مقال الأنظمة الاقتصادية استقصاء بالوضع أثبت صحة الأطروحة القائلة:الاقتصاد الحر أفضل نظام اقتصادي تتحقق من خلاله رفاهية الشعوب
مقالة الانظمة الاقتصادية بالاستقصاء:
أثبت صحة الأطروحة القائلة: "الاقتصاد الحر أفضل نظام اقتصادي تتحقق من خلاله رفاهية الشعوب
اهتم الفلاسفة وعلماء الاقتصاد قديما وحديثا بموضوع الاقتصاد، وخاصة ما يتعلق بالأنظمة الاقتصادية والتي نجدها متعددة ومتنوعة، فلكل تنظيم منها أسس وقواعد يقوم عليها، كما أن لكل منها غاية أساسية يسعى لتحقيقها، ألا وهي التطور الاقتصادي وبالتالي تحقيق الرفاهية للمجتمع. ولقد شاع في الأوساط الفكرية والفلسفية اعتقاد مفاده أن الاقتصاد الموجه هو الكفيل بتحقيق الرفاهية للشعوب لأنه أفضل نظام اقتصادي، بينما هناك رأي آخر يؤكد أنصاره بأن الاقتصاد الحر هو الذي يحقق التنمية الاقتصادية للدول من خلال تحرير المبادرات الفردية، وبالتالي فهو مصدر سعادة الأفراد، وجدير بتحقيق الرخاء الاقتصادي. فإذا كانت هذه الأطروحة صادقة والدفاع عنها أمر مشروع وطلب منا الدفاع عنها وتبنيها يحق لنا أن نتساءل: كيف يمكننا الدفاع عن هذه الأطروحة؟ وما هي الأدلة والحجج المثبتة لذلك؟ وكيف يمكننا حينها الأخذ برأي مناصريها؟
إن منطق هذه الأطروحة يتمركز حول موضوع الأنظمة الاقتصادية، حيث يرى أنصار النظام الرأسمالي، ومن بينهم الفيلسوف والمؤرخ الاقتصادي الانجليزي "آدم سميث" بأن الاقتصاد الحر هو الذي يحقق التنمية الاقتصادية، وهدفه هو خدمة الأفراد وضمان مصالحهم الخاصة دون حدود أو ضغط، باعتبار الفرد هو المحور الأساسي الذي يجب أن يدور عليه النظام الاقتصادي، وأن الدولة ما هي إلا أداة لخدمة منافع الفرد وحماية مصالحه، وقد انطلق هؤلاء الفلاسفة من مسلمات أهمها: تأكيدهم على أن اقتصاد السوق هو أفضل اقتصاد للدول لأنه يساعد على تحقيق النمو الاقتصادي وبالتالي التطور. رافضين بأن يكون الاقتصاد الموجه هو الذي يحقق ذلك لهذا فقد أكدوا هذه المسلمات ببراهين وأدلة منها: الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، أي أن الفرد له الحق في امتلاك الأراضي والمباني والمصانع ووظيفة القانون هو حماية هذه الملكية وتمكين المالك من الاحتفاظ بها. مع إعطاء الحرية الكاملة للأفراد في الحياة الاقتصادية، لأن الفرد له حرية اختيار النشاط الاقتصادي الذي يقوم به من عمل وإنتاج وتسويق واستثمار، وذلك من خلال المنافسة الحرة التي تسمح باستغلال جميع الإمكانيات المادية والبشرية فتتحقق بذلك الفعالية الاقتصادية والنجاعة اللازمة لترقية الاقتصاد، خاصة وأن الأفراد متفاوتون من حيث الإمكانيات الطبيعية العقلية والبدنية. كما أن المنافسة المصاحبة للحرية في الاقتصاد تؤدي إلى زيادة الإنتاج وتحسينه كما وكيفا. مع ضمان عدم تدخل الدولة في تسيير الشؤون الاقتصادية بما في ذلك عدم تحديدها للأسعار والإنتاج والأجور، وتركها تسير سيرا طبيعيا حسب قانون السوق وهو قانون العرض والطلب الذي يخلق توازن بين الإنتاج والاستهلاك والأسعار ويمنع وقوع أزمات اقتصادية. فإذا زاد العرض قل الطلب وهنا صاحب المصنع يخفض في الإنتاج لإعادة التوازن وذلك ما يؤدي إلى زيادة الطلب والعكس صحيح، إذا نقص العرض زاد الطلب مما يؤدي إلى رفع الإنتاج. وبالنسبة إلى الأسعار إذا زاد الطلب نقص العرض مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والعكس صحيح، إذا نقص الطلب زاد العرض، مما يؤدي إلى تخفيض الأسعار.
لكن بالمقابل نجد لهذه الأطروحة خصوما وهم أنصار الفلسفة الاشتراكية (الاقتصاد الاشتراكي)وخاصة "كارل ماركس" و"فريديريك إنجلز" الذين يرون بأن الاقتصاد الموجه هو الذي يحقق العدالة الاجتماعية وبالتالي الرفاهية للشعوب، وذلك عن طريق الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج من أجل القضاء على التفاوت الطبقي، وتحقيق الحاجيات الاجتماعية والأساسية للمواطنين وبالتالي القضاء على ظاهرة الاستغلال، أي استغلال الطبقة الرأسمالية الغنية للطبقة العمالية الكادحة. حيث ينادي ماركس وأتباعه بالتأسيس لاقتصاد جماعي يقوم على مبدأ الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والمنتوج، وبالتالي جعل المجتمع هو الذي يتحكم في ثرواته، ويوجهها لمصلحة غالبية الجماعة دون تمييز، ولأجل هذا ينادي الاشتراكيون بمبدأ تدخل الدولة كوسيلة لتنظيم الحياة الاقتصادية، وحماية الاقتصاد وفق أسلوب التخطيط، الذي يهدف إلى تحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
لكن هؤلاء الفلاسفة تعرضوا لانتقادات عديدة لأن موقفهم هذا ينطوي على نقائص وسلبيات أهمها: أن فيه مصادرة لحرية الفرد فهذا النظام ركز على المصلحة والحرية العامة وأهمل حرية الفرد والتي تعتبر حق من حقوقه الطبيعية، مما أدى إلى ذوبان الفرد داخل الجماعة وهذا ما أدى إلى قتل المواهب وروح المبادرة الفردية وجعل الأفراد أجزاء بلا روح، فهم تابعون للجماعة ولا يملكون شيئا، بدليل أن مختلف القوانين (الوضعية والشرعية) تنص على أن الحرية حق من الحقوق الطبيعية التي يجب أن يتمتع بها الفرد منذ ولادته. كما أن تطبيق هذا الاقتصاد الاشتراكي في أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي سابقا وبعض دول العالم الثالث، أدى إلى ظهور بعض الآفات الاجتماعية والظواهر السلبية، وهذا نتيجة لعدم وعي العمال، كالسرقة، اللامبالاة، الكسل، القعود عن العمل والاعتماد على الآخرين مما أدى إلى انخفاض ورداءة الإنتاج وارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى انتشار ظاهرة البيروقراطية ما أدى إلى عرقلة بعض المشاريع الاقتصادية، وبالتالي تخلف اقتصاديات هذه الدول، كما أن تنبؤ "كارل ماركس" بتطبيق الاشتراكية على أنقاض الرأسمالية لم يصدق لأنها طبقت في دول إقطاعية كالاتحاد السوفيتي سابقا.
إن هذه الانتقادات الموجهة لموقف الخصوم أنصار الاقتصاد الموجه تدفعنا للبحث عن حجج أخرى يمكن الدفاع بها عن هذه الأطروحة القائلة: "الاقتصاد الحر أفضل نظام اقتصادي تتحقق من خلاله رفاهية الشعوب"، ومن بين تلك الحجج وأهمها: أن النظام الرأسمالي هو نظام ناجح لأن جميع الدول التي طبقته هي دول متقدمة اقتصاديا ومتطورة في التكنولوجيا الحديثة ومتحكمة فيها، بدليل أن المقارنة بين الدول الرأسمالية كأمريكا واليابان....والدول الاشتراكية كأوربا الشرقية تؤكد بأن الدول الأولى متقدمة ومتطورة في جميع المجالات... كما أن الاقتصاد الرأسمالي يؤمن بالحرية الفردية مما يؤدي إلى وجود تنافس بين الأفراد وبالتالي تفجير القدرات العقلية والخلق والإبداع في مختلف الميادين، وهذا ما ساعد على تطوير وسائل الإنتاج، ومما يؤكد نجاح الرأسمالية هو أن لها مناصرين وتحولت إلى ما يعرف بالعولمة الاقتصادية من خلال النظام الدولي الجديد بزعامة أمريكا بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وفشل فكرة المساواة والعدالة التي رفعها أنصار الاشتراكية وبقيت مجرد أهداف صورية لم تتجسد في الواقع بل تحولت الاشتراكية إلى نوع من الديكتاتورية الجماعية، أفرزت الكثير من المعاناة في الواقع الاجتماعي...
إذن نستنتج بان الأطروحة القائلة : "الاقتصاد الحر أفضل نظام اقتصادي تتحقق من خلاله رفاهية الشعوب" أطروحة صحيحة ويمكن الدفاع عن رأي مناصريها، لأن النظام الدولي الجديد يسير نحو فرض الاقتصاد الحر على جميع الدول، ما من شأنه أن يكون ضمانة لمصلحة الفرد كهدف أعلى وكغاية تكفل بالضرورة وبصورة طبيعية مصلحة المجتمع وتحقيق الخير العام والرخاء الاقتصادي، وبالتالي يجب الأخذ بهذا الرأي وتبنيه...