نموذج تطبيقي تحليل نص مجزوءة المعرفة / النظرية والتجربة ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول.......نموذج تطبيقي تحليل نص مجزوءة المعرفة / النظرية والتجربة ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية
الإجابة هي كالتالي
نموذج تطبيقي رقم 10
مجزوءة المعرفة / النظرية والتجربة
ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية ؟
(الامتحان الوطني الموحد 2016/مسلك العلوم الانسانية)
(الفهم)
لقد شكل موضوع "بناء النظرية العلمية، ودور كل من التجربة والعقل في ذلك" واحدا من القضايا الكبرى التي استرعت اهتمام الفلاسفة والعلماء. ولئن كان هذا السؤال: ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية؟ يبدو في ظاهره بسيطا فهو في مضمونه يحمل نقاشا ابستيمولوجيا عميقا تؤطره مجزوءة المعرفة كمجال عام، ومفهوم النظرية والتجربة كمجال خاص، ويطرحنا أمام مفارقة مفتوحة على عدة أبعاد؛ بعد أول يعطي للتجربة دورا أساسيا وحاسما في بناء النظرية العلمية، وبعد ثان يعطي للعقل الدور الأساسي والجوهري في بناء النظرية العلمية، وبعد ثالث يعتبر أن بناء النظرية العلمية هو بناء جدلي، وهذا من يمكن أن نعبّر عليه من خلال التساؤلات الإشكالية التالية: ما دور كل من التجربة والعقل في بناء النظرية العلمية ؟ هل تلعب التجربة دورا حاسما أم أن العقل هو أساس بناء النظرية العلمية ؟ بأي معنى يمكن اعتبار أن بناء النظرية العلمية هو بناء جدلي ؟ أين يكمن جوهر الاختلاف بين دور التجربة ودور العقل ؟
(التحليل)
بالعودة إلى مبنى السؤال الإشكالي نجد أنه مكوّن من تركيبة مفاهيمية تتضمن مفهوم التجربة ومفهوم النظرية العلمية، وهنا لا بد من التمييز بداية بين التجربة في دلالتها العادية من حيث هي "مجموعة من الخبرات الحسية التي يراكمها الإنسان في مجال حياتي ما" Expérience ، والتجربة في دلالتها العلمية من حيث هي "العملية التي يقوم من خلالها العالم بإعادة إحداث ظاهرة ما، تمت ملاحظتها، في ظروف وشروط مختبرية صارمة ومضبوطة قصد الوصول التي نتيجة تمكن من تفسير تلك الظاهرة والتنبؤ بها". Expérimentation (التجريب العلمي)، أما النظرية فهي "تركيب عقلي مؤلف من تصورات منسقة تهدف إلى ربط المبادئ بالنتائج"، وهي في مجال العلم "نسق من المبادئ والقوانين يمكن من خلالها تفسير الظاهرة التي تشكل موضوع بحث علمي". فالتجربة إذن تحيل على مجال الواقع الحسي، بينما النظرية تحليل على التصور العقلي المجرد الذي يكون المعرفة العلمية.
يمكن القول أن "للتجربة التي تستمد أسسها من الواقع دور حاسما في بناء النظرية العلمية، بمعنى أن النظرية العلمية تبنى بناء تجريبيا واقعيا" وهنا لابد من الاستناد إلى المنهج التجريبي الكلاسيكي الذي تأسس وتطور على يد مجموعة من العلماء (فرانسيس بيكون/غاليليو/ ونيوتن)، أما مع كلود برنار C. Bernard فإن هذا المنهج سيأخذ صيغة صارمة ومضبوطة حصرها في أربعة خطوات ومجموعة من الشروط التي لا يمكن تجاوزها، وهي: الملاحظة أي لحظة اللقاء الأولى بين العالم والظاهرة المدروسة، بحيث يقوم بمعاينتها بحياد وموضوعية تامين، فعلى العالم أن لا يتدخل في التأثير على مجريات الظاهرة وأن يسجل ما يلاحظه بعيدا عن كل إسقاط لميولاته ورغباته. الفرضية أي الفكرة الأولية التي يقترحها العالم كتفسير للظاهرة، وهي نقطة الانطلاق الأساسية لكل استدلال تجريبي، أي بدونها لا يمكن الحصول على أية معرفة، وكل ما يمكن الحصول عليه هو ركام من الملاحظات العقيمة، وهناك شرطان يجب توفرهما في كل فرضية علمية، وهما: أن يكون لها سند واقعي مستوحاة من طبيعة الظاهرة المدروسة، وأن تكون قابلة للتحقق التجريبي. التجربة أي العملية التي يقوم من خلالها العالم بإعادة إحداث الظاهرة المدروسة في شروط مختبرية صارمة ومضبوطة، بحيث يكون العالم هو من يحدث الظاهرة ويتحكم في عواملها ومتغيراتها، بهدف التحقق من الفرضية والوصول إلى نتيجة، ويجب أن تكون التجربة قابلة للتكرار وإلا فإنها ستفقد علميتها. القانون وهو الاستنتاج النهائي الذي يتوصل إليه العالم بعد تجاربه المتكررة، ويمكن التعبير عنه من خلال مجموعة من الرموز (أرقام، حروف...) تبيّن العلاقات الثابتة بين عناصر الظاهرة، ويجب أن يكون القانون خاضعا لمبدأ الحتمية وإلا فإنه سيفقد علميته، إذ أن الحتمية هي روح العلم. يقول كلود برنار : "إن صادف العالم خلال أبحاثه ظاهرة لا تقبل الحتمية،فإن عليه أن يبعدها من طريقه" (يمكن الاستدلال على كل خطوة بمثال تجربة الأرانب).
هكذا إذن، تلعب التجربة دورا حاسما في بناء النظرية العلمية والوصول إلى الحقائق العلمية.
(المناقشة)
لا أحد من الدارسين أو المهتمين بتاريخ العلم يمكنه أن ينكر أو يتجاهل ما للتجربة من أهمية تاريخية، فبفضل صرامة المنهج التجريبي عرف العلم تطورا نوعيا فبات بالإمكان تمييز الممارسة العلمية والتفسير العلمي عن غيرها من أنماط التفسير الأخرى كاللاهوت والميتافيزيقا، كما أن قيمة أطروحة كلود برنار تتجلى في كونها من أبرز الأطروحات التي ساهمت في إغناء النقاش الفلسفي والعلمي حول قضية أساس بناء المعرفة العلمية. لكنها محدودة، فلقد ارتكز هذا المنهج على مفاهيم وقوانين مرتبطة بالواقع الحسي القابل للإدراك والملاحظة. لكن التطور العلمي كشف عن بعض الظواهر الدقيقة والمعقدة انفلتت منه مما حتم مراجعة تلك القوانين والمفاهيم التي ارتكزت عليها التجربة، واستبدالها بما هو قادر على استيعاب هذه الظواهر الجديدة، فما الدور الذي يمكن أن يكون للعقل الرياضي في بناء النظرية العلمية ؟ هنا لابد من استحضار أطروحة ألبرت آينشتين A. Einstein الذي يعد من أبرز المعبرين عن العقلانية العلمية المعاصرة، ويعتبِر أن بناء النظرية العلمية يتوقف على دور العقل. فالمعرفة العلمية تتكون من مفاهيم وقوانين ينشئها العقل بما يملكه من قدرات لا محدودة، وبالتالي فما تتوصل إليه التجربة يجب أن يكون بالضرورة تابعا للعقل ومنسجما مع مبادئه.
لقد أحدث ألبرت آينشتين ثورة كبرى في مجال العلم بعدما قلب نظرة الناس إلى بعض المفاهيم والمسلمات؛ ومعه انتقلنا من الثابت إلى المتغير ومن المطلق إلى النسبي (الزمان نسبي ومتغير، المكان نسبي ومتغير، الكتلة نسبية ومتغيرة)، وهذا الانتقال كان بفضل العقل وما له من قدرات وخصائص خلاقة ومبدعة، وليس بفضل التجربة التي هي محدودة وعاجزة. إن بناء النظرية العلمية وفهم الموضوعات والظواهر، مهما كانت دقتها ودرجة تعقيدها، لا يمكن أن يتم إلا من خلال الاعتماد على العقل ومبادئه الرياضية، لأنه يتميز بمجموعة من الخصائص تجعل منه عقلا حرا وخلاقا، وبالتالي فان النظرية العلمية هي معرفة عقلانية تبني بناء رياضيا خالصا.
أما بالنسبة للابستيمولوجي الفرنسي غاستون باشلار G. Bachelard أحد رواد العقلانية المنفتحة أو المطبقة، فهو يعتبر أن النظرية العلمية تبنى بناء جدليا، أي قائم على حوار وتكافؤ العقل النظري (الرياضي) والتجريب المطبق (الواقعي)، من حيث أن الجدل هو علاقة تكامل بين التجريب العلمي والعقلانية العلمية، بمعنى أن النظرية والتجربة ليسا نقيضين في الممارسة العلمية، وإنما متكاملين ومتكافئين، ولأن المعرفة العلمية لا يمكن أن تقوم إلا ضمن تكامل هذين العنصرين، لا ضمن تضادهما، يقول باشلار: "ما أن نفكر في الممارسة العلمية حتى ندرك أن العقلانية والتجريبية يتبادلان النصائح بدون توقف"؛ فالعقلانية لوحدها تكون "منغلقة" و"فارغة"، والتجريبية لوحدها تكون "ساذجة" و"عمياء". وهكذا فإن عالِم الفيزياء يحتاج إلى يقين أن النظرية العلمية تبنى بناء مزدوجا، لأن كل منهما (العقل والتجربة) يكون أقدر من الآخر في بعض الأحيان على إلقاء الضوء على الاكتشافات العلمية الجديدة، وهذه هي العقلانية المنفتحة أو المطبقة كما يسميها باشلار.
(التركيب)
الملاحظ إذن، بعد تحليلنا ومناقشنا لهذا الموضوع، أن الاختلاف والتعدد هما السمة الغالبة على هذا النقاش الفلسفي الابستيمولوجي، فإذا كان هناك من اعتبر أن النظرية العلمية تبنى بناء تجريبيا مؤكدا على أهمية الواقع والتطبيق في الممارسة العلمية (كلود برنار)، فإن هناك من اعتبر أن النظرية العلمية تبنى بناء نظريا مجردا يكون فيه للعقل الرياضي الدور الأساسي (ألبرت آينشتين)، وبين هذا الموقف وذاك وجدنا من يقول أن النظرية العلمية تتأسس على يقين مزدوج، يتكامل فيه ما هو عقلي نظري، مع ما هو تجريبي تطبيقي (غاستون باشلار). وهكذا نجد أنفسنا أمام رهان ابستيمولوجي يعكس حجم النقاش العلمي التي عرفته الفلسفة عبر مراحل تطور المعرفة الإنسانية، فغاية المعرفة هي أن تفسر لنا نحن البشر كيف نفهم صميم العالم الذي نحيى فيه ونعايشه بحسنا المشترك، دون إخلال بتوازنات الطبيعة، وهو منطلق وجوهر وجودنا العاقل في هذا الكون.