المبحث الثالث: مظاهر ونتائج الثورة الصناعية
بعد كل التطورات التي ظهرت في جميع المجالات وقيام الثورة الصناعية انجر من ورائها نتائج كما تميزت ببعض المظاهر
المطلب الأول: مظاهر الثورة الصناعية
* ظهور نظام المصانع: بقيام المخترعات واستخدام الآلات بشكل واسع، ظهر نظام المصانع الذي أدى إلى تغيير كبير في الصناعة خلال المرحلة الأخيرة من القرن الثامن عشر، فبعد أن كانت الصناعة مبعثرة في مناطق متعددة بدأ التحول في تمركز الصناعة في مناطق معينة، كما أن عدد العمال زاد في نظام المصانع إذ تشير بعض الإحصائيات الأولية عام 1830م أنه كان عدد العمال يبلغ 175 في أحد المصانع، و93 في مصنع الحرير بينما كان عددهم يتراوح بين 1500 و2000 في مصانع الحديد.
أدى هذا الوضع الجديد إلى زيادة نفوذ أصحاب الأموال للسيطرة على معظم عوامل الإنتاج كما أدى هذا التحول إلى خلق طبقة جديدة وهي طبقة المديرية، مما دعا إلى توسيع شركات المساهمة.
* تركز السكان في المدن: خلق نظام المصانع وتركز الصناعة في مناطق معينة وخاصة في مناطق استخراج المواد الأولية، أدى إلى تركز السكان في المدن التي تقام بها الصناعة، فكان سكان المدن في بريطانيا في القرن التاسع عشر يمثلون 75 % من إجمالي السكان، أما في ألمانيا فبلغ حوالي 66 % بينما في فرنسا لم يصل 50 %.
* نمو التجارة الخارجية: المنافسة الكبيرة التي قامت بين الدول الأوروبية على السيطرة على السوق الخارجية أدت إلى التوسع الاستعماري وبالتالي الاحتكارات التجارية وكانت الدولة ذات قوة بحرية هي المسيطرة، حيث استطاعت بريطانيا بفضل قوتها البحرية أن تسيطر على أهم الأسواق الدولية، وبسبب التوسع التجاري الأوربي دعت الضرورة إلى تخصص في مجال الصناعة وبالتالي كبر حجم المشروعات .
* كبر حجم المشروعات: بعد توصل طبقة المديرين لإدارة المشروعات بدأت المشاريع في توسع أكبر وذلك من جهة البحث عن الإنتاج بأقل تكلفة وزيادة الأرباح، ومن جهة أخرى وضع حد لأصحاب الأعمال الصغيرة أي احتكار الصناعة في يد فئات قليلة.
* ظهور الاتجاهات الاحتكارية في الصناعة ( الكارتل، الترست ): كبر المشروعات أدى إلى الاحتكارات نظرا لتركز الصناعة في يد فئات قليلة، هذا ما ساعد الشركات الكبرى بعقد اتفاقيات تنص على تنظيم عمليات البيع وتحدد الإنتاج والأسعار وتوزع الأسواق فيما بينها، وخاصة في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية .
قامت في ألمانيا نقابات إنتاجية عرفت باسم Cartel كان غرضها منع المنافسة بين المنتجين عن طريق عقد اتفاقيات خاصة بتحديد الأثمان وتنظيم الإنتاج وتوزيع السوق فيما بينها .
أما في الولايات المتحدة اتخذت النقابات الإنتاجية شكل Trust إذ اندمجت الشركات التي أرادت الانضمام إلى هذا النظام تحت إدارة موحدة تقوم برسم سياسات الإنتاج والثمن وتوزيع السوق ،بذلك تختص شخصية الشركة في Trust وتزول المنافسة فيما بينها، وبهذا يخلو لها الجو في السيطرة الكاملة على السوق، لكن هذا النظام تم إبطاله من طرف الحكومة الأمريكية بقانون " شارمان" 1890، وبقانون ك'' لايتون'' 1914 .
المطلب الثاني: نتائج الثورة الصناعية
ومن أهم هذه النتائج نذكر ما يلي :
* زيادة الثروة القومية: نتيجة للثورة أصبحت دول أوروبا الصناعية تتمتع بمقدرة إنتاجية عالية، فازدادت الأرباح وتضاعفت الدخول، كما حققت الدول زيادة كبيرة في إيراداتها من الضرائب وغيرها، إذ أصبحت ميزانيتها ذات أهمية كبيرة للتأثير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية .
* زيادة وحدة العالم: قيام التكتلات والتكامل والاندماج الاقتصادي مثل الاتحادات الدولية وعلى رأسها المجموعة الأوروبية المشتركة في الوقت الحالي
* ارتفاع مستوى المعيشة: توفرت فرص العمل للعمال في عدد من المناطق الخاصة في الولايات المتحدة، إذ كانت الأجور مرتفعة، أما في أوروبا فكان معدل الأجور ضعيف جدا وخاصة في بريطانيا نظرا لرجال الأعمال الذين كانوا يسعون لتحقيق أرباح عالية .
* نشوء الخلاف بين العمال وأصحاب العمل: نضام المصانع أدى إلى تجمع العمال في حرفة واحدة ونظرا لتوسع المصانع أصبح العمال يشكلون قوة عمل هامة، لذلك بدؤوا بالمطالبة بزيادة أجورهم وتحسين شروط العمل، مما دعا إلى تكوين النقابات العمالية .
* زيادة أهمية دور رؤوس الأموال: أدت الثورة الصناعية إلى فتح مجال واسع أمام أصحاب رؤوس الأموال أن يسيطروا على المجال السياسي وعلى الأوضاع الاقتصادية عامة، سواء محلية أو خارجية .
* نمو التجارة الخارجية: وتعتبر سبب و مظهرو نتيجة للثورة الصناعية , فقد ازدهرت تجارة اروبا الخارجية نتيجة لازدهار صناعتها , و حدث أن أصبحت السمة الغالبة عليها أنها تصدر مواد و منتجات صناعية و تستورد مواد أولية لازمة لصناعتها .
خاتمة عن مقياس تاريخ الوقائع الاقتصادية
الخاتمة :
نستنتج مما سبق أن الثورة الصناعية التي قامت في أوروبا في النصف الثاني من القرن 18م وبداية القرن 19م، ساهمت كثيرا في التغيرات التي حدثت في أوروبا خاصة والعالم بشكل عام حيث مست مختلف الميادين الاقتصادية ،الاجتماعية ،الثقافية و السياسية وكان لها دور كبير في دفع عجلة التطور، لكن استغلت من طرف الأوربيين الرأسماليين (الرأسمالية المطلقة) الذين مكنتهم من التفوق ماديا فوظفوا نتائجها في تحقيق أطماعهم الاستعمارية على حساب الشعوب الضعيفة في إفريقيا و آسيا