في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة
صيام الست من شوال عند المالكية هل صحيح أن المالكية يكرهون مطلقا صيام الست من شوال؟

حكم صيام الست من شوال

هل صحيح أن المالكية يكرهون مطلقا صيام الست من شوال؟

لا، بل استقرَّ مذهب السادة المالكية على أن الكراهة تكون بأربعة قيود فقط، وهي:

١)إذا وصل صيام الست من شوال بالعيد، وهو أشد القيود جلبا للكراهة فيما أحسب.

٢)إذا صامها متتابعة.

٣)إذا صامها وهو يظن أنها سنة، كالرواتب البعدية للصلوات.

٤)إذا أظهر صيامها إن كان ممن يُقتدَى به.

فإذا فُقِد واحد من هذه القيود=انتفت الكراهة، على أن أول قيد هو أشدها جلبا للكراهة فينبغي مراعته ولو فُقِدَت البقية.

ثم يرجع حكم الصيام إلى الاستحباب لعدم وجود صوم مستوي الطرفين عندنا.

 فالصاوي في حاشيته على الشرح الصغير للدردير، قال: اعلم أن الكراهة مقيدة بخمسة أمور تؤخذ من عبارة الشارح والمجموع، فإن انتفى قيد منها فلا كراهة، وعلى هذا يحمل الحديث وهي أن يوصلها في نفسها وبالعيد مظهرا لها مقتدى به معتقدا سنيتها لرمضان كالرواتب البعدية.)

هذا كلامه بنصه...

فإن قلت: ألم يرد عن مالك كراهة صومها؟

بلى، وذلك لسببين:

١)خشية أن يُلحِق أهلُ الجهالة صيامها برمضان فيُزاد في رمضان ما ليس فيه، قال مالك في الموطأ:(إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يُلحِق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء، ولو رأوا في ذلك خِفَّتَه عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك.)

ولا تظننَّ هذا الذي يخافه مالك=أمرا محتملا، بل قد وقع حقا في زمان هو خير من زماننا؛ فقد قال القرافي:((قال لي الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث: إن الذي خشي مالك-رحمه الله تعالى-قد وقع بالعجم؛ فصاروا يتركون المسحرين على عادتهم، والقوانين وشعائر رمضان إلى آخر الستة أيام؛ فحينئذ يظهرون شعائر العيد.))

وقال أبو العباس القرطبي في المفهم :(( ويظهر من كلام مالك هذا : أن الذي كرهه هو وأهل العلم، الذين أشار إليهم، إنما هو أن توصل تلك الأيام الستة بيوم الفطر، لئلا يظن أهل الجهالة والجفاء أنها بقية من صوم رمضان، وأما إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيبعد التوهم، وينقطع ذلك التخيل))

قلت: وكراهةُ مالك صيامَ الست من شوال خوفا من أن يُظنَّ وجوبها أو تُلحَق برمضان=هو فقه له غَورٌ عميق لم ينفرد به مالك، بل ابن عباس قد نهى عن صيام رجب كله خيفة أن يظن جاهل فرضه.

بل إن المعصوم-صلوات ربي وسلامه عليه-هو أوَّل من أنار لهذه الجزئية الفقهية، قال القرطبي بعد أن أشار للعلة المستجلِبة للكراهة عند مالك: ((ومما يدلّ على اعتبار هذا المعنى: أن النبي قد حمى الزيادة في رمضان من أوله بقوله : " إذا دخل النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم " وبقوله : " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم و لا يومين ".))

٢)إن مالكا-رحمه الله-كان يحتاط في قبول الحديث خصوصا إذا لم يجد عملا لأهل المدينة ينهض به، وقد قال ابن عبد البر في الاستذكار:(( وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه إذا لم يثق بحفظه ببعض ما رواه. ))

ووجه كونه لم يثبت عنده وإن كان في مسلم أن فيه سعد بن سعيد ضعفه أحمد بن حنبل ، وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال ابن سعد : ثقة قليل الحديث ، وقال ابن عيينة وغيره : إنه موقوف على أبي أيوب أي وهو مما يمكن قوله رأيا إذ الحسنة بعشرة فله علتان الاختلاف في راويه والوقف .

قال الباجي: فلما ورد الحديث على مثل هذا، ووجد مالك علماء المدينة منكرين العمل به=احتاط مالك بتركه.

أما دعوى أن الحديث لم يبلغ مالكا=ففيه نظر كما قاله ابن عبد البر: ((وما أظن مالكا جهل الحديث والله أعلم، لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت وقد قيل: إنه روى عنه مالك، ولولا علمه به ما أنكره، وأظن الشيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه))

إذا عُلِم هذا فإن صوم الست من شوال من جملة المستحبات إذا انتفت العلل التي من أجلها قال مالك ذلك القول، ومن هنا تفهم صنيع السادة المالكية-فيما استقر عليه مذهبهم-من أنهم يجعلون لتلك الكراهة قيودا أربعا إذا اجتمعت=حُكِم بالكراهة، وإذا فُقِدت =حُكِم بالاستحباب لعدم وجود صوم مستوي الطرفين.

و ليطمئن قلبك أريدك أن تمعن النظر في قول مطرف صاحب مالك، وقول ابن عبد البر أحد فحول المالكية:

-قال مطرِّف كما في النوادر والزيادات:((إنما كره مالك صيامها لئلا يُلحق أهل الجهل ذلك برمضان، وأما من رغب في ذلك لِمَا جاء فيه من الأجر=فلم ينهه.))

-قال الحافظ ابن عبد البر ( ... وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان - رضي الله عنه - فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله؛ لأن الصوم جنة وفضله معلوم لمن ردّ طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، وهو عمل بر وخير، وقد قال الله عز وجل: وافعلوا الخير ومالك لا يجهل شيئا من هذا، ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك، وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافا إلى رمضان.)

وبالله التوفيق

#هلِّيَّات_في_الفقه_المالكي

وكتبه أبو عمر المالكي.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
صيام الست من شوال عند المالكية هل صحيح أن المالكية يكرهون مطلقا صيام الست من شوال؟
...