في تصنيف مناهج تعليمية بواسطة

خطبة الجمعة بعنوان ولادة سيدنا عيسى المسيح عليه السلام 

خطبة مكتوبة : لنتعلم من معجزة سيدنا عيسى عليه السلام كيف كان معجزة في البداية ومعجزة في النهاية

حب سيدنا عيسى عليه السلام 

وهي بالمناسَبة، لعلها مناسِبة لمن أحب أن يستأنس بها، أو يختصرها، أو يقتصر على بعضها، أو يوظفها بعد أن ينظفها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره والرجاء منه أمران:

1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.

2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.

تاريخ إلقائها في مسجد الإمام البخاري بأكادير

(26 جمادى الأولى 1443هـ 31 / 12 / 2021م)

الإجابة هي 

خطب الجمعة بعنوان( - ولادة سيدنا عيسى المسيح عليه السلام)

المجموعة: خطبة الجمعة مكتوبة ميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم 

بسم الله الرحمن الرحيم 

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَ ولا ندَّ له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير القائل في محكم كتابه:" إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ . وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ومِنَ الصَّالِحِينَ".ءال عمران 45- 46 .

إخوة الإيمان، يطيب لنا اليوم أن نتكلم عن نبي كريم زاهد خَلَقَه اللهُ تعالى من غير أبٍ فقد جاء في القرءان العظيم:" إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ". ءال عمران 59.

وأمُّه مريم التي وصفَها اللهُ تعالى في القرءان الكريم بالصدّيقة والتي نَشَأت نَشْأةَ طُهرٍ وعفافٍ وتربّتْ على التقوى تؤدّي الواجباتِ وتُكثر منْ نوافل الطاعات والتي بشّرتها الملائكة باصطفاءِ الله تعالى لها منْ بين سائرِ النساء وبتطهيرها من الأدناس والرذائل.

" وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ" .ءال عمران 42.

وذاتَ يومٍ خرجتْ مريمُ الصدّيقةُ مِن محرابها الذي كانتْ تعبدُ الله تعالى فيه فأرسل اللهُ إليها جبريلَ عليه السلام مُتشكّلاً بشكلِ شابٍّ أبيضَ الوجه.

وللملاحظةِ إخوة الإيمان، الملائكةُ ليسوا ذُكورًا ولا إناثًا إنما يتشكّلونَ بهيئةِ الذُّكورِ من دونِ ءالةِ الذكورية ولا يأكلون ولا يشربون لا يتناكحون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون.

مريمُ لَمّا رأتْ جبريلَ عليه السلام مُتشكّلاً في صورةِ شابٍّ أبيض الوجه لم تعرفْه ففزِعتْ منه واضطَرَبَت وخافتْ على نفسِها منه وظنتْه إنسانا جاءَ ليعتدي عليها، فقالت ما أخبر الله به:" قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا " سورة مريم/18. أي إن كنت تقيا مطيعًا فلا تتعرضْ إليَّ بسوء.

فقالَ لها إنَّ اللهَ أرسلَه إليها ليهبَها ولدًا صالحًا طاهرًا منَ الذنوب. فقالت مريم: أنَّى يكون لي غلامٌ ولم يقربني زوجٌ ولم أكنْ فاجرةً زانية؟ فأجابها جبريلُ عليه السلامُ عن تعجّبِها بأنّ خَلْقَ ولدٍ من غيرِ أبٍ سَهلٌ هيِّنٌ على الله تعالى، وجعلَه اللهُ علامةً للناس ودليلاً على كمالِ قدرته سبحانه وتعالى وليجعلَه رحمةً ونعمة لمنِ اتّبعه وصدّقه وءامن به.

يقول رب العزّة في القرءان العظيم:" فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا . فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا . فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا". سورة مريم 22-23-24-25-26.

نفخ جبريل عليه السلام في جيبِ دِرعها وهي الفتحةُ عند العُنُق، فحملت بعيسى عليه السلام ثم تَنَحّتْ بِحَملِها بعيدًا خوف أن يعيّرَها الناس بولادتها من غير زوج، ثم ألجأها وجعُ الولادة إلى ساقِ نخلةٍ يابسة وتمنّتِ الموتَ خوفًا من أذى الناس، وناداها جبريلُ عليه السلام من مكانٍ من تحتها من أسفلِ الجبل يُطَمئِنُها ويخبرها أنّ الله تبارك وتعالى جعل تحتها نهرًا صغيرا ويطلبُ منها أن تهُزَّ جذع النخلةِ ليتساقطَ عليها الرُّطب الجنيّ الطريّ وأن تأكلَ وتشرب مما رزقها الله وأن تقرّ عينُها وأن تقول لمن رءاها وسألها عن ولدها إني نذرت للرحمن أن لا أكلّم أحدًا.

أتتِ السيدة مريم عليها السلام قومَها تحمل مولودَها عيسى عليه السلام على يدِها في بيت لحم. كما أخبرنا الله عز وجل:" فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ". مريم/27 .

قالوا لها: لقد فعلتِ فِعلةً منكرةً عظيمة، ظنوا بها السوءَ وصاروا يوبخونها ويُؤذونها وهي ساكتةٌ لا تجيبُ لأنها أخبرتهم أنها نَذَرتْ للرحمن صومًا، ولما ضاق بها الحال أشارت إلى عيسى عليه السلام، أنْ كلِّموه، عندها قالوا لها ما أخبر الله به بقوله:" فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا". مريم/29 .

عند ذلك أنطق الله تعالى بقدرته سيّدَنا عيسى عليه السلام، وكان رضيعًا:" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ ءاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ". أول كلمة قالها عيسى عليه السلام، إني عبد الله، اعترافٌ بالعبودية لله العزيز القهار، هذا أول ما نطق به عليه السلام وهو في المهد قال: " إِنِّي عَبْدُ اللهِ " وقوله:" وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا " أي جعلني نفاعًا معلّمًا للخير حيثما توجهت.

إخوة الإيمان، يقول الله تعالى في القرءان العظيم:" وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ". سورة الصف/6 .

دعا عيسى قومَه إلى الإسلام إلى عبادة الله وحدَه وعدمِ الإشراك به شيئًا ولكنهم كذّبوه وحسدوه وقالوا عنه ساحر ولم يؤمن به إلا القليل.

ها نحن في آخر جمعة من سنة (2021) ميلادية؛ فما هي المشاريع المستقبلية الدينية في أفق 2022؟ هل نحن مستعدون لنجعل ما نمضي إليه أجمل مما مضى، ولنقضي فيما نستقبل من أيامنا أفضل مما انقضى، حتى يختم الله لنا بما يجعلنا ممن رضي برضاه وارتضى، وممن ينال مغفرته وعفوه المرتضى. 

وإذا كان النصارى يتحدثون بهذه المناسبة عن سيدنا عيسى -عليه السلام- حسب إيمانهم وعقيدتهم، وإذا كان البعض في هذه الليلة يرتكب ما لم تستطع الحيوانات فعله، وخصوصا في ساعة الصفر كما يقولون؛ نعم إنها ساعة الصفر من المروءة والغيرة والعبرة والأخلاق والإنسانية؛ وإذا كان هؤلاء كذلك أفلا نتحدث نحن عن سيدنا عيسى حسب إيماننا به وعقيدتنا فيه ونحن أولى به؟! والرسولﷺ يقول فيما روى الإمام مسلم: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة، الأنبياء إخوة من عَلاَّت(1) وأمهاتهم شتى ودينهم واحد، وليس بيني وبين عيسى نبي»؛ 

نعم نحن أولى بعيسى -عليه السلام- نتذكر كونه معجزة في بداية حياته وفي نهايتها على السواء.

● أما كونه معجزة في البداية؛ فنتذكر ولادته وهي معجزة بحد ذاتها، حيث كانت أمه سيدتنا مريم في كفالة نبي الله سيدنا زكرياء -عليهما السلام- فجاءها جبريل -عليه السلام- وهي تتعبد في المحراب الذي {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّاء الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} فواكه في غير وقتها وفي غير مكانها، وهناك بشرها جبريل بأن الله تعالى سيرزقها بولد سيكون نبيا ورسولا، دون أن يكون له أب، كما خلق سبحانه آدم دون أب ولا أم، كما قال سبحانه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، وقال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}.

نعم في البداية؛ نتذكر أمه حين ولدته تحت جذع نخلة وهي وحيدة بعيدا عن عيون الناس، كما حكى لنا القرآن الكريم: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ (أي: فألجأها ألم الولادة) إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} في مكان لا ماء فيه للشرب ولا طعام للأكل فتمنت الموت؛ حيث قالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا}، وهناك توالت عليها المعجزات وفاجأتها المفاجئات؛ حيث نبع عين من الماء بقربها، وتساقطت عليها الرطب من جذع تلك النخلة التي وَلَدَتْ تحتها، ومن تحتها ناداها مولودها المبارك وهو في مهده قائلا: {أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}؛ فكلي من الرطب الجني، واشربي من الماء السري، وقري عينا بالغلام الذكي. 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فأيها الاخوة المؤمنون

 تابع قراءة الخطبة الثانية على مربع الاجابة اسفل الصفحة 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فأيها الاخوة المؤمنون  

نعم في البداية؛ نتذكر أمه حين جاءت به إلى أهلها بعد ودلاته فاستنكروا عليها بشدة، وهنا تولى طفلها المحاماة للدفاع عنها، فتكلم وهو في مهده فكان أفضل محام لها بعد أن أشارت إليه، حيث ترافع عنها فسجل لنا القرآن عنه هذه المرافعة فقال: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي}.

لقد ذكر وصية الله له بأمور ثلاثة: الصلاة التي تصلح النفس لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة التي تقدم الخير للغير من الفقراء والمحتاجين، وبر الوالدين؛ وقمة الأخلاق الحسنة في الثلاثة: أن يكون المسلم صالحا لنفسه، وفيه منفعة لغيره، ويعترف لمن أحسن إليه؛ ومن أسوإ الأخلاق: أن يكون الإنسان مسيئا لنفسه، ولا خير فيه لغيره، ولا يعترف بخير من أحسن إليه.

وعلى ضوء هذه الوصية الربانية لسيدنا عيسى -عليه السلام- ينبغي أن سأل كل واحد منا نفسه: ماذا فعلنا بصلواتنا؛ شروطها ووقتها وأركانها وجماعتها والخشوع فيها؟ وهل أدينا زكاة أموالنا؟ وهل علاقتنا بأمهاتنا وآبائنا كانت على أحسن حال في الحقوق، أو على أسوإ الأحوال في العقوق؟

وفي دعوة سيدنا عيسى -عليه السلام- نتذكر ما أكرمه الله به من معجزات أخرى؛ مثل: إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله؛ قال الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائرا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}.    

● أما كونه معجزة في النهاية؛ فحين حاربوا دعوته ولم يستطيعوا مواجهة معجزاته صمموا على قتله، وهكذا عادة الظالمين على مر الأزمان، فحينما ينهزمون فكريا ولا يستطيعون مقارعة الحجة بالحجة يلتجئُون لاستعمال العنف والتصفية الجسدية ضد خصومهم، ولم يقف بجانبه إلا حواريوه وهم قلة، وقد سجل لهم القرآن هذه الوقفة إذ قال: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، وبعد ذلك أرسل أعداؤه شخصا لاغتياله؛ فلما انفرد به رفعه الله إليه ووضع شبَهه على الشخص الذي أراد قتله، فقتلوا شبيهه وصلبوه ظنا منهم أنه عيسى -عليه السلام-، وهنا وقعوا في حيرة وشك وارتياب؛ متسائلين: فإن كان الذي قتلنا هو عيسى فأين صاحبنا؟! وإن كان الذي قتلنا هو صاحبنا فأين عيسى؟! وقد يبن القرآن الكريم ذلك وأزال حيرتهم لو آمنوا به فقال سبحانه: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.

؛

فنحن أولى بعيسى في البداية والنهاية من الذين ألهوه وعبدوه وجعلوه ندا للذي خلقه، نحن أولى بعيسى من الذين زعموا أنه مخلص العالم، وأنه صلب لينقد الناس من خطاياهم، فيستقبلون ذكرى ميلاده بمزيد من الخطايا والآثام، نحن أولى بعيسى نتذكر زهده وصبره وبره بأمه، وأنه لم يصلب بل رفعه الله إليه، وسينزل آخر الزمان ليحكم بين الناس بشريعة القرآن.

نعم نحن أولى بعيسى نتذكر فيه قول النبيﷺ فيما روى الإمام مسلم: «والله ليزلن ابن مريم حكما عدلا فليكسِرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتُرَكنَّ القِلاص فلا يُسعَى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليَدْعُوَنَّ إلى المال فلا يقبله أحد» ونقف هنا عند كلمة " لتتركن القلاص فلا يسعى عليها" والقلاص هي الإبل، أليست قد تركت اليوم فلا يسعى عليها، واستبدلت بالسيارات والحافلات وغيرها، فهذا دليل على صدق هذا الحديث عن نزول عيسى بن مريم حكما عدلا؛ بل إن النبيﷺ أخبرنا أنه سيحج ويعتمر فقالﷺ فيما روى الإمام مسلم: «والذي نفسي بيده ليُهِلَّنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا» وفج الروحاء: اسم مكان بين مكة والمدينة.

ألا فاتقوا الله عباد الله؛ وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُثبتنا على نهج الأنبياء والمرسلين وأن يجمعنا يوم القيامة بهم، إنه على ما يشاء قدير وبعباده لطيف خبير.

نسال الله تعالى أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها, وأنْ يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين, ودمر أعداء الدين, اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرا فأعنه ووفقه لكل خير, ومن أراد بالإسلام والمسلمين شرا فردّ كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميره, اللهم ول أمورنا خيارنا, ولا تول أمورنا شرارنا, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهم إنك حميد مجيد .
0 تصويتات
بواسطة
خطبة الجمعة (26 جمادى الأولى 1443هـ 31 / 12 / 2021م)

سيدنا عيسى المسيح عليه السلام

اسئلة متعلقة

...