في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

القدوة مبادئ ونماذج؟ أهمية ومعنى القدوة الحسنة والشروط الواجب توافرها في الشخص كي يكون أهلا لئن يقتدى به

كيف أكون قدوة حسنة

ما معنى قدوة حسنة

ما أهمية القدوة في حياتنا

القدوة مبادئ ونماذج

القدوة مبادئ ونماذج؟ أهمية ومعنى القدوة الحسنة والشروط الواجب توافرها في الشخص كي يكون أهلا لئن يقتدى به

يتناول الدرس معنى القدوة وأهمية القدوة الحسنة والشوط الواجب توفرها في الشخص حتى يكون أهلا لئن يقتدى به، وماهي الأمور التي تخرج الشخص عن صلاحية الاقتداء به، ثم بين كيف تتم التربية بالقدوة مع بيان نماذج من القدوات عبر التاريخ .

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد ،

فإن الدعوة إلى الله أمر جليل ودعامة عظيمة؛ من دعائم ترسيخ المبادئ الحقة في المجتمع المسلم، ومن أهم طرق الدعوة إلى الله والتي يكون مردودها أوقع وأقوى في النفوس:' القدوة الصالحة' والتي يرى فيها الناس واقعًا معاشًا للمبادئ التي يدعو إليها، القول فيها صنو العمل . ولأهمية هذا الأمر أردت أن أنبه على بعض إشارات تعين على أداء تلكم المهمة العظيمة والرسالة الشريفة.

مقصود القدوة ومعناها:

الأسوة والقدوة بمعنى واحد، ويقصد بها السير والاتباع على طريق المقتدى به، وهي نوعان : حسنة وسيئة .

الأول: الأسوة الحسنة: الاقتداء بأهل الخير والفضل والصلاح في كل ما يتعلق بمعالي الأمور وفضائلها، من القوة والحق والعدل.

وقدوة المسلمين الأول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول عز وجل:} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[21] {[سورة الأحزاب].ومن دقيق المعنى في هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه جعل الأسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحصرها في وصف خاص من أوصاف، أو خلق من أخلاقه، أو عمل من أعماله الكريمة، وما ذلك إلا من أجل أن يشمل الاقتداء أقواله عليه الصلاة والسلام وأفعاله وسيرته كلها فيقتدي به صلى الله عليه وسلم، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقتدى بأفعاله وسلوكه من الصبر الشجاعة والثبات والأدب وسائر أخلاقه، كما يشمل الاقتداء بأنواع درجات الاقتداء من الواجب، والمستحب، وغير ذلك مما هو محل الاقتداء.

والنوع الثاني: الأسوة السيئة: ويعني السير في المسالك المذمومة، واتباع أهل السوء والاقتداء من غير حجة أو برهان، ومن ذلك قول المشركين:} إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ[23] { [سورة الزخرف]. ولهذا رد عليه القرآن بقول:} قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ ءَابَاءَكُمْ ...[24] {[سورة الزخرف].

أهمية القدوة الحسنة :

إن من الوسائل المهمة جدًا في تبليغ الدعوة، وجذب الناس إلى الإسلام، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ القدوة الطيبة للداعي، وأفعاله الحميدة، وأخلاقه الزاكية مما يجعله أسوة حسنة لغيره؛ فيقبلون عليه، لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام وحده.

فالقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام، يستدل بها سليم الفطرة راجح العقل من غير المسلمين على أن الإسلام حق من عند الله . وتكمن أهمية القدوة الحسنة في الأمور الآتية :

المثال الحي المرتقي في درجات الكمال: يثير في نفس البصير العاقل قدرًا كبيرًا من الإعجاب والتقدير والمحبة، فإن كان عنده ميل إلى الخير، تطلع إلى مراتب الكمال، وأخذ يحاول تقليد ما استحسنه وأعجب به، بما تولد لديه من حوافز قوية تحفزه لأن يعمل مثله، حتى يحتل درجة الكمال التي رآها في المقتدى به.

القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل العالية : تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة، التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.

مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت: ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي. فإن ذلك أيسر في إيصال المعاني التي يريد الداعية إيصالها للمقتدى، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ - فَنَبَذَهُ وَقَالَ:- إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا] فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد. قال العلماء :'فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول'.

الأتباع ينظرون إلى الداعية نظرة دقيقة فاصحة : دون أن يعلم، فرب عمل يقوم به لا يلقي له بالاً يكون في حسابهم من الكبائر، وذلك أنهم يعدونه قدوة لهم، ولكي ندرك خطورة ذلك الأمر؛ فلنتأمل هذه القصة:

يروي أن أبا جعفر الأنباري صاحب الإمام أحمد عندما أخبر بحمل الإمام أحمد للمأمون في الأيام الأولى للفتنة؛ عبر الفرات إليه فإذا هو جالس في الخان، فسلم عليه، قال: يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل ـ يعني المأمون ـ إن لم يقتلك فأنت تموت، ولابد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول : ما قلت ؟ فأعاد عليه فجعل يقول : ما شاء الله، ما شاء الله .

وتمر الأيام عصيبة على الإمام أحمد، ويمتحن فيها أشد الامتحان ولم ينس نصيحة الأنباري، فها هو المروزي أحد أصحابه يدخل عليه أيام المحنة ويقول له: 'يا أستاذ قال الله تعالى:} وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ...[29]{[سورة النساء: 29]. فقال أحمد : يا مروزي اخرج، انظر أيّ شيء ترى !! قال: فخرجت على رحبة دار الخليفة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصى عددهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروزي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، قال المروزي: مكانكم . فدخل إلى أحمد بن حنبل فقال له: رأيت قومًا بأيدهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال: يا مروزي أضل هؤلاء كلهم !! أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء'. فمن أبرز أسباب أهمية القدوة أنها تساعد على تكوين الحافز في المتربي دونما توجيه خارجي وهذا بالتالي يساعد المتربي على أن يكون من المستويات الجيدة في حسن السيرة والصبر والتحمل وغير ذلك.

أصول القدوة :

الأصل الأول: الصلاح، وهذا يتحقق بثلاثة أركان:

الركن الأول: الإيمان: وتحقيق معنى التوحيد ومقتضياته من معرفة الشهادتين والعمل بمقتضاهما.

الركن الثاني : العبادة: فيستقيم القدوة على أمر الله من الصلاة، والزكاة، والصيام، وسائر أركان الإسلام العملية، ويهتم بالفرائض والمستحبات، ويَجِدّ في اجتناب المنهيات والمكروهات.

ويتمثل القدوة الحديث القدسي: [... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...] رواه البخاري .

الركن الثالث: الإخلاص : فيكون المقصود بالقول والعلم والعمل وجه الله، بعيدًا عن أغراض النفس وأغراض المخلوقين بل عبودية خاضعة تمام الخضوع لله، أمرًا ونهيًا ونظرًا وقصدًا. وإن النصح والإخلاص يرقى بالعبد الضعيف العاجز إلى رتبة القادر العامل ففي غزوة العسرة من تبوك سجل القرآن الكريم هؤلاء الضعفاء الناصحين المخلصين في قوله سبحانه}لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[91]وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ[92]{.

وسجل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الموقف حين خاطب جنده الغازين في سبيل الله بخير هذه الطائفة بقوله: [ إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ]رواه البخاري- واللفظ له- وأبوداود وابن ماجه وأحمد .

و أما ضعف الإخلاص عند كثير من ذوي المواهب والمواقع القيادية؛ جعل تابعيهم والمعجبين بهم يَشْقَوْنَ بمواهبهم ويرجعون بها القهقري. يتبين من كل ذلك أن الإسلام يلحظ في أعمال الناس ما يقارنها من نيات وما يصاحبها من دواعي وبواعث .
 

تابع القراءة حول القدوة مبادئ ونماذج في مربع الاجابات اسفل الصفحة 

كالاتي 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
الأصل الثاني من القدوة مبادئ ونماذج

 حسن الخلق:إذا كان الصلاح يتوجه إلى ذات المقتدى به ليكون صالحًا في نفسه قويمًا في مسلكه؛ فإن حسن الخلق يتوجه إلى طبيعة علاقته مع الناس، وأصول تعامله معهم، وإليه الدعوة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم: [ ...وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ] رواه الترمذي والدارمي وأحمد.

والكلام في حسن الخلق واسع متشعب وتحاول أن نحصر عناصره الكبرى في خِلالٍ خمس:

الصدق : تبرز أهمية الصدق وعظم أثره في مسلك القدوة في قوله صلى الله عليه وسلم: [ إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ...] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه وأحمد .

وقد سأل هرقل أبا سفيان عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ' هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ' .

وما أنجى الثلاثة الذين خُلفوا في غزوة تبوك إلا صدقهم مع الله ومع رسوله، حين ظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه، ولقد نادى الله سبحانه عباده المؤمنين في ختام قصتهم بقوله:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[119] {[سورة التوبة]. وهل رأيت سوأة أزري ممن يتسنم مواقع القيادة والقدوة بينما ترمقه الألحاظ، وتشير إليه الأصابع بالخيانة والكذب. وما كان للتهريج والادعاء، والهزل أن يغني فتيلاً عن أصحابه. وفي الحديث: [ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ] رواه أحمد.

الصبر : الأزمات إذا استحكمت والضوائق إذا ترادفت لا دفع لها ولا توقّي ـ بإذن الله ـ إلا بالصبر ذلك أن : [ ...الصَّبْرُ ضِيَاءٌ...] رواه مسلم . ومَنْ أَوْلَى من الرجل الأسوة بتوطين نفسه على احتمال المكاره من غير ضجر، والتأني في انتظار النتائج مهما بعُدت. والصبر من معالم العظمة المحمودة وشارات الكمال العالي ودلائل التحكم في النفس وهواها وهو عنصر من عناصر الرجولة الناضجة. فأثقال الحياة وأعباؤها لا يطيقها الضعاف المهازيل والحياة لا ينهض بأعبائها ورسالتها إلا الأكفاء الصبارون، وقد استحقت فتنة من بني إسرائيل الإمامة والريادة بصبرهم وحسن بلائهم:} وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[24] {[سورة السجدة]. وأدركت بني إسرائيل حالة استحقوا بها ميراث الأرض المباركة، وكان درعهم في ذلك الصبر:} وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ...[137] {[سورة الأعراف]. ولهذا فإن نصيب ذوي القدوة والأسوة من العناء والبلاء مكافئًا لما أوتوا من مواهب وما تحملوا من مشاق، يجسد هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ أَشَدّ النَّاس بَلَاء الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل] رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي.

الرحمة : الرحمة عاطفة حية نابضة بالحب للناس، والرأفة بهم، والشفقة عليهم . والرحمة المذكورة هنا يقصد بها: الرحمة العامة لكل الخلق، فيلقى المسلم الناس قاطبة وقلبه لهم بالعطف مملوء، إن الرحمة الخاصة قد تتوفر في بعض الناس فيرّق لأولاده حين يلقاهم ويهشّ لأصدقائه حين يجالسهم، ولكن الرحمة المطلوبة من القدوة أوسع من ذلك وأرحب: [...ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ...] رواه الترمذي وأبو داود وأحمد.

بل إن الرحيم تنال رحمته الحيوان من غير البشر، والله يثيب على هذه الرحمة، ويغفر بها الذنوب. فالذي سقى الكلب لما رآه يأكل الثرى من العطش؛ شكر الله له فغفر له، المرأة البغي من بني إسرائيل سقت كلبًا كان يطيف حول بئر في يوم حار قد دلع لسانه من العطش فنزعت له خفها وسقته؛ فغفر لها. ولئن كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب .

التواضع : جبلت النفوس على كره من يستطيل عليها ويستصغرها، كما جبلت على النفرة ممن يتكبر عليها ويتعالى عنها، حتى ولو كان ما يقوله حقًا وصدقًا. إن قلوبهم دون كلامه مغلقة، وصدورهم عن إرشاده ووعظه موصدة . إن التواضع خلق يكسب صاحبه رضا أهل الفضل ومودتهم، ومَنْ أحق بهذا الخلق من رجل القدوة، فهو أنجح وسيلة على الائتلاف.. إن ابتغاء الرفعة، وحسن الإفادة من طريق التواضع هو أيسر الطريق وأوثقها؛ ذلك أن التواضع في محله يورث المودة، فمن عمر فؤاده بالمودة امتلأت عينه بالمهابة.

ويلتحق بهذا الأمر ويلتصق به: حديث المرء عن نفسه، وكثرة الثناء عليها، فذلك شيء ممقوت، يتنافى مع خلق التواضع وإنكار الذات، فينبغي لرجل الدعوة ومحل القدوة ألا يدَّعى شيئًا يدل على تعاليه. بل إن حق عليه أن يعرف أن كل ما عنده من علم أو مرتبة هو محضُ فضل الله عليه فليتحدث بفضل الله لا بفضل نفسه، فإذا أدرك الناس منه ذلك؛ فتحوا له قلوبهم، وتحلّقت حوله نفوسُهم قبل أجسادهم، ووقع وعظّه وتوجيهه منهم موقع القبول والرضا، ونال من الحظوة على قدر إالرفق : والرفق صفة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي رحم الله العباد بها؛ فاصطفاه لها، يقول الله عز وجل:} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [159]{ [سورة آل عمران]. نعم لقد أدرك الله برحمته أن يمنن على العالم برجل يمسح آلامه، ويخفف أحزانه، ويستميت في هدايته، فأرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، وسكب في قلبه من العلم والعمل، وفي خلقه من الإحسان والبر، وفي طبعه من اللين والرفق، وفي يده من الكرم والندى ما جعله أزكى عباد الله قلبًا، وأوسعهم عطفًا، وأرحبهم صدرًا، والينهم عريكة . هذا بعض نعت محمد صلى الله عليه وسلم، المجتزأ من قوله تعالى:} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[4]{ [سورة القلم]. وهذا إيراد من قبس النبوة في باب الرفق، وبيان أثره:

يقول عليه الصلاة والسلام : [إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ] رواه مسلم-واللفظ له- والترمذي وأحمد . وقال مخاطبًا عائشة رضي الله عنها: [عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ] رواه مسلم.

وقد يحسن أن نخصّ الدعاة المقتدى بهم بخطاب عن الرفق أخذًا من نهج السلف؛ إذ أن هذا الميدان- ونحن نعيش الصحوة الإسلامية وأجواءها المباركة- نحتاج فيه إلى مزيد عناية، وفقه، وترفق:

يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ وهو على المنبر : 'يا أيها الناس لا تُبغّضوا الله إلى عباده، فقيل كيف ذلك أصلحك الله؟ قال: يجلس أحدكم قاصًّا- أي: واعظاً- فيقول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه، ويقوم أحدكم إمامًا فيطول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه'.

وَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:' يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ' قَالَ: ' أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا' رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.

يعلق على هذا الحافظ بن حجر في الفتح بقوله: ' وَيُسْتَفَاد مِنْ الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب تَرْك الْمُدَاوَمَة فِي الْجِدّ فِي الْعَمَل الصَّالِح خَشْيَة الْمَلَال , وَإِنْ كَانَتْ الْمُوَاظَبَة مَطْلُوبَة لَكِنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ : إِمَّا كُلّ يَوْم مَعَ عَدَم التَّكَلُّف . وَإِمَّا يَوْمًا بَعْد يَوْم فَيَكُون يَوْم التَّرْك لِأَجْلِ الرَّاحَة لِيُقْبِل عَلَى الثَّانِي بِنَشَاطٍ , وَإِمَّا يَوْمًا فِي الْجُمُعَة , وَيَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَال وَالْأَشْخَاص , وَالضَّابِط الْحَاجَة مَعَ مُرَاعَاة وُجُود النَّشَاط '.

والرفق ذو ميادين فسيحة ومجالات عريضة، فرفق مع الجهال: إما جهل علم، أو جهل تحضر، ولقد رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي الذي بال في المسجد، وتركه حتى فرغ من بوله وأمر أصحابه بالكف عنه وألا يقطعوا عليه بوله فلما فرغ دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن المساجد لم تبن لهذا وإنما هي لذكر الله والصلاة .

ومن الذين يخصون بمزيد من الترفق: المتبدئون في الإسلام والعلم وطريق الاهتداء. والغفلة في هذا الجانب قد تؤدي إلى فتنة وانعكاس في المقصود، وقد قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن : [ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا...] رواه البخاري ومسلم.

يقول ابن حجر:'والمراد تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليُقبل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حُبب على من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبًا الازدياد بخلاف ضده'.

وينبغي أن يتمثل القدوة في هذا الباب الرفق بمجالسيه، فيتحمل من كان منهم ذا فهم بطيء،ويسع بحلمه جفاء ذا الجهالة، لا يعنف السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجر فيضع من قدره.

الأصل الثالث : موافقة القول العمل : يقول الله عز وجل:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ[2]كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[3] {[سورة الصف]. الصدق ليس لفظة تخرج من اللسان فحسب، ولكنه صدق في اللهجة واستقامة في المسلك، الباطن فيه كالظاهر، والقول فيه صنو العمل .. هذا جانب.

حسانه وقصده. وجانب آخر: أن الناس والنفوس مجبولة على عدم الانتفاع بمن علمت أنه يقول ولا يعمل، أو يعلم ثم لا يعمل، ولهذا قال شعيب عليه السلام: } وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[88] {[سورة هود].

وجانب ثالث: هو أن كثيرًا من الناس لا يتوجه نحو العمل حتى يرى واقعًا ماثلاً، وأنموذجًا مطبقًا يتخذه أسوة، ويدرك به أن هذا المطلوب أمر في مقدور كل أحد. بل متى يكون المرء قدوة صالحة، وأسوة حسنة ما لم يسابق إلى فعل ما يأمر به من خير، وترك ما ينهى عنه من سوء؟! وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ]
0 تصويتات
بواسطة
تابع القدوة مبادئ ونماذج

وغير تقي يأمرُ الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليل

وهنا مسألة هامة يحسن التنبيه إليها: وهي أن المسلم حتى ولو كان قدوة مترقيًا في مدارج الكمال قد يغلبه هوى، أو شهوة، أو تدفعه نفس أمارة بالسوء، أو ينزغه الشيطان، فتصدر منه زلة، أو يحصل منه تقصير .فإذا حدث ذلك فليبادر بالتوبة والرجوع، وليعلم أن هذا ليس بمانع من التأسي به والاقتداء . وقد حدّث مالك عن ربيعة قال: سمعت سعيد بن جبير يقول:'لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر' قال: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء'. وقد قال الحسن البصري لمطرف بن عبد الله بن الشخير: 'يا مطرف عظ أصحابك، فقال مطرف : إني أخاف أن أقول ما لا أفعل؛ فقال الحسن : يرحمك الله وأيُّنا يفعل ما يقول؟ لودَّ الشيطان أنه ظفر بهذه منكم، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر'.

وقال الحسن أيضًا:' أيها الناس إني أعظكم ولست بخيركم ولا أصلحكم، وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لها ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه؛ لعُدم الواعظون، وقلّ المذكرون، ولما وُجد من يدعو إلى الله جل ثناؤه، ويرغّب في طاعته، وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضًا حياة لقلوب المتقين، وإذكار من الغفلة، وأمن من النسيان، فالزموا ـ عافاكم الله ـ مجالس الذكر، فربّ كلمة مسموعة ومحتقرٍ نافع'.

شواهد حية في مواقف القدوة :

في صلح الحديبية: وبعد أن فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم، من كتابة الصلح مع قريش، أمر عليه الصلاة والسلام الصحابة أن ينحروا، ثم يحلقوا من أجل أن يتحللوا من عمرتهم؛ لأنهم قد حصروا ومنعوا من البيت. يقول الراوي: ' فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا' رواه البخاري .

توضيح موقف وتفسير تصرف : يحسن بالقدوة أن يكون على درجة من الشفافية والتحسس؛ ليبقى بعيدًا عن موارد الظنون، ومواقع التأويلات . عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا: جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ] فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجة والدارمي وأحمد. قال الحافظ في الفتح:'وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتياط من كيد الشيطان والاعتذار'. ويقول ابن دقيق العيد:' وهذا متأكد في حق العلماء، ومن يقتدى بهم، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص لأن ذلك سببُ إلى إبطال الانتفاع بعلمهم'.

آمنة للصحب الكرام : فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول مهدئًا من روعهم: [ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا] رواه البخاري ومسلم . عليه الصلاة والسلام لقد كان أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس قولاً وعملاً .إن المتأمل ليقف متعجبًا لهذه الشجاعة المحمدية، ينطلق الناس قبل الصوت فيجدون إمامهم قد سبقهم بل قد رجع وهم في بداية الانطلاق، إن هذه الدعوة الصامتة للشجاعة مع قوارع القرآن هي التي استنهضت همة الأعمى كابن أم مكتوم ليصر على الجهاد ويحمل الراية، والأعرج كعمرو بن الجموح ليطلب الجهاد بإلحاح قائلاً:'إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة' فيقاتل حتى يقتل .

كرهت أن يحبسني :هذا مثال من غير الشجاعة ولكنه منظوم في مسلك السيرة العملية التي ترسم للأتباع، تقطع دابر الوسواس لدى بعض المتفيهقة ليميزوا ما كان رياءً مما ليس كذلك، فَعَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ:

[ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ] رواه البخاري والنسائي وأحمد.

وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

اسئلة متعلقة

...