في تصنيف بكالوريا جميع الشعب بواسطة

علاقة الأنا بالغير تقوم على الصراع أم على التواصل

مقالة فلسفية حول علاقة الأنا بالغير تقوم على الصراع أم على التواصل

نص السؤال: هل التواصل مع الغير أساس كاف لمعرفة الأنا وإثبات الذات

شعبة آداب و فلسفة بكالوريا 2022 لكل الشعب الجزائري 

مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم  في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية  والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ علاقة الأنا بالغير تقوم على الصراع أم على التواصل

الإجابة هي 

نص السؤال: هل التواصل مع الغير أساس كاف لمعرفة الأنا وإثبات الذات؟

إن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه، وليس في استطاعته أن ينعزل عن الآخرين، لأن حقيقة الأنا لا يمكنها أن تعيش إلا من خلال علاقتها بأنا الغير، فالإنسان يحيا مع الآخرين وبالآخرين وللآخرين، وليس ثمة ذات دون الغير، سواء كان هذا الغير هو الخصم الذي أصارعه وأتمرد عليه، أم كان الصديق الذي أتعاطف معه وأنجذب إليه، وأتواصل معه، وبناء على هذا نتساءل: هل التواصل مع الغير ومشاركته أساس كاف لمعرفة الأنا، وإثبات حقيقة الذات؟ بمعنى آخر: هل معرفة الذات لذاتها متوقف على التواصل مع الغير؟

الموقف الأول: إن الأنا الإنساني ليس منغلق على ذاته، بل يعيش صيرورة الحياة ومسايرة الوجود، كما أنه يعترف أنه ليس الأنا الوحيد، بل معه الأنا الآخر، الذي يشاركه الوجود، وهذا ما يقتضي التفاعل معه والاعتراف به والتواصل معه، مما يعني أن الغير ضرورة لوجود الأنا وأساس حقيقي لمعرفة وإثبات حقيقتها، لهذا يؤكد "سارتر" ذلك قائلا: "لكي أحصل على حقيقة ما عن ذاتي، لزمت واسطة الآخر، فالآخر ضروري لوجودي من جهة، قدر ما هو ضروري من جهة أخرى لتحصيل المعرفة التي لي بذاتي". فالوعي بالمماثلة والتشابه بين الأنا والآخر والإحساس المشترك في الوجود، يدفع للتواصل والحوار، وتبادل الخبرات والتأثيرات، ومعرفة كل "أنا" لنفسه ولـ "الآخر" والتوافق معه، يقول "سارتر": "إني في حاجة إلى وساطة الغير لأكون ما أنا عليه" وكأن الغير شرط لمعرفة الأنا لنفسه، فلا شيء أنفع للإنسان من الإنسان على حد قول "سبينوزا". ويؤكد "برغسون" أن التواصل مع الغير يعتمد غالبا على اللغة كإطار لتبادل الأفكار المشتركة والتعبير عن الأغراض، وبناء العلاقات والتعرف على ذواتنا وعلى الغير. يقول "سارتر": "إننا لا نكشف أنفسنا في عزلة ما، بل في الطريق، في المدينة، وسط الجماهير، شيئا بين الأشياء".

كما يعتقد "ماكس شيلر" أن التعاطف والحب و مشاركة الغير مشاعرهم وآلامهم وأفراحهم، يعبر عن تواصل إنساني حقيقي يمكن لمبدأ الوجود الواحد، وإقرار منطق التعادل بين الأنا والغير واعتراف كلاهما بالآخر كضرورة لمعرفة ذاته...

لأن المشاركة العاطفية عمل قصدي، نزوعي يتجه نحو الغير. وعلى هذا كانت كل ذات سواء أرادت أو لم ترد، تتواصل مع مجتمعها (كغير) الذي تعيش فيه، وتأخذ منه لغته التي تتكلم بها، ومعاييره التي تدافع عنها، وأهدافه التي تعمل من أجلها، وعواطفه التي تحملها في صدرها من هنا كان التواصل أساس حقيقي يمكن لمعرفة الأنا وإثبات حقيقة الذات. 

لكن مهما كنا نحيا في المجتمع، ونحقق ضربا من الاتصال بيننا وبين الغير، عن طريق اللغة والتعاطف والمواقف المشتركة، ولكن لا يمكن لأحد أن ينفذ إلى أعماقنا ويعبر عن حقيقتنا ويفهمها، كما أن الآخر أقصى ما يقدموه للأنا قد لا يكاد يتجاوز العلاقات الظاهرية، والمجاملات اللفظية السطحية، كما أن الغير لا يمكن أن يشاركنا عواطفنا حقيقة مهما كان قريبا منا، لأنها مشاعر خاصة لا يحياها إلا صاحبها. ولذلك مهما كان للتواصل من أثر فإنه لا يكفي لمعرفة الأنا وإثبات حقيقة الذات، بل إن الغير قد يصير مواجها للذات ومحاربا لها.

الموقف الثاني: إن علاقة "الأنا" "بالغير" لا تقوم على أساس التواصل، بل الواقع يشهد أنها تقوم على أساس التناقض والصراع والتصادم والمواجهة، لذلك على كل ذات أن تعرف نقيضها لتعرف حقيقتها، وتثبت وجودها بالفعل، لهذا يقول "مان دوبيران": "يفرض الأنا نفسه من خلال معارضته الآخرين". ويؤكد "هيجل" أن الشعور بالأنا يقوم على مقابلته بشعور الغير – كنقيض – وعندئذ يتعين على كل من الشعورين أن يتغلب على الآخر، والدخول في صراع عنيف يحاول فيه كل منهما أن يفرض نفسه على الآخر كموضوع رغبة وانتصار أحدهما هو زوال للآخر. يقول "هيجل": "إن الإنسان مستعد لأن يخاطر بحياته، ويقضي بالتالي على حياة الآخر، كي ينال اعتراف الآخر، ويفرض نفسه كقيمة عليا على الآخر، فإن مواجهتهما لا يمكن أن تكون إلا صراعا حتى الموت". وهذا ما يوضحه "هيجل" في جدليته الشهيرة المعبرة عن علاقة التناقض التي تجمع "السيد" "بالعبد"، فالسيد لا يكون سيدا إلا بإجبار عبده على الاعتراف به، ذلك العبد الذي فضل التخلي عن حريته بدل المخاطرة بحياته، وبذلك يتخلى عن صفته كإنسان، أو يخاطر العبد وينخرط في العمل ويسخر قدراته للتأثير في الأشياء وبمرور الوقت ينسى السيد طريقة التأثير في الأشياء ويصير تابعا لعبده. فالصراع هو منطق الوجود وكل كائن يحاول إثبات ذاته على حساب الآخر كمنازع ومواجه يسعى لتحطيم الذات والقضاء عليها، وسلب حريتها، يقول "سارتر": "إن وجود الآخر على مسرح حياتي، لا يعني إلا شيئا واحدا، هو أنه وجد لكي يسلبني حريتي...فالجحيم هو الآخرون".

وعلى هذا فمعرفة الذات وإثبات حقيقة الأنا يقوم على التناقض بين الأنا والآخر كل يسعى لإثبات ذاته باعتماد الصراع بكل أنواعه.

لكن هذا الأساس لا يسعى لمعرفة الذات بل هو دعوة للصراع وإثارة الفتن والقضاء على الغير، وفق غريزة حيوانية فيها البقاء للأقوى. كما أن كرامة الإنسان وقيمته، وسمو عقله تدعوه للتوافق مع الآخر، ووعي ذاته وقيمتها، وليس العمل للقضاء على أخيه.

ثم إن العلاقات الإنسانية لا تؤسس على منطق الغالب والمغلوب، بل تقوم على مبدأ التعادل في الاعتبار، والعيش المشترك والمصير الواحد وهذا ما يظهر فساد هذا الأساس في معرفة الذات.

التركيب: إن معرفة الأنا وإثبات حقيقة الذات لا تتوقف على أساس التواصل وحده رغم اعتباره من الأبعاد التي تؤسس لمعرفة الذات وانفتاحها على الغير، فهناك أيضا: أساس النقيض المهذب الدافع إلى التنافس النزيه، وإثبات الذات الإيجابية عن طريق ما تبدع، وليس بالقضاء على الآخر، إضافة إلى مبدأ الوعي المصاحب للذات في كل أحوالها والذي يعتبر المحرك لكل تلك الأسس مجتمعة. (الرأي الشخصي)

خاتمة، عن علاقة الأنا بالغير تقوم على الصراع أم على التواصل

ختاما ومما سبق نستنتج أن الأنا الإنساني متشابك الأبعاد ويحمل الكثير من المتناقضات والمعرفة الحقة للأنا تتأسس على وعي وتهذيب تلك الأبعاد والمتناقضات في إطار إنساني وأخلاقي سواء كان تواصل أو تناقض و مغايرة.

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
مقال علاقة الأنا بالغير تقوم على الصراع أم على التواصل
بواسطة
هل العلاقة مع الغير علاقة صداقة أم صراع
هل معرفة الذات تتم عن طريق التناقض أم التواصل
مقالة فلسفية حول العلاقة بين الأنا والغير
علاقة الأنا بالآخر PDF
هل تقوم علاقة الأنا بالغير على الصراع
أقوال الفلاسفة عن الأنا و الغير

مفهوم الأنا والآخر
الشعور بالأنا و الشعور بالغير
هل التواصل هو أساس العلاقة مع الغير
0 تصويتات
بواسطة
العلاقة بين الأنا والغير

هل العلاقة بين الأنا و الغير أساسها الصراع و التناقض ام التواصل ؟

طرح المشكلة:

         تتعدد أوجه العلاقة بالغير وتتخذ أبعادا مختلفة بين الأب والإبن ، والأم والأخ ، هذه العلاقة لا تتوقف عن التغير وتأخذ أشكالا متنوعة إن لم تكن متناقضة ، إنها التعبير الواضح عن طبيعة الوضع البشري الذي اتخذ صيغا مختلفة ، فالناس يقيمون فيما بينهم أشكالا مختلفة من العلاقات ويستعملون الكثير من أدوات التواصل ويكشف لنا هذا الوضع عن تعقد العلاقة التي تمتد إلى الأنانية المفرطة أو الإيثار المفرط ، وتتجلى هذه العلاقة في شكل تمظهرات مختلفة كالحب ، الكراهية، الصداقة ، الصراع ، العداوة ...، وهذا يحيلنا إلى صورتين للعلاقة مع الآخر ، فإما أن يكون الآخر صديقا وإما عدوا ، هذا الأمر ادى الى جدال و اختلاف بين المفكرين و الفلاسفة ، فمنهم من اعتبر ان العلاقة بين الانا و الغير عبارة عن صراع و تناقض غير منتهي و على النقيض من ذلك منهم من اعتبرها تواصل و تفاهم وبالتالي إذا كان الغير هو الذات الواعية المقابلة لذاتي أي الأنا فهل العلاقة القائمة بينهما هي علاقة صراع أم تواصل ؟

محاولة حل المشكلة:

الموقف الأول:

      يذهب أنصار الموقف الأول إلى القول أن العلاقة التي تربط الذات بالغير هي علاقة صراع ، ومن بين اصحاب هذا الإتجاه نذكر الفيلسوف الألماني هيجل الذي إتخد من مفهوم الصراع أساسا لعلاقة الأنا بالآخر ، فاحتل بذلك مكانة متميزة في فكره ، إذ هو أساس الوعي والوجود والتاريخ ، ويعتبر هيجل أن شرف الإنسان يكمن في كونه وجود لذاته أي وجودا مغايرا ولحظة وعي الإنسان بأنه وجود لذاته يقطع صلته بالطبيعة وأشياءها ، وهذه الرغبة في القطع مع الطبيعة تأخذ شكل صراع ضد الغير من أجل الإعتراف ، فالإنسان يرغب في اعتراف الغير بما هو وجود لذاته ، وهذا الصراع يأخذ مظهرين : بما هو نشاط يقوم به الإنسان على ذاته ، أي إثباث الحرية للذات ، وهو إجراء نمارسه على الغير للدخول معه في الصراع من أجل الإعتراف يقول هيجل : " صحيح أن الفرد الذي لم يخاطر بحياته، قد يعترف به كشخص، ولكنه لا يبلغ حقيقة الاعتراف به كوعي لذاته مستقل. كذلك يكون على كل فرد عندما يخاطر بحياته الخاصة أن يسعى إلى موت الآخر؛ لأن الآخر لم يعد أسمى منه قيمة، وإنما تتجلى له ماهيته كآخر يوجد خارجا عن ذاته، وعليه أن يلغي وجوده الخارج عن ذاته" ، يقودنا هذا الصراع إلى جدلية العبد والسيد : موقف العبد الذي يتنازل عن الصراع خوفا من الموت ، والذي يعلن إيثاره البقاء على حياة الحرية ، في مقابل موقف السيد الذي كان مستعدا لمواصلة الصراع والتضحية بحياته ، فاختار الحرية على الحياة ، بحيث يرفض أن يكون غير ذاته ، فيختار الوجود على نمط الأشياء أي وجودا في ذاته ، وبهذا ينحذر السيد إلى أحط درجات الرغبة ويجعل التدمير شرط علاقته بالطبيعة ، وفي المقابل يدخل العبد في صراع جديد مع الطبيعة فيقوي تاريخيا إرادته وهكذا يستعيد إنسانيته التي فقدت في الصراع فيكون عبدا للسيد وسيدا على الطبيعة والسيد سيدا على العبد وعبدا للطبيعة يقول هيجل : " تتمثل عملية تقديم الذات لنفسها أمام الآخر بوصفها تجريدا خالصا لوعي الذات، في إظهارها أنها ليست متشبثة بالحياة. وهذه العملية مزدوجة: يقوم بها الآخر كما تقوم بها الذات. وأن يقوم بها الآخر معناه أن كلا منهما يسعى إلى موت الآخر. وأن تقوم بها الذات يعني أنها تخاطر بحياتها الخاصة بواسطة الصراع من أجل الحياة والموت. إنهما مجبران بالضرورة على الانخراط في هذا الصراع".

يبين هيجل في جدلية العبد والسيد أن العلاقة بين الأنا والآخر قائمة على الصراع الذي يؤدي في النهاية إلى تفاعل الذوات الإنسانية ودخولها في علاقات جدلية ، فالذات لن تأخذ مكانها في الوجود إلا باعتبارها السيد أو العبد وهذا الصراع يكون مستمرا في الزمان والمكان بما أن كل ذات تسعى إلى انتزاع الإعتراف بشكل دائم أي أن العلاقة هي علاقة صراع وقوة وهيمنة وهي جوهر الوجود البشري العلائقي والتفاعلي.

ومن من منظور هيجلي نجد ألكسندر كوجيف يؤكد هو الآخر على أن العلاقة مع الغير هي دائما علاقة صراع، لأنها تقوم على مبدأ الهيمنة، فكل منهما يسعى إلى موت الآخر، أو انتزاع الاعتراف مع الآخر، فيصبح أحدهما سيدا والآخر عبدا، إن الوجود البشري في نظره لا يتحقق كواقع اجتماعي إلا عبر الصراع بين سيد مسيطر وعبد خاضع وفي هذا يقول : « التاريخ ينبغي أن يكون تاريخ تفاعل السيادة والعبودية « . فكل من السيد والعبد يحاول كينونيا واجتماعيا وميتافيزيقيا أن يحقق وجوده وحياته وحريته عن طريق الصراع الجدلي والمخاطرة لتفادي الموت والاندثار. فالسيد لا يمكن أن يحافظ على مكانته الاجتماعية والمصيرية إلاَّ بالصراع مع العبد والانتصار عليه. وينطبق هذا على العبد الذي لا يمكن أن يحقق ذاته إلاَّ بالصراع مع السيد من أجل أن يفرض ذاته. والمقصود من هذا أن الصراع الجدلي هو السبيل الوحيد لتحقيق: الوعي والوجود الحقيقي للذات. ولا يتأتى هذا الوجود إلاَّ عبر الصراع مع الآخر. وبالتالي، فوجود العبد مقترن بوجود السيد، ووجود السيد أيضا مرتبط بوجود العبد.

        

النقد:

لقد ركز الموقف الأول عن جانب واحد لعلاقة الانا بالغير و هو الجانب السلبي المبني على الصراع و التناقض الأمر الذي يجعله باطل و خاطيء لأنه يتنافى مع طبيعة الانسان الخيرة و المسالمة التي تتجلى في علاقة الصداقة و المحبة و العطف ...الخ

الموقف الثاني:

           في مقابل هذا الطرح نجد الموقف الطبيعي الذي يتجاوز التصور الذي ينظر إلى العلاقة بين الذات والغير علاقة صراع وعداء ، والذي يتخذ من الآخر المخالف للذات ليس موقف النبذ والإقصاء بل أساسا للتواصل ، ومن بين المتبنين لهذا الطرح نجد ميرلوبونتي حيث ينظر إلى الغير كذات مماثلة تتمتع بكامل وعيها وحريتها وإنسانيتها وبالتالي يدعو إلى قيام علاقة التبادل بينهما على أساس التعاطف والتعاون والمشاركة الوجدانية ، إذ يجب اعتبار الآخر حالة خاصة لها حياتها ، إذ يمكن مثلا من خلال الصداقة أن أشاركه الحزن ، وبمجرد ماتدخل الذات في تواصل مع الغير تتحطم فكرة التعالي عن الأنا الآخر .لكن هذا الغير ليس مجرد سلوك أو تصرفات يكفي أن نتواصل معه لمعرفته لأن هناك باطنا نفسيا خاصا بها لا يمكن النفاذ إليه فكل ماأقوم به هو التعبير عن شعوري بالتأثر ، حيث يدخل الأنا والغير في علاقة الإعتراف المتبادل مع الحفاظ على فردية كل واحد منهما .

بهذه الأطروحة ترفع تلك الهوة التي أقامها الفلاسفة بين الأنا والغير ليضع مكانها روابط تربط بينهما وتحقق نوعا من التواصل الوجداني والعاطفي ، إنه يؤكد على ضرورة الحفاظ على خصوصياته كغير مختلف مع احتضانه والتعايش معه وعدم اعتباره موضوعا للإقصاء ويؤكد على ضرورة فتح الحوار مع الغير والتواصل معه .

و يرى سارتر ان الآخر مقوما اساسيا لوعي الأنا بنفسه ، و شرطا لوجوده و معرفته بأناه، و على ذلك يصبح اكتشافنا لذواتنا هو اكتشاف للآخر .

ويرى ماكس شيلر أن وجود الغير ضروري بالنسبة للأنا ، ذلك أن الغير هو الذي يعرفنا بخبايا النفس والذات شعوريا ولاشعوريا ، فالطبيب النفساني هو الذي يساعد المريض على فهم نفسيته وتفسيرها على ضوء أسبابها الذاتية والموضوعية ومن ثم فالغير وسيط ضروري للذات لتعرف موضوعها القابل للإدراك.  

ويذهب ماكس شيلر إلى أن العلاقة الموجودة بين الذات والغير هي علاقة إيجابية ممكنة أساسها التعاطف لا التنافر، أي لابد للغير أن يقيم علاقات نفسية وجدانية مع الذات الأخرى المقابلة أساسها التعاطف الوجداني الداخلي المتين، ومشاركة الأنا في أفراحها وأحزانها ضمن كلية لاتتجزأ فيه الذات إلى جسم ونفس، وظاهر وباطن، وعقل ومادة، أي أنه من الضروري أن نعايش الآخر في مشاعره وانفعالاته وأحاسيسه كيفما كان نوعها باهتة أو عميقة عن طريق المماثلة التي تعني أن الآخر مماثل لنا.

ومن هنا، يرفض ماكس شيلر العلاقات القائمة على النبذ والكراهية والحقد والتنافر والتغريب والإقصاء، ويدعو في المقابل إلى علاقات وجدانية باطنية إيجابية أساسها التعاطف البناء والعطاء الوجداني المثمر والمشاركة الفعالة، إضافة إلى أنه يرفض بشكل مطلق تقسيم الذات إلى أجزاء ثنائية منفصلة أثناء الإدراك المعرفي، بل علينا أن ننظر إلى الغير الآخر نظرة محترمة كلية موحدة يلتحم فيها الداخل والخارج، والظاهر والباطن، والجسم والروح في بوتقة وجدانية لا تخضع بشكل من الأشكال لأي نوع من التقسيم أو التجزيء المصطنع ، يقول ماكس شيلر في هذا السياق: (إن أول ما ندركه من الناس الذين نعيش وإياهم، ليس هو أجسادهم ، ولا أفكارهم ونفوسهم، بل إن أول ما ندركه منهم هو مجموعات لا تنقسم ولا تتجزأ، ولا نسارع إلى تجزئتها إلى شطرين، أحدهما مخصص للإدراك الداخلي، والآخر للإدراك الخارجي، بوسعنا أن نتوجه بكيفية فرعية نحو الإدراك الخارجي أو نحو الإدراك الداخلي ، ولكن هذه الوحدة الفردية والجسدية (المعطاة) لنا في المقام الأول تمثل، قبل كل شيء، موضوعا يكون في ذات الوقت في متناول الإدراك الخارجي والإدراك الداخلي: الواقع أن هذين المحتويين يتعلق أحدهما بالآخر ويترابطان برباط جوهري يستمر ويبقى حتى حين أحاول أن أدرك نفسي. ويستقل عن كل ملاحظة وعن كل استقراء). ومن هنا فماكس شيلر يرى أن العلاقة الموجودة بين الأنا والغير هي علاقة إيجابية ممكنة يتحكم فيها التعاطف الوجداني الكلي.

ونجد أيضا أوغست كونت الذي يذهب إلى القول بضرورة إختزال العلاقات الإنسانية في فكرة واحدة هي أن يحيا الإنسان من أجل غيره إنطلاقا من دوافع التعاطف الإنساني التي تجعل كل فرد من أفراد المجتمع يتلقى المساعدة من طرف الآخرين .

ضف إلى ذلك ماذهب إليه مارتن هيدغر في نظره إلى علاقة الأنا بالغير باعتبارها علاقة اشتراك بين الذوات تتجاوز مستوى التحاور الانطولوجي الى مستوى الالتقاء والاشتراك في بناء التجربة الوجودية الانسانية الحيوية المشتركة وهكذا نجد "هيدجر" يقول : " ان الانا يوجد في الوجود هنا أي يوجد في العالم وهو وجود يتحدد من خلال الوجود مع والوجود من اجل ، فالوجود مع هو اشتراك الأنا مع باقي الموجودات في الوجود ". لأن العالم الذي أوجد فيه الأنا هو دائما العالم الذي يتقاسمه مع الآخرين وهذا الإشتراك يدل على وضعية الإنسان في العالم من خلال تجربته في الحياة ، ويذهب هيدغر إلى القول بأنه ينبغي إدراك الغير على أنه ضروري لأنه يقوم الفكر ، وهذا يتطلب وعي بالذات والمطالبة بقاعدة من قواعد اللعب كحد أدنى لكي يتاح لكل واحد في نهاية التحليل أن يفكر فيما يريد على حد تعبير هيدغر ، أي أن العلاقة هي علاقة إشتغال أو تجربة مع الآخرين ، كما يلعب التواصل في نظره والحوار عنصران إيجابيان في هدم تلك الهوة القائمة بين الأنا والآخر .

نقد : صحيح ان العلاقة بين الانا و الغير اساسها التواصل و المحبة لكن هذا ظاهريا فقط فالواقع يثبت عكس ذلك تماما فالصراع و التناقض هم اصل هذه العلاقة و عليه فهذا الموقف ينظر الى هذه العلاقة نظرة غير واقعية تماما .

التركيب :

ان العلاقة بين الأنا و الغير قد تكون مبنية على الصراع و التناقض و قد يكون اساسها التواصل و المحبة و هذا الاختلاف ناتج عن واقع الحياة المتغير الغير ثابت ...

حل المشكلة:

          في الأخير يمكن القول أن العلاقة التي ينبغي أن تجمع بين الأنا والغير ليست الصراع بل الإنصات إلى الحوار والتسامح والاحترام المتبادل، لأن الآخر يماثلنا في الكينونة البشرية كما أن الوجود الفردي والبشري والاجتماعي والثقافي والعلمي فيه نقص لذلك يستلزم حضور الغير لتحقيق التكامل بحيث يمكن للانا أن ينفتح على الآخر ليتعرف عليه ويؤسس معه علاقة ايجابية يمكن أن تتحول إلى علاقة تعايش وتطابق وتماهي وبالتالي فهي تتجاوز كونها مجرد علاقة تحاور وجودي ،وهكذا يرتبط مبدأ الشعور بالنقص بالضرورة القصوى لوجود الغير.

اسئلة متعلقة

...