خطبة عيد الفطر بعنوان "الاعياد عبادة
خطبة عيد الفطر بعنوان "الاعياد عبادة "
كتبها الشيخ محمد الخراشي
امام بأوقاف الإسكندرية
عناصر الخطبة
1-الاعياد عبادة
2-اداب العيد
3-يوم الجائزة
الخطبة
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله بكرة وأصيلاً .
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .
الحمد لله الذي سخر الليل والنهار ، والشمس والقمر ، كل في فلك يسبحون .
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، ليحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون .
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس نزلاً يتنافس فيه المتنافسون .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع العبد يوم لا ينفع مال ولا بنون .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض المورود والمقام المحمود واللواء المعقود والكرم والجود ، أول من تفتخ له أبواب الجنان ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الذي تنقطع فيه المنون .
أيها المسلمون :
ها قد رحل عنا شهر الجود والكرم ، شهر الصيام والقيام والقرآن ، شهر البر والجود والإحسان، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، فليت شعري من المقبول منا فنهنيه ، ومن المطرود المحروم منا فنعزيه ؟
أيها الصائمون :
إن يومكم هذا، يوم عظيم ، وعيد كريم، في هذا اليوم الذي توج الله به شهر الصيام ؛ تعلن النتائج وتوزع الجوائز، في هذا اليوم يفرح الذين جدوا واجتهدوا في رمضان، سبق قوم ففازوا، وتأخر آخرون فخابوا، في هذا اليوم يفرح المصلون ، ويندم الكسالى النائمون والعابثون اللاعبون .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية التي توزع اليوم ما هي إلا جزء من الجوائز العظيمة والمنح الكريمة والعطايا الجليلة التي يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة ، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله : للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) .قال ابن رجب : (وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا ) .
فاللهم لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأرسلت إلينا رسولاً وأنزلت علينا كتابنا وشرعت لنا ديننا وميزتنا بأعيادنا عن أعياد غيرنا فأعيادنا أعياد توحيد وسنة وأعياد غيرنا أعياد شرك وبدعة وشبهة وشهوة قال صلى الله عليه وسلم: “إن لكل قوما عيدا وهذا عيدنا“، “إن الله قد أبدلكم بهما خيراً يوم الفطر ويوم الأضحى“.
عباد الله: تذكروا عباد الله ما مَنّ الله -عز وجل- به عليكم من نعمة الأمن والإيمان والاجتماع على القرآن والسنة المطهرة حافظوا عليها ولا تبدلوا نعمة الله كفراً ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين واعلموا أن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
احمدوا الله عباد الله أن جمع شملكم وأمن خوفكم وأمدكم بنعمته وقواكم، قال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قريش: 3، 4].
فالحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً على نعمه التي لا تحصى وآلائه التي تترى، قال الله: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم: 34].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: تذكروا من تعيد معنا الأعوام الماضية، حال الموت دون آمالهم وحطم الأجل لهم الأماني.
كم كنت تعرف ممن صام في سلف *** من بين أهلٍ وإخوانٍ وجيـران
أفناهم الموت واستبقاك بعـدهـمُ *** حياً فما أقرب القاصي من الداني
ومعجبٍ بثيـاب العيـد يقطعهـا *** فأصبحت في غدٍ أثواب أكفـان!
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: تذكروا بفرحكم هذا من ليس للفرحة طريق لأفئدتهم، أقعدهم المرض وألزمهم الأسرة البيضاء! تذكروا إخوانكم المسلمين الذين يعيشون في خوف ورعب، الأمن عندهم مفقود والخوف في أحيائهم وقراهم ممدود، لا فرق عندهم بين يوم العيد ويوم غيره، الخوف سيطر على قلوبهم، والشحوب والهلع ظهر على أجسامهم، استبدلوا السرور بدموع تتساقط من أعينهم!
تذكروهم وادعوا الله أن يكشف كربتهم ويزيل محنتهم، ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً، وفقرهم غنى، وحزنهم فرحاً وسروراً.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
معاشر المؤمنين والمؤمنات: فرحة العيد فرحة شرعية أذن الله بها: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]؛ فرحةٌ بما مَنَّ الله وأكرم من نعمة التوفيق للصيام والقيام والتمام، فرحةٌ تحمل أجزل العرفان لأهلِ الحمد ومستحقِهِ، وأسمى آيات الشكر لأهل الشكر ومستأهله، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185]، وقال صلى الله عليه وسلم: “للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه“.
تصور نفسك أيها الصائم حينما تقف بين يدي الديان تبارك وتعالى يوم القيامة ، فيعرض عليك سجلاتك التي لن تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها ، فتجدها مثقلة بجبال الحسنات التي أكرمك بها جزاءً على صيامك وصلاتك وزكواتك وصدقاتك ، لكنك مع هذا فإن خوفاً يساورك على ما اقترقت من ذنوب وخطايا ، وتخشى أن تـأكل حسناتك أكلاً ، فلا تدري إلا وينبري لك صيامك وقراءتك القرآن فيشفعان لك ويطلبان من العفو الغفور أن يعفو عنك ويتجاوز عن سيئاتك ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد ، يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان ) رواه أحمد ، فيقبل الله شفاعتهما ، ثم يتفضل المنان عليك بأعظم نعمة وأجلها ، وهي العتق من النيران ، والفوز بالجنان ، جزاءً وفاقاً على إحسانك ، ثم يعطيك كتابك بيمينك ، فترفع يديك بين البشر وتصرخ ( هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) .
هذا جزاؤك ، وهذه هديتك ، وهذا قدرك ، سمعت أمر ربك فأخذته ، قرأت كتابه فالتزمته ، عرفت رسوله فاتبعته ، فكان جزاؤك أعظم جزاء ، الجنة دار المتقين ، وعدك الوهاب بها فأوفى بوعده ( جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ).
فتيمم وجهك شطر الجنة وتمر على الصراط كلمح البصر ، أو كلمح البرق ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الرجال ، حتى تقف عند باب الريان الذي أعده الكريم للصائمين دون غيرهم ، روى سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن في الجنة بابا يقال له: الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ) فتضع رجلك عند باب الجنة فتستقبلك الملائكة الكرام بأحلى كلمة ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) فتطأ الجنة برجلك ، وتصبح في وهلة واحدة ، وفي لمحة سريعة ، بل في لمحة بصر ، من أهل الجنة التي أعد الله فيها لعباده الصالحين ما لا يخطر ببال ولم يدر في خيال ، قال رسول الله ( قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين : ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، واقرؤوا إن شئتم : (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) قال ابن كثير – رحمه الله - : ( أي: فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لَمَّا أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقا؛ فإن الجزاء من جنس العمل ) .
ستدخل الجنة التي بناها القوي العزيز بأجمل بناء وأبهجه ، لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وجعل المسك طينتها ، وفرشها باللؤلؤ والياقوت ، وأنبت في أرضها الزعفران ، ثم تساق سوقاً إلى قصرك الذي أعده الله لك ، يقول الله ( ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) قال القرطبي : (أي إذا دخلوها يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم ؛ فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم ) ولا تدري فقد يكون قصرك من القصور الجميلة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها . فقام إليه أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى لله بالليل والناس نيام ) رواه الترمذي .
بل إنك لا تدري فقد يكون قصرك تلك الخيمة من اللؤلؤ التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، قال - صلى الله عليه وسلم - حينما قال : ( إن للمؤمن فى الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهلون ، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا ) رواه مسلم .
تقف عند باب قصرك ، وتستقبل استقبالاً لم يحلم به أعظم ملوك الدنيا ، إذ الحور العين على الباب واقفات ، وعند الناصية صافات ، طاهرات مطهرات ، قاصرات الطرف مطيعات ، الواحدة منهن كاللؤلو المكنون ، يحار الطرف في حسنها ، وكأنه يريد أن يشرب من كأس جمالها ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الدنيا لأضاءت ما بينهما ، ولملأته ريحا ، ولنصيفها - خمارها - على رأسها خير من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري .
تكملة الخطبة في الأسفل