن كانَ في ساعةِ صلاةٍ, وجدنَاهُ مُصلياً، وإن لم تكن ساعةَ صلاةٍ, وجدناهُ إمَّا متوضئاً أو عائداً مريضاً، أو مُشيعاً لجنازةٍ,، أو قاعداً يُسبِحُ في المسجدِ، قال فكُنَّا نرى أنَّهُ لا يُحسنُ أن يعصي اللهُ - عز وجل. صفة الصفوة لابن الجوزي.

═◄ تزود قريناً من فعالكَ إنَما

                     قرينُ الفتى في القبرِ ما كان يفعلُ

  وإن كنتَ مشغولاً بشيءٍ فلا تكن

                        بغير الذي يرضى به الله تُشغلُ

 فلن يصحب الإنسانُ من بعدِ موتهِ

                           إلى قبره إلاَّ الذي كان يـعملُ

 ألا إنَّما الإنسانُ ضيفٌ لأهلهِ

                       يقيمُ قليلاً عندهم ثُـمَّ يـرحلُ

 

أحبتي من لم يعرف شرفَ زمانه فسيأتي عليه وقتٌ يعرف ذلك، حين يقول: { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [الفجر: 24]، { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 99، 100].

فاللهَ اللهَ في اغتنام وقتك، والحرص على مواسم الخير، فإنَّ الثواءَ قليلٌ، والرحيلَ قريبٌ، والطريقَ مخوُفٌ، والاغترارَ غالبٌ، والخطرَ عظيمٌ، والناقدَ بصيرٌ، والله تعالى بالمرصاد، وإليه الرجوع والمآب، { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى } [النجم: 39 - 41]، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8]

وقد جاء الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل نزول العوائق عنها كما قال ﷺ «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رواه مسلم.

وعن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك٬ وصحتك قبل سقمك٬ وغناك قبل فقرك٬ وفراغك قبل شغلك٬ وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم وصححه الألباني

ويُروى عنه ﷺ أنه قال : “بادروا بالأعمال سبعا ما تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مُفنّدا أو موتا مُجْهِزاً أو الدجال فإنه شرُ منتظَر، أو الساعة والساعة أدهى وأَمَرّ” وكان عبد الله بن عمر يقول : «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» رواه البخاري.

لذا فإن على العاقل الحازم ما دام في عافية وفسحة من أمره أن يبادر إلى العمل الصالح قبل أن يحال بينه وبينه.

 قال المُزنِي - رحمه الله -: رحمَ اللهُ من كان قوياً فأعملَ قُوّتهُ في طاعةِ الله، أو كانَ ضعيفاً فكفَّ عن معصيةِ الله. المنتقى لابن عبد البر.

 وقال بعضُ السلفِ: العملُ قرينٌ لا يُستطاعُ فراقه، فمن استطاعَ أن يكونَ قرينُهُ صالحاً فليعمل، فإنَّهُ لا يصحبهُ في آخرتهِ غير عمله.

وقال عطاءُ بن يسار- رحمه الله -: إذا وُضِعَ الميتُ في لحدهِ، فأولُ شيءٍ, يأتيهِ عمله، فيقولُ أنا عملُكَ، فيقولُ أينَ أهلي وولدي، وما خولني اللهُ، فيقول: تركتَ ذلكَ وراءَ ظهركَ فلم يدخل معكَ قبرك غيري، فيقولُ يا ليتني آثرتُكَ عليهم إذ لم يدخل معي غيرك، لأن كنتَ لأهونُ الثلاثة عليّ

نسألُ اللهَ - تعالى -أن يجعلنا من المُسارِعين في الخيرات، والمسابقينَ في عملِ الصالحات، وأن يُعيذنا من شرورِ أنفسنا، ومن عملِ السيئات اللهمَّ أحسن عاقبتنا في الأمورِ كُلَّها، وأجرنا من خزيِّ الدنيا وعذابِ الآخرة.

اسئلة متعلقة

...