مقالة فلسفية ما هو التنوير؟ إغمانويل كانط
مقالة حول التنوير
مقالة فلسفية
مفهوم التنوير في الفلسفة
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول.....مقالة فلسفية ما هو التنوير؟ إغمانويل كانط
الإجابة هي كالتالي
ما هو التنوير؟
إغمانويل كانط
١٩٨٥م
التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه. وهذا القصور هو عجزه عن استخدام عقله إلا بتوجيه من إنسان آخر. ويجلب الإنسان على نفسه ذنب هذا القصور عندما لا يكون السبب فيه هو الافتقار إلى العقل، بل إلى العزم والشجاعة اللذين يحفزانه على استخدام العقل بغير توجيه من إنسان آخر. لتكن لديك الشجاعة لاستخدام عقلك، ذلك هو شعار التنوير.
إن الكسل والجبن هما علة رضاء طائفة كبيرة من الناس بأن يبقوا طوال حياتهم قاصرين، بعد أن خلصتهم الطبيعة منذ أمد بعيد من كل وصاية غريبة عليهم، وهما كذلك علة تطوع الآخرين بفرض الوصاية عليهم. ويبدو الأمر وكأن كل واحد منهم يقول لنفسه: إن الوصاية عليَّ لمريحة! وما دمت أجد الكتاب الذي يفكر لي، والراعي الروحي الذي يغني ضميره عن ضميري، والطبيب الذي يقرر لي نوع الطعام الصحي الذي أتناوله، فما حاجتي لأن أجهد نفسي؟ ليست هناك ضرورة تدعوني للتفكير، ما دمت أقدر على دفع الثمن، وسوف يتكفل غيري بتحمل مشقة هذه المهمة الثقيلة. أما أن أغلب الناس (وفيهم الجنس اللطيف بأكمله) يشفق على نفسه من التقدم خطوة واحدة على الطريق إلى الرشد، ويعدونه أمرًا شديد الخطر عليهم بجانب صعوبته ومشقته، فقد تكفل بإقناعهم بذلك أولئك الأوصياء الذين تكرموا بالإمساك بزمام أمورهم، وتفضلوا بفرض رقابتهم عليهم. فبعد أن دمغوا بالغباء حيواناتهم الأليفة، وحرصوا كل الحرص على أن يحولوا بين هذه المخلوقات الوديعة، وبين التجرؤ على القيام بخطوة واحدة خارج «المشاية»، التي حبسوا فيها خطاهم، أخذوا يبينون لهم هول الخطر الذي يتهددهم لو حاولوا السير بمفردهم. بيد أن هذا الخطر ليس كبيرًا كما يدعون؛ لأنهم سيتعلمون في النهاية كيف يسيرون على أقدامهم بعد أن يتعثروا عدة مرات، ولكن مثلًا واحدًا يضرب لهم على بعض من سقط في الطريق كفيل بأن يخيف الناس، ويصدهم عن الشروع في أية محاولة أخرى.
من العسير إذًا على أي إنسان أن يتمكن بمفرده من التخلص من هذا القصور الذي أوشك أن يصبح طبيعة ملازمة له. بل إن الأمر قد وصل إلى حد أن يعشق هذا القصور، بحيث أصبح عاجزًا عجزًا حقيقيًّا عن استخدام عقله؛ لأن أحدًا لم يتح له أبدًا أن يقوم بهذه المحاولة. وبقيت التعليمات والقواعد — هذه الوسائل الآلية لتلقينه كيفية الاستخدام المعقول لمواهبه الفطرية — بقيت هي أغلال القصور المستديم، وكل من تمكن من التحرر من هذه الأغلال لم يستطع أن يقفز فوق أضيق الحفر إلا قفزة غير مطمئنة؛ وذلك لأنه لم يتعود على مثل هذه الحركة الحرة. ولهذا لن نجد إلا قلة ضئيلة استطاعت بفضل استخدامها لعقولها أن تنتزع نفسها من الوصاية المفروضة عليها، وتسير بخطًى واثقة مطمئنة.
ومع ذلك، فإن قيام الجمهور بتنوير نفسه هو أولى الأمور وأقربها إلى الاحتمال، بل إنه — إذا أوتي الحرية التي تمكنه من ذلك — لأمر لا مناص منه تقريبًا. إذ سيتوفر في هذه الحالة — حتى بين أولئك الذين عينوا أوصياء على عامة الناس — عدد ممن يفكرون بأنفسهم وينشرون حولهم، بعد أن ينفضوا عن كاهلهم نير الوصاية، روح التقدير العقلي لقيمة كل إنسان وواجبه في أن يفكر بنفسه. والأمر الجدي بالنظر في هذه الحالة أن الجمهور الذي سبق أن وضعوا هذا النير على كاهله سيجبرهم بنفسه بعد ذلك على البقاء تحته، عندما يحرضه على ذلك بعض أوصيائه الذين تعوزهم القدرة على التنوير، ولهذا كان غرس الأحكام المتحيزة أمرًا بالغ الضرر؛ لأنها تثأر في النهاية، حتى من أولئك الذي تسببوا هم أو أسلافهم في غرسها. ولهذا السبب أيضًا لا يمكن أن يصل الجمهور إلى التنوير إلا ببطء شديد. وربما نجحت ثورة في القضاء على الاستبداد الفردي والقهر القائم على الجشع والتسلط، ولكنها لا يمكن أبدًا أن تؤدي إلى إصلاح حقيقي لأسلوب التفكير، بل إن ما يستجد من أحكام متحيزة لن يستخدم — شأنه في هذا شأن الأحكام القديمة — إلا في تضليل عامة الناس وجرهم وراءه.
لكن مثل هذا التنوير لا يتطلب شيئًا غير الحرية، وهو في الحقيقة لا يتطلب إلا أبعد أنواع الحرية عن الضرر، ألا وهي حرية الاستخدام العلني للعقل في كل الأمور.
بيد أنني أسمع أصوات المنادين تتردد من كل جانب: لا تفكروا، فالضابط يقول: لا تفكروا، بل تدربوا. والخازن يقول: لا تفكروا، بل ادفعوا. ورجل الدين يقول: لا تفكروا، بل آمنوا (إلا سيدًا واحدًا في العالم يقول: فكروا ما شئتم وفيما شئتم، ولكن أطيعوا!) إن في كل هذا تقييدًا للحرية. فأي هذه القيود يقف عقبة في سبيل التنوير؟ وأيها لا يعرقله وإنما يسانده؟ أجيب على هذه الأسئلة بقولي: إن الاستخدام العلني العام للعقل ينبغي أن يبقى حرًّا في كل الأوقات، وهو وحده القادر على نشر التنوير بين الناس، أما استعمال العقل استعمالًا خاصًّا، فيجوز في أحيان كثيرة أن يقيد تقييدًا شديدًا، دون أن يؤدي هذا بالضرورة إلى إعاقة تقدم التنوير بصورة خطيرة. ولكني أقصد باستعمال الإنسان لعقله الخاص، ذلك النوع الذي يمارسه العالم قبل جمهور قرائه. وأما الاستعمال الخاص للعقل، فأعني به حق هذا العالم في استعماله في منصب يشغله أو وظيفة عهد إليه القيام بها في المجتمع المدني. والواقع أن هنالك بعض الأعمال المتصلة بالصالح العام للمجتمع يتطلب تدبيرها نوعًا من الآلية التي تفرض على بعض أعضاء هذا المجتمع أن يكونوا في سلوكهم سلبيين، حتى يتسنى للحكومة — من خلال الإجماع الذي تصطنعه اصطناعًا — أن توجههم نحو تحقيق الأهداف العامة، أو تمنعهم على أقل تقدير من تدمير هذه الأهداف. ومن الطبيعي ألا يسمح في هذا المجال بالتفكير (العقلي المستقل)؛ إذ إن الطاعة هنا واجبة. فإذا ما نظر هذا الجزء من أجزاء الآلة إلى نفسه باعتباره عضوًا في مجتمع، وإذا توسع في هذه النظرة، فاعتبر نفسه عضوًا في المجتمع العالمي بأسره، واتخذ صفة العالم الذي يتجه بكتاباته التي تحمل رأيه الخاص إلى الجمهور، فإن في إمكانه في هذه الحالة أن يفكِّر تفكيرًا حرًّا مستقلًا دون أن يكون في هذا إضرار بالأعمال التي أسند إليه القيام بها، وحكمت عليه وظيفته من هذه الناحية أن يكون سلبيًّا إلى حدٍّ ما. ولو أن أحد الضباط العاملين عمد إلى إثارة الجدل حول الهدف من أمر صدر إليه من رئيسه، وحول المنفعة التي يمكن أن تترتب على هذا الأمر لكان في ذلك الضرر أشد الضرر؛ لأن الواجب سيحتم عليه الطاعة. ومع ذلك فلا يصح — إن كان من العلماء الملمين بالأمور — أن يحرم من حقه المشروع في إبداء ملاحظاته على الأخطاء التي تقع في الخدمة العسكرية، وأن يعرض هذه الملاحظات على جمهوره ليحكم عليها. وليس من حق المواطن أن يمتنع عن سداد الضرائب المفروضة عليه، بل إنه ليستحق العقاب لو تعمد توجيه الانتقادات إلى هذا النوع من الضرائب الذي ينبغي عليه تسديده باعتبار ذلك فضيحة يمكن أن تتسبب في خلق متاعب عامة. ومع ذلك فإن هذا المواطن نفسه لن يخلَّ بواجبات المواطن إذا ما استغل حقه كعالم في التعبير علنًا عن رأيه في خروج هذه الضرائب عن الحدود المعقولة، أو مجافاتها للعدالة. وقل مثل هذا عن رجل الدين الذي يفرض عليه واجبه أن يجعل عظاته لتلاميذه والمؤمنين من أتباع ملته على مذهب الكنيسة التي عين في خدمتها بناءً على هذا الشرط.
أما من حيث هو عالم فله الحرية الكاملة، بل عليه واجب نشر أفكاره — التي وصل إليها بعد فحص دقيق وبنية خالصة — عن الأخطاء التي يرى أنها لحقت بالمذهب، كما يقضي عليه الواجب كذلك بأن يعرض على الجمهور اقتراحاته لإصلاح أمور العقيدة والكنيسة. وليس في هذا أي شيء يمكن أن يكون عبئًا على ضميره؛ لأن ما يعلمه بحكم منصبه كقائم بأعمال الكنيسة إنما يقدمه باعتباره شيئًا لا سلطان له عليه ولا حرية له في تعليمه حسب ما يتراءى له؛ إذ إنه يتولى تقديمه للناس نزولًا على التعليمات، وباسم جهة أخرى عينته لهذا الغرض. سوف يقول: إن كنيستنا تعلَّم هذا أو ذاك، وهذه هي الأدلة والبراهين التي تعتمد عليها. ثم إنه يستخلص للمؤمنين من جماعته كل فائدة عملية يمكنه استخلاصها من التعاليم التي قد لا يكون مقتنعًا بها تمام الاقتناع، ومع ذلك يبذل كل ما في وسعه لكي يقدمها لهم؛ إذ ليس من المستحيل أن تكون منطوية على حقيقة كامنة، وليس من المستبعد في كل الأحوال أن تكون خالية مما يناقض الدين في صميمه. فلو خالجه الظن بأن فيها ما يتناقض مع الدين لما أمكنه أن يؤدي عمله بضمير مستريح، ولتحتم عليه عندئذٍ أن يعتزله. وإذن فاستخدام معلم الدين المعين في هذه الوظيفة لعقله قبل جماعته المؤمنة ليس سوى استخدام خاص؛ لأن هذه الجماعة تظل على الدوام جماعة عائلية مهما زاد عدد أعضائها، ولهذا الاعتبار لا يكون رجل الدين، بوصفه قسًّا، حرًّا في تصرفاته، ولا ينبغي له أن يكون كذلك ما دام ينفذ تكليفًا عهد به إليه من جهة أخرى. أما بصفته عالمًا يتحدث من خلال كتاباته إلى الجمهور الحقيقي، أي إلى العالم كله، أي بصفته رجل دين يستخدم عقله بصورة علنية عامة، فإنه يتمتع بحرية كاملة ولا يقيده أي قيد في استعمال عقله الخاص والتعبير عن شخصيته. ذلك أن تحويل الأوصياء على الشعب (في أمور دينه) إلى قُصَّر يحتاجون بدورهم إلى فرض الوصاية عليهم، إنما هو تناقض سخيف، يمكن أن يؤدي إلى سلسلة لا نهاية لها من التناقضات السخيفة.
يتبع في الأسفل مقالة التنوير