في تصنيف مناهج تعليمية بواسطة

من رواية الشخاذ مختلف التجارب التي مرَّ بها عمر الحمزاوي في رواية الشحاذ 

محتوى 

1) تشخيص الطبيب للأزمة :2) تنفيذ وصية الطبيب:3)تجربة الفن :4) تجربة الجنس:5) تجربة التصوف:6)هدنة الرجوع إلى البيت:7) تجربة العزلة:

من رواية الشخاذ مختلف التجارب التي مرَّ بها عمر الحمزاوي في رواية الشحاذ 

تبدأ الرواية بلحظة اختلال في حياة البطل , فبمجرد أن تلج عالمها نلقى " عمر الحمزاوي " في قاعة الانتظار في عيادة طبيب , و تتقدم الأحداث لتكشف ملامح هذا الاختلال , إذ يتصدر الرواية مقطع وصفي يرصد فيه الحمزاوي محتويات الحجرة , و أول هذه المحتويات اللوحة الكبيرة " التي تنتصب في الواجهة لتعلن منذ المستهل عن ملامح الرواية : لوحة تتأسس على فضاء جماعي تتشاكل فيه الألوان ", " بياض السحب و زرقة المحيط و خضرة الأرض " و هي عناصر اطلاقية إذ " لا علامة تدل على وطن من الأوطان" الرواية اذ تنفتح على اهتمامات عامة مطلقة و تعانق شواغل إنسانية رحبة , و لئن قدم الحمزاوي هذا الفضاء تقديما هو إلى التسجيل أقرب فانه سرعان ما يغادر هذا الموقع الحيادي فتتحول حركة الوصف من الخارج إلى الداخل و تنهمر مجموعة من الاستفهامات تؤكد هذا التحول و تبرز عالم الشخصية الباطن و تكشف أصداء هواجسها و انفعالاتها فتلوّن هذه الشخصية عناصر اللوحة الموصوفة ببعض ملامح عالمها النفسي تلوينا يفتح الرواية على عالم الرمز و يوثق علاقتها بالمجال الذهني فإذا بالفضاء الرحب يتحول مع الاستبطان الذاتي إلى انغلاق و "سجن لا نهائي" أما الأبقار التي ترعى في فضاء اللوحة فهي تغدو في نظر الواصف رمزا دالا على الغفلة و السذاجة و أما الطفل المتطلع إلى الأفق فانه يصبح تائقا إلى تحطيم قضبان سجن الوجود سعيا إلى منشود أرحب إلا انه يعتلي جوادا خشبيا قاصرا على أن يبلّغه رغبته و لعل الطفل اللاعب المستطلع أن يكون الحمزاوي نفسه في الرواية يسعى إلى البحث عن أفق جديد يتجاوز فيه المعطى و الماثل من أجل امتلاك حقيقة الحياة و إدراك معناها أما الجواد الخشبي فلعله إشارة منذ البداية إلى خيبة المسعى و فشل المحاولة .

اللوحة إذا تختزل عالم الأثر و تلخصه و أما أحداث الرواية فهي تفصيل لما ورد مجملا في اللوحة و يمكن أن نصنّف هذه أحداث إلى المقاطع القصصية التالية:

1) تشخيص الطبيب للأزمة :

بدأت أزمة الحمزاوي بإحساس بالخمول و الوهن يزلزلان دعائم ما ابتناه من مجد و روابط أسرية , و هو إحساس عاصف أليم حاول أن يجد له دواء عند طبيب من أصدقائه القدامى أملا في أن يعثر لهذا الوهن الجارف على سبب عضوي , إلا أن الطبيب لم يهبه هذا الأمل فقد أكد عدم وجود علّة مرضية جسدية و أقرّ مع ذلك بأن في الأعماق مقدّمات لأكثر من مرض , بل لقد عدّ مرضه " مرضا بورجوازيا " ناشئا من نمط معين من الحياة و شواغل خاصة متولدة عن انتماء طبقي اجتماعي محدد و لذلك فالدواء في مثل هذه الحالة " لا يضرّ و لا ينفع " و لا يكون الخلاص إلا من خلال سعي شخصية المريض ذاتها إلى إيجاد مخرج دون تدخل الطبيب " الدواء الحقيقي بيدك أنت وحدك ". إلا انه مع ذلك قدم وصفة للحمزاوي قائلا:" اعتدل في الطعام , قلّل من الشراب , التزم برياضة منتظمة كالمشي فلن تلقى ما تخشاه".

2) تنفيذ وصية الطبيب:

في هذا الإطار يندرج اصطياف الأسرة في شاطئ الاسكندرية , و هناك تشهد أزمة الحمزاوي بعض الانفراج يؤكده من خلال رسالة بعث بها إلى صديقه مصطفى المنياوي قائلا:" و لو أنك رأيتني لدهشت للتقدم الذي أحرزته " فقد دبّ في جسمه النشاط و تخفف البدن من بعض زوائده و انتعش بالإقبال على المشي و ترك الشراب , إلا أن القلق مع ذلك ازدادت حدته بل لقد تعمّق في كيانه الشعور الجارف بالضيق و أحس" بانتفاء الروابط مع العالم الخارجي و استحالة التواصل مع المحيطين به و تهتّكت علاقته بالقيم المتواضع عليها فهتف قائلا في رسالته إلى صديقه " أنا لا يهمني شيء صدّقني لا أدري ماذا حصل لي ". حتى الزوجة بدت جزءا من الحياة التي يريد القطع منها إذ أصبحت تثير التقزّز في نفس البطل المأزوم التائه " و هي المال و النجاح و الثراء و أخيرا المرض".

و أدرك بذلك أن تطليق ملامح حياته السابقة لا يمكن أن يشكّل بمفرده انفراجا للأزمة و بذلك سيتم البحث عن وجه آخر من وجوه الخلاص.

3)تجربة الفن :

مثل الشعر مسارا من مسرات البحث عن معنى الحياة المفقود و ملاذا من ملاذات الهروب من الإحساس بالانقباض أوقدت الابنة بثينة شعلته في نفسية الحمزاوي و قدحت بشعرها في ذاته أشواقا غامضة مبهجة لتجربة قديمة تزامنت مع عهد الأحلام و الطموح و قبرت في المهد قبل أن تكتمل و تينع, فيقول معترفا " حقّا لقد دبّت حركة في الركود الأبدي و رحت ابحث عن نغمة ضائعة و تساءلت هل يمكن أن أبدا من جديد " فقد اعتقد الحمزاوي أن خوض تجربة الشعر يمكن أن يمثل مظهرا من مظاهر وأد الشعور بالضجر و إعادة التوازن المفقود إلى ذاته التائهة إلا أن هذا الاعتقاد لم يكن إلا وهما خادعا فكان هذا المسلك مجرد حركة طارئة ثم ما لبثت إن تجمدت بعد أن أدرك عبثية رصد منفذ للخلاص من خلال إحياء نبض دفقات الشعر و خوض تجربة الأمس الغابر من جديد و هذا ما جعله يبحث عن مسلك جديد.

4) تجربة الجنس:

في أتون هذه الرحلة يتيقظ الشعور بالحاجة إلى النشوة تهبها المرأة الجميلة , يقول "ذات ليلة و أنا في السينما رأيت امرأة جميلة فدبّت الحركة مرة أخرى" فاندفع الحمزاوي يخوض تجربة الجنس و ينغمس فيها بكليته و تعددت تجاربه و علاقاته و أصبح هذا الطور من أطوار حياته " تواقا لنشوة الخلق الولي اللائذة بسر من أسرار الحياة ". اغترف من حياض النشوة حتى ثمل و امتلأ فكانت عشرات النساء, بحث في أجسادهن عن معنى الحياة و تشبث بهذه التجربة بعد أن دبّت في أوصاله حركة توهم بالعودة إلى التوازن من جديد فلم يهتم بالروابط العائلية اذ أصبحت في نظره جزءا من الأزمة ومنفذا للشعور بالمرارة, و حتى حبه القديم لزوجته أصبح عنده قذارة و رتابة و كراهية سافرة , إلا أن هذا الطور من مسيرة الشحاذ من أجل رصد أفق الخلاص لم يكن في النهاية مختلفا عن الأطوار السابقة إذ اجتاحه الملل و اكتنفه الإحساس بلا جدوى هذا المسلك فهتف يائسا:" لا الشعر و لا الخمر و لا الحب فبأي نداء تلبى تلك النشوى المستعصية؟"

5) تجربة التصوف:

ضمن سياق البحث عن قارب نجاة يمكن اتخاذه وسيلة للخروج من لجة السؤال اكتشف الحمزاوي تجربة جديدة تقوم على الخلوة و الانفراد و تنهض على رفض ضمني للواقع و انفصال بائن عن كل رموزه و محدّداته و علاقاته يستبدله البطل بتأملات عميقة في الكون و الطبيعة وعناصر الوجود كأنه يطمح إلى فك مستغلقات الحياة قصد الوصول إلى سرّ الأسرار, تقوم هذه التجربة على استقراء معالم اليقين من خلال السعي إلى الانصهار مع عناصر الكون و الاتحاد الصميم مع أشياءه , إنها رغبة الائتلاف الكامل مع الحياة في بكارتها الأولى و هي حال تشبه تجارب التصوف إدراكا للحظة الطهر و التجرد , و هي بذلك تجربة روحية صافية غرضها الاتحاد بالمطلق.

6)هدنة الرجوع إلى البيت:

بدت تجربة التصوف التي خاضها الحمزاوي واعدة بادراك النشوة من خلال الإصغاء إلى أنفاس المجهول و همسات السر فهتف مغتبطا "ألا يستحق أن يبذل كل شيء من أجله ؟" إلا أن هذه الغاية تتأجل إلى حين إذ يعود إلى البيت مرغما بعد أن وضعت زوجته ابنا اختارت له "بثينة" اسم "سمير" و بعد أن خرج صديق الأمس " عثمان خليل" من السجن الذي التهم عقدين من عمره فكان اللقاء بين رجل خارج من السجن إلى الدنيا إلى عالم مجهول و لكن الحمزاوي بقي في هذه الهدنة منغلقا على هواجسه مسجونا في تأملاته الباطنية الضيقة نتيجة ضمور وسائل التواصل مع الشخصيات المحيطة به و بذلك انتهت هذه المرحلة بفشل ذريع فهتف قائلا " أي خطأ كانت تلك الهدنة التي أرجعتني إلى البيت ؟" و هكذا أدرك عجزه عن الارتباط بدنيا الناس.

7) تجربة العزلة:

تمثل آخر التجارب في الرواية إذ رام أن يتخطى أسوار الزمان و المكان و انتهى إلى كوخ قصي مهجور يريد أن يستقبل " شعاع النشوة الوردي بلا وسيط " فعاش حالات تتراوح بين اليقظة و الغيبة كأنها تختزل أمام ناظريه تاريخ الإنسانية بأكملها إلى أن اقتحم عليه "عثمان خليل " خلوته فاستحال التواصل بينهما لأن الحمزاوي كان غارقا في تهويماته متشبثا بعالمه و فجأة تأتي الشرطة فتحاصر المكان للقبض على صديقه . و تنتهي الرواية بعودة البطل في سيارة الشرطة جريحا إلى الدنيا مع عثمان خليل " مأسورا مقبوضا عليه و قد تردد في وعيه بيت من الشعر في وضوح عجيب :" إن تكن تريدني حقا فلم هجرتني"

على إن هذه المفاصل الحديثة الكبرى لم تكن في الرواية بمثل هذا التنامي المنطقي المتدرج , بل لقد قامت الوقائع الروائية على التدخل و خضعت لمبدأ التشبّث و غياب الوصل السببي الذي ينمي الأحداث و يسلمها إلى التوتر فالعقدة , فالانفراج شأن القصة التقليدية. معنى ذلك أن الرواية تخرج عن قاعدة الانتظام الحدثيّ التقليدي و تخرق مواصفات التشكيل القصصي الدارج خرقا وظيفيا مقصودا يستجيب لطبيعة الأزمة المركبة التي تعتمل في ذات البطل حتى لكأن طبيعة الرواية الذهنية فرضت تشكيلا قصصيا متداخلا متنافرا يتناغم مع ذات البطل التائهة القلقة.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
من رواية الشخاذ مختلف التجارب التي مرَّ بها عمر الحمزاوي في رواية الشحاذ وهي كالتالي

اسئلة متعلقة

...