خطبة بعنوان هُبُوبِ الرِّياحِ والغُبارِ
خطبة الجمعة بعنوان حادثة هبوب الرياح والغبار بكثافة
خطبة الجمعة بعنوان هبوب الرياح والغبار
وهي كالتالي
.خطبة بعنوان هُبُوبِ الرِّياحِ والغُبارِ .
الخطبة الاولى
الْحَمْدُ للَهِ الَّذِي خَلَقَ فَقَدَّرَ،/ وَمَلَكَ فَدَبَّرَ،/ سُبْحَانَه مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ وَسُلْطَانَهُ،/ وَمَا أَوْسَعَ حِلْمَهُ وَغُفْرَانَهُ،/ سَبَّحَتْ لَهُ السَّماواتُ وَأَمْلاكُهَا،/ وَالنُّجُومُ وأفَلاكُهَا،/ وَالْأَرَضُ وَسُكَّانُهَا، وَالرِّياحُ وذَرَّاتُهَا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،/ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وأَتبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أَمَّا بَعْدُ:.عِبَادَ اللهِ. أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى،/ تَدَرَّعُوا بِهَا فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ،/ وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِهَا فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ،/ فَبِالتَّقْوَى تُدْفَعُ الْبَلايَا،/ وَتَهُونُ الرَّزَايَا ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].
فِي حَادِثَةٍ عَجِيبَةٍ، /يَرْوِيهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ،/ أنَّهُ لَمَّا كَانتْ غَزْوَةُ تَبُوكٍ، /قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، /فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ، /وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ" قالَ الرَّاوِي: (فَعَقَلْنَاهَا، /وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، /فَقَامَ رَجُلٌ،/ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ) أيْ: أَلْقَتْهُ مَسافَةً بَعيدَةً.
•
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:.لَقَدْ تَعَرَّضَتْ بِلادُنَا فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ./ إِلَى رِياحٍ مَصْحُوبَةٍ بِغُبَارٍ كَثِيفٍ. /تَضَرَّرَ مِنْهَا النَّاسُ فِي أَجْسَامِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ،/ وَاغْبَرَّتِ الأَرْضُ بِأَتْرِبَةٍ كَثِيفَةٍ، /وَهَجَمَ الْغُبَارُ عَلَى النَّاسِ حَتَّى وَهُمْ مُخْتَفُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَسَيَّارَاتِهِمْ.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وَقَدْ أَحْكَمُوا إِغلاقَ الْأَبْوَابِ وَالنَّوَافِذِ، /وَانْعَدَمَتِ الرُّؤْيَةُ تَقْريبًا./ فَتَعَطَّلَتْ حَرَكَةُ السَّيْرِ، / وَاسْتُنْفِرْتِ كل الامكانيات ، /وَارْتَفَعَتْ نِسْبَةُ الْحَوَادِثِ عَلَى الطُّرُقِ،/ وتَعَطَّلَتِ الرَّحَلاتُ الْجَوِّيَّةُ، وَامْتَلأتِ الْمُسْتَشْفَيَاتُ بِالْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضِ التَّنَفُّسِ وَالرَّبْوِ.واغلقت بعض الدوائر .
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:.الرِّياحُ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ اللَّهِ الدَالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، /وَفِيهَا مِنَ الْعِبَرِ: هُبُوبُهَا،/ وَسُكُونُهَا،/ وَلِينُهَا، / وَشِدَّتُهَا،/ وَاخْتِلاَفُ طَبَائِعِهَا وصِفَاتِهَا،/ وَتَصْرِيفُهَا،/ وَتَنَوُّعُ مَنَافِعِهَا، /وَشِدَّةُ الْحاجَةِ إِلَيهَا.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَه بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴾ يَعنِي: الرِّيَاحَ الَّتِي تَذْرُو التُّرَابَ ذَرْوًا. فَيُرْسِلُ الرِّيحَ سُبْحَانَه وَتَعَالَى لِيُظْهِرَ عَجْزَ الإِنْسانِ وَضَعْفَهُ وَحَاجَتَهُ وَفَقْرَهُ.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
فَمَهْمَا وَضَعَ مِنَ الْوَسَائِلِ وَتَحَصَّنَ بالأَسبَابِ، /وَدَافَعَ وَكَافَحَ؛ يَبْقَى الْمَرْءُ ضَعِيفًا عَاجِزًا فَقِيرًا أَمَامَ قُدْرَةِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
الرِّيحُ -عِبَادَ اللَّهِ- أُعْجوبَةٌ مِنَ الْأَعاجِيبِ، /يَحْتَاجُ الْبَشَرُ إِلَيهَا. وَلَكِنَّهُمْ يَخَافُونَ مِنْهَا، /وَلَوْ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا مِنْ وَسَائِلِهِمْ وَمُخْتَرَعَاتِهِمْ،/ ما حَرَّكُوهَا وَهِي سَاكِنَةٌ. وَإِذَا تَحَرَّكَتْ فَلا طَاقَةَ لَهُمْ بإِيقَافِهَا أَوْ تَخْفِيفِهَا،/ أَوْ تَحْوِيلِ مَسَارِهَا./ وَغَايَةُ مَا يَفْعَلُونَ: الْهَرَبَ مِنْهَا،/ وَالْاِحْتِمَاءَ بِالْمَلاَجِئِ عَنْهَا،/ أَوْ إِجْلاَءَ السُّكَّانِ عَن طَرِيقِهَا.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
لَقَدْ أَصَابَتِ الرِّياحُ دُوَلاً عُظْمَى، /فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ قُوَّتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ.نَعَمْ.. نَجَحَ الْبَشَرُ فِي رَصْدِ هَذِهِ الرِّياحِ وَكَشْفِ وِجْهَتِهَا وَسُرْعَتِهَا،/ لَكِنَّهَا مَعَ قُوَّتِهَا الْعَسْكَرِيَّةِ وَأَجْهِزَتِهَا الْعِلْمِيَّةِ،/ وتَرْسَانَتِهَا.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
ولكنهم عَجَزَوا عَنْ مُوَاجَهَةِ هَذَا الْجُنْدِيِّ الإلَهِيِّ أَوْ تَغْيِيرِ وِجْهَتِهِ وَتَقْليلِ خَسَائِرِهِ،/ وَصَدَقَ اللَّهُ -وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً-: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:.إِنَّ هَذِهِ الْعَوَاصِفَ التُّرابِيَّةَ،/ وَالرِّياحَ الْمُتَوَالِيَةَ،/ لَتُعْطِي الْمُؤْمِنَ ،/ الْخَوْفَ وَالتَّوْبَةَ،/ وَالرُّجُوعَ وَالأَوْبَةَ، / تُعْطِي دَرْسًا فِي أَنَّ ثَمَّةَ خَطَأٌ وَتَقْصيرٌ مِنَ الْعِبَادِ،/ لاَ بُدَّ مِنْ تَدَارُكِهِ،/ ولا بُدَّ مِنَ الْعَودَةِ إِلَى اللهِ تعالى، / لَكِنْ عِنْدَ الْبَعْضِ -وَنَحْنُ نَرَاهَا بِأُمِّ أَعَيُنِنَا- لَا تَغْيِيرَ فِي حَالِهِ،/ وَكَأَنَّ الأَمْرَ لا يَعْنِيهِ.
•
وَلِهَذَا انْظُرْ إِلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ،/ تَجِدُ أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنَ التَّنَدُّرِ أَوِ التَّذَمُّرِ،/والاستهزاءُبها. وَقَلِيلٌ مَنْ يَذْكُرُ وَيَدْعُو للاِسْتِغْفارِ وَالتَّوْبَةِ، /وَأَخَذِ الدَّرْسِ وَالْعِبْرَةِ.
•
لَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ نَقْصٍ يُصِيبُ النَّاسَ فِي عُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ،/ وَقُلُوبِهِمْ وَأَبدَانِهِمْ وَأَحْوالِهِمْ وَأَشْيَائِهِمْ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ، /إنَّمَا يكونُ بسَببِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي فَقَط،/ لَيْسَ ثَمَّةَ شَيٌّ آخَرُ،/ وَهَذَا أَمْرٌ لَا مَفَرَّ مِنَ الإيمَانِ بِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ:.يَقُولُ جَلَّ وَعَلا: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وَيَقُولُ سُبْحَانَه: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41] .
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
فالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ هُوَ الاِقْتِداءُ بِخَيْرِ الْبَشَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، / وَذَلِكَ بِالْخَوْفِ وَالْوَجَلِ عِنْدَ حُلُولِ هَذِهِ الظَّواهِرِ الْكَوْنِيَّةِ،/ كَالْأعَاصِيرِ وَالرِّياحِ التُّرابِيَّةِ وَغَيْرِهَا، / فَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ جَرَّ رِدَاءَهُ،/ وَقَامَ فَزِعًا عِنْدَمًا كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَهَرَعَ إِلَى الصَّلاَةِ،/ وَالتَّضَرُّعِ للهِ وَدُعَائِهِ،/ وَكَانَ إِذَا رَأَى الرِّيحَ أَوِ الْغَيْمَ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ عَذَاباً؛ ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
فعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، / عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، / وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، / فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ، / وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ،/ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، / فَقَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي».
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وعَنهَا أيضًا قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، / قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا،/ وَخَيْرَ مَا فِيهَا،/ وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، / وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، / وَشَرِّ مَا فِيهَا، / وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ»، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
نَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الَّذِينَ إِذَا وُعِظُوا اتَّعَظُوا،/ وَإِذَا أَذْنَبُوا اسْتَغْفَرُوا،/ وَإِذَا ابْتُلُوا صَبَرُوا،/ إِنَّه سَمِيعٌ مجُيِبٌ./ بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ./ وأستغفر الله لي لكم ./ من كل ذنب. / فاستغفروه ./ انه هو الغفور الرحيم..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••