في تصنيف بكالوريا جميع الشعب بواسطة

مقالة  حول أهمية المنطق الأرسطي مقدمة حول المنطق الأرسطي الصوري للسنة ثانية ثانوي شعبة اداب وفلسفة باك 2022 

- هل مراعاة قواعد المنطق الصوري تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ في التفكير

الدرس 2 للسنة ثانية ثانوي شعبة اداب وفلسف. 

 مقالة مفصلة حول أهمية المنطق الأرسطي

 موجه للسنة الثانية ثانوي 

 شعبة آداب وفلسفة

مقالة مفصلة حول أهمية المنطق الأرسطي

نص السؤال : 

- هل مراعاة قواعد المنطق الصوري تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ في التفكير ؟

الأسئلة المشابهة :

- هل يكفي أن نعرف قواعد المنطق الصوري حتى نكون في مأمن من الأخطاء؟

- هل المنطق الأرسطي هو علم التفكير الصحيح ؟

- هل التعرف على قواعد المنطق الصوري يمكننا من تمييز صحيح الفكر عن فاسده ؟

- هل المنطق الأرسطي هو الضامن الوحيد لسلامة التفكير الإنساني ؟

- هل المنطق الصوري منتج أم عقيم ؟

- هل مبادئ العقل تضمن سلامة التفكير ؟

- هل يمكن الاستغناء عن المنطق الصوري ؟

المقالة 

مقدمة طرح المشكلة :

يتميز الإنسان بميزة جوهرية وهي العقل، وهو قاسم مشترك بين جميع الناس ، فهو ملكة ذهنية لا تتحرك حسب الأهواء والمصادفات ، فمنذ بدأ الإنسان بالتساؤل عن الوجود ومظاهره كان يفكر ، بمعنى أنه يستدل ويحكم دون معرفة منه لما يطلق عليه مسمى علم المنطق، أو حتى ينتبه إلى موضوعه تماما ، كما كان يتكلم دون أن يعلم شيئا عن علوم اللغة من نحو وصرف ، وتطلق كلمة المنطق في اللغة ويراد بها أحد معنيين : نطق خارجي ويقصد به الكلام ، ونطق داخلي ويراد به العقل والبرهان ، ولقد احتدم الجدال والنقاش في الأوساط الفكرية والفلسفية حول أهمية وقيمة المنطق وعلاقته بالتفكير السليم ، وانقسموا بذلك إلى اتجاهين : الأول يرى أنصاره أن المنطق الصوري هو العلم الذي يبحث في المبادئ والأسس العامة للتفكير المجرد ، وفي القواعد الضرورية التي يسير عليها الفكر حتى يميز بين الخطأ والصواب في جميع الموضوعات دون تمييز ، وكأنه آلة تضمن صحة التفكير ، بينما يرى أنصار الاتجاه الثاني أنه منطق شكلي قاصر لا يضمن صحة التفكير وسلامته وبالتالي يمكن الاستغناء عنه ، من هنا ولرفع التعارض والجدال بين الموقفين حق لنا أن نتساءل : هل التعرف على قواعد علم المنطق الصوري ومراعاتها يضمن صحة التفكير ؟ وبعبارة أخرى : هل يمكن اعتبار المنطق الصوري أداة فعالة للتفكير لا يمكن الاستغناء عنها ؟ أم أن المنطق مجرد تفكير نظري صوري يقوم على قواعد ثابتة لا تواكب تغيرات الواقع وبالتالي يمكن الاستغناء عنه ؟

محاولة حل المشكلة : 

أكد عدد من المفكرين والفلاسفة وعلماء المنطق وعلى رأسهم الفيلسوف اليوناني " أرسطو " ، " الفارابي " و " ابن سينا " أن مراعاة قواعد المنطق الصوري تضمن سلامة التفكير وانطلاقا من مسلمة مفادها أن المنطق الصوري هو العلم الذي يتناول مجموع الشروط والقواعد الفكرية التي يقوم عليها التفكير السليم ، ويعد " أرسطو " مؤسس هذا المنطق بنظرية محددة القواعد تعمل على عصمة الذهن من الوقوع في الخطأ وتبعده عن التناقض مع نفسه ، لهذا اعتبره " آلة العلم وصورته " مؤكدا على قيمته وأهميته ، وهو بهذا يكشف لنا أن المنطق فن وصناعة تحدد صورة التفكير الصحيح وقواعده ، وتعلمنا كيف نفكر وفق وحدات وشروط إذا التزم بها الفكر وطبقها عصمته من الخطأ . والدليل على ذلك : أن ملاحظة جميع وحدات المنطق الصوري ( التصورات والحدود ، التعاريف ، الأحكام والقضايا ، الاستدلالات ) نجدها تؤسس لدقة علمية ، وبناء فكري محكم ، وفحص مضبوط للمقدمات وفق قواعد كلية يسلم بها العقل تلقائيا بغض النظر عن مضمون المعرفة وموضوعاتها ، ومن هنا يكون في وسع الفكر القدرة على كشف الأخطاء والأغاليط ، والابتعاد عن التناقض ، وتحقيق انسجام الفكر مع نفسه ، مما يعني أن تلك القواعد لها دور كبير على إدارة المعرفة الإنسانية التي ينتجها الفكر الإنساني وإقامته العلوم الحسية والعقلية عليها ، فها هي مثلا قواعد التعريف التي تنتمي إلى مبحث الحدود والتصورات ساعدت كثيرا الباحثين على ضبط مصطلحات ومفاهيم علمهم بفاعلية ووضوح وموضوعية أكبر ، وتزداد هذه العملية ضبطا وأهمية خاصة إذا تعلق الأمر بالتصورات الخاصة بمجال الأخلاق والسياسة والحقوق والواجبات ... كذلك أن استخدام مبحث الاستدلالات والاستدلال المباشر( بالتقابل وبالعكس ) والاستدلال غير المباشر خاصة إذا تعلق الأمر بالقياس الحملي والقياس الشرطي لديه فائدة كبيرة في تحقيق الإنتاج السليم للعقل من خلال تحديد الضروب المنتجة من الضروب غير المنتجة ، وهذا يؤدي بنا إلى الكشف السريع عن الأغاليط في شتى المعارف باختلاف مشاربها ، ولهذا اعتبره " الفارابي " رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها ، حيث يعتبره : " صناعة تعطي في الجملة القوانين التي من شأنها أن تقوم العقل وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب و نحو الحق " ، وبين غاية هذه الصناعة قائلا : " وحدها تكسبنا القدرة على تمييز ما تنقاد إليه أذهاننا هل هو حق أو باطل " . وعرف " ابن سينا " المنطق من حيث غايته وثمرته وفائدته ، حيث اعتبره : " الآلة العاصمة للذهن عن الخطأ فيما نتصوره ونصدق به والموصلة إلى الاعتقاد الحق بإعطاء أسبابه ونهج سبله " . وقد أشاد به " الغزالي " أيضا في مقدمة كتابه " المستصفى في علم الأصول " واعتبره معيارا للعلم قائلا : " إن من لا يحيط به فلا ثقة بعلومه أصلا ". وبناء على هذا تظهر قيمة المنطق وقدرة قواعده على تحقيق انطباق الفكر مع نفسه وضمان صحة التفكير و تجاوز الأخطاء ، ومن الأدلة التي اعتمدها أيضا أنصار المنطق الصوري لتأكيد أهميته البالغة أن إعمال العقل وتوجيه نشاطه الفكري ، وترتيب معارفه ومكتسباته ومعرفة الصحيح والفاسد منها يقتضي إدراك كيفية توافق وانسجام النتائج مع المقدمات ، وكل ذلك طبعا لن يتحقق إلا بالتعرف على مبادئ العقل التي وضعها أرسطو ، وهي مجموع المبادئ التي تنظم المعرفة وتنسق أفعال العقل في بحثه عن الحقيقة ، وتسمى بالمبادئ المديرة للمعرفة ، وهي مبادئ أولية عامة مشتركة بين كل العقول ، واضحة بذاتها لسنا في حاجة للبرهنة عليها ، لذلك فهي شرط أساسي لسلامة العقل ونشاطه ، وضرورية لبناء توافق وانسجام بين النتائج والمقدمات ، وإحداث اتفاق ممكن بين العقول ، ومن أبرز هذه المبادئ العقلية : مبدأ الهوية والذي يعني أنه لا مغايرة بين الشيء وذاته ، فحقيقة الشيء تبقى ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، وهذا يمكن العقل من التعبير عن حقيقة الأشياء كما هي من حيث ماهيتها ، وكذلك مبدأ عدم التناقض والذي يقصد به أن الشيء لا يمكن أن يكون هو نفسه ونقيضه في الوقت ذاته ، أي أن النقيضان لا يجتمعان ، كما نجد مبدأ الثالث المرفوع أو الوسط الممتنع والذي يعني أنه لا وسط بين نقيضين ، فإما أن يوجد الشيء أو لا يوجد ، ولا وجود لوسط بينهما ، بالاظافة إلى مبدأ السببية ويعني أن لكل ظاهرة سبب يفسر حدوثها ومن ثم لا يمكن أن نقبل في المعرفة ظاهرة بلا سبب ، أما مبدأ الحتمية فهو مبدأ يعبر عن العلاقات السببية الثابتة بين الظواهر أي أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج ، ولا ننسى مبدأ الغائية الذي يعني أن لكل موجود غاية خلق لأجلها ، فهذه المبادئ تعتبر قوانين تنظم وتحكم أفعال العقل الإنساني وتوجه معارفه ، لأنها الأساس الذي يضمن الارتباط الوثيق والمنطقي بين حدود الاستدلال ، لهذا قال عنها " ليبنتز " : " إنها ضرورية للتفكير كضرورة العضلات والأوتار العصبية للمشي " . وعليه يمكن القول أن التعرف على وحدات الفكر المنطقي ، وإدراك المبادئ العقلية التي تحكم الفكر تؤدي إلى نتيجة أساسية في التعامل الفكري ، وهي أن حسن انتقاء المقدمات ومعرفة آليات التعامل معها والقوانين التي توجهها ، ومن ثم ترتيب النتائج التي تلزم عنها بالضرورة واحترامها ، وكل ذلك يمكن من إبعاد العقل عن التناقض والأخطاء والعشوائية ويضمن ضرورة توافق النتائج مع المقدمات وحصول انطباق الفكر مع نفسه ، ولهذا عده الكثير - خاصة في العصور الوسطى - أصدق معيار يمكن الاستعانة به لدراسة العلوم ، فهو معيارها وأداة يجب تحصيلها قبل البدء في أي نوع من البحوث لما امتاز به من دقة عقلية ، وتنظيم محكم في بناء الاستدلال خاصة في الأشكال القياسية وفحص المقدمات ، والابتعاد عن الميول والأهواء التي تشوش أحكام العقل ، ومن هنا اعتبر أسمى أسلوب لضمان اتفاق العقول وانسجامها وتوحيد حكمها . ومن نتائج تطبيق المنطق الصوري تصدي اليونانيين للمغلطات التي أفرزها الفكر السفسطائي بانتشار التفكير الصحيح الدقيق في أرجاء المجتمع الثقافي اليوناني طيلة العصر القديم بعد أرسطو ، وهذا ما أدى أيضا إلى تربعه على عرش المعارف خاصة في العصور الوسطى ، بل تم تدريسه إجباريا من طرف المدارس المسيحية في هذه الفترة ...

تابع قراءة المزيد من المعلومات المتعلقة بمقالنا هذا في اسفل الصفحة على مربع الاجابة وهي كالتالي 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة
مختارة بواسطة
 
أفضل إجابة
نقد وتقييم :

المنطق الأرسطي

لكن ورغم ما قدمه أنصار المنطق الصوري من أدلة وحجج إلا أن موقفهم فيه الكثير من المبالغة ، لأن المنطق الصوري ناقص ولا يعبر عن حقيقة الفكر من جميع جوانبه ، فهو منطق اهتم بصورة الفكر وأهمل مادته مما ولد محدودية تطبيقاته ، بالإضافة إلى أن أنصاره والمدافعون عنه رفعوا من قيمته وشأنه وجعلوه أرقى وأكمل ما وصل إليه الفكر البشري ، رغم أنه يبقى مجرد اجتهاد بشري يعتريه النقص ، ولا يرقى إلى الكمال مهما كان فيه من مجال الإبداع ، وهذا لأن العقل الإنساني ناقص وقاصر فكيف يمكنه أن يضع قواعد عامة يسير عليها وتضمن سلامته ؟ فهي أيضا تكون قاصرة . ومن جهة أخرى قد نعرف قواعد المنطق الصوري ومع ذلك نقع في الأخطاء نتيجة تعرضنا لحتميات مختلفة كالحتمية الاجتماعية ( العادات والتقاليد ) والحتمية النفسية ( الميول والرغبات والأهواء ) ... ومن ناحية أخرى نجد كل الوقائع العلمية والمعرفية الحديثة والمعاصرة التي أحدثت ثورة في أبحاثها ونتائجها واكتشافاتها تجاوزت الاستدلالات الصورية واعتمدت بدلها الاستدلالات الاستقرائية التي تكشف عن الحقائق والنتائج الإبداعية .

      من هنا ظهر خصوم للمنطق الصوري وعلى رأسهم " ديكارت " ، " هيجل " و " فرنسيس بيكون " من العصر الحديث ، وقبلهم " ابن تيمية " و" ابن الصلاح " وغيرهما من مفكري الإسلام ، حيث يتفقون على أن المنطق الصوري بقواعده لا يضمن صحة التفكير ولا يعصم الذهن من الوقوع في الخطأ ، انطلاقا من مسلمة مفادها أنه منطق تكراري وتحصيل حاصل وقد أخر البشرية قرابة عشرين قرنا ، ومؤكدين ذلك بأدلة وحجج أهمها : أن قواعد المنطق الأرسطي ثابتة لا تقبل التطور مهما كانت المضامين ، كما أنه منطق ضيق لا يعبر إلا عن بعض العلاقات المنطقية ، ولا يتجاوز في أبلغ صوره علاقة التعدي ، رغم أن العلاقات كثيرة والواقع الرياضي يشهد على ذلك ، ومن ناحية أخرى فهو منطق لا يخرج عن دائرة الفكر وانطباقه مع نفسه ويغفل تماما عن الواقع وموضوعاته ، لذلك نجد " فرنسيس بيكون " يصرح معارضا ورافضا للمنطق الصوري بقوله : " إن المنطق الصوري منطق عقيم ، يهتم بصورة الفكر لا بمادته " . فهو منطق شكلي يدرس التفكير دون البحث عن طبيعة الموضوعات التي ينصب عليها بحسب الواقع ، ومن ثمة الوقوع في الأخطاء ، وعدم ضمان اتفاق جميع العقول ، فهو لا يساير الواقع وأحداثه المتغيرة ، ولهذا هاجمه الكثير من الفلاسفة والمفكرين المحدثين ، واجتهدوا في إبداع صور وأساليب منطقية جديدة تتناسب مع ظروف المعرفة والثقافة ، وقد تجلى ذلك من خلال بدائل منطقية جديدة تبحث عن صحة التفكير وكيفية الابتعاد عن الأخطاء ، كالمنطق الرمزي الرياضي اللوجيستيكي ، والمنطق الجدلي ، والمنطق المادي الاستقرائي وغيرها من البدائل المنطقية ، مما يعني أن المنطق الصوري ليس بالضامن الوحيد لصحة وسلامة التفكير . إضافة إلى أنه منطق عقيم لا يصل إلى نتائج جديدة تعبر عن الإكتشاف ، فهو تكراري وتحصيل حاصل لا يأتي بأي جديد ، لأن النتيجة فيه متضمنة في إحدى المقدمتين وهي المقدمة الكبرى ، ومثال ذلك قولنا : كل إنسان فان – زيد إنسان = زيد فان . فالنتيجة متضمنة في المقدمة الكبرى ( كل إنسان فان ). مما يعني أن القياس الأرسطي يبرز لنا ما نعلمه ولا يكشف لنا عما نجهله ، وشرط الاستنتاج الصحيح أن ينتهي بنا إلى علم جديد لا إلى إعادة ما تتضمنه المقدمتان ، ولهذا يبدو المنطق الأرسطي مغلقا ، ومن هنا يقول : " ريشنباخ " : " الاستنباط لا يضيف أي شيء إلى المقدمات ... فالوظيفة المنطقية للاستنباط هي نقل الحقيقة من القضايا المعطاة إلى قضايا أخرى ، ولكنه لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك " . دون أن ننسى أنه منطق لغوي يقوم على إستخدام اللغة اللفظية العادية ، والتي من شأنها أن توقعنا في الأخطاء والمغالطات وما فيها من التباس ، وغموض ، وتعدد المعاني فيؤدي إلى عدم الاتفاق ، بل والخطأ في النتائج أحيانا ، وفي هذا يقول " بول فاليري " : " ليس للمنطق إلا مزايا جد متواضعة حينما يستخدم اللغة العادية ، أي دون تعريفات مطلقة "، وكل هذا جعله منطقا ناقصا لا يضمن إتفاق العقول ، ولا يساير واقع الأحداث المتغير ، مما دعت الحاجة إلى إبداع صور وأساليب منطقية جديدة تتناسب وظروف العلم في الثقافة الحديثة والمعاصرة ، وبنظرة جديدة لعلاقة الطبيعة بالمعرفة ، وفي تصور الكم والكيف ، والعلاقات ، والتغير ... وقد بدأت هذه المحاولات من خلال : المنطق الرمزي أو اللوجيستيكي ، وهو الذي يعبر عن علاقاته وقوانينه وصوره الاستدلالية بالرموز والإشارات ، والتأسيس لأساليب جديدة في البرهنة تقوم على الإنشاء والكشف عن المجهول ، وتجاوز عقم القياس الأرسطي ، وهذا يدل على ارتباط المنطق الرمزي بالرياضيات ومبادئها ، وأن المنطق أداة يتم بناؤها تبعا لتقدم الثقافة وحركة العلوم ، وهذا المعنى هو الذي ينطلق منه " جون ديوي " في التأسيس " للمنطق الأداتي "، الذي يؤمن بأنه كلما تغيرت الظروف ، يتحتم كذلك أن تتغير الصور المنطقية . خاصة إذا علمنا أن العلوم الحديثة وتطور دراساتها واكتشافها لكثير من المفاهيم والحقائق الجديدة ، خاصة في ميدان الرياضيات والفيزياء ، كل ذلك أثبت أنه لا يمكن أن نساير المنطق الثنائي القيمة القائم على مبدأ الهوية ، وعدم التناقض ، فهذا أمر لا يقتنع به العلم ، لأن ما كشفته الفيزياء الإحتمالية من ظواهر نعجز عن الحكم عليها بالصدق أو الكذب ، بل تبقى مجرد احتمال لا هي صادقة ولا هي كاذبة ، مما يعني أن القيم لم تعد مجال نفي أو إثبات ، بل هناك احتمالات أخرى قد تجمع الإثنين معا ، كتعبير عن حركية الأشياء وليس سكونها ، وهذا ما عبر عنه " هيجل " من خلال " المنطق الجدلي " الذي يقوم على النظر إلى العالم الطبيعي والواقعي على أنه محكوم بمبدأ التناقض والتغاير ، والذي يعبر عن الحركة والنشاط ، فقد جعل " هيجل " هذا المنطق يتألف من ثلاثة مراحل هي : الموضوع ونقيضه والمركب منهما كنتيجة ، وهذا المركب الجديد يمثل أطروحة أخرى تستوجب ظهور نقيضها ، والمركب منهما ، وهكذا باستمرار ، وعليه يمكن القول أن الفكر المنطقي في مسيرته عبر عن صور منطقية متعددة تبعا لتطور الفكر وسعيه نحو البناء المعرفي ، دون أن ننسى منتقدي المنطق الأرسطي من الفقهاء ، فقد إعتبره " ابن الصلاح " شرا ، حيث يقول : " المنطق مدخل الفلسفة ومدخل الشر " ، وكذلك " ابن تيمية " القائل : " إننا لا نجد أحدا من أهل الأرض حقق علما من العلوم وصار إماما فيه بفضل المنطق " .

نقد وتقييم :

غير أن هذا الاتجاه الذي يرفض المنطق الصوري ويجتهد في إبراز محدوديته ، فإن أصحابه لم يسلموا بدورهم من النقد ، فلقد أفرطوا في التقليل والانتقاص من قيمة المنطق الأرسطي ، فهم يتغافلون عن حقيقة تاريخية هي أن المنطق كان المنطلق لتأسيس الدراسة النظرية لعمل الفكر وفهم أحكامه كنظرية ، من ناحية أخرى القول بمحدودية المنطق الصوري ونقصه لا يعني بالضرورة أنه خاطئ ويجب الاستغناء عنه ، لأنه في كل الأحوال يعتبر بعدا إبداعيا لفهم عمل الفكر وإظهار كيفية انطباقه مع نفسه ، وهذا يؤكد دوره وفعاليته في الكثير من مجالات المعرفة الإنسانية كالرياضيات والفلسفة والأخلاق ، وهذا ما يعني تعديله وتطويره وليس رفضه ، وبالنسبة لتلك البدائل المنطقية من منطق رياضي وجدلي ومادي لولا المنطق الأرسطي لما كان لها أي وجود ، أما بالنسبة للإدعاء بأننا قد نعرف قواعد المنطق ومع ذلك نقع في الأخطاء ، فقد يكون مرد ذلك لسوء فهمنا واستعمالنا لقواعد المنطق لا إلى القواعد بذاتها .

تركيب :

نتيجة للانتقادات الموجهة لكلا الاتجاهين يمكننا التوفيق بينهما بالقول أن المنطق الصوري والالتزام بقواعده مهما كان دوره وأهميته في وضع مبادئ التفكير المنطقي وإبعاد التفكير عن الأخطاء والتناقضات وضمان سلامته ، لكنه من ناحية أخرى يعتبر ناقص ويحتاج إلى نماذج منطقية أخرى لتكمل نقصه وتتناول مختلف الجوانب والموضوعات التي غفل عنها المنطق الصوري كانطباق الفكر مع الواقع ، والاستدلال الرمزي ، وغيرها من الأساليب المنطقية التي تخدم فكر الإنسان وتساير تطور معارفه ( عقلية ، مادية ، وجدانية ... ) .

حل المشكلة :

ختاما ومما سبق نستنتج أن التحصن بقواعد المنطق الصوري والتعرف على آلياته وصوره المختلفة في الحكم والاستدلال لا تعني دائما العصمة من الخطأ وصحة التفكير والبرهان برغم ما يقدمه من دقة في التفكير ومهارة في الاستدلال ، إلا أنه لا يفي بكل أبعاد وأغراض الفكر الإنساني ، ولهذا كان لابد من الاستعانة بإبداعات منطقية جديدة ، لكن هدفها جميعا العمل على ضمان صحة التفكير ، وبالتالي يبقى المنطق الأرسطي منهجا لمختلف العلوم ، ومن ثمة لا يمكن رفضه مطلقا بل ينبغي تطويره وسد النقص الذي عرفه تكيفا مع متطلبات الواقع المتغير ، وبالفعل هذا ما اتجهت إليه اهتمامات المناطقة والعلماء من خلال إبداع أساليب جديدة تسمح بالانتقال من اللفظ إلى الرمز ، ومن العالم المجرد إلى العالم المحسوس ، أي من المنطق الصوري إلى المنطق الرمزي أو المنطق الرياضي ، حيث لم تعد اللغة العادية هي الأداة ، بل أصبحت لغة الرياضيات وهذا ما يتلاءم مع روح العصر .
0 تصويتات
بواسطة
مقالة مفصلة حول أهمية المنطق الأرسطي.

نص السؤال: هل مراعاة قواعد المنطق الصوري تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ في التفكير؟

الأسئلة المشابهة:

هل يكفي أن نعرف قواعد المنطق الصوري حتى نكون في مأمن من الأخطاء؟

هل المنطق الأرسطي هو علم التفكير الصحيح؟

هل التعرف على قواعد المنطق الصوري يمكننا من تمييز صحيح الفكر عن فاسده؟

هل المنطق الأرسطي هو الضامن الوحيد لسلامة التفكير الإنساني؟

هل المنطق الصوري منتج أم عقيم؟

هل مبادئ العقل تضمن سلامة التفكير؟

هل يمكن الاستغناء عن المنطق الصوري؟

                                                المقال:

اسئلة متعلقة

...