خطبة الجمعة بعنوان نفحات عشر ذي الحجة 1443 خطبة مكتوبة ومؤثرة من شهر ذي الحجة ملتقى الخطباء
نفحات عشر ذي الحجة
خطبة نفحات عشر ذي الحجة ملتقى الخطباء
خطبة الجمعة من شهر ذي الحجة ١٤٤٣هـ بعنوان: نفحات عشر ذي الحجة،
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: خصوصية أمة محمد بنفحاتٍ وبركاتٍ.
العنصر الثاني: فضل عشر ذي الحجة.
العنصر الثالث: أعمال تعدل أجر الحج في الجزاء
فتعالوا بنا عباد الله نقف وقفة مع هذه العناصر الثلاثة ونطوف حولها مع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً.
العنصر الأول: خصوصية أمة محمد بنفحات وبركات.
عباد الله: من فضل الله تعالي على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويغفر فيها كثير من المعاصي والسيئات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات، ومن هذه النفحات العشر الأوائل من ذي الحجة، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”، لهذا حثنا صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذه النفحات حيث قال:”اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فاسألوا الله أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم”( أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني) ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:”إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحةٌ فلا يشقى بعدها أبداً “( أخرجه الطبراني)، ولو نظرنا إلى أعمار الأمم السابقة لوجدنا أنهم كانوا يعيشون المئات بل الآلاف من السنين ، فهذا نوح عليه السلام لبث في قومه 950 سنة، قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}( العنكبوت: 14)، فمدة بعثة نوح عليه السلام 950 سنة، وعاش قبل البعثة فترة وبعد الطوفان فترة، يعني أكثر من ألف عام، فلو قارنت عمرك وحسبت صلاتك وصومك وزكاتك وجميع أعمالك في عمرك الذي يتراوح بين الستين والسبعين، كما قال صلى الله عليه وسلم:” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك”( السلسلة الصحيحة، الألباني) فكم تكون أعمالك بين هذه الأعمار المديدة؟؟!! وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً، وعرضه سبعة أذرع، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن”، فالله زاد الأمم الماضية بسطة في الجسم والعمر، وما زال الخلق يقصر طولاً وعرضاً وعمراً حتى الآن، لذلك خص الله هذه الأمة بنفحات تتمثل في أوقات قليلة تشمل فضائل ورحمات غزيرة حتى تلحق هذه الأمة غيرها من الأمم في الأجر والفضل والثواب، وإليك بعض الأمثلة مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة:-
أولاً: كثرة الأجر مع قلة العمل وقصر الوقت:
فقد أخرج البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيراً فقال: من يعمل لي غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل أجراً !؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء ” ، فمضاعفة الأجر مع قلة العمل وقصر الوقت، خصوصية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: ليلة القدر تعدل ألف شهر:
قال ابن كثير في تفسيره عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لَبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، قال: فَعَجب المسلمون من ذلك، قال: فأنزل الله عز وجل: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ( القدر : 1-3) التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فليلة واحدة خير من عبادة 83 سنة من الأمم الماضية، فما بالك لو صادفتك ليلة القدر عشرين سنة مثلاً.
ثالثاً: صلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة:
فعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة”( أخرجه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين)، فصلاة واحدة تعدل مائة ألف صلاة، ولو قسَّمنا مائة ألف صلاة على 5 صلوات في اليوم، ثم السنين لخرج الناتج 55 سنة و6 أشهر و20 يوماً، هذه صلاة واحدة فما بالك لو صليت شهراً أو شهرين في المسجد الحرام؟؟؟؟!!!
رابعاً: سبق أمة محمد جميع الأمم السابقة يوم القيامة:
لا شك أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستسبق الأمم السابقة يوم القيامة،كما بشرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا “، فمع أن اليهود والنصارى قبلنا في الدنيا إلا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قبلهم وسابقة لهم في البعث والحساب ودخول الجنة كما صرحت بذلك رواية الإمام مسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم:”نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق، ونحن أول من يدخل الجنة” ، أقول: لو أنك وضعت طعاماً في إناءٍ كبيرٍ وأردت أن تغرف منه؛ فإن آخر الطعام وضع هو أول طعام غُرف، ولله المثل الأعلى، وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ لمضاعفة الأجر والفضل لا يتسع المقام لذكرها، وما ذكر على سبيل المثال لا الحصر، وأنت بذلك خبير في معرفة بقية الأمثلة من الكتاب والسنة.
أيها الإخوة المسلمون:
إن من أعظم نفحات أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الإطلاق ( عشر ذي الحجة ) فها نحن نعيش في هذه الأيام مواسم الخيرات والطاعات التي أكرمنا بها رب الأرض والسماوات، مواسم الصلاح التي يُضَاعف للمؤمنين فيها من الأجور والأرباح، وهذه هبات ربانية لا تكون إلا للأمة المحمدية؛ أمة العمل القليل والأجر الكبير والفضل العظيم، لتحمد الله أن جعلك من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم:
وممـــــا زادني فخـــراً وتيهـــــــاً وكـدت بأخمـصي أطــــأ الثــــــــــريـا
دخولي تحت قولك يا عبـــــــــادي وأن صــــيَّرت أحمـــــــد لي نبيـــــــاً
فالحمد لله الذي أنعم على الأمة المحمدية بمواسم الطاعات وميادين الخيرات، وساحات المغفرة والرحمات ،حيث يتسابقون فيها إلى رضوانه، ويتنافسون فيما يقربهم من فضله وإحسانه، وهذه المواسم منحة ومنة من الله تعالى على عباده؛ لأن العمل فيها قليل والأجر والثواب جزيل، وهى والله فرصة عظيمة لا يحرم خيرها إلا محروم، ولا يغتنمها إلا مَن وفَّقهُ الله.
العنصر الثاني: فضل عشر ذي الحجة.
لماذا خُصَّت أيام العشر بالفضل وأنها أفضل أيام الدنيا؟! لقد ذكر العلماء عدة أسباب وفضائل جمعتها لكم مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة وتتمثل فيما يلي:-
أولاً: أن الله تعالى أقسم بها:
وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى: { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ }، والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين، وكما قال بذلك ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد وقتادة والضحاك والسدى ومقاتل ومسروق، وغير واحد من السلف والخلف.
ثانياً: أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره:
قال تعالى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } ( الحج : 28) ، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات التي يستحب فيها الإكثار من ذكر الله تعالى هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس. وقال صلى الله عليه وسلم:”ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد “( أخرجه أحمد وصحّح إسناده أحمد شاكر.)، فأمر صلى الله عليه وسلم فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير ، وكان سعيد بن جبير – رحمه الله – إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدَرُ عليه. وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما، وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً ، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيّام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيّام جميعا.
ثالثاً: شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بأنها أفضل أيام الدنيا:
فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أفضل أيام الدنيا أيام العشر – يعني عشر ذي الحجة – قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب”( أخرجه البزار وابن حبان وصححه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”( صحيح الجامع)، ولذلك فإن العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالي منه في بقية العام، قال ابن كثير: وبالجملة.. فهذه العشر أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث، وفضلها كثير على عشر رمضان الأخيرة؛ لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه.”، وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: أيهما أفضل: عشر ذى الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ فأجاب: أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة . قال ابن القيم ـ رحمه الله: وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافياً كافياً، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذى الحجة وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، أما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر، ونخلص من ذلك :أن أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان لاشتمالها على يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لاشتمالها على ليلة القدر.
رابعاً: أنها من جملة أربعين موسى عليه السلام :
وهي العشر المذكورة في قوله تعالى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ( الأعراف: 142) ، قال ابن كثير : ” الأكثرون على أن الثلاثين هي: ذو القعدة وعشر ذي الحجة، قال بذلك مجاهد، ومسروق، وابن عباس وابن جريج، وغيرهم. وعن جابر رضي الله عنه قال:{وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} قال: عشر الأضحى. وعن مجاهدـ قال: ما من عمل من أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة، قال: وهي العشر التي أتممها الله عز وجل لموسي عليه السلام.”
خامساً: أنها ضمن أيام الأشهر الحرم:
وقد تكلمنا مع حضراتكم في خطبة كاملة عن الأشهر الحرم وفضلها.
تابع قراءة الخطبة في اسفل الصفحة على مربع الاجابة اسفل الصفحة التالية وهي كالتالي