سلسلة خطب عن الإسراء والمعراج
خطبة عن مشاهد الإسراء والمعراج
.خطبة بعنوان دُروسٌ مِنَ الإِسْراءِ وَالمِعْرَاجِ.
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، /وَنَسْتَغْفِرُهُ،/ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، /مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، /تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، /وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، /وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، /وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أَمَّا بَعْدُ. فَيَا أَيُّهَاالمُؤمِنونَ :
حَادِثَةٌ نَتَفَيَّأُ ظِلاَلَهَا هَذِهِ الأَيَّامَ، /وَيَحتَفِي بِهَا المُسْـلِمُونَ عَامًا بَعْدَ عَامٍ،/ يَستَلْهِمُونَ مِنْها الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ،/ وَتُذَكِّرُهُمْ بِسِيرَةِ خَيْرِ البَشَرِ -صلى الله عليه وسلم- .
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
حَادِثَةٌ جَعَلَهَا اللهُ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- هَدِيَّةً،/ وَلِلْمُؤْمِنينَ بِهِ امتِحَانًا وَتَمْحِيصًا،/ إِنَّهَا ذِكْرَى حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ،/ تِلْكَ الذِّكْرَى التِي لاَ تَنْقَضِي عِبَرُهَا،/ وَلاَ تَفْنَى عِظَاتُهَا،/ افْتَتَحَ اللهُ بِهَا سُورَةً مِنْ سُوَرِ كِتَابِهِ الكَرِيمِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))(1).
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
لَقَدْ فَتَحَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- آفَاقًا إِيمَانِيَّةً،/ فَازْدَادَتْ مَعْرِفَتُهُ بِرَبِّهِ، وَيَقِينُهُ بِوَعْدِهِ،/ فَبَعْدَ أَنْ كَانَ فِي مَكَّةَ وَبَيْنَ شِعَابِهَا،/ هَا هُوَ يَطَّلِعُ عَلَى العَوَالِمِ الأُخْرَى،/ وَيَرَى الآيَاتِ العُظْمَى،/ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ: ((لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى))(3).
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
لَقَدْ جَمَعَتْ هِذَهِ الحَادِثَةُ دُرُوسًا إِيمَانِيَّةً وَفِكْرِيَّةً وَتَرْبَوِيَّةً وَاجتِمَاعِيَّةً،/ يَستَضِيءُ بِهَا المُسْـلِمُ فِكْرًا وَعَمَلاً،/ إِنَّهَا تُؤَكِّدُ أَنَّ قُدْرَةَ اللهِ مُطْلَقَةٌ،/ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُعْجِزُهُ شَيءٌ،/ وَمَا نَوَامِيسُ الكَوْنِ إِلاَّ مِنْ صُنْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ،/ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))(4).
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
إِنَّ العَقْلَ البَشَرِيَّ لَيْسَ مِنَ السَّهْـلِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَنِعَ بِهَذِهِ الحَادِثَةِ،/ وَقَدْ تَعَوَّدَ خِلاَفَهَا فِي نَوَامِيسِ الكَوْنِ،/ فَكَيْفَ يَسِيرُ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ وَيُعْرَجُ بِهِ إِلَى أَعَالِي السَّمَاواتِ وَيَرْجِعُ فِي بَعْضِ لَيْـلَةٍ.
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَكُونُ الخَبَرُ مِنَ اللهِ، وَالأَمْرُ أَمْرَهُ،/ فَإِنَّ المُؤْمِنَ يَقُولُ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: ((أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(5).
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
إِِنَّهَا دَرْسٌ مِنْ دُرُوسِ الإِيمَانِ بِالغَيْبِ،/ ذَلِكَ الرُّكْنِ الذِي هُوَ مِنْ أَهَمِّ مُقْتَضَياتِ الإِيمَانِ،/ فَقَدِ افْتَتَحَ اللهُ بِهِ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ،/ فِي أَوَّلِ سُورَةٍ بَعْدَ فَاتِحَةِ الكِتَابِ،/ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((آلم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ،/ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))(6).
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وَلِهَذا فَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ العَظِيمَةُ امتِحَانًا وَاختِبَارًا لِذَوِي الإِيمَانِ،/ هَلْ يُصَدِّقُونَ فَوْرًا أَم يَتَلكَّؤُونَ وَيَتَرَدَّدُونَ؟ . وَكَمَا أَنَّ هَذِهِ الوَاقِعَةَ تَزِيدُ المُؤْمنِينَ مَعْرِفَةً بِاللهِ،/ فَهِيَ تَزِيدُهُمْ مَعْرِفَةً بِنَبِيِّهِمْ -صلى الله عليه وسلم-
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وَتَرْفَعُ مِنْ قَدْرِهِ عِنْدَهُمْ،/ فَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا أَيَّمَا إِكْرَامٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلاَ، وَأَمَّ إِخْوَانَهُ الأَنْبِيَاءَ،/ وَوَصَلَ حَيْثُ لَمْ يَصِلْ مَخْلُوقٌ،/ فَأَكَّدَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ أَنَّ قَدْرَهُ عَظِيمٌ،/ وَمَنْزِلَتَهُ سَامِيَةٌ.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وَهَذَا تَذْكِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ،/ وَدَرْسٌ لِلْمُنَاوِئينَ وَالجَاحِدِينَ،/ لِيَزْدَادَ الذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا،/ وَيَعْـلَمَ المُكَذِّبُونَ أَنَّهُمْ يُعَادُونَ عَظِيمًا، وَيُخَالِفُونَ مَنْ لَهُ المَكَانَةُ الرَّفِيعَةُ عِنْدَ اللهِ، فَلْنَعْرِفْ قَدْرَ نَبِيِّنَا الكَرِيمِ -صلى الله عليه وسلم- ، /وَلْنُبَيِّنْ لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ أَنَّهُ عَظِيمٌ.
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ :.فِي هَذِهِ الحَادِثَةِ الجَلِيلَةِ فُرِضَتْ عَلَيْنَا أَعْظَمُ التَّشْرِيعَاتِ العَمَلِيَّةِ، وَأَعْلاَهَا قَدْرًا وَأَكْثَرُها أَهَمِّيَّةً،/ إِنَّهَا الصَّلاَةُ التِي شُرِعَتْ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي السَّمَاوَاتِ العُلاَ،/ تَشْرِيعًا نَظَرِيًّا وَتَطْبِيقًا عَمَلِـيًّا.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
فَقَدْ صَلَّى المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- بِإِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ إِمَامًا،/ وَائْتَمُّوا بِهِ جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ مَكَانَةِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ وَرَفِيعِ مَنْزِلَتِهَا، كَيْفَ لاَ؟ وَهِيَ عَمُودُ الدِّينِ،/ وَمِقْيَاسُ الإِيمَانِ،/ وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ العَبْدُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، وَقَدْ أَوْصَاكُمْ بِهَا نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- فِي آخِرِ لَحَظَاتِ عُمُرِهِ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ: ((الصَّلاَةَ الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)).
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا وَقِيمَتَها،/ فَغَدا لَهَا مُحَافِظًا، /وَلِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا مُرَاعِيًا وَحَافِظًا،/ كَمَا أَنَّ فِي رِحْـلَةِ الإِسْرَاءِ التِي ابتَدَأَتْ بِمَسْجِدٍ وَانْتَهَتْ بِمَسْجِدٍ لَدَلِيلاً عَلَى المَكَانَةِ التِي يَتَبَوَّؤُها المَسْجِدُ فِي الإِسْلاَمِ،/ وَدَوْرِهِ العَمَلِيِّ وَالتَّرْبَوِيِّ وَالاجتِمَاعِيِّ.
وَلِذَا كَانَتْ عِمَارَةُ المَسَاجِدِ مِنْ أَدِلَّةِ الإِيمَانِ بِاللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))(8).
أَيُّهَا المُؤْمُِِنونَ :.إِنَّ فِي الحَيَاةِ شَدَائِدَ وَابتِلاَءَاتٍ،/ وَمِحَنًا وَصُعُوبَاتٍ،/ يَكُونُ الإِنْسَانُ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى مَنْ يُعِينُهُ عَلَيْهَا،/ وَيَقِفُ بِجَانِبِهِ فِيهَا،/ يُؤَازِرُهُ وَيُخَفِّفُ عَنْهُ.
وَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ،/ وَتَسْرِيةً عن قَلْبِهِ،/ وَقَدْ عَادَاهُ المُشْرِكُونَ وَآذَاهُ الحَاقِدُونَ،/ فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَزِيدَهُ بِهِ إِيمَانًا،/ وَعَلَيْهِ تَوَكُّلاً وَيَقِينًا، /بِأَنَّ لَهُ رَبًّا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، فَلاَ يَضِيرُهُ عِنْدَهَا إِرْجَافُ /المُرْجِفِينَ،/ وَلاَ حَسَدُ الحَاسِدِينَ،/ فَإِنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكَّةُ،/ فَإِنَّ فَسِيحَ الأَرْضِ مُلْكٌ لِمَنْ بَعَثَهُ هَادِيًا وَبَشِيرًا،/ وَالسَّمَاواتِ فِي قَبْضَةِ مَنْ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا.
إِنَّها هَدِيَّةٌ قَدَّمَهَا اللهُ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الوَقْتِ الذِي كَانَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا،/ وَقَدْ تَوَالَتْ عَلَيْهِ الأَحْزَانُ بِمَوْتِ عَمِّهِ المُسَانِدِ وَزَوْجِهِ المُخْلِصَةِ،/ وَتَرَادَفَتْ عَلَيْهِ الهُمُومُ بِتَكْذِيبِ أَهْـلِ مَكَّةَ وَالطَّائفِ.
وَفِي هَذَا دَرْسٌ فِكْرِيٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ لِكُلِّ عُسْرٍ يُسْرًا، وَأَنَّ الفَرَجَ بَعْدَ الشِّدَّةِ، ومِنْ رَحِمِ الظَّلاَمِ يَخْرُجُ النُّورُ،/ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))(9).
فَيَا مَنْ ابتُِليَ بِالمَصَائِبِ، وَأَصَابَتْهُ الشَّدَائِدُ؛/ ثِقْ بِرَبِّكَ وَأَيقِنْ بِمَولاَكَ،/ وَاعلَمْ أَنَّ خَلاَصَكَ بِيَدِ اللهِ؛/ فَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ بِالسُّؤَالِ،/ وَارْجُ مِنْهُ النَّوَالَ،/ وَاسأَلْهُ كَشْفَ البَلاَءِ،/ مُخْلِصًا إِلَيْهِ اللُّجُوءَ وَالدُّعَاءَ،/ وَلْيَكُنْ لَكَ فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ دَرْسٌ يَفْتَحُ عَيْنَيْـكَ عَلَى حَقِيقَةٍ رُبَّمَا تَكُونُ قَدْ غَفَلْتَ عَنْهَا، أَو أَنْسَتْكَ المَصَاعِبُ عِلْمَهَا.وَلْيَكُنِ الصَّبْرُ لَكَ صَاحِبًا، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ امتِحَانٍ وابتِلاءٍ
أقُولُ هَذَا القول وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، / وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الخطبة الثانية الاسرئ والمعراج
في التعليق