العناصر القصصية في رواية الشحاذ
العناصر القصصية في رواية "الشحاذ"
ويسعدنا أن نقدم لكم في موقعنا النورس العربي الكثير من المعلومات المتعلقة عن ما تبحثون عنه وهي كالاتي.
تتكون كل قصة و رواية من أجزاء و عناصر لا بدّ من وجودها لكي تظهر القصة إلى الوجود، و هي :
1- الحكاية ( سرد الأحداث)
يبدأ القصة عندما يذهب عمر الحمزاوي إلى عيادة صديقه الطبيب حامد صبري و يشكو إحساسا انتابه و دفعه إلى الضجر من كل شيء، من زينب زوجته، من العمل، و من كل ما تحاط به حياته. لقد أخذ يتأمل حياته و هو أفاق بعد عمي ربع قرن؛ و مثلما انتکس حماسه الثوري، انتكست أيضا مشاعره تجاه زينب، إذ أصبحت نموذجا للمطبخ و الإمتلاء و الدسم و أيضا للضجر و الملل. و قد أدت حياته معها إلى تحوّله عن انقلاب الثائر و المتطلع إلى سر الوجود إلى" محام ثري في المواد الدهنية ".3 فترة حبه لزينب و حماسه للإرتباط بها عاصرت جانب الثورة في نفسه ، ذلك الجانب النقي الذي دفعه إلى حب الشعر حيث كان يستنطق أصدق مشاعره. فالثائر فيـه هو الذي فجّر ملكة الشعر. و عندما انقلب إلى النقيض اتخذ المسار نفسه تجاه زينب، إذ قال في حديث" يا إلهي! إنهما شيء واحد: زينب و العمل، و الداء الذي زهدني في العمل هو الذي يزهدني في زينب، و هي القوة الكامنة وراء العمل، هي رمزه ، هي المال، و النجاح ، و الثراء، و أخيرا المرض. و لأنني أتقزز من كل أولئك فأنا أتقزز من نفسي، أو لأنني أتقزز من نفسي فأنا أتقزز من كل أولئك".4
و قد كان تشحيص الطبيب لمرض عمر الحمزاوي بأنه" مرض بورجوازي "؛5 و قد عدّه ظاهرة طبيعية لأبناء البورجوازية، و أن القلق و التوتر يعدان سمة ملازمة لأبناء هذه الطبقة، و هو يوضّح هذا لعمر قائلا:" دعني أصف لك حياتك كما أستنبط من الكشف، أنت رجل ناجح ثري، نسيت المشي أو كدت، تأكل فاخر الطعام، و تشرب الخمور الجيدة، و ترهق نفسك بالعمل لحد الإرهاق، و دماغك دائما مشغول بقضايا الناس و أملاكك. أخذ القلق يساورك علي مستقبل عملك و مسير أموالك".6
بدأ عمر الحمزاوي حياته ثوريا، و كان من الطلائع الذين يحلمون بالمدينة الفاضلة، و يتفجرون حماسا للثورة، و يشتعلون رغبة في الحياة الإنسانية التي يسودها العدل و المساواة تحت ظل الإشتراكية و يعلمون لتحقيقه. و قد انسحبت روح الثورة عن حياة عمر الشخصية، إذ تزوج غير تقليدي، فقد أحب كامليا فؤاد و هي من مدرسة الراهبات. و قد قرر الزواج منها بعد أن غير اسمها إلى زينب و كان يشاركه في طريق الثورة صديقاه ( عثمان خليل و مصطفي المنياوي ) فانطلقوا جميعا بروح الحماس و الثورة و الحلم بالمدينه الفاضلة. و في منتصف طريق الجهاد و بعد تدبيرهم لقتل احدي الشخصيات المناوئة للقوي الثورية يتمَ القبض علي عثمان خليل و يستطيع الآخرون الفرار. و عندئذ تطوي صفحة الجهاد، إذ يقبع عثمان خليل خلف أسوار السبحن دافعاً سنوات من عمره في الدفاع عن عقيدته، صامداً علي التعذيب ألا يدل علي زميليه. و اتجه عمرالحمزاوي إلى العمل في المحاماة و هجر الفن و الشعر، و آمن من خلال ممارسته العملية للحياة بأنه لا مكان للفن الصادق فيها، و أن الفن مجرد لهو و تسلية في عصر سيطر فيه العلم علي الحياة سيطرة تامة، بينما نجد مصطفي المنياوي قد ارتد من طريق الفن الجاد و أخذ يکتب مسرحيات لتقدّمها فِرَق الطليعة المسرحية، ثم اتجه إلى ميدان الفن للتسلية. الفن بلا مضمون جادّ. و قد شبّه هو نفسه ببائع اللب و الفُشار و كافة أدوات التسلية في الصحافة و الإذاعة و التلفزيون. فقد يكتب بقلمه دون ايمان شخصي بما يكتب. فقال لعمر:" العلم لم يبق شيئا للفن، ستجد في العلم لذة الشعر و نشوة الدين و طموح الفلسفة. صدّ قني لم يبق للفن إلا التسلية. و سينتهي يوما بان يصير حلية نسائية مما يستعمل في شهر العسل ... إقرأ أي كتاب في الفلك أو في الطبيعة أو في أي علم من العلوم و تذكّر ما تشاء من المسرحيات أو دواوين الشعر ثم اختبر بدقة إحساس الخجل الذي سيجتاحك ".7
و لما عاد عمر من عيادة الطبيب إلى بيته، و رأي هناک صديقه مصطفي المنياوي واقفاً بجانب زينب و بثينة و جميلة، و كيف أنهم يترقبون مجيئه قلقين. فسأله مصطفي و زينب عن المرض، فأجابهما عمر لا شيء؛ فسّرت زينب بهذا الخبر. و لكن قلق عمر الحمزاوي كان أخطر من هذا القلق الذي قال به الطبيب و الذي عدّه ظاهرة طبيعية، لأنه صدر عن معاناة البحث عن نفسه الضائعة،إذأفاق فجأة بعد عشرين عاما، و أدرك أن كل ما حققه، لم يستطع أن يعوّضه من فقد ذاته الحقيقية، تلك الذات التي فُقِدَت يوم تخلّي من عقيدته و نبت الثورة في نفسه. فترك ذاته، و بدأ يلهث للحصول علي أفضل مظاهر الحياة؛ فكان يركب الكا ديلاك، و يسكن بيتا كبيرا، و يأكل فاخر الطعام، و يبتعد بنفسه عن مخاطر طريق الثورة. فآثر السلامة، و ابتعد عن ذلك الطريق المهفوف بالمخاطر و القلق. و كان ثمن هذا هو حبس روحه في مجال تنفّسها الحقيقي. و قد شبهها هو نفسه قائلاك:" و حبست الروح في برطمان قَذِر كأنها جنين مجهض".8 فقد أجهض حماسه الثوري و انطلق في طريق آخر. فانفجرإحساسه بضياع حياته، عندما رأي الآخرين يتأملون في لحظات تحقيق أمل في الحياة أو كسب موقف ما. قد شدّ هذا بدوره في نفسه الإحساس بالخواء و عدم تحقيقه شيئا في الحياة. و في حوار جري بينه و بين أحد موكليه نجد تاكيدا لهذه الفكرة، إذ يقول له الرجل:" أنا ممتن يا اكسلانس، أنت محيط بتفاصيل الموضوع بدرجة مذهلة حقيقة باسمک الكبير، و أن عملي في کسب القضية لعظيم ".9 فضحك بسرور بين و قد شعر عمرالحمزاوي بغيظ شديد، ثم قال:" تصوّرأن تكسب القضية اليوم و تمتلک الأرض، ثم تستولي عليها الحكومة غدا ".10 فهز رأسه في استهانة، و قال:" المهم أن نكسب القضية ألسنا نعيش حياتنا و نحن نعلم أن الله سيأخذها ".11 فاستسلم عمر بوجاه منطقه، و لكن ذهل رأسه بدوار مفاجئ و اختفي كل شيء ... ".12 و هذا الحوار ذكّر بعمر بأنه لا يعيش حياته، و أنه ربما يموت دون أن يحقق كيانه کانسان و وجوده كفرد، فسقط في حضن النقيض الذي كان يحاربه. و قد تلقّي هذا الإحساس من حديث جري بين رجل و امراة يسمع لهما عمر الحمزاوي.
فقال الرجل :
- عزيزتي! نحن منحدرون إلى خطر مؤكد.
فقالت المراة :
- هذا يعني أنك لا تحبني.
- لكنك تعلمين تماما أني أحبك.
- إذا تكلمت بعقل، فهذا يعني أنك لم تعد تحبني.
- ألا ترين أنني مسئوول و أنني جاوزت الشباب.
- قل إنك لم تعد تحبني.
- سوف نهلك معا و نخرب بيتنا ...
- ألا تكفّ عن المواعظك
- لك زوجك و بناتك، و لي زوجتي و أبنائي ...
- ألم أقل لك أنك لم تعد تحبنيك
- و لكنني أحبک.
- إذن فلا تذكرني بغيرالحب.13
و موقف المرأة يتسم بالتضحية مع الإستهانة بجسامة النتائج المترتبة علي تمسّكها بحبها تماما كصاحب القضية الذي لا يهمه سوي كسبها. و لهذا يكون تعليق الحمزاوي عقب هذا الموقف" أن أيام الجهاد لم تعدّ إلا ذكريات منحطة ".14 و أثناء هذا الضجر و في كل اللحظات كانت تبرز ذكري عثمان خليل الذي يتمثل في ذهنه دائما ثائرا قويا يضرب أروع الأمثلة علي القوة و الجلد، بينما هو انطلق إلى طريق السعادة و تضخيم الثروة. و هنا تزداد رغبته في الفرار من هذا الواقع، و ينتابه إحساس بالرغبة في إيقاع العقاب علي النفس. علي أنه كان يطمئن إلى عاطفة الضمير لديه عن طريق المساعدات المادية التي كان يقدمها لوالدي عثمان خليل حتي آخر حياتهما. مع هذا أنه لم يستطع أن يخمد صوت رفض الواقع في نفسه، فكان يتصور في مخيلته دائما صورة عثمان خليل، و ذلك يقوّي لديه الرغبة في الهروب من الواقع، و كأنه لا يريد أن يخرج عثمان، و يري أن هذه المكاسب الضخمة التي حققها الحمزاوي في حياته، و في غفلة عن هذا الثوري. فأخذ هو نفسه في تحطيمها بيده، ظنّاً بأن هذا العمل يريح ضميره. لذلك هجر زينب، رمز العمل و النجاح و الثراء و أخيرا الضجر عن كل ذلك، و انطلق في طريق الجنس، و تقلّب في علاقات جنسية متعددة. فأول امراة تعرّف إليها هي مارجريت، راقصة في ملهي يازبك ( الباريس الجديدة )، و قد تعرّف إليها عن طريق صديقه مصطفي الذي قال لها بأن صديقه عمر أصيب بداء طريف في الأيام الأخيرة، و هو يبحث عن الجمال علاجا لدائه، و هي داؤه الوحيد. فقضي معها عمر ليال، إلى أن تركته مارجريت و سافرت فجاة إلى خارج القطر.
تابع القراءة في مربع الاجابات