في تصنيف بكالوريا جميع الشعب بواسطة

أثر الحضارة الإسلامية في الغرب - هل تأثّر الغرب بحضارة الإسلام وثقافته تأثير الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى

هل استفاد الغرب من الإسلام إبّان نهضته

وهل أثّر المسلمون بحضارتهم وثقافتهم في الغرب

هل تأثّر الغرب بحضارة الإسلام وثقافته

أثر الحضارة الإسلامية في الغرب

تأثير الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى

أثر الحضارة الغربية على المجتمعات الإسلامية 

أثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية pdf

أثر الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية

مقال أثر الحضارة الإسلامية في الغرب pdf

بحث حول تأثير الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى

خصائص الحضارة الغربية pdf

مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم  في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية  والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ أثر الحضارة الإسلامية في الغرب - هل تأثّر الغرب بحضارة الإسلام وثقافته تأثير الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى

الإجابة هي 

هل تأثّر الغرب بحضارة الإسلام وثقافته؟

مقال الدكتور ياسين بن علي 

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

هل استفاد الغرب من الإسلام إبّان نهضته، وهل أثّر المسلمون بحضارتهم وثقافتهم في الغرب، وهل كان فكر التنوير الأوروبي نتيجة لأثر الفكر الإسلامي في أوروبا؟ أسئلة تناولها عدد من الباحثين والمؤرخيّن والفلاسفة، من المسلمين وغير المسلمين، فكانت الأجوبة مختلفة متناقضة؛ منهم من أنكر دور الإسلام حضارة وثقافة وأنكر تأثير المسلمين ببحوثهم ودراستهم في الحراك الفكري الغربي في عصر النهضة والإصلاح والتنوير، ومنهم من جزم بالتأثير الحضاري والثقافي الإسلامي في الفكر الغربي وعدّ منجزات الغرب ومكتسباته مأخوذة عن الإسلام والمسلمين.  

قال كلود ديلماس (في كتابه: الحضارة الأوروبية La Civilisation Européenne): "حسب رأي سائد - يتوافق في الواقع مع الحقيقة - فإنّ الحضارة الأوروبية هي ميراث الإغريق والرومان واليهود. بما تدين أوروبا لليونان؟ بأشكال وخطوط قوّة متعلّقة بمفهوم عن الإنسان والمجتمع. وبما تدين لروما وإمبراطوريتها؟ بفكرة سياسية وقانونية، وإطار، حتى وإن لم تكن الإمبراطورية قد صنعت أوروبا فإنّها قد جهّزت لها. وبما تدين للمسيحية؟ بروح وجوهر حضارة". ويجزم الفيلسوف الفرنسي فيليب نيمو بهذا مؤكّدا (في هوامش كتابه: ما هو الغرب Qu'est-ce que l'Occident?) أنّ الفكر الغربي العلمي ليس مدينا بأي شيء جوهري للعالم الإسلامي، بل يعتبر رودني ستارك (في كتابه: كيف انتصر الغرب) القول بتفوّق المسلمين العلمي في القرون الوسطى مجرّد وهم وأسطورة. وقد أكّد هذا التّحامل والتّجاهل مونتجومري وات (في كتابه: تأثير الإسلام في أوروبا خلال العصر الوسيط) بقوله: "إنّنا معشر الأوروبيين نأبى في عناد أن نقرّ بفضل الإسلام الحضاري علينا، ونميل أحيانا إلى التهوين من قدر وأهميّة التأثير الإسلامي في تراثنا بل ونتجاهل هذا التأثير أحيانا تجاهلا تاما".

ولا مندوحة لنا من التّوقف هنا لبيان وجه الصّواب في المسألة، وذلك من خلال ضبط بعض المفاهيم المتعلّقة بمصطلحات الحضارة والثقافة والمدنية والعلم التي وقع خلط في استعمالها، ممّا أوجد لبسا في البحث المتعلّق بتأثير المسلمين والإسلام في الفكر الغربي. وبحث الـتأثير في الفكر يقتضي بداهة الحديث عن الأفكار والمفاهيم والمعارف؛ لأنّها هي التي تؤثّر في العقل وحكمه على الأشياء والأمور، وهي التي تكوّن شخصيّة الفرد والأمّة، ولهذا فلن نتحدّث عن المدنيّة (Civic Forms)؛ لأنّها ليست بمعارف ولا مفاهيم ولا أفكار إنّما هي الأشكال الماديّة للأشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة، ويكفي مراجعة قواميس اللغات الأجنبية التي سيجد الباحث فيها مجموعة من المفردات من أصل عربي تدلّ بوضوح على مدى تأثير المدنية الإسلامية في الغرب، منها على سبيل المثال: (Coton/ قطن- Canapé/ الكنبة أو الأريكة- sucre /السكر- Magasin /مخزن- alcohol / كحول). ولهذا سنحصر بحثنا في الحضارة والثقافة والعلم.

يقول ول ديورانت (في كتابه: قصة الحضارة): "الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإنّ الحضارة تتألف من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق". ويقول إدوارد تايلور (في قاموس الأنثروبولوجيا): "الثقافة أو الحضارة، إذا أخذت بمعناها الاثنوجرافي العام، فهي مركّب جمعي يشمل المعرفة، والإيمان، والفنّ، والأخلاق، والقانون، والتقاليد وغير ذلك من القدرات والعادات التي اكتسبها الإنسان كعضو في مجتمع ما". واستلهمت منظمة اليونسكو من تعريف تايلور تعريفا للثقافة فنصّت (في إعلان مكسيكو الصادر في سنة 1982م) على أنّ "الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها على أنّها جميع السمات الروحية والماديّة والفكرية والعاطفيّة التي تميّز مجتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسيّة للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات".

هذه أمثلة يظهر فيها الخلط في المصطلحات والمفاهيم، وإذا اعتمدناها كما هي عند أصحابها فهم حينئذ قول من قال إنّ الغرب قد تأثّر بالحضارة الإسلاميّة؛ لأنّهم لا يفرّقون بين أخذ العلم أو الفكر أو المعتقد أو القانون أو الصناعات أو الأسلوب الإداري أو غير ذلك، ويدرجون ذلك كلّه في مسمّى الحضارة أو الثقافة دون تمييز بينهما. غير أنّ هذا يخالف واقع الحضارة وحقائق التّاريخ التي يثبتها الواقع الحالي المشاهد المحسوس للغرب من عدم تأثّره بالحضارة الإسلامية مثقال ذرّة بل الثابت هو ردّه ومحاربته لها سواء في تاريخه القديم أو الحديث.

 ونعني بمصطلح الحضارة (Civilization) مجموع المفاهيم عن الحياة، فيدخل فيها العقيدة - وهي أساسها - وما تعلّق بها أو تفرّع عنها من مسائل طلب التّصديق بها، ويدخل فيها النّظام باعتباره معالجات منبثقة عن العقيدة تنظّم شتى شؤون الحياة كالحكم والاقتصاد والمجتمع والاجتماع وغير ذلك، وباعتباره طريقة متعلّقة بكيفية حمل المبدأ وكيفية المحافظة عليه وكيفية تنفيذ المعالجات. ويدخل فيها أيضا تصوير الحياة والغاية منها، ومقياس العمل والغاية من القيام به والقيمة المقصود تحقيقها منه. وإذا أدرك معنى الحضارة هذا حقّ الإدراك، أستبعد يقينا احتمال تأثّر الغرب بالحضارة الإسلامية المناقضة لحضارته. فحضارة الإسلام قائمة على أساس روحي هو عقيدة لا إله إلّا الله محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله، وتصوير الحياة في الحضارة الإسلاميّة قائم على أساس مزج المادّة بالروح أي جعل أعمال الإنسان في الحياة مسيّرة بأوامر الله ونواهيه؛ ولذلك كان مقياس الأعمال في الإسلام الحلال والحرام؛ لأنّ الغاية هي رضوان الله تعالى، والسعادة هي نيل رضوان الله. وهذا كلّه يتناقض كلّ المناقضة مع الحضارة الغربية فيما يتعلّق بأساسها القائم على العلمانية وتصوير الحياة لديها القائم على المنفعة وقيمها المحصورة في المادية والنفعيّة. وقد قرّر هذا المعنى غوستاف لوبون (في كتابه: حضارة العرب)- رغم خلطه بين معاني المصطلحات - حين قال: "وأمّا تأثيرهم [يعني تأثير المسلمين] الديني في الغرب فتراه صفرا، وترى تأثيرهم الفنّي اللّغوي فيه ضعيفا، وترى تأثيرهم العلمي والأدبي والخلقي فيه عظيما". وإذا كان تأثير الدّين الإسلامي في الغرب صفرا، فهذا يدلّ على أنّ الغرب لم يتأثر بحضارة الإسلام وإن تأثّر أو انتفع بثقافته وعلومه؛ لأنّ الحضارة الإسلامية حضارة دينية أي مجموع مفاهيمها عن الحياة منبثق عن عقيدة دينية ومبنيّ عليها، فلا سبيل إذن للحديث عن تأثّر الغرب الحضاري بالإسلام.

وأمّا ما يذكر في كتب التاريخ عن تأثر النورمانديين في صقيلية بالحضارة الإسلامية بدليل أنّ روجر الأول قد أخذ عن المسلمين -كما ورد في كتاب: شمس العرب تسطع على الغرب، لزيغريد هونكه- "نظم إدارتهم ودواوينهم ونظام بيت المال والضرائب والمكوس وغيرها من أعمال الموظفين والوظائف؛ أخذ عنهم نظام الضرائب بتوزيعها المباشر وطرق حصر الأملاك الأميرية وإدارتها بل أخذ عنهم نظم جيشهم وقيادتهم البريّة والبحرّية ونظام الشرطة عندهم"، أو ما يذكر عن تأثر ألفونسو العاشر ملك قشتالة وليون بالفقه المالكي الأندلسي في مدوّنته القانونية المعروفة بالأجزاء السبعة (Siete Partidas)، أو ما يذكر أيضا عن تأثّر نابليون بونابرت أو نابليون الأوّل بالفقه المالكي واقتباسه منه فيما يسمّى بالقانون المدني الفرنسي (Code Civil) الصادر سنة 1804م، فهذا كلّه وأمثاله لا يدلّ على تأثّر الغرب بالحضارة الإسلامية؛ لأنّه أخذ دون الأصل الذي انبثق عنه والأساس الذي بني عليه. فلم يأخذ الغرب ما عند المسلمين من تنظيمات إدارية أو مالية أو أحكام أو قوانين إيمانا بأصلها الذي هو العقيدة الإسلامية، أو قناعة بالفلسفة التي أنتجتها، إنما أخذها بناء على المصلحة والاستحسان العقلي وفق وجهة نظره النفعيّة الخاصّة، واقتبسها كقوانين تنظيمية وأساليب إداريّة لقصور التّفكير التّشريعي التّقنيني عنده في تلك الفترة وعدم اكتمال أسسه وبلورة قواعده، ويمكن عدّه ضمن التأثير الثقافي للمسلمين والإسلام. وعليه، فإنّ تأثر الغرب بالحضارة الإسلامية أي بالمفاهيم الإسلامية عن الحياة غير وارد، إلّا أنّه يمكن الحديث عن تأثّر أو انتفاع بالمعارف الإسلامية أي بالثقافة والعلم.

أمّا الثّقافة (Culture) فهي المعرفة التي تؤخذ عن طريق الإخبار والتّلقي والاستنباط، مثل التّاريخ واللّغة والفلسفة والفقه وسائر المعارف غير التجريبية. ولكلّ أمّة ثقافتها: فهناك ثقافة إسلامية، وهناك ثقافة غربية. والثّقافة الخاصّة بأمّة من الأمم هي معارفها التي كانت عقيدتها سببا في بحثها؛ فقولنا الثّقافة الإسلامية نعني به جملة المعارف التي كانت العقيدة الإسلامية سببا في بحثها، سواء أكانت هذه المعارف تتضمّن العقيدة الإسلامية وتبحثها مثل علم التوحيد أو ما يسمّى بـ"علم الكلام" أو "علم أصول الدين"، أم كانت مبنية على العقيدة الإسلامية مثل الفقه والتفسير والحديث، أم كان يقتضيها فهم ما ينبثق عن العقيدة الإسلامية من أحكام مثل المعارف التي يوجبها الاجتهاد في الإسلام كتلك المتعلّقة باللّغة العربية. وأمّا الثّقافة الغربية فهي المعارف التي كانت العقيدة العلمانية سببا في بحثها، كعلم الاجتماع والعلوم السياسية وعلم النفس ونحوها. جاء في القاموس السوسيولوجي (Dictionnaire de Sociologie): "تاريخيا فإنّ السوسيولوجيا (علم الاجتماع) وليدة الحداثة، وقد أصّل ظهورها المشروع العقلاني للتنوير الرامي إلى إحلال العلم محلّ الدين في كلّ المجالات".

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
أثر الحضارة الإسلامية في الغرب

وأمّا العلم (Science)، فهو معرفة أيضا إلّا أنّه يؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة والاستنتاج، مثل علم الطبيعة وعلم الكيمياء وسائر العلوم التجريبية، وهو لا يختصّ بأمّة من الأمم بمعنى أنّه يجوز أخذه عن الآخرين وهو ما جرى به عمل البشريّة منذ القديم. ويلحق بالعلم الرّياضيات، وهي وإن كانت غير تجريبية، إلّا أنّها تعتبر اعتبار العلم من حيث عدم اختصاصها بأمّة معيّنة دون الأمم، ومن حيث ارتباطها ببعض العلوم التجريبية كالفيزياء مثلا حتى عدّها بعضهم "لغة العلم" أو "الآلة الضرورية لكلّ علم".

فبالنسبة للمعرفة بشقيّها الثّقافي والعلمي، فقد نهل الغرب في قرونه الوسطى المظلمة وعصر نهضته من معارف المسلمين بقدر ما أتيح له؛ وذلك من خلال الاتّصال المباشر بالمسلمين في الأندلس وصقيلية وبلاد الشام، أو من خلال التّعلم في بلاد المسلمين كجامعات قرطبة وإشبيلية ومالقة وغرناطة في الأندلس التي لم تكن تدرّس المسلمين فقط بل كان يأتيها الطلّاب غير المسلمين من أنحاء أوروبا المسيحية وكانوا يدرسون فيها العلوم والثقافة الإسلامية ومنها الأدب والشريعة والفقه، أو من خلال الكتب المترجمة في شتى العلوم والفنون: ككتب الحساب للخوارزمي والبيروني، وكتب الفلك للفرغاني وأبي معشر والبتاني والزرقالي، وكتب الكيمياء والطّب والصيدلة والجراحة لابن الجزّار والرّازي الأوّل وابن حيّان وابن البيطار وابن سينا والزّهراوي، وكتب الرياضيات والبصريات والفيزياء لابن الهيثم، والخرائط والجغرافيا للإدريسي، وعلم النبات لابن العوّام، وكتب صناعة الأسلحة والبارود والمتفجّرات لحسن الرمّاح، وكتب الفلسفة للغزالي والكندي وابن سينا والفارابي وابن رشد الحفيد وغيرهم، وكذلك كتب علم الكلام والفقه.

أمّا استفادة الغرب من علوم المسلمين فيكفي للدّلالة عليها التذكير بمثال واحد وهو روجر بيكون (ت1294م): فقد قيل عنه إنّه رائد التّوجه الحسّي التجريبي والمنهج العلمي في الغرب، وأوّل من استعمل مصطلح العلم التجريبي (Scientia Experimentalis)، وأوّل من أكّد على أهمية التجربة كمنهج معرفي، والحقيقة أنّه أخذ منهجه هذا من المسلمين. فقد أثبتت بحوث ودراسات لبعض الغربيين أنفسهم أنّ بيكون مدين بمنهجه العلمي للمسلمين. قال عنه برتراند راسل (في كتابه: تاريخ الفلسفة الغربية): "لكنّه يبدو أكثر إخلاصا حين يقول إنّه لا اعتراض على اكتساب المعرفة من الكفار، وهو يقتبس كثيرا جدّا من الفارابي إلى جانب اقتباسه من ابن سينا وابن رشد، كما يقتبس كذلك من أبي معشر وآخرين حينا بعد حين". وقال عنه أيضا (في كتابه: النظرة العلمية): "وقد حمل العرب تقاليد المدنيّة طوال عصور الظلام، وإليهم مرجع كثير من الفضل في أن بعض المسيحيين أمثال روجر بيكون قد حصّلوا كل المعارف العلميّة التي تهيأت للشطر الأخير من العصور الوسطى". وقال عنه كارل برانت (في كتابه: تاريخ المنطق Geschichte der Logic): "أخذ من العرب جميع نتائج العلوم الطبيعية التي نسبت إليه". ويؤكّد هذه الحقيقة روبرت بريفولت بقوله (في كتابه: صناعة الإنسانية The Making of Humanity): "ليس لروجر بيكون ولا لسميّه الذي جاء من بعده [يعني: فرنسيس بيكون] الحقّ في أن ينسب إليهما الفضل في تقديم المنهج التجريبي. فلم يكن روجر بيكون سوى رسول من رسل علوم المسلمين ومنهجهم إلى أوروبا المسيحية؛ وهو لم يسأم أبدا من الإعلان بأنّ معرفة العربية وعلوم المسلمين كانت بالنسبة لمعاصريه الطريق الوحيد للمعرفة الحقيقية".

وأمّا استفادة الغرب من كتب المسلمين الفلسفية خاصّة، فتمثّلت في جانبين: الجانب الأوّل هو جانب العلم، وذلك لأنّ الفلسفة ذاتها في ذلك الزّمن كانت مختلطة بالعلم، وكذلك كان جلّ الفلاسفة الذين اطّلع الغرب على أعمالهم كالكندي وابن سينا والفارابي وابن رشد الحفيد من المشتغلين بعلوم الطبّ والكيمياء وغيرها، فهم مثلما نقلوا أعمال اليونانيين الفلسفية نقلوا معها أيضا أعمالا علمية يونانيّة مزجوها بشروحهم وآرائهم الخّاصة. فيعدّ التأثّر بهذا الجانب من الكتب الفلسفية ضمن التأثير العلمي للمسلمين وليس الفلسفي الفكري؛ بدليل أنّ بعض الغربيين ممن اطّلعوا على هذه الكتب الفلسفية لهؤلاء العلماء الفلاسفة لم يتأثّروا بفلسفتهم ولا بطريقتهم الفكريّة أو منهجيّتهم في تناول القضايا الميتافيزيقية بقدر تأثّرهم بعلومهم ومنهجهم العلمي، ومنهم أديلار الباثي وألبرتو ماغنوس وروجر بيكون وغيرهم.

وأمّا الجانب الثاني، وهو الجانب الفلسفي الفكري، ففيه أيضا جانبان يحتاجان إلى تفصيل: الأوّل، يتعلّق بالمعرفة ذاتها أي بالفلسفة ومباحثها وموضوعاتها، وبخاصّة كتب ابن رشد الحفيد الذي قال فيه برتراند راسل (في كتابه: تاريخ الفلسفة الغربية) إنّه: "أهمّ في الفلسفة المسيحية منه في الفلسفة الإسلاميّة... وكان تأثيره في أوروبا عظيما جدا...."، وهذه المعرفة الفلسفيّة لا تعدّ معرفة إسلاميّة إنما هي معرفة يونانيّة محضة؛ لأنّ فلسفة أرسطو التي قدّمها ابن رشد للغرب لا علاقة لها بالإسلام وإن خلطها ببعض أرائه الخاصّة التي قد يكون من بينها فكرة شاردة متأثّرة بخلفيته الإسلاميّة أو بمناقشاته مع المتكلمة المسلمين. وما الرشديّة اللاتينية التي اشتهرت في الغرب في القرون الوسطى وبخاصّة في باريس إلّا مدرسة فلسفية أرسطوية محضة، غير أنّها نسبت لابن رشد؛ لأنّه في نظر المنتسبين إليها أعظم شرّاح أرسطو وأفضل من فهمه، فوجب الأخذ الحرفي بما يقوله. ومع ذلك فقد حرصت الكنيسة كلّ الحرص على عدم أخذ فلسفة ابن رشد الحفيد لشبهة إسلاميتها؛ ولهذا مُنعت وجُرّمت بقرارات كثيرة منها قرار أسقف باريس إتيان تومبييه (Etienne Tempier) في 10/12/1270م. وأمّا الجانب الثاني فيتعلّق بالمنهج المعرفي؛ ذلك أنّ ابن رشد الحفيد لم يعرّف الغرب بأرسطو لأنه كان معروفا لديهم منذ قرون، إنّما قدّم فلسفته القائمة على المنهج المنطقي ممزوجة بشروحه لها وفهمه في قالب جديد هو القالب التّوفيقي المزيل للتّعارض بين الفلسفة والدّين أو بين العقل والنقل. وهذا المبحث المتعلّق بعلاقة النقل بالعقل من المباحث البارزة في الثّقافة الإسلاميّة، ولمتكلمة المسلمين وفلاسفتهم فيه مقولات مختلفة حسب توجّهاتهم ونزعاتهم الفكرية حاصلها عند الجميع الإقرار بأهميّة العقل ودوره المعرفي. وقد نقل ابن رشد الحفيد هذا البحث برمّته عبر شروحه على أرسطو للغربيين فأوقعهم في حيص بيص، وأحدث زلزلة في بنائهم المعرفي القائم آنذاك (القرن12/13م) المعتمد كلّيا على الإنجيل وشروحه المسمّاة باللاهوت المتأثّر بالأفلاطونيّة وفق تركيبة أوغسطين التي شعارها عبارته الشهيرة: "أومن لأتعقل" (Credo ut intelligas). وبعد جدال طويل وصراع مرير قطعت فيه أرزاق وأعناق، تدارك توما الأكويني (ت1274م) الكنيسة بطريقة عدّت عندهم عبقريّة وهي التّوفيق بين العقل الفلسفي والنقل المسيحي اللاهوتي، ولم تكن عبقريّته سوى عمليّة اقتباس منهج من المسلمين. وقد قال إرنست رينان (في كتابه: ابن رشد والرشديّة): "وكما أنّ ألبرت مدين لابن سينا في كلّ شيء فإنّ القديس توما، كفيلسوف، مدين لابن رشد في كلّ شيء تقريبا، ولا مراء في أنّ أهمّ اقتباساته منه هو في شكل مؤلفّاته الفلسفية". إلّا أنّ الأكويني لم يعتمد منطق أرسطو فقط كمنهجية فكرية للحجاج على المعرفة الكنسية وعقائدها بل اعتمد فلسفة أرسطو، كما هي أحيّانا أو كما تأوّلها أحيانا أخرى بعد تصفيتها وغربلتها من آثار الرشديّة، زاعما أنّها لا تتعارض مع العقيدة الدينية الكنسيّة ومعارفها حتى قيل بأنّه "نصّر أرسطو"، ثمّ اعتمدت الكنيسة هذا التوليفة التوماويّة وحملت النّاس عليها بالتّرغيب حينا والترهيب أحيانا كثيرة. ولأنّ عقائد الكنسيّة ومعارفها الميتافيزيقية غير قابلة في ذاتها للتّوافق مع العلم والعقل، فقد انصرف المفكّرون في الغرب عنها وأهملوا الفلسفة والدّين المسيحيين معتمدين على العلم والعقل كمنهجين معرفيين تسرّبا إلى الفكر الغربي من المسلمين. يقول جيمس بيرك (في كتابه: عندما تغير العالم): "ومع وصول العلوم اليونانية والعربيّة إلى أوروبا الشمالية في القرن الثاني عشر بما تحتويه من منهج التفكير المنطقي في مؤلفات أرسطو التي أنقذتها من الضياع النصوص الإسلامية، انهار القالب الذي ظلت حياة البشر مستلقية فيه لفترة لا تقل عن سبعمائة عام... وبعد أن كان الإنسان يقول كما قال القديس أوغستين "العقيدة سبيلي إلى الفهم" أصبح يقول: "الفهم سبيلي إلى العقيدة". وقادت المهارات الجديدة في التحليل المنطقي للنصوص القانونية إلى منهج تفكير عقلاني أخضع الطبيعة للبحث والاستكشاف... وبعد مائة عام من ذلك التاريخ، غير عالم عربي آخر وجه الحياة الأوروبية مرة أخرى، عندما أعيد اكتشاف نظرياته في البصريات. توسكانيللي Toscanelli من فلورنسا، نشر نظريات العالم العربي الحسن ابن الهيثم، وقدم الهندسة المنظورية Perspective Geometry إلى مفكري العلوم الإنسانية من مفكري بدايات عصر النهضة، ومن ثمّ هيأ لهم سبيل الخلاص من أرسطو". وقد كان القرن السابع عشر الميلادي المسمّى بعصر العقل، قرن البحث المنهجيّ المعرفيّ عند الغرب بعد التخلّي عن المنهج اللاهوتي، وقد انحصر فيه الصراع بين منهجين: منهج العقل ممثّلا في رؤية ديكارت ومنهج العلم التجريبي ممثّلا في رؤية بيكون؛ وعن هذين المنهجين نتج فكر التّنوير الغربي.

ويمكن القول بعد هذا الشّرح، إنّ تأثير المسلمين في الغرب يكمن أساسا في نقطة جوهريّة هي المنهجيّة المعرفيّة قبل المعرفة ذاتها، وبعبارة أخرى فقد تعلّم الغرب من المسلمين التّفكير، وتمكّن من خلال أبحاثهم وآرائهم من التعرّف على المنهجيّة العلمية والعقليّة في البحث والمعرفة، فاستفاد من علوم المسلمين وانتفع بثقافتهم، وخطّ له منهجا خاصّا أنتج مبدأ وحضارة وثقافة خاصّة.

اسئلة متعلقة

...