خطبة عيد الفطر
خطبة عيد الفطر مكتوبة بعنوان
حق للمسلمين أن يفرحوا بقدومه
1 - حق للمسلمين أن يفرحوا بعيد فطـــــرهم .
2 - العيد والعمل الصالح ،والوحدة، وصفاء القلوب .
3 - فضل صلة الأرحام ،والتزاور، والتوسعة على الفقراء .
4 - من سنن العيـد وآدابه .
5 - التحذير من الإسراف وبيان خطـره .
الموضــــــــوع : مقدمة ... أما بعد
ها هي صفحات الأيام تطوى وساعات الزمن تنقضي، فمنذ أيام قليلة استقبلنا حبيبا وبالأمس ودعناه مرتحلا عنا، شاهدا لنا أو علينا، وفي صبيحة هذا اليوم الأغر- يوم عيد الفطر المبارك - غدوتم إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، تسألونه الرضا والقبول، تحمدونه وتشكرونه على الإنعام بالتمام والتوفيق للصيام والقيام؛ تكبرون ربكم على ما هداكم إليه من دين قويم وصراط مستقيم، قال تعالى (يرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )البقرة185.
فحق للمسلمين أن يفرحوا بعيد فطرهم ، حق لهم أن يفرحوا بقدومه، ويهنئون بعضهم بعضا بمجيئه، حق لكم أن تفرحوا بفضل الله وكرمه فقد قال تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )يونس58. حق لكم أن تفرحوا فرحةَ القيامِ بالواجبِ, وحسنَ الظَّنِّ بالله, والثِّقةَ بحسنِ جزائه فقد قال صلى الله عليه وسلم " لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ " ( متفق عليه). حق للمسلمين أن يفرحوا، بعد أن اجتهدوا في رمضان فبلغوا درجة التقوى قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )البقرة183. بعد أن اجتهدوا فأتموا الصيام ،وأتموا القيام إيمانا واحتسابا لله، وبذلوا الخير ابتغاء مرضاة الله ،وأعطوا من حرمهم ،ووصلوا من قطعهم، فنالوا أهم الجوائز، وأغلاها ثمنا، وأعلاها قدرا، ألا وهى مغفرة الذنوب، والفوز برضوان علام الغيوب، فيا من أديتم فرضكم ,وأطعتم ربكم, وصمتم شهركم, وقمتم ،وقرأتم القران , وتصدقتم :هنيئا لكم, بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " البخاري. هنيئاً لكم, بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " البخاري. وهنيئا لكم يوم القيامة حين ينادَى عليكم أيها الصائمون : أن ادخلوا الجنة من باب الريان، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا ، يُقَالُ لَهُ : الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " صحيح مسلم . حق للمسلمين أن يفرحوا بيوم عيد فطرهم، بعد أن أدركوا ليلة القدر بقيام ،ودعاء، وذكر، واستغفار ، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .
فاليوم عيد لمن غفرت له الذنوب وسترت له العيوب واعتق من النار؛ عيد لمن فاز بالرضوان ؛عيد لمن كتب من المتقين ،عيد لمن كتب من الصابرين؛ عيد لمن خاف يوم الوعيد واتقى ذا العرش المجيد، هذا هو الفرح الحقيقي يا أبناء الإسلام، هذه هي السعادة الحقيقية، فليست السعادة والفرح كما يتصوره بعض الناس بامتلاك ملايين الدولارات والعقارات، والقصور والسيارات ؛ بل إن السعادة الحقيقية والفرح الحقيقي في الالتزام بطاعة الله؛ في التمسك بسنة رسول الله ؛فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ". ورحم الله القائل :
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ *** وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيـدُ
فَتَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ الزَّادِ ذُخْــــرًا *** وَعِنْدَ اللَّهِ لِلْأَتْقَى مَزِيدُ
فيا أخي الحبيب، يا من تبحث عن السعادة الحقيقية ، إنما هي في كل يوم يمر عليك وأنت في طاعة فهذا سيدنا على - رضي الله عنه - عندما دخل عليه رجل في يوم عيد الفطر، فوجده يأكل طعاما خشنا، فقال له: يا أمير المؤمنين، تأكل طعاما خشنا في يوم العيد؟! فقال له الإمام علي - رضي الله عنه -: اعلم يا أخي، أن العيد لمن قبل الله صومه، وغفر ذنبه، ثم قال له: اليوم لنا عيد، وغدا لنا عيد، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو عندنا عيد. ، إنما هي في كل يوم يمر عليك ليس فيه معصية لله، يقول ابن رجب (رحمه الله): "ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد، ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب، في ليلة العيد تفرق خلق العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد"( لطائف المعارف).
إن يومكم عظيم وعيدكم كريم ، فاقدروه حق قدره؛ فحرى بالقلوب التي نزعت منها الشحناء في رمضان أن تظل على النقاء والصفاء بعده فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ الناس أفضل؟ قال: "كلّ مخموم القلب صدوق اللسان"، فيقال له: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فيقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هو التّقي النقي، لا إثم ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد" (رواه ابن ماجه بإسناد صحيح)، وحرى بالصفوف التي صامت وقامت لربها أن تستمر على طاعته والسعي إلى محبته فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ ". وحرى بالصفوف التي اجتمعت في القيام في ليالي رمضان واجتمعت في الساحات للعيد، والقلوب التي توحدت لطاعة ربها بصيام رمضان أن تتألف وتتآخى وتتماسك وتتودد إلى بعضها البعض فلا تتنازع ولا تختلف ولا تتشاقق فإن من أعظم غايات الإسلام اجتماعَ الكلمة ،والتضامن ، والتالف والتكاتف والتعاون، ووحدة الصف فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، وتلك كانت من أهم خصائص الأمة ،قال تعالى (وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ ) المؤمنون51. فالاتحاد عماد نهضة الأمم، به تغنم ، وتنجو من الفتن، وتعلو ، ويزهو العلم، وتبني الحضارات ، ويتحقق الأمن والاستقرار ، بالاتحاد تنال الأمم مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة،بالاتحاد، تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان؛ فما من أمة تمسكت بالوحدة واعتصمت بحبل الله إلا نجحت وارتفعت، ومن هنا أكد القران الكريم على ضرورة الوحدة، وحذر من تفرق القلوب والأجساد، قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران 103. ولما كان التعاضد والاتحاد وإصلاح ذات البين يصنع النصر المحقق والقوة المرهوبة،وينهض بالأمم والحضارات ؛كان التنازع والاختلاف وفساد ذات البين يضعف الأقوياء ويهلك الضعفاء، فليست ثمة قضية أجمع عليها المسلمون قديما وحديثا مثلما أجمعوا على خطورة التفرق والتنازع ، وأن الاجتماع قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة،وان التفرق ضعف لا يضاهيه ضعف ، لذلك نهى الإسلام عن الاختلاف والتنازع و حذر من ذلك، فقال تعالى(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ الأنفال 46. وإن المتأمل في أحوالنا اليوم يجد أن هذا الأمر من أهم المواضيع التي تمس واقعنا المعاصر ، وذلك نظرا لأننا نرى أن العنصرية ، أو القبلية قد أطلت برأسها تريد أن تفرق جماعتنا ، وتشتت صفوفنا تحت مسميات زائفة ، رفضها الإسلام وأبطلها؛ قال تعالى (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام153
فيا من حضرتم المصلى تآخوا بينكم وأعفوا واصفحوا؛ألا تحبون أن يغفر الله لكم؛ واعلموا أن الأعمال ترفع إلى ربكم فتؤخر أعمال المتقاطعين كما قال صلى الله عليه وسلم " تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا (أي أخروا) هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا" صحيح مسلم
تابع قراءة الخطبة في التعليق اسفل الصفحة