صناعة السفن في الحضارة العمانية القديمة نبذة تاريخية عن حضارة عمان وازدهارها في الصناعات والتجارة؟
من إبراز الحضارة العمانية في العصور القديمة صناعه السفن
مرحباً بكم في موقعنا النورس العربي alnwrsraby.net يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم أصدق المعلومات والاجابات كما نقدم لكم الأن صناعة السفن في الحضارة العمانية القديمة نبذة تاريخية عن حضارة عمان وازدهارها في الصناعات والتجارة؟
الإجابة هي
صناعة السفن
تعتبر صناعة السفن من الأسرار الدفينة التي أبرزت حضارة عمان عبر مختلف العصور وجعلتهم أصحاب الكلمة العليا فقد تعددت أغراض استخدام السفن لدى العمانيين فمن صيد الأسماك ونقل البضائع للتجارة عبر الموانىء البحرية إلى جلب الصخور والحديد لأغراض البناء وصولا إلى تشكيل أسطول بحري للدفاع عن النفس ومساعدة المسلمين من اجتياح الاحتلال البرتغالي وفرض عمان نفسها عبر الابتكار والتطور في صنع أنواع عديدة من السفن.
يذكر كلوزيو توزيو في ظلال الأسلاف أن أول مرة صنع العمانيين السفن يعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد حينما تم اكتشاف في مستوطنة رأس الحمراء في القرم وجود قوارب مصنوعة من القصب صنعها العمانيون من القصب فاستخدموا سعف النخيل وربطه بالحبال وذلك لأغراض الصيد البحري نظرا لأنه غير مكلف من الناحية المادية كما أنه يمتاز بالسهولة والمرونة في الاستخدام.
وقد برع العمانيون منذ القدم في صناعة السفن حيث ارتبط اسم مجان الذي أطلقه السومريون عليهم ب ( ما ) تعني هيكل ( جان ) السفن اي هيكل السفينة ( 1) وهناك من يربط التسمية بإنتاج النحاس فقد تتزامن التسمية للسببين معا صناعة السفن والنحاس وهذا هو الشاىع نظرا لبروز عمان في هذين المجالين والدور الحضاري الذي لعبته عمان مع حضارات العالم القديم.
وقد تطور العمانيين في صناعة السفن وحرفتها خصوصا في العصر البرونزي ( 3000_ 1300) قبل الميلاد فقد عثر في رأس الجنز 295 لوحة مطلية بالقارة تعود إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. ( 2)
لابد أن ندرك أن هناك مجموعة عوامل ساعدة العمانيين على امتلاك زمام الأمور في صناعة السفن منذ القدم منها:
1_ الموقع الاستراتيجي حيث نجد شمالها بحر عمان وجنوبها بحر العرب فهي نقطة تواصل والتقاء بين مختلف موانىء العالم القديم كالهند والسند والصين وبلاد فارس وبلاد الرافدين في عمليات التصدير والاستيراد.
2_ طول السواحل العمانية حيث يبلغ طولها 3165كم مربع
3_ وجود مرافىء وموانىء هامة في عمان لعبت دور محوري في تصدير البضائع والاستيراد كما كانت حلقة وصل بين الحضارات ومن أشهر الموانىء :(صحار ومسقط وصور وجلفار وسمهرم ). ( 3)
استخدم العمانيون في صناعة السفن أخشاب النارجيل والساج كما يذكر السيرافي فيقول :"إن الخشب الذي استعمله البحارة في الخليج العربي هو خشب النارجل" وقد استعمل اهل عمان في صناعة سفنهم أخشاب سعف النخيل والتنوب(4) حيث كان العمانيين في بداية صنعهم للسفن في الألف الخامس قبل الميلاد وما تبعه في العصر البرونزي والحديدي لم يستخدموا المسامير حيث أنهم استخدموا عند الخرز الألياف في شد السفينة بدل المسامير (5) إلا أن العمانيين قد واكبوا تطور العصر والتحقوا بركب التقدم في صناعة السفن حينما أشار العلامة أبو جعفر الازكوي في كتاب ( الجامع) إلى مسألة فقهية تدور حول الصلاة في السفينة المسمرة أي ذو المسامير وهو من علماء القرن الثالث الهجري مما يدل أن العمانيين أحيانا يستخدموا الألياف وأحيانا المسامير في صناعة السفن. ( 6)
ويذكر المؤلف اليوناني المجهول صاحي كتاب ( الطواف حول البحر الأحمر) والمرجح أنه كتب في القرن الأول الميلادي:" ويحمل اللبان من قنا إلى عمانة أيظا وتحمل من عمانة إلى جزيرة العرب السفن المحلية المحيطة المسماة مدارات". (7)
وعمانة يقصد بها مدينة صحار حسب كتابات يلينوس وبطليموس والمؤلف المجهول ويقال أرض عمان.
يمدنا كتاب إرشادي لمتحف صحار عن المواد المستخدمة في بناء سفن مجان حيث تحتاج السفينة الواحدة إلى المواد الآتية لصنعها وهي:
_ 178 سعف نخيل كبير
_ 1400 شجرة صنوبر كبير
_ 36 شجر تمر هندي كبيرة
_ 32 سدرة كبيرة
_ 3 شجرات تمر هندي بطول 3 أذرع
_ 3280 كيلوا جرام المصنوعة من سعف النخيل
_ 810 كيلوا جرام من الحبال المصنوعة من أوراق شجرة النخيل
_ 1245 كجم من نبات القصب
_ 810 كجم من نشارك الخشب
_ 600 جلد بقر
_ 1344 من صوف الماعز
_ 395 جرام من زيت السمك
_ 4260 من البوص (8)
_ 12380 من القنا (9)
_ 253600 لتر من الأسفلت لمسحه على ظهر السفينة. (10)
استخدم العمانيون أنواع متعددة من الأخشاب في صناعة السفن منها محلي الصنع ومنها مستوردة من الخارج وهي على النحو الآتي:
أولا: الأخشاب المحلية :
# السدر: ينمو في القرى والأودية العمانية ويستخدم في صنع أجزاء السفينة مثل: الشلمان والحلقام.
# القرط: تنمو في الريف العماني أخشابها صلبة ويصنع منها الحلقام والشلمان والفرمال. ( 11)
# الغاف والسمر: أشجار تنتشر بكثرة خصوصا في المنطقة الشرقية أما أشجار الغاف تتوفر على ضفاف الأودية وتكثر في منطقة جعلان ولا تستخدم هذه الأخشاب بكثرة في صناعة السفن.
ثانيا: الأخشاب المستوردة:
_ أبرز الأخشاب المستوردة من خارج عمان المعتمد عليها في صناعة السفن:
# خشب الساج: يستورد من الهند والصومال ويصلح في صناعة أجزاء السفينة.
# الميط: يستورد من الصومال ويستخدم في صنع الشلمان.
# البنطيج: يستخدم في صنع أجزاء السفينة العائمة في الماء.
# الفيني: يستخدم في صنع سطح السفينة. (12)
امتهن العمانيون والعرب ركوب البحر منذ العصور القديمة فلهم مطاردة ودراية في سلوك الطرق البحرية السليمة ولديهم الخبرة الكافية في علم الملاحة فأنشاوا السفن بأشكال وأحجام مختلفة وفق الغرض المستخدم فمثلا لو استخدم في الصيد الأحجام صغيرة أما استخدامها في الأغراض التجارية والحربية فالحجم كبير فمن خلال التواصل الحضاري بينهم وبين الأمم والشعوب اكتسبوا مهارة صنع السفن وأطلقوا مسميات على السفن أبرزها:
1/ البارجة
جمعها بوارج تم تعريبها من اللفظة الهندية (بيرة) وهي سفينة حربية كبيرة فقد استخدمها قراصنة الهند في غزو عمان في القرن الثاني الهجري وقد أطلق عليها مؤرخو عمان أسم البوارج
كما أشار إليها الإمام السالمي فيقول :" وكان البوارج وهم كفار الهند يقعدون بأطراف عمان ويسلبون منها ويسبون ويمضون إلى ناحية فارس والعراق ....." (13)
استخدمها العرب المسلمين في الفتوحات الإسلامية في ثغر الهند كانت البوارج الحربية العمانية والعثمانية خلال القرن التاسع عشر مزودة بمدافع في كل بارجة 34_ 58 مدفعا.
2/ الداو
تجمع على داوات وتبلغ حمولتها 200 طن وقد استخدمت غالبا في أغراض التجارة خصوصا شرق أفريقيا والداو مركب عربي يستخدم به الشراع المثلث المصنوع من القطن أو الكتان ويحتاج استخدامه ( الشراع) إلى مهارة وتدريب في الملاحة خاصة في حالات اضطراب البحر وهذا يحسب لمهارة وبراعة العرب والعمانيين في قيادتهم مركب الداو. (14)
3/ مدرعة
وجمعها مدرعات وهي سفينة عمانية كانت تصنع في عمان قبل الإسلام وقد ذكرها المؤرخ سالم بن حمود السيابي نقلا عن مؤلف "الطواف حول البحر الارتيري" بأن عمان كانت تصدر نوعا من السفن تسمى مدرعات وهي سفن قوية محصنة.
كما ينقل جورج حوراني عن جلازر أن مدرعات هي سفن مشدودة بدرع النخل أي قوية كأنها مكسوة بالدروع وكانت عمان تصدرها إلى بلاد اليمن في زمن كتاب بريبلوس. (15)
4/ الغنجة
هي من السفن الكبيرة عابرة للبحار والمحيطات يبلغ طولها مابين 75_ 150 قدما وحمولتها مابين 200_ 500 طن ويبلغ عدد طاقمها قبل المعدات الحديثة 60 ثم انخفض إلى 20_ 30( 16) بعد اختراع المحركات الحديثة ويقال أن أصل الغنجة من بلاد الهند ثم اشتهرت بصنعها مدينة صور العمانية وتستخدم في نقل التجارة البحرية.
5/ البغلة
نفس مواصفات سفينة الغنجة وهي من أهم مراكب الشحن في عمان وتتراوح حمولتها مابين 150 _ 400 طن وهي من أكبر السفن في عمان مناصفة مع الغنجة ويبلغ طولها 135 قدم واشتهرت بصناعتها ولاية صور ويعود آخر مركب تم بناؤه من هذا الطراز إلى سنة 1952م وقيل أن البغلة تشبه السفن البرتغالية القديمة خاصة بمؤخرتها المربعة
6/ السنبوق
سفينة عابرة للبحار والمحيطات تستخدم للشحن اشتهرت ولاية صور بصناعة هذا النوع من السفن يصل طول المركب مابين 70_ 120 وتبلغ حمولته مابين 100_ 300 طن أما عدد طاقمه فبمثل مركب الغنجة. ( 18)
نستخلص أخيرا بعد هذا العرض عن تاريخ عمان في صناعة السفن والدور الذي لعبته وفق النتائج الآتية:
1/وصول السفن العمانية في نشر الإسلام وهي تمخر عباب البحر وتبلغ المجد سنامه حاملة عبر أشرعتها لواء التوحيد في شرق آسيا وصولا إلى الصين وبلاد الشيلا التي يقال أنها كوريا الجنوبية واليابان كما نشروا الإسلام في شرق أفريقيا سيأتي ذكره بشيء من التفصيل إن شاء الله.
2/ التطور العماني في صنع الأساطيل الحربية لصد هجمات الأعداء والغزاة نظرا لموقعها الاستراتيجي وأطماع الدول للثروات التي تدخرها عمان بسبب مهارتهم في الملاحة البحرية وشحن البضائع عبر حضارات العالم القديم فعلى سبيل المثال لا الحصر الدور الذي لعبه الإمام غسان بن عبدالله في طرد القراصنة الهنود من سواحل عمان والخليج نظرا لخطرهم في سلب ونهب البضائع وزهق أرواح الناس حيث أنهم كانوا يملكون البوارج الحربية فابتكر الإمام غسان بن عبدالله نوع من السفن تعرف بالشذاوة وهي مراكب خفيفة وسريعة تمكن العمانيين من مجابهة بوارج القراصنة بسبب سرعتها وخفتها فيعد الإمام غسان بن عبدالله أول من ابتكر هذا النوع من السفن في عمان وتمكن من القضاء على خطر القراصنة.( 19) كذلك نشير إلى مدى اهتمام اىمة عمان في تطوير وتقوية أساطيلهم الحربية كالامام المهنا بن جيفر الخروصي والإمام الصلت بن مالك الخروصي وغيرهم سيأتي ذكرهم في وقت لاحق إن شاء الله.
3/ المدخول الاقتصادي الوفير للعمانيين في صناعتهم للسفن فقد وصلت شحنات بضائعهم إلى الصين والهند والسند وجزر الملايو وسواحل شرق أفريقيا كلوة وممباسا وغيرها من المناطق ففي عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي ( 1744_ 1783) يذكر الرحالة الدنماركي كارستين نيبور الذي زار عمان أن عمان بلغ فيها دخل وفير من السلع التي تتاجر بها فكانت تأخذ نسبة 5% كمصدر دخل على الأوربيين و6.5% على المسلمين كما تأخذ على اليهود والبانيان نسبة 9% فكان البلح مثلا وحده تأخذ عليه نسبة 6% (20) وهذا يعكس مدى الازدهار الاقتصادي التي جنته عمان من صناعة السفن وبراعتهم في الملاحة البحرية.