في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة بعنوان( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) تعبر على الوضع الراهن الذي نعيشه اليوم من خلافات ومصائب وحروب وانهزامات في مواجهة اعدا الإسلام وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا

مجموعة خطباء المنابر 

خطبة الجمعة بعنوان التوحد ولم صف المسلمين 

خطبة تعبر عن أسباب انهزام المسلمين في بعض الحروب؟ 

وتكون الخطبة كألتالي 

خطبة الجمعة القادمة

بعنوان

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا

نص الخطبة :

الخطبة الأولى 

الحمد لله سامعِ الأصوات، مُجيب الدعوات، وقاضي الحاجات، وكاشف البليَّات، ومُفرِّج الكُربات، والمُطلِّع على ما في القلوب والنِّيات، وما يُفعَل علنًا وفي الخفيَّات، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تُنجِي قائلها مِن وبال التَّبِعَات، وتُبوِّؤُه منازلَ أهلِ الكرامات، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله السِّاعي بين الناس بالخيرات، والداعي إلى الطاعات، صلَّى الله عليه وآله وأصحابه صلاةً تَبلُغ أعلى الدَّرجات، في سواء الجنَّات.أمَّا بعد، أيها الكرماء الأجلاء عباد الله:

إعلموا ان الإسلام دين جاء ليبني علاقات الإنسان كلها مع غيره وينظمها ويحكمها؛ سواء مع الخالق أم مع المخلوق، وجاء ليبني شخصية الفرد وشخصية الأمة والمجتمع، وجاء ليقيم دولة ويبني حضارة. ومن بين أحد أهم الأسباب في وجود الدولة وبناء الحضارة والأمة التي أقرّها الإسلام وحدّدها ورسمها وفصّلها وجعلها قانونا إنسانيا واجتماعيا هو الإعتصام والإتحاد والإجتماع ونبذ الفرقة والخلافات والشقاقات والنزاعات؛ فالإجتماع - هو سِرّ قوة الدولة والأمة والأسرة والعائلة، والفرقة سوسة خرابها وداء ضعفها ومعول هدمها.

═◄ وإن من أكبر المصائب التي ابتُليت بها الأمة وفتت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها : الإختلاف والتفرق، والعصبية المقيتة، والتنازع على توافه الأمور، والتخاصم والفجور في الخصومة، وفساد ذات البين على مستوى الأسرة والقبيلة والمجتمع والدول والأوطان..

وبالتالي ضعفت هذه الأمة وخارت قواها وتشتت جهودها

وللفرقة والخلاف مظاهر عديدة، وصور خطيرة، وأشكال كثيرة، تبيّن مَدى تقهقر وتوتر العلاقات الاجتماعية بين الناس، حتى بين أبناء الأسرة الواحدة والرحم والقرابة، ولعلها من إفرازات ضعف الأخوّة والصلة بين المسلمين، بل بين ذوي القربى وأهل الأسرة الواحدة، فيؤلمك ما آلَ إليه أمرُ كثير من الناس من التفكك الاجتماعي الرهيب، حتى حصلت النزاعات، ونشبت الخصومات، ورُفِعَتِ الدّعاوى، وكثرت الشكاوى، من أجل خلافات يسيرة حول شيء حقير من حطام هذه الدنيا الفانية، ولربما تضخمت المشكلة، وتعقدت القضية، وتدخل أهل الإصلاح، فيأبى المتخاصمون إلا التشفيَ والانتقامَ والثأرَ وتحكيم حظوظ النفس والهوى

═◄ فرقة وخلاف بين الأقارب؛ بيوت وأسر عصفت بها الخلافات، فتقاطع الأبناء والآباء، قاطع الأبناء آباءهم، وأهمل الآباء أبناءهم، وهجر الأخ أخاه، ووقع الطلاق بين الزوجين، ووقع الهجر بين الأقارب، وربما القتال بين أبناء العمومة والخؤولة.. والله عز وجل يقول: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد ].

فرقة وخلاف بين الجيران؛ حيث التقاطع كبير، والتدابر واضح بين كثير من الجيران -هداهم الله- الجارُ الذي فرَضَ له الإسلام حقوقاً كثيرةً، قد تمرّ على بعض الناس أشهر، بل أكثر، وهو لا يعرف عن جاره شيئاً، من مرض أو موت أو همّ أو حاجة..

فرقة وخلاف بين الأصدقاء؛ بين من تربطهم علاقة صداقة وصحبة وأخوّة في الدين، فتتحول الصداقة إلى عداوة، والأخوة إلى بغضاء..

 فرقة وخلاف بين أبناء المجتمع الواحد؛ الذي يعيش في وطن واحد، وتجمعه مصالح ومنافع وغايات وأهداف، فلا ترى إلا صراعا، وقتالا، وسبا وقذفا، وسرقة ونهبا، وخيانة وغشا، ومكرا وخديعة.. غلب الشقاق على حياة كثير من الناس إلا من عصم الله، وسادت القطيعة، وعم الجفاء والشحناء، وتنافرت القلوب، وسادت الوحشة والظنون السيئة، وراجت سوق الغيبة والنميمة والبهتان وتناول أعراض الناس، والسعي في الفساد بينهم، فتعمقت الفجوة، واتسعت الهوة، فأصبحت حالة كثير من الناس محزنةً للصديق مفرحةً للعدو، والله المستعان.

فرقة وخلاف بين أبناء الأمة الواحدة؛ التي يشهد التاريخ أنها مرتْ عليها فترات من تاريخها اتحدت فيها صفوفُها واجتمعت كلمتها، فعاشت عزيزة كريمة مرهوبة الجانب، إلى أن دبّ إليها داء الفرقة والخلاف، فانقسمت الأمة الواحدة إلى أحزاب متناحرة، وفِرق متناثرة، ولا يزال هذا الداء العضال والمصاب الجلل جاثماً في جسد هذه الأمة، ومستحوذاً على قلوب الشعوب.. فذلت الأمة بعد عز، وضعفت بعد قوة، وتفرقت بعد وحدة، وتخلفت بعد ريادة، فهان أمرها وأصبحت مطمعا لكل عدو وحاقد..

◄أيها الكرماء الأجلاء عباد الله. ومن مُنطلق أننا نَحرص على لمِّ الشَّمْل وتوحيدِ الصَّفِّ وجمع الكلمة - ولا أعني جمعَ صفوف الإسلاميين وحدهم، بل جمع كلمة جميع الفرقاء أبناء الوطن الواحد على كلمة سواء، ألا وهي مصلحة الوطن اقتداءً بمُعلِّم البشرية - لابد أن نقف على خطورة الفُرقة كي نبتعد عنها ونفرَّ منها فرارَ العاقل من الجُنون، والسَّليمِ مِن الجرَب. لما في التنازع ، والاختلاف والتفرق من عواقب وخيمة، ليست فقط على الفرد، بل على المجتمع بأسرة وعلى كيان الدولة واستقرارها، وعلى هيبة الأمة،

◄ قال الله لرسوله الكريم وجميعَ المرسلين قائلاً: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى ].

وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء ].

 وقال تعالي:﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[آل عمران ].

 وقال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال ].

وأخبر ان الفُرقة والاختلاف؛ من عمل الشيطان وكيده. قال ربنا سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة ].

وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قد أيِسَ أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في التّحريش بينهم».

 وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)) رواه الإمام أحمد، وأصله في صحيح مسلم عن أبي هريرة.

 وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام». متفق عليه.

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: «بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ». قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ، لَا أقُولُ إنَّها تحلِقُ الشَّعَرَ، ولَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ». أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن حبان.

 وفي صحيح مسلم ٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)).

 ولقد حرص النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على معالجة كلّ بذور الشّقاق والنزاع التي قد تنخر في المجتمع المسلم، ومنع توسعها، وزجر الداعين لها. ولذلك استمعوا معي إلى هذا الموقف العملي وكيف عالجه المنهج النبوي؛ ففي الصحيحين، من حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قال: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ- قَالَ: “مَا هَذَا؟” فَقَالُوا كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ-: “دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ“

 وعندما إستقر النبي في المدينة واجهته مشكلة كبيرة ومعضلة عظيمة.ألا وهي الخلاف بين الأوس والخزرج التي ظلت رحي الحرب مستعرة بينهما أكثر من مائة وعشرين عاما راح ضحيتها الآلآف من خلص القوم وكان لليهود الدور المشهود في إستمرارها حيث كانوا يوقدون نار هذه العداوة وينفخون فيها .ومن ذلك ان شاس بن قيس مر بملإ من الأوس والخزرج فساءه ما هم عليه من الإتفاق والألفة.فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم بعاث ففعل واستمر يستثيرهم حتي حميت نفوسهم وغضب بعضهم علي بعض،وتثاوروا ونادوا بشعاراتهم وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا بالحرة فبلغ ذلك النبي فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول : ابدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم . وتلا عليهم قول الله : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران ]، فندموا علي ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح .◄

 وأخبرنا رسول الله أن الفُرقة والاختلاف سببٌ في حرمان الفضل والخير ورفع البركة :

 فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح أبوابُ الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفرُ لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظِرُوا هذين حتى يصطلحا، أنظِرُوا هذين حتى يصطلحا، أنظِرُوا هذين حتى يصطلحا». رواه مسلم.

 ومِن ذلك ما أخرجه البخاري في "صحيحه": (بابُ رفعِ معرفةِ ليلة القدْرِ لِتَلاحِي النَّاسِ): عَن عُبادةَ بنِ الصَّامت، قال: خرج النَّبي- ليخبرنا بليلة القدر، فَتلاَحى رجلانِ مِن المسلمين، فقال: ((خَرجْتُ لأُخبرَكمْ بلَيلةِ القدْر، فَتَلاحَى فُلانٌ وفلانٌ، فَرُفعتْ، وعسى أَنْ يكُونَ خَيرًا لكم، فالتمِسُوها فِي التَّاسِعَة، والسَّابعةِ، والخامسةِ)).

 حتى على الطعام يأمرُنا - صلى الله عليه وسلم - أن نأكل مجتمعين والا نفترق ؛ التماسًا للبرَكَة، ومن ذلك ما أخرجه الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا جميعًا ولا تفرقوا، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، اللهم بارك لأهل المدينة في صَاعِهم، وبارِكْ لهم في مُدِّهم)).

 وأخبرنا رسول الله أن الفُرقة والإختلاف سببُ هلاك الأُمم : أخرج البخاري في "صحيحه" عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سَمعتُ رجُلاً قرأ آيةً، وسمِعتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ خِلافها، فَجِئتُ به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُهُ، فَعرفْتُ في وَجههِ الكَراهيةَ، وقال: ((كِلاكُما مُحْسِنٌ، ولا تَخْتَلفوا؛ فإنَّ مَن كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)). فالخلاف يؤدي إلى الفُرقة، والفرقة تؤدي إلى الضَّعف، والضعفُ يُجرِّئ الأعداء علينا، وهذا عين ما يحدثُ الآن؛ فالمرء منا قليل بنفسه كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده قوي بجماعته. 

تابع قرأة باقي الخطبة الأولى والخطبة الثانية والدعاء اسفل الصفحة على مربع الاجابة كما هي أمامكم الأن كألتالي 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة

تابع الخطبة الأولى

والتاريخ يؤكد أن الفُرقة والاختلاف كانت سببًا في هزيمة المسلمين في أُحد حينما جمع المشركون لقتال النبيِّ وأصحابه، وخرجوا في ثلاثة آلاف مُقاتل، وكان عدد الصحابة سبعمائة مقاتل، فخرج الرسول إلى جبل أُحد، وجعل ظهره إلى المدينة، وجعل على الجبل خلف المسلمين خمسين من الرُّماة، وقال لهم: ((قوموا على مصافِّكُم هذه فاحمُوا ظهورَنا، فإنْ رأيتُمونا قد انتصرنا فلا تَشرَكونا، وإنْ رأيتُمونا نُقتلُ فلا تَنصرُونا)) وبدأت المعركةُ، وقُتل مُصعب حاملُ اللِّواء، فأخذ اللواءَ عليُّ بنُ أبي طالب، وما هو إلا أن انكشف جيش المشركين مُنهزمين وتبعهم المسلمون يَقتُلون ويَأسِرون، فتكلم الرُّماةُ الذين كانوا على الجبل في النزول، واختلفوا فيما بينهم، فنزل كثيرٌ منهم يظنُّ أن الحربَ قد وضعت أوزارها، وبقي عبدُالله بن جُبير ومعه جماعة من أصحابه، وهكذا اختلفوا فيما بينهم وخالفوا أمر رسول الله، فكانت النتيجة أن كرَّ عليهم خالدٌ فقتلهم، وانكشف جيشُ المسلمين، وشُجَّ وجهُ النبي، وقُتل حمزةُ وأنسُ بن النضر وغيرهم ليكون ذلك عبرة لمن بعدهم، قال تعالى{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } [آل عمران ]

ويقصُّ التاريخ حكايةَ سقوط حضارتنا :

وفي العصر الحديث سقطت الأندلس "اسبانيا الآن وجزء من البُرتغال" بعد أن حكمها المسلمون قُرابةَ ثمانمائة عام، أسَّسوا فيها الحضارة الحديثة، واكتشفوا العلوم التَّجريبيَّة التي نقلها عنهم الغربُ، وصار الأمر على ذلك إلى أن حدثت الفُرقة بين الأمراء وبين الحكومة المركزيَّة، لدرجة أن الأُمراء تحالفوا مع أعدائهم ضد حكومتهم، فكانت النتيجة أن فقدوا أعظم حضارة، وتحولت المساجد في الأندلس إلى كنائسَ، وأصبح الأمر أثرًا بعد عَين، وتظل إلى الآن بزخارفها ومعالمها شاهدةً على حضارة المسلمين وتقدُّمهم التي ضاعت بسبب اختلاف المسلمين وتفرُّقهم.

 وبسبب الفُرقة كانت أكبر مصيبة في العصر الحديث "سقوط الخلافة العثمانية"، استطاع اليهود دسَّ الفُرقة والخلاف بين صفوف المسلمين بسبب ضعفهم، ورفعوا شعار "فرِّقْ تَسُد" وكانت النتيجة سقوط الخلافة العثمانية، ووقوع البلاد الإسلامية، جزءًا في أيدي اليهود - كفلسطين - وجزءًا في يد الاستعمار الأوربي، وصارت تركة توزَّع حينما افترقوا، لذلك يُخاطبنا الله في قرآنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال].

يقول الرازي: بيَّن تعالى أنَّ النِّزاعَ يُوجِبُ أمرَين:

أحدُهما: أَنَّه يُوجبُ حُصولَ الفشَلِ والضَّعف.

والثاني: قولُه: ﴿ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ أن المُراد بِالرِّيحِ الدَّولَةُ، شُبِّهت الدَّولةُ وقتَ نَفاذها وتَمشيَةِ أمرِهَا بِالرِّيحِ وَهُبُوبِهَا. يُقَالُ: هَبَّتْ رِيَاحُ فُلانٍ، إِذا دانَتْ له الدولةُ ونفد أَمْرُهُ.

ويخاطبنا - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)).

 فيا أمة الإسلام: لماذا الخلاف؛ والدين واحد، والقرآن واحد، والقبلة واحدة ؟..

لماذا الفرقة؛ والأصل واحد، والأمة واحدة؟..

لماذا الفرقة والخلاف؛ والوطن يجمعنا، والبلاد تضمّنا، ومصلحة البلاد غايتنا؟...

فهل يختلّ نظام المجتمع، وتنتشرُ الفوضى والاضطرابات، وتتصدعُ أركان الأمة، وتتهددُ عروشها، وتنهَدّ حضاراتها؛ إلا بتفرقِ أهلها وتنازعِهم؟.

وهل تتعطل مصالحُ البلاد ومنافعُ العباد؛ إلا بالتفكك، والتعصب للآراء، واتباع الأهواء؟.

وهل يتسلط الأعداء ويتمكنون من رقاب الناس؛ إلا بتضارب الآراء، وتحكيم الشهوات والأهواء، وانتشار الأحقاد والحزازات الشخصية والنزَعات الفردية؟..

فإلى متى التفرق يا أمة الوحدة والألفة والإخاء؟..

إلى متى الفرقة؛ ونحن ندرك ما فيها من ضرر وفساد؟.

وأين المسلمون من الوحدة والتضامن والتعاون والتآزر والتعاطف والتراحم، ولمّ الشعَث وجمعُ الشمل؛ وما ظهر أمر المسلمين وقويت شوكتهم، وانتصروا على أعدائهم، وفتحوا البلاد، وقادوا العباد، وصاروا أئمة هدى، ومصابيح دجى، ودعاة خير وتقى، إلا باتحادهم ووحدتهم وتضامنهم،

 وتأملوا معي خطاب الله تعالى للأمة المسلمة، للمؤمنين، في كتابه العظيم؛ لتجد أن الله تعالى قد طالب المسلمين مطالبة صريحة واضحة واجبة في ضرورة اجتماعهم وبقائهم متحدين متآلفين معتصمين متفقين، ونهاهم أشد النهي، وحذرهم أقوى التحذير من الافتراق والتنازع والتنافر والتضادّ؛ فقال سبحانه لهذه الأمة مخاطبا إياهم جميعا ومطالبا إياهم بالاعتصام والاجتماع في أربع آيات: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران ]، وقال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) [النساء ]، وقال تعالى: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج ]، وقال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء ]

 فالله هنا، يضع للأمة وللمسلمين الطريق الصحيح لبناء دولتهم ومجتمعاتهم وجماعاتهم وأمتهم وحضارتهم، فيبين لهم أن الاتحاد والاجتماع والاعتصام من المقومات الأساسية لتحقيق ذلك . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم. واستغفرو ان الله غفور رحيم

تابع قرأة الخطبة الثانية مع الدعاء على مربع الاجابة اسفل الصفحة كالتالي 

0 تصويتات
بواسطة

الخطبة الثانية

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا

الحمد لله الباسط القابض، الرافع الخافض، والصلاة والسلام على خير الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: أيها الكرماء الأجلاء: 

لم يكن للعرب قبل الإسلام دولة، فلا قانون يجمعهم ولا سلطان يحكمهم، ولا شريعة ترسم لهم طريق الحياة، إلى أن أذِن الله لهذا الظلام بالزوال، فأرسل رسولنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة، فدعاهم إلى عبادة الله الواحد القهار، ونبَذ عبادة الأصنام والأوثان، لكن قريشًا كَبُر عليها الأمر، وتحكَّمت فيها العصبية الجاهلية، فلم يدخل في الدين الجديد إلا نفر قليل، فأذِن الله لرسوله بالهجرة إلى المدينة، وفيها تكوَّنت الدولة الإسلامية الأولى، واستمر الوحي الإلهي ينزل على رسولنا محمد، يوضِّح له قوام الدولة، ويحدِّد له أهدافها التي تُميزها عن غيرها في عقيدتها وفي مبادئها وسلوكها، ومعاملاتها وعاداتها.فدعا البشرية جمعاء أن تتَّجه بالعبادة لله الواحد الأحد، الذي أنشأهم من نفس واحدة، وخلَقهم في أحسن تقويم، وكرَّمهم ورزقهم من الطيِّبات، وفضَّلهم على كثير ممن خلَق تفضيلاً.

 دعاهم إلى الوحدة الإنسانية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء ].

فالوحدة لا تقوم على الجنس أو العنصر أو القبيلة؛ كما قال الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم لآدمَ، وآدمُ من تراب))، ولا نجد نداءً في القرآن خاصًا بالعرب، إنما النداء؛ إما بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [البقرة ]، فيعم الإنسانية كلها، وإما بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة]، فيعم المؤمنين ويخصهم.

وإن أبرز مثال هو ما تحقَّق في مجتمع المدينة مباشرة - بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها - مِن نظام المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين؛ ذلك أن المهاجرين ترَكوا ديارهم وأموالهم فِرارًا بدينهم إلى الله ورسوله، فكان لا بد من حلٍّ عاجلٍ لهذا الوضع الجديد المفروض على الأنصار بالمدينة؛ فهل امتنع الأنصار عن استقبال إخوانهم المهاجرين بين أحضانهم؟ وهل بَخِلوا عنهم بأموالهم وحكَّموا الأنانية؟ أم كان الإيثار بالأهالي والديار؟

لقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم نظام المؤاخاة في العام الأول من الهجرة في دار أنس بن مالك، فآخى بين كلِّ مهاجري وأنصاري اثنين اثنين، فشَمِلَت المؤاخاةُ تسعين رجلًا: (45 من المهاجرين، ومثلهم من الأنصار)، وقد ترتب على هذه المؤاخاة حقوقٌ معنوية ومادية، تمثَّلَت في المواساة والتعاون على أعباء الحياة من إنفاقٍ ورعاية، وتَناصُح وتزاوُر وتحابٍّ، بل بلغ الأمر إلى حدِّ التوارث بهذه المؤاخاة، يتوارث بها المتآخِيَان دون ذَوي الأرحام، حتى نزَل قوله تعالى: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾[الأنفال ]

فهل ضَجِر الأنصار أو ضاقوا ذرعًا بهذا التشريع النبوي الرحيم؟ لا، وألف لا؛ لقد رحَّبوا بهم عن طِيب نفس، بل بلَغ الايثار قمته، والحبُّ غايته، في هذا المثال الفريد:

 لما آخى الرسولُ بين سعدِ بن الربيع الأنصاري وعبدالرحمن بن عوفٍ المهاجري، قال له سعدٌ: إن لي مالًا فهو بيني وبينك شطران، ولي امرأتان فانظر أيهما أحبُّ إليك فأنا أطلِّقها، فإذا حلَّت فتزوَّجْها. قال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السوق، فلم يَرجع حتى رجع بسمن وأقط، ورأى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أثَر صُفرة، فقال: ((هل تزوَّجتَ؟)) فقال: نعم، تزوجتُ امرأة من الأنصار، فقال عليه السلام: ((أولِمْ ولو بشاة))[رواه البخاري ].

ولا شك أن المرء يقف مبهورًا أمام هذه الصور الرائعة من الأُخوة المتينة والإيثار المتبادَل الذي لم يَعرفه التاريخ في القديم والحديث، وليس موقفُ ابن عوف في أنَفَتِه وكرَم خلقه وعدم استغلاله لأخيه بأقلَّ روعةً من إيثار ابن الربيع. وبذلك استحق الأنصارُ هذا الوسام الرباني، وذلكم التشريفَ النبوي، فقد قال الله فيهم وفي المهاجرين إليهم: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر]

 واخيرا :أيها المسلمون:اقطعوا الطريق على من يكيد لدينكم، ويدبر السوء للنيل من بلدكم؛ بإيمانكم وتماسككم ووحدتكم وتضامنكم وأخُوّتِكم. يقول ربنا سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات ]،ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمّى». متفق عليه من حديث النعمان بن بشير.

وإذا قرأنا التاريخ نجد أنه لما وقع الخلافُ بين المسلمين ودبَّت الفرقةُ بين صفوفهم بعد مَقتل عثمان، ووقعت الحربُ بين عليٍّ ومعاوية - رضي الله عنهما - وذلك من أجل ثأر عثمان - لا من أجل المناصب كما يقول المتنطِّعون - وكانت بلاد الرُّوم قد فتح المسلمون أكثرها، وكانت تُسمى المملكة البِيزنطينيَّة، فتح المسلمون مصر والشام إلى شمال إفريقيا، لما علم قُسطنطين مَلكُ بيزنطة بالخلاف بين عليٍّ ومعاوية، وجد أنها فرصة سانحة للهجوم على المسلمين واسترداد أرضه، ولكن انظر - رحمك الله - إلى موقف معاوية، وتأمّل وتعلَّم ما كان منه - رضي الله عنه - إلا أن أرسل له رسالة يقول فيها: أيُّها الأحمقُ الرُّومي، إنك تقصد قتال المسلمين مُنتهزًا الخلاف الذي بينهم، فإن تقدمت في القتال فاعلم عندئذ أن معاوية أدنى جند في جنود علي ضدك، فلما وصله الخبر ضعف عزمُه، وأمر بإيقاف الاستعدادات العسكرية. فانظر رحمك الله! مجرد خبر عن اتحاد المسلمين كان سببًا في قطع المطامع عن قتالهم، فما بالك لو اجتمعنا على الحقيقة؟!

 وحَصّنوا عقول أبنائكم من الأفكار الهدامة، والآراء الشاذة، والسلوكات المنحرفة، التي تستهدف أمنكم وتزعزع استقراركم؛ بحسن توجيههم وتعليمهم، وزرع المحبة في قلوبهم، وتربيتهم على رعاية أخوّة الدين، ورباط الأخوّة الإسلامية، بعيداً عن النعرات والعرقيات، وفي منأى عن الحزبيات، وأن يسعوا لإصلاح ذات البين، وحفظ الألسن من الوقيعة في الأعراض، وسلامة القلوب من الغل والشحناء والحقد والبغضاء، وأن يقفوا سداً منيعاً أمام الجرائم الأخلاقية، والأمراض الاجتماعية، وغوائل الشرور، وبوائق القطيعة، وأدواء القلوب والصدور، حتى يسلم المجتمع من التفكك الاجتماعي، والتمزق الأسري، بل والخلاف السياسي والفكري، وغيرها مما يأتي على بنيان المجتمع من القواعد، ويُحوّله إلى فئات متناحرة، في صراع دائم، وتفكك مستمر، ومحن متكاثرة، وفتن كقطع الليل المظلم..

فاللهم اجمع شملنا ووحد صفوفنا، واجعلنا إخوانا متحابين على الخير متآلِفين، يا رب العالمين.اللهم إنا نعوذ بك من الفرقة والخلاف، ونعوذ بك من الشقاق والنزاع، ونعوذ بك من كل داء وبلاء، ونعوذ بك من المحن والفتن ما ظهر منها وما بطن.اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، وفرج همومهم، ونفس كروبهم، وانصرهم على أعدائهم يا قوي يا عزيز. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. واقم الصلاة.

جمعها ورتبها

الشيخ

محمد عبد التواب سويدان

خطيب بوزارة الأوقاف

بواسطة
للشيخ

محمد عبد التواب سويدان

عناصر الخطبة:

العنصر الأول :مظاهر الفرقة وصورها

العنصر الثاني: مخاطر الفرقة وضررها

العنصر الثالث : واعتصموا بحبل الله جميعا

نص الخطبة :
بواسطة
عناصر الخطبة:



العنصر الأول :مظاهر الفرقة وصورها



العنصر الثاني: مخاطر الفرقة وضررها



العنصر الثالث : واعتصموا بحبل الله جميعا

اسئلة متعلقة

...