خطبة بعنوان (طوفان الأقصى)
غزوة بني قينقاع كشفت غزة القناع
(طوفان الأقصى) الشيخ بنطاهر
موقع النورس العربي يقدم لكم أعزائي خطباء منابر المساجد خطبة مكتوبة ومختصرة خطبة بعنوان (طوفان الأقصى)
الإجابة هي كالتالي
خطبة بعنوان (طوفان الأقصى)
غزوة بني قينقاع كشفت غزة القناع
الحمد لله الذي هزم اليهود في غزوة بني قينقاع، وكشف بأحداث غزة عن المنافقين المخادعين القناع، وأشهد أن لا إله إلا الله حذرنا من جرائم اليهود الفائقة جرائم الوحوش والسباع، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي واجه جرائم اليهود بالرجل الحازم الشجاع، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حاربوا النفاق والخداع، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم نهاية ما في الدنيا من الوفاق والصراع...
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
دعونا اليوم نرجع بكم إلى سيرة الرسولﷺ، نستكشف أسرارها، ونقف على علاقة اليهود بها، فالسيرة النبوية هي منبع سيال لا ينضب، ومدرسة عظيمة متعددة الأبحاث والشعب، لا يشبع منها الباحث مهما غاص في بحارها، ولا يمل منها الدارس مهما سار في فجاجها، فهي سيرة تكشف لنا عن قرآن يمشي على وجه الأرض، هذا القرآن المتمثل عمليا في شخصية الرسولﷺ،
دعونا نختار لكم اليوم غزوة بني قينقاع الموجهة ضد اليهود، ونحن نعيش ما يفعل الصهاينة بأهل غزة. وبنو قينقاع هم: قبيلة من قبائل اليهود الثلاثة، التي استوطنت المدينة قبل أن يهاجر إليها الرسولﷺ وهي: بنو النضير، وبنو قينقاع، وبنو قريظة.
أتدرون لماذا استوطن هؤلاء اليهود المدينة؟ فهم ليسوا أصلا من المدينة؛ بل ولا حتى من الجزيرة العربية؛ بل لا وطن لهم أصلا يعيشون دائما في مستوطنات ظالمة، حتى ينتقم الله منهم، فهم نبتة دخيلة في المجتمعات قديما وحديثا، وإنما استوطنوا المدينة لأنهم يقرءون في التوراة أن خاتم الأنبياء وأعظمهم سوف يهاجر إليها، ولكنهم يظنون أنه سوف يبعث فيهم، ولهذا كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا بهذا النبي المنتظر، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به! فلما أصبح النبي المنتظر منظورا بأعينهم وأبصارهم، كفرت به قلوبهم وبصائرهم! قال الله تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ}.
وغزوة بني قينقاع سببها مرتبط بغزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون في رمضان، وذلك أن يهود بني قينقاع لما وصلهم خبر انتصار الرسولﷺ في بدر زاد ذلك من مخزون حقدهم الدفين، حتى استعصى عليهم أن يكتموه، فأعلنوا عنه قولا وفعلا؛ فكانوا يقولون للمسلمين لا يغرنَّكم انتصاركم في بدر على أجلاف من قريش لا يحسنون الحرب والمواجهة، فنحن أبناء الحرب والقتال، وكان النبيﷺ يصبر على أذاهم، ويتمالك عن إيذائهم، متحليا بضبط النفس عن إعلان الحرب ضدهم، ولكنهم استمروا في غيهم، واستثمروا ضد النبيﷺ كل ما لديهم من مكر متأصل وخديعة متجذرة.
أما القشة التي قصمت ظهر البعير، والنقطة التي أفاضت الكأس، والتي جعلت صبر النبيﷺ ينفذ، فهي اعتداؤهم على حجاب امرأة مسلمة؛ حيث استعملوا معها خديعتهم اليهودية المعهودة، فاستصرخت يالَلمسلمين، وعلى سرعة البرق وجدت النصر؛ فقد صادف ذلك وجود مسلم في السوق، فجاء وضرب رقبة اليهودي ففصلها عن جسده، وهجم بقية اليهود الحاضرين على المسلم فقتلوه، فبذلك ارتكبوا جريمتين: جريمة الاعتداء على شرف امرأة مسلمة واحدة، وجريمة قتل مسلم واحد، فاستحقوا بذلك الإجلاء والإبعاد، فتوجه إليهم الرسولﷺ في كوكبة من أصحابه، فأخرجوهم من المدينة.
أيها الإخوة المؤمنون؛ هنا نقف بكم وقفات علمية وعملية لنستفيد ونتعلم:
الوقفة الأولى: لنتعلم من هذه الخديعة اليهودية التي كشفوا بها عورة المسلمة حقيقة شعور اليهود تجاه المسلم، ذلك الشعور الذي سجله عنهم القرآن الكريم إذ يقول: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا}، ولقد أثبت التاريخ هذه الحقيقة، لقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى إلى اليوم، ولقد صدق من قال: "وراء كل مشكلة لدى المسلمين صهيوني يهودي".
وإذا كان يهودي بني قينقاع قد كشف بمكره عورة مسلمة، فإن يهود العالم اليوم يكشفون عورات المسلمين بالخديعة اليهودية الكبرى في عصرنا "التطبيع"،
الوقفة الثانية: لنتعلم –يا عباد الله- أن الصهاينة اليوم لئن سلبوا منا القدس وعاثوا فيها فسادا، وإن استوطنوا اليوم القدس كما استوطنوا قبلُ المدينة، وإن قتلوا في غزة اليوم ما قتلوا وإن دمروا ما دمروا، فإنه سيأتي يوم -متى شاء الله- ينتصر فيه المسلمون على اليهود، وهذا غير بعيد لو اتحد المسلمون على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، لو ملكوا سيادتهم وثروتهم، لو تمسكوا بشريعة ربهم، لو نصروا الله في معاملاتهم لنصرهم الله على أعدائهم، {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. إن انهزام الصهاينة اليوم ليس بمستحيل، وليست الصهيونية بالجيش الذي لا يقهر، والواقع في غزة اليوم أوثق شاهد، ويؤيده التاريخ، فاسألوا التاريخ؟ إن تاريخ اليهود دائما هكذا: في صعود وهبوط، يَظْلِمون ويُظْلَمون، فمرة يَغلِبون ومرات يُغلَبون، تماما كما قال عنهم القرءان الكريم: {وإن عدتم عدنا}؛ فكلما انتعشوا وانتفشوا، وكلما طغوا وبغوا، جاءتهم الضربة من حيث لا يعلمون، ممن يسلط الله عليهم في كل جولة؛ فقد سلط الله تعالى عليهم فرعون في عصر موسى عليه السلام فقتل أبناءهم واستحيا نساءهم، ثم جالوت في عصر داوود عليه السلام، ثم بعد سليمان عليه السلام سلط عليهم البابليين بقيادة [بختنصر] فمزقهم وشتت شملهم، ثم نصارى الروم بعد عيســى عليه السلام، ثم الفرس قبيل الإسلام، ثم سلط عليهم المسلمين بقيادة النبيﷺ فطردوهم من المدينة كما رأينا في غزوة بني قينقاع، ثم سلط عليهم المسيحيين في أوربا في العصور الوسطى وخصوصا محاكم التفتيش في إسبانيا، ثم أخيرا وليس آخرا سلط الله عليهم الألمان بقيادة هتلير في العصر الحديث.
فلئن ظلمت الصهيونية اليوم واستطالت بعنادها، ولئن استغلت اليوم للاعتداء على المسلمين مأساة تاريخها، ولئن هودت المؤسسات العالمية بدسائسها، ولئن أحكمت على الاقتصاد والإعلام في العالم سيطرتها، ولئن جثمت على صدور زعماء العالم فكتمت أنفاسها، فما هي إلا فترة من فترات التاريخ، وحلقة من حلقات هذا المسلسل التاريخي، ولا يدري إلا الله من ذا سيسلط عليهم في الجولة القادمة إلى يوم القيامة؟ تماما كما في قول الله عز وجل فيهم: {وإن عدتم عدنا} وقوله سبحانه وتعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم}، وقد كتب الله عليه الجلاء واللجوء إلى يوم القيامة، مصداقا لقوله تعالى: {وَلَوْلا أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}.
الوقفة الثالثة: إن للصهاينة مع الأمة المسلمة جولةً أخرى، سوف تنتصر عليهم فيها إن شاء الله، وليس هذا نشوة عابرة، ولا أقول هذا من تلقاء نفسي؛ بل الرسولﷺ الذي لا ينطق عن الهوي، هو الذي أخبرنا بذلك إذ يقول فيما روى البخاري ومسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود؛ فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله».
فلا تستغربُنَّ -يا عباد الله- من كلام الحجر والشجر، فبأيديكم اليوم جمادات من وسائل الاتصال والإعلام تتكلم، من الهاتف المحمول وغيره من العدسات والمسجلات المتناهية في الصغر، فهي منتجات من المعادن، وهل المعدن إلا شجر وحجر؟ ثم إن كلام الحجر والشجر -إن كنا مؤمنين- ليس بمستحيل على الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، ولكن ينبغي أن يتحقق فينا معنى هذا المنادى: «يا مسلم يا عبد الله»؛ لقد أصبح الإسلام الصحيح فينا قليلا، وأصبحت العبودية السليمة فينا نادرة، حتى لو نادى الحجر والشجر: «يا مسلم يا عبد الله» لن يجد الجواب إلا عند القليل، فالمشكل إذن فينا، وليس في نطق الحجر والشجر، فلو رجع المسمون إلى الإسلام الصحيح، إلى العبودية لله الحقة، لناداهم الحجر والشجر، كما أخبرنا بذلك من لا ينطق عن الهوىﷺ.
وها هي حلقات هذه الجولة المباركة تتشكل؛ {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ}؛ وأهل غزة على ذلك من الشاهدين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وبعد :
الوقفة الثالثة: حينما نلقي نظرة على وقائع الواقع اليوم نجد أن الهزيمة والأضرار التي تتخبط فيها الأمة المسلمة اليوم؛ سواء اجتماعية كانت أو اقتصادية أو إعلامية أو أخلاقية أو دينية أو حروب أهليه إنما جاءتنا من الأربعة: الخائن والخائف والمتخلف والمخالف؛ فلينظر الإنسان مم خلق؟ والمتتبع لمأساة الأمة المسلمة يرى ذلك واضحا في مركبات أحداثها؛ والواقع لا يَكْذِب ولا يُكَذَّب {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}...لنعلم أن من كانوا سببا في هزيمة الأمة عبر التاريخ هم هؤلاء الأربعة: الخائن والخائف والمتخلف والمخالف.
• فالخائن هو المنافق الذي يضرب ضربته في الوقت المؤلم من حيث لا يشعر الناس.
• والخائف هو المستأسد على الضعفاء من أهله والجبان أمام الأقوياء من عدوه فيكون كما قيل: "أسد علي وفي الحروب نعامة".
• والمتخلف هو كل من تخلف عن المشاركة والدفاع عن الحق حسب قدرته ومسؤوليته «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
• والمخالف هو من ترك أوامر قائده فيحدث الفوضى في مجتمعه وأهله وبلده ووطنه.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...