خطبه الجمعه بعنوان
من أسباب الرحمة الخاصة (خطبة مكتوبة)
خطبة الجمعة موثرة مكتوبة بعنوان الرحمة الخاصة ملتقى الخطباء
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين، فأقام به الحجة، وأوضح به المحجّة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتدبروا أسماءَ ربكم وصفاتِه، تزدادوا به إيماناً ويقيناً، وله حباً وتعظيماً، وتزدادوا منه خوفاً وخشية، وعليه توكلاً وتفويضاً، ومن أسماء الله الحسنى (الرحمنُ) و(الرحيمُ) وبهما افتتح الله كتابه فقال {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
وهذان الاسمان الكريمان دالان على صفة عظيمة من صفات الله هي صفة الرحمة، وهي من أعظم الصفات التي نعاين آثارها في كل شيء فليس في السماء ولا في الأرض من نعمة إلا وهي من آثار رحمة الله تعالى قال جل وعلا في سورة النِّعم {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
ومن رحمة الله وكرمه أنه بشّر عباده فقال عن نفسِه {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وبشّرهم بأن رحمتَه سبقت غضبَه فقال ﷺ ” إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي” ومن صور سبقِ رحمتِه لغضبِه أَنّه يقبل التوبة، ويغفر الذنوب، ويعفو عن السيئات، ويمهل المذنبين فلا يعاجلهم بالعقوبات، ويغفر لمن حقق التوحيدَ ولو قاربت ذنوبُه مِلأَ الأرض.
عباد الله:
إن رحمةَ الله واسعة حتى إنها وسعت كلَّ شيء، ولكنْ للهِ رحمةٌ خاصةٌ يخصُّ بها مَن شاء من عبادِه فيوفقهم بها في الدنيا إلى الإيمان والعمل الصالح، ويمنُّ عليهم بسببها في الآخرة بالنعيم المقيم في جنات النعيم، وهذه الرحمةُ لها أسبابٌ كثيرة بينها الله لعباده حتى يتسابقوا إليها ويتنافسوا فيها، فمن أسبابِ الفوزِ بالرحمةِ الخاصةِ اتقاءُ الشركِ واجتنابُه، قال تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} قال ابن عباس: يعني سأكتبها للذين يتقون الشرك.
ومن أسباب الفوز بالرحمة الخاصة: طاعةُ الله وطاعةُ رسولهِ ﷺ بفعل ما أمرَ اللهُ به ورسولُه واجتنابِ ما نهى عنهُ اللهُ ورسولُه، قال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
ومن أسبابها إقامةُ العبد للصلوات الخمس والمحافظةُ عليها وإيتاؤهُ الزكاة إن وجبت عليه قال تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
ومما تُنالُ به رحمةُ الله موالاةُ المؤمنين، ومحبتُهم، ونصرتُهم في الحق بالحق، والقيامُ بالأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر وِفْقَ ما شرع الله، قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
ومن أبوابِ رحمة الله كثرةُ الاستغفارِ مع الصدق فيه، فالاستغفارُ مفتاحُ أبوابِ الرحماتِ والبركاتِ في الدنيا والآخرة، قال تعالى في قصة صالح {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ومِن تفاصيلِ هذه الرحمةِ المرتّبة على الاستغفارِ مغفرةُ الذنوب، ورفعُ العذاب، ووفرةُ الأرزاق، وقوةُ الأجساد، وحصولُ الأولاد.
ومما تُسْتَنْزَلُ به رحمةُ الله على عبده تلاوتُه القرآنَ الكريم، والإنصاتُ إليه إذا قرئ، والعملُ به؛ فالقرآنُ رحمةٌ، وقارئُه مرحومٌ، والمنصتُ إليه مرحومٌ، إذا هما عملا به؛ قال تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقال تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
عباد الله:
ومِن أسبابِ الظَفَرِ برحمةِ الله السعيُ في الصلحِ بين المؤمنينَ عند حدوثِ التنازعِ والخصوماتِ بينهم قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
ومن أسباب رحمة الله لعبده أن يصبرَ عند نزولِ المصائب، فلا يقولُ ولا يفعلُ إلا ما يُرضي الله، قال تعالى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
جعلني الله وإياكم من المرحومين في الدنيا والآخرة. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسوله، وخيرتُه من خلقه، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من أسباب رحمة الله بعبده أن يرحم العبدُ الخلقَ قال ﷺ “الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهمُ الرَّحمنُ، ارحَمُوا أهلَ الأرضِ يَرْحْمْكُم مَن في السّماء” أي ارحموا من تستطيعون رحمته من مسلم وكافر وبر وفاجر وإنسان وحيوان كلٌّ بما يناسبه من صور الرحمة، فمَن رَحمهم رحمهُ الله “ومن لا يَرحم لا يُرحم”.
إخوة الإيمان:
هذه بعضُ أسباب الرحمة؛ فاحرصوا على سائر أسبابها، تعلّموها واعملوا بها، فمَن رحمهُ الله غفرَ له ما مضى من ذنبهِ، وحفظَهُ فيما يَستقبِلُ من عمرهِ، وأسعدَه في دنياهُ وقبرِه، وبعدَ إحيائهِ ونشرِه.
واسألوا ربَّكم رحمتَه ولا تقنطوا منها أبداً، وإذا سألتم اللهَ الرحمةَ فاقْرِنُوها بطلبِ العفوِ أو المغفرة كما في قولهِ تعالى {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} وقولهِ تعالى {اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} ومِن أدعيةِ السُنّةِ النبويةِ “اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ” ومنها كذلك “اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي” فمن سعادة المسلم أن يوفق لحفظها وللدعاء بها.
اللهم اغفر لنا وارحمنا واعف عنا وارزقنا، اللهم ارحمنا رحمة تغفر بها ما مضى من ذنوبنا وتحفظنا بها فيما نستقبل من أعمارنا، وتدخلنا بها جنتك وأنت أرحم الراحمين، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.