فروع المنظمة الخاصة نواة الثورة الجزائرية
المطلب الثالث : فروعها .
و إذا كانت المنظمة الخاصة قد اهتمت بتنظيم المجندين و إرساء أسس لنظام عسكري متين ، فقد اقتضى المر أيضا تنظيما إقليميا لكل التراب الوطني ، فمنذ البداية تم تنصيب أعضاء هيئة الركان المسؤولين على المناطق وفقا للتقسيم التالي :
محمد بوضياف : على منطقة قسنطينة و تضم ناحيتين شمال قسنطينة و الجنوب الشرقي أي الأوراس و بسكرة .
ـ عمار ولد حمود : منطقة القبائل .
ـ أحمد بن بلة : منطقة وهران .
ـ جيلالي رقيمي : العاصمة و ضواحيها أي متيجة و التيطري الجزائر الأولى .
ـ محمد ماروك : مسؤول الشلف و ضواحيها " الجزائر الثانية .
و من هنا نلاحظ (05) عمالات موزعة على التراب الوطني باستثناء الصحراء ، و فيما بعد تم إدماج الجزائر و تولى قيادتها جيلالي رقيمي ، كما شكلت الصحراء منطقة أخرى بقيادة أحمد محساس و تجدر الإشارة أن هذا التقسيم يتضمن تقسيما جغرافيا آخر على مستوى الدوائر ثم ينزل إلى مستوى النواحي ....و هكذا .
و في ظرف حوالي سنة تمكنت المنظمة الخاصة من وضع الترتيبات الهيكلية و النظامية عبر التراب الجزائري و وصل عدد أفرادها إلى حوالي 1500 مجند يعملون في نظام محكم و في سرية كاملة و تدريب مستمر ، و هناك من يذكر أن عدد المجندين قد وصل إلى 2000 أو تجاوز هذا العدد إلى 3000 مجند و سواء كان العدد 3000 أو 1500 مناضل و هو الأرجح فإنه يبدو قليلا إذا قارناه بالقوات الاستعمارية ، و يمكن أن نفسر ذلك من عدة أوجه :
أولا : أن هذه المنظمة شبه عسكرية تمثل الإطار الذي سينخرط فيه عدد هام من عناصر المقاومة .
ثانيا : أن هذه المنظمة هي الأداة العسكرية للحزب و هو الذي يقرر وقت إعلان الثورة ، و قائد هيئة الأركان لم يكن يستطيع أخذ أي قرار في هذا المجال دون أخذ رأي الحزب .
ثالثا : أن المنظمة الخاصة جزء من البنية التركيبية لـ ح.إ.ح.د فهذا الحزب يعد بمثابة المقدمة الدفاعية لمجموعة من القوى التي كان عليها أن تكون مجندة لتأدية دورها في تعبئة الطبقات الشعبية .
المبحث الثاني : إنجازات المنظمة
بعد إرساء دعائم المنظمة الخاصة كان على مناضليها تحقيق جملة من الأهداف الآتية و المؤجلة التي قامت من أجلها و كان لابد لها أن تنتقل من المرحلة التنظيمية إلى المرحلة العملية بخطرات ثابتة و حثيثة ، فكيف كانت طبيعة التكوين التي تلقاه المجندون ؟ و هل تم تخصيص مناطق محددة لتلقي التدريب ؟ و ما هي مصادر الأسلحة التي كانت تستعمل ؟ و إلى أي مدى استطاعت المنظمة الخاصة إنجاز ما كانت تطمح تحقيقه ؟
المطلب الأول : التكوين الديني و التدريب العسكري .
أولا : التكوين الديني :
فطبيعة التكوين كان مندرجا في التكوين العقائدي (الديني) للمجندين الذي ارتكز على الإسلام و التاريخ ، و بالتالي فإن ما هو محرم دينيا (الخمر و القمار و السرقة و غير ذلك ) كان ممنوعا في المنظمة ، و كان التكوين عبارة عن دروس و محاضرات التسيلط الضوء على سيرة الرسول (صلى الله عليه و سلم ) و مراحل نشر الدعوى المحمدية و أخذ العبرة و الدروس من التاريخ و تركزت على المراحل التاريخية للجزائر منذ ما قبل الاحتلال و خاصة تاريخ المقاومة الوطنية1.
ثانيا : التدريب العسكري :
ـ أما فيما يخص التدريب العسكري فإن المناضلين كانوا يتلقون دروسا نظرية و تطبيقية من قبل المعلمين و مدربين ، و من ذلك مثلا تنظيم هيئة الأركان لدورتي تدريب الأولى في نهاية جانفي عام 1948 التي تمحورت محاضراتها حول الحركات الثورية في ايرلندا و الاتحاد السوفياتي ، أما الدورة الثانية فقد انتظمت في شهر أوت 1948 في جبال الظهرة ، و الذين أشرفوا على التدريب معظمهم قد عمل بالجيش الفرنسي سواء في الحرب العالمية الثانية أو قبلها أو شاركوا في حرب الفيتنام ، و لذل فإن الخبرة لم تكن تعوزهم لأنهم قد اكتسبوا فنون الحرب بما في ذلك أسلوب حرب العصابات في الميدان ، و إنما الشيء الذي كان ينقصم هو الوسائل .و شمل التدريب العسكري على أرين أساسيين هما :
الأول هو التدريب على حمل السلاح من حيث فكه و تركيبه و طريقة استعماله ، و تركيب المتفجرات ، استعمال الراديو من حيث الإرسال و الاستقبال و هذه التدريبات تمت تحت غطاء السرية في أماكن معينة تختارها المنظمة بدقة .
الأمر الثاني هو قيام بعمليات تدريبية في الجبال و الغابات و الوديان ، و الشعاب بهدف معرفة المناطق التي ستكون ميدانا للمعارك .
هكذا أن تكوين الرجال و لكن ذلك لم يكن كافيا لمواجهة قوة عسكرية تتوفر على الأسلحة الحديثة لقواتها البرية و الجوية و البحرية ن و بالتالي اعتر جلب السلاح من اكبر المهام و أخطرها ، و قد عملت المنظمة الخاصة على جمع الأسلحة التي خزنت من قبل في مطامر لاسيما في بعض المناطق في الأوراس خاصة منها الذخيرة الأمريكية بعد نزول قوات الحلفاء في شمال إفريقيا سنة 1942 ، و كذا بحث عن الأسلحة سواء داخل الوطن أو خارجه عبر الحدود الليبية و التونسية و المغربية قصد جمعها أو شرائها مهما ارتفع ثمنها و يترك في الجهة الشرقية للبلاد إذا كان مصدره من الحدود الشرقية و الشيء نفسه إذا كان من الحدود الغربية .
المطلب الثاني : مشاكل التموين للمنظمة الخاصة .
و في فترة بين عامي 1948 – 1949 واجهت المنظمة مشكلة التمويل بحدة و ذلك لعدة أسباب أهمها :
1 ـ المبالغ الباهظة التي أنفقها حزب حزب ح.إح.د في الدفاع عن مناضليه المسجونين وعلى الحملات الانتخابية الكثيرة النفقات .
2 ـ كون مصادر هذه الأموال كانت عبارة عن هبات و تبرعات تقدم من المناضلين و المؤيدين الذين تعرضوا للقمع و الاضطهاد بقيادة الحاكم العام " نايجلين " و بالتالي ازداد تقلص المداخيل المالية .
3 ـ اتساع المنظمة المضطرد و تزايد الحاجة إلى تمويل فروعها عبر أرجاء الوطن .
فكيف السبيل إلى تمويلها و كل رجالها كانوا مستعدون لتنظيم بعض العمليات الثورية لتحقيق بعض الأغراض في انتظار تحقيق الهدف الأول و هو تفجير الثورة التحريرية ؟
المطلب الثالث : الهجوم على بريد وهران .
و لهذه الأسباب يقول أحمد بن بلة في مذكراته " إننا لا نعدم نقودا في الجزائر ، و إنما يجب أن نأخذها حيثما توجد في البريد أو في البنوك ... لنكن منطقيين مع أنفسنا على استعداد للتضحية بحياتنا في هجوم عنيف ضد المحتل فلا ينبغي أن نتخثر أمام خزائنه الملية " ، هكذا إذن يفتح بعض الأعضاء المنظمة الخاصة مثل أحمد بن بلة و حسين آيت أحمد و محمد خيضر الطريق لتجاوز الأزمة المالية و بالتالي شراء الأسلحة و تخليص الحزب من ديونه التي بدأت ترتفع ، و اعتبار تلك الموال التي يستفيد منها المعمرون و يتداولونها في البنوك و المصاريف ملكا مشاعا للجزائريين .
و لهذه الأسباب مجتمعة و بعد تفويض من الحزب إثر اجتماع اللجنة المركزية في شهر ديسمبر 1948 ، تم مهاجمة مركز بريد وهران ليلة 05 أفريل 1949 و رغم خطورة العملية فإنها لم تعد إلا بمبلغ قدره 3070000 دج فرنك عكس ما كان متوقعا و المهم أن العملية لم تكون الوحيدة من نوعها بل هناك عمليات أخرى بها المنظمة الخاصة ، مثل تحمل مسؤولية لافارين من الإدارة الاستعمارية كمقاومي القبائل الذين ظلوا في الأدغال بين 45 ـ 1948 في ظروف مزرية بعيدا عن قراهم يتحملون قساوة العيش و قد بلغ عددهم حوالي 50 مناضلا ، و كانت القرى التي ينتمون إليها تتعرض بين الحين و الآخر للمضايقات و التفتيش الدقيق و قد تولى هذه المسؤولية فرع الأوراس بقيادة بن بولعيد و وهران بقيادة بن بلة .
المبحث الثالث : مصير المنظمة و موقف الجانبين الفرنسي و الجزائري
المطلب الأول : مصيـــر المنظمة .
إن المنظمة الخاصة قد حملت على عاتقها تعبئة الطبقات الشعبية عن طريق النخبة الثورية من مناضلي ح.إ.ح.د و بعد قطع أشواط كبيرة في التنظيم و أحيانا المرور إلى العمل الميداني من خلال بعض العمليات الذي سبق ذكره لم يبق إلا تحقيق الهدف الرئيسي و هو الانتقال إلى الثورة ، و بما أن القاعدة أو الأرضية النضالية موجودة في الواقع بكل قوة و الاستعداد كان على أهبته فلماذا التفكير في تأجيل العمل المسلح ؟
و من خلال تتبعنا لهذه المسألة على مستوى ح.إ.ح.د فإننا نجد في أواخر سنة 1949 بروز العديد من الخلافات الحادة داخل الحزب علاوة على ما عرف باسم الأزمة البربرية ، بالإضافة إلى عدم الاتفاق حول توجهات موحدة و خاصة كما يرى البعض بعد سيطرة بعض العناصر البرجوازية على قيادة الحزب1 ، مع أن الرأي الآخر يقول أن يرى أن الحزب المذكور لم تسيطر عليه عناصر برجوازية باستثناء أصحاب الأعمال الحرة مثل دكتور الأمين دباغين .
و الواقع أن أعضاء المنظمة الخاصة قد وجدوا أنفسهم أخيرا في مأزق صعب فلا القيادة السياسية اتخذت القرار بتفجير الثورة و لا هي سمحت بذلك المنظمة العسكرية ، و يبدوا أن الحجج التي تلكأت بها المنظمة السياسية كانت واهية كنسيج العنكبوت و هي : الوقت لن يحن بعد ، و الشعب غير مستعد لاستيعاب الثورة ، و إمكانات غير متوفرة ، و التدريب غير مكتمل ...الخ رغم أن المنظمة أصبحت متغلغلة في أعماق الشعب و لها العديد من الإطارات العسكرية المدربة فضلا عن الأموال و الأسلحة التي جمعت ، و الجدير بالذكر أن معظم الأسلحة التي استخدمت ليلة أول نوفمبر 1954 كانت مما جمعته المنظمة الخاصة مثل فرع الأوراس و أن الجماهير الشعبية لم تحتج إلى وقت طويل لاحتضان الثورة .
و المهم أنه حدث ما هو في الحسبان و هو اكتشاف المنظمة يوم 18 مارس 1950 و الحق أن هناك غموض حول كيفية اكتشافها من قبل السلطات الفرنسية بسبب السرية التي أحيطت بها ، و هنا يمكننا أن نتساءل عن الحادثة التي تسببت في اكتشاف المنظمة السرية ؟؟؟
و تظهر مجموعة من الروايات في هذه القضية :
* الرواية الأولى : إن المنظمة الخاصة بين سنتي 1948 ـ 1949 كتنظيم عسكري دون العلم بأشخاصها و محركيها ، و الخطوة الأولى كانت عن طريق حادثة بريد وهران1 ، و من هنا بدأت متابعة مخابرات الفرنسية للمنظمة حتى اكتشافها يوم 18 مارس 1950 .
* الرواية الثانية : مفادها أن لسلطات الفرنسية علمت بوجود تنظيم مسلح عندما اعتقلت 3 طلاب من بينهم محمد يزيد الذي ضبط و هو يحمل وثائق عن الجيش السري و كان ذلك في شهر ماي 1949 .
* الرواية الثالثة : تقم على فرضية أن الجناح السياسي لح.إ.ح.د هو اذي أوع