مقالة العوامل الذاتية والموضوعية في الإدراك
مقال جدلية حول عوامل الإدراك ( شعبة آداب و فلسفة )
هل الإدراك محصلة لنشاط الذهن أم تصور لنظام الأشياء
مقالة جدلية هل الإدراك يعود إلى عوامل ذاتية أم موضوعية 2022
مقالة العوامل الذاتية والموضوعية في الإدراك
هل الإدراك تحكمه عوامل ذاتية أو موضوعية
أقوال الفلاسفة عن عوامل الإدراك
أسئلة فلسفية حول الإدراك
الأسئلة المشابهة :
- هل إدراكنا تابع لموضوعات العالم الخارجي لا غير ؟
- هل تقتصر عملية الإدراك على الموضوع المدرك فقط ؟
- هل تتوقف العملية الإدراكية على إنتظام الأشياء ؟
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ مقالة جدلي حول عوامل الإدراك ( شعبة آداب و فلسفة )
السؤال : هل الإدراك محصلة لنشاط الذهن أم تصور لنظام الأشياء ؟
مقدمة : ( طرح المشكلة )
يعتبر الإدراك أحدى أهم العمليات النفسية التي يستعين الإنسان بها لمعرفة العالم الخارجي والتكيف معه باعتباره عملية مكملة لدور للإحساس ومتجاوزة له في الوقت نفسه ، وهذا لما يقوم به من تنظيم لإحساساتنا الواردة من العالم الخارجي وتفسيرها ، فهو عملية عقلية معقدة تتداخل فيها مختلف القدرات الذهنية للإنسان ، حيث يعرفه جميل صليبا بأنه " حصول صورة الشيء في العقل سواء كان ذلك الشيء مجردا أو ماديا ، جزئيا أو كليا ، حاضرا أو غائبا " ، إلا أن عملية الإدراك تختلف من إنسان لآخر نظرا لوجود جملة من العوامل و الشروط التي تحكمها ، وهذا ما مثل محور جدال و إختلاف بين الفلاسفة والمفكرين ، فهناك من يرى أن الإدراك نشاط ذاتي يخضع لعوامل ذاتية متعلقة بالشخص المدرك ، وهناك من أرجعه إلى عوامل موضوعية متعلقة ببنية الموضوع المدرك ، ومن هذا الجدال الفلسفي وجب طرح الإشكالية التالية : هل الإدراك محصلة للعوامل الذاتية أم هو مجرد تصور للبنية الخارجية للأشياء ؟
أو بصيغة أخرى : هل الإدراك يعود إلى عوامل ذاتية بحتة أم إلى مجمل العوامل الموضوعية ؟
العرض : (محاولة حل المشكلة)
عرض منطق الأطروحة : الإدراك تتحكم فيه عوامل ذاتية
إن عملية الإدراك تتوقف في مجملها على مجموعة العوامل الذاتية المتعلقة منها بالحالة العقلية والنفسية والجسمية للإنسان كالتخيل ، الذكاء ، الذاكرة والإنتباه و غيرها ، وهي عوامل يمكن من خلالها تفسير التباين الحاصل على مستوى ادراكات الأشخاص للموقف الواحد ، ويمثل هذا الموقف كل من " ديكارت ، آلان ، باركلي" و حججهم في ذلك ما يلي :
ان الادراك عملية عقلية ذاتية لا دخل للموضوع المدرك فيها ، حيث ان إدراك الشيء ذي أبعاد يتم بواسطة أحكام عقلية نصدرها عند تفسير المعطيات الحسية ، لذلك فالادراك نشاط عقلي تساهم فيه عوامل ووظائف عقلية عليا من بينها الخبرة والذاكرة ، فنحن ندرك الأشياء في ضوء ما خبرنا وما مر بنا من تجارب ، ويترتب على ذلك أنه كلما كانت الأشياء التي ندركها في الوقت الراهن تقع في إطار خبراتنا الراهنة يسهل علينا إدراكها من تلك التي لم تقع في نطاق خبرتنا السابقة ، مثلا عندما ندخل قسما و نرى معادلات في السبورة ندرك أنه درس رياضيات لمعرفتنا السابقة بهذه المادة أما الجاهل بهذه المادة يرى ما نرى لكنه لا يدرك ما ندرك ، ويؤكد ذلك ما ذهب اليه ( آلان ) في ادراك المكعب ، فنحن عندما نرى الشكل نحكم عليه مباشرة بأنه مكعب ، بالرغم أننا لا نرى إلا ثلاثة أوجه وتسعة اضلاع ، في حين ان للمكعب ستة وجوه و اثنا عشرة ضلعا ، لأننا نعلم عن طريق الخبرة السابقة أننا اذا أدرنــا المكعب فسنرى الأوجه والأضلاع التي لا نراه الآن ، ونحكم الآن بوجودها ، لذلك فإدراك المكعب لا يخضع لمعطيات الحواس بل لنشاط الذهن وأحكامه ، يقول في هذا آلان : " إن الإدراك حكم عقلي " .
ويؤكد ( باركلي ) أن الأكمه ( الأعمى ) اذا استعاد بصره بعد عملية جراحية فستبدو له الأشياء لاصقة بعينيه ويخطئ في تقدير المسافات والأبعاد ، لأنه ليس لديه فكرة ذهنية او خبرة مسبقة بالمسافات والأبعاد ، وحالة الأكمه تماثل حالة الصبي في مرحلة اللاتمايز ، فلا يميز بين يديه والعالم الخارجي ، ويمد يديه لتناول الأشياء البعيدة ، لأنه يخطئ – أيضا – في تقدير المسافات لانعدام الخبرة السابقة لديه لذلك ، يقول : " إدراك المسافات حكم يستند إلى التجربة و الخبرة في توجيه الإدراك " ، كما ترتبط عملية الإدراك بالإرادة والتركيز لأن هناك : الكثير من الأمور التي لا تدرك بسهولة وتحتاج حينئذ للإرادة ، وتركيز الوعي نحو الموضوع ، وهذا من أجل معرفة تفاصيله ، كالطبيب الذي يفحص المريض من أجل تشخيص المرض ، أو الميكانيكي الذي يريد معرفة العطب الموجود في السيارة ، كما أن للشعور والحالة النفسية و ما يرتبط بها من ميول و رغبات و أهواء تأثير على عملية الإدراك ، وذلك أن إدراكنا للعالم الخارجي لا يكون ثابتا بل متغيرا حسب حالتنا الانفعالية ، ففي الحزن نرى العالم كئيبا أسودا و في الفرح نراه جميلا ملونا ، و في الخوف نراه مرعبا و هكذا ... و أما الأشياء التي لا تثير انفعالاتنا تبقى خارجة عن ساحة الإدراك ، كما الإنسان يدرك بسهولة الأمور التي تتفق مع ميوله ورغباته وأما الأشياء التي تتعارض مع ميوله فلا يدركها إلا بصعوبة أو يدركها إدراكا مشوها ، فرؤية الفنان إلى الطبيعة تنصب على الألوان والأضواء ومدى تناسبها ، أما القائد العسكري يراها كما لو كانت تصلح لإعداد خطة حربية معينة ، والمهندس يراها منطقة ملائمة لبناء سكنات ومرافق رياضية ، والفلاح بدوره يرى فيها حقول من كل أنواع الخضر والفواكه ، وهكذا يتأثر الإدراك بالميول والاهتمامات الخاصة ، ونجد من العوامل الذاتية كذلك عامل العاطفة ، ويتضح أثرها من خلال أن الشخص الذي نحبه مثلا لا ندرك فيه إلا المحاسن ، أما الشخص الذي نكرهه لا نرى فيه إلا المساوئ ، فنظرة الأم إلى ابنها تختلف كل الاختلاف عن نظرة الغير له نظرا لميلها العاطفي نحوه ، وكذا عامل التوقع الذي يعني أن الإنسان يدرك الأشياء كما يتوقع أن تكون والموضوعات التي تخالف توقعه يصعب عليه إدراكها ، فقد يحدث مثلا أن نرى إنسانا نعرفه ولكن ندركه بصعوبة لأننا لم نتوقع الإلتقاء به ، كما لا يمكن تجاهل عاملي السن والمستوى الثقافي و التعليمي ، حيث نجد أن إدراك الراشد للأشياء يختلف عن إدراك الصبي لها ، وادراك المتعلم أو المثقف يختلف بطبيعة الحال عن إدراك الجاهل ، فإدراك شاب مهتم بالسيارات و آخر غير مهتم لسيارة متوقفة أمامهما يختلف ، فالأول يدرك نوعها و سرعتها وكل تفاصيلها أما الثاني فيدركها كسيارة فقط ، كما أن للتعود دورا لا يقل عن دور العوامل السابقة ، فالعربي مثلا في الغالب يدرك الأشياء من اليمين إلى اليسار لتعوده على الكتابة بهذا الشكل ولتعوده على البدء دائما من اليمين ، بعكس الأوروبي الذي يدرك من اليسار إلى اليمين .
نقد و مناقشة :
صحيح أن للعوامل الذاتية دورا في عملية الإدراك ، لكن هذه العوامل وحدها لا تكفي ، فالعقل وحده لا يؤدي إلى الإدراك إذا كان الشيء معاقا بعوائق خارجية ، كما أن بعض الأشياء يصعب إدراكها رغم توفر كل العوامل الذاتية و ذلك لإحتوائها على صفات وخصائص في بنيتها يجعل من إدراكها أصعب من غيرها ، وهذا ما أغفله الذاتيين ، ففي بعض الأحيان قد تتوفر هذه الشروط الذاتية ولا يحصل الإدراك أو يكون الإدراك غير واضح نظرا لطبيعة الشيء المدرك وشكله ومدى انتظام عناصره .
الموقف الثاني :
الإدراك تتحكم فيه عوامل موضوعية
إن الإدراك يتوقف على فاعلية الموضوع و بنيته الخارجية ، فطبيعة الشيء المدرك هي التي تحدد درجة إدراكنا ، فإدراك الأشياء عملية موضوعية وليس وليد أحكام عقلية تصدرها الذات ، فالعالم الخارجي منظم وفق عوامل موضوعية وقوانين معينة هي " قوانين الانتظام " ، ويمثل هذا الموقف رواد المدرسة الجشطالتية وهم " كوفكا ، كوهلر ، فيرتهايمر وبول غيوم " ، وحججهم في ذلك مايلي :
إن الإدراك لا يعود إلى عوامل عقلية ذاتية بقدر ما يعود إلى الشكل الخارجي والبنية بأكملها ، وانتظام هذه البنية أو تفككها في المجال البصري هو الذي يحدد نوع الإدراك ، يقول بول غيوم : " إن الوقائع النفسية صور ، أي وحدات عضوية تنفرد وتتحدد في المجال المكاني وألزماني للإدراك أو التصور ، وتخضع الصور بالنسبة للإدراك لمجموعة من العوامل الموضوعية " ، فالإدراك يخضع لجملة من القوانين التي هي عبارة عن عوامل موضوعية تحكم المجال الإدراكي للإنسان ومن بين أهم هذه العوامل نجد عامل الشكل والأرضية ، حيث ندرك الأشكال أولا ثم الأرضية بعد ذلك ، لأن الشكل يكون أكثر وضوحا وأسهل للإدراك من الأرضية ، فعندما نضع قطعة قطن على أرضية مثل لونها ( الثلج ) لا نستطيع إدراكها على العكس عندما نضعها على أرضية سوداء ، فالموضوع يكون أكثر وضوحا في العملية الإدراكية عندما يكون على أرضية مناسبة ، وهذا ما أكده ( كوهلر ) في قوله : " إن الحقيقة الرئيسية في المدرك الحسي ليس العناصر و الأجزاء التي يتألف منها الشيء بل شكله و بناؤه العام " . وكذلك نجد قانون الإنتظام ، حيث أن العناصر الجزئية لما تنتظم تكون صورة كلية فيكون إدراكنا للكل دائما أسبق من الجزء ، فنحن ندرك صورة الشجرة قبل الأغصان و الأوراق و صورة الوجه قبل العين والأنف و صورة القسم قبل الطاولة ومكان التلميذ ، كما أن الصور والأشياء البارزة تكون أولى بالإدراك من غيرها ، فالنجمة الساطعة في السماء ندركها قبل غيرها وهذا ما يعرف بقانون البروز ، يقول ( كوفكا ) : " إن عامل الإنتظام والبروز كافي لعملية الإدراك " ، إضافة إلى ذلك نجد قانون التشابه ، ومعناه أن الأشياء المتشابهة في الحجم و الشكل و اللون نميل إلى إدراكها كصيغ متميزة عن غيرها ، فالإنسان يدرك أرقام الهاتف بسهولة إذا كانت متشابهة ، وكذلك قانون التقارب والذي فحواه أن الأشياء المتقاربة في الزمان أو المكان يسهل علينا إدراكها كصيغة متكاملة ، فنحن ندرك كراسي حجرة الجلوس كوحدة متكاملة نتيجة تقاربها ، كما أن الإنسان في ادراكاته يميل إلى سد الثغرات أو النقائص أو التغاضي عنها ، فنحن ندرك الأشياء الناقصة كما لو كانت كاملة ، فالدائرة الناقصة في بعض أجزائها ندركها كاملة و هذا ما يعرف بقانون الإغلاق ، وإضافة إلى قوانين الإنتظام نجد من العوامل الموضوعية كذلك عامل الحركة لأنها تولد الإنتباه ، فنحن ندرك الجسم المتحرك قبل الجسم الساكن ، كأن تتجه أنظارنا نحو الشهاب بدل النجوم الثابتة ، وكذا عامل البيئة الإجتماعية ، إذ أن إدراك الإنسان يتشكل حسب المعايير التي حددتها البيئة الإجتماعية التي ينتمي إليها ، فالبدو لا يدركون الأشياء كما يدركها الحضر ، فكل بيئة لها خصائص تنعكس على أذهان أبنائها ، و لهذا كانت التربية التي يتلقاها الفرد من أسرته و مجتمعه عاملا أساسيا في تحديد مجال إدراكه .
نقد و مناقشة :
لا يمكن إنكار دور العوامل الموضوعية من تأثير في عملية الإدراك إلا أن الإلحاح على أهمية العوامل الموضوعية في الادراك وإهمال العوامل الذاتية لاسيما دور العقل ليس له ما يبرره ، فهذا الطرح يجعل من الشخص المدرك آلة تصوير أو مجرد جهاز استقبال فقط مادامت الموضوعات هي التي تفرض نفسها عليه سواء أراد ذلك أو لم يرد ، مما يجعل منه في النهاية مجرد متلقي سلبي منفعل لا فاعل .
التركيب :
إن عملية الإدراك تتأثر بعوامل كثيرة منها ما يرتبط بطبيعة الشخص المدرك ، ومنها ما يرتبط بطبيعة الشيء المدرك ، ولن يتم الإدراك إلا من خلال تحالف الشروط الذاتية مع الشروط الموضوعية وهذا ما ذهبت إليه المدرسة الظواهرية التي ترى أن الإدراك هو عملية متعددة الأبعاد ، فهو قائم على التفاعل بين الذات و الموضوع ، وهكذا يغدو وعي الإنسان فعلا موجها نحو الخارج عن طريق فكرة القصدية ، أي هناك موضوع وهناك ذاتا تقصده ، وبالتالي لا يفهم الإدراك من خلال ذات دون موضوع و لا موضوع دون ذات ، فكل إدراك هو شعور بموضوع ، وهذا ما قصده ( هوسرل ) في قوله : " الشعور دائما هو الشعور بموضوع ما " .
خاتمة : ( حل المشكلة )
و في الأخير نستنتج أن الادراك من الوظائف الأكثر تعقيدا ، وهو عملية تساهم فيها جملة من العوامل بعضها يعود إلى نشاط الذات وبعضها الآخر إلى بنية الموضوع ، وهذا على اعتبار أن هناك تفاعل حيوي بين الذات والموضوع ، فكل إدراك هو ادراك لموضوع ، ولكن على أن يكون لهذا الموضوع خصائص تساعد على إدراكه ، فالادراك لا يعود إلى فاعلية الذات فقط أو إلى بنية الموضوع فحسب ، وهذا من حيث أنه لا وجود لإدراك بدون موضوع ندركه ، ولذلك يمكننا القول أن الادراك يعود إلى تفاعل مزدوج ودائم بين العوامل الذاتية و الموضوعية .