يتبع بحث حول المنهج التجريبي
الثاني : تمييز المنهج التجريبي عن مناهج البحث العلمي الكبرى الأخرى
إن المنهج التجريبي يتميز بإثبات الفروض أو الافتراضات العلمية عن طريق التجربة للتعريف على العلاقات السببية أو العلاقات بين الظواهر المختلفة المشمولة بالتجربة و التنبؤ بها و التحكم فيها إذن فهو يختلف ن بقية مناج البحث الكبرى الأخرى و خاصة المنهج الاستدلالي ، من حيث كون المنهج التجريبي سلوك علمي و موضوعي و علمي خارجي ، إذ يعتمد المنهج التجريبي على التجربة الخارجية و على العقل و تفرض نفسها على العقل من الخارج ، ثم تتطلب من العقل تحليلها و تفسيرها و وضعها .
فالمنهج التجريبي موضوعه الظواهر و الوقائع الخارجية بينما موضوع المنهج الاستدلالي هو المخلوقات العقلية الداخلية .
الفرع الثالث : مراحل و خطوات سير المنهج التجريبي .
تتضمن عملية ميكانيزم أو ديناميكية و سلسلة سير المنهج التجريبي و ثلاثة مراحل متسلسلة و مترابطة و متكاملة هي مرحلة الوصف و التعريف ، و مرحلة بيان العلاقات و الروابط و الإضافة أي مرحلة التحليل و مرحلة استخراج القوانين و النظريات العلمية أي مرحلة التركيب .
أولا : مرحلة التعريف و التوصيف و التصنيف : و هي مرحلة نظر و مشاهدة الأشياء و الظواهر و الوقائع الخارجية ، و القيام بعمليات و وصفها و تعريفها و تصنيفها في قوالب أسر و فضائل و أصناف من أجل معرفة حالة الشيء أو الظاهرة أو الواقعة ، دون محاولة التجريبي و التفسير لهذه الأشياء و الظواهر و الوقائع.
ثانيا : مرحلة التحليل : و هي مرحلة التي تعب مرحة التعريف و التوصيف و التصنيف ، أي مرحلة حالة ـ الأشياء ـ و الوقائع و الظواهر ، و هدف وظيفة هذه المرحلة هو كشف و بيان العلاقات و الروابط و الإضافات القائم بين طائفة الظواهر و الأشياء و الوقائع المتشابهة و ذلك بواسطة عملية التحليل المعتمدة على تفسير الظواهر و الوقائع و الأشياء على أساس الملاحظة العلمية و وضع الفروض العلمية و استخراج القوانين العلمية العامة و المتعلقة بهذه الظواهر و الأشياء و الوقائع المشمولة بالتجربة .
ثالثا : مرحلة التركيب : و هي مرحلة تركيب و تنظيم القوانين الجزئية و خاصة للظواهر و الأشياء و الوقائع الجزئية لاستخراج منها قوانين كلية و عامة في صورة مبادئ عامة أولية ، مثل الحركة و الجاذبية لنيوتن ، و قوانين سقوط الجسام لجاليلو و كيلر ، و قوانين الصوت و الضوء و الحرارة...الخ .
- المطلب الثاني : مقومات و عناصر المنهج التجريبي .
سنتناول في هذا المطلب مقومات و عناصر المنهج التجريبي و هي تتألف من ثلاثة و التي سنتطرق إليها في ثلاثة فروع و هي كالآتي :
الفرع الأول : المشاهدة أو الملاحظة العلمية .
للتعرف بصورة واضحة على هذا العنصر وجب تحديد تعريف واضح لها و أنواعها و بيان شروط الواجب توافرها فيها :
أولا / معناها : هي الخطوة الأولى في البحث العلمي و هي من أهم عناصر المنهج التجريبي و أكثرها خطورة و حيوية لأنها محرك أولي و أساسي لبقية عناصر المنهج التجريبي ، و الملاحظة أو المشاهدة في معناها العام الواسع هي الانتباه العفوي إلى حادثة أو واقعة أو ظاهرة أو شيء ما دون قصد أو سبق إصرار و تعمد أو إرادة .
أما الملاحظة العلمية فهي المشاهدة الحسية المقصودة و المنظمة و الدقيقة للحوادث و الأمور و الأشياء و الظواهر و الوقائع بغية اكتشاف أسبابها و قوانينها و نظرياتها عن طريق القيام بعملية النظر في هذه الأشياء و الأمور والوقائع و تعريفها و توصيفها و تصنيفها في أسر و فصائل ، ذلك قبل تحريك عمليتي وضع الفرضيات و التجريب .
ثانيا : أنواع الملاحظة : تنقسم الملاحظة من حيث عفويتها و عدم عفويتها و من حيث بساطتها و عدم بساطتها إلى نوعين أساسين هما :
1 ـ الملاحظة البسيطة : و هي المشاهدة أو الانتباه العفوي العرضي يحدثدون قصد أو تركيز أو دوافع محددة أو استعداد مسبق ، و لذلك فهذا النوع من المشاهدة أو الملاحظة يعتبر علميا بالرغم من أن الملاحظات و المشاهدات البسيطة و العفوية لها قيمتها العلمية ، لأن كثيرا من الاكتشافات و القوانين و النظريات العلمية و خاصة في العلوم الطبيعية قد تم تحقيقها بناء على الملاحظة العفوية و البسيطة ، مثل قوانين و نظريات سقوط الجسام ، و دوران الأرض و الجاذبية ، و تعتمد هذه المشاهدة أو الملاحظة البسيطة على الحواس مباشرة و أساسا .
2 ـ الملاحظة العلمية المسلحة : و هي النظر أو الانتباه و المشاهدة المقصودة و المنظمة و الدقيقة للأشياء و الوقائع و الظواهر و الأمور بغية معرفة أحوالها و أوصافها و أصنافها و فصائلها من أجل وضع فرضيات بشأنها و إجراء عملية التجريب عليها و لاستنباط القوانين و النظريات اللازمة و لا تعتمد الملاحظة العلمية المسلحة على مجرد الحواس مباشرة بل هي تستخدم أدوات و وسائل مادية تكنولوجية لمساعدة و تقوية الحواس و اكتشافها الظواهر و الوقائع و الأشياء و الأمور بفاعلية و دقة أكثر و لهذا يطلق كلود برناد عليها بالملاحظة المسلحة لأنها تعتمد على وسائل و أدوات تكنولوجية مقوية و مدعمة للنظر و الحس و اللمس و التذوق و السمع .
ثالثا : أدوات الملاحظة : و حتى تكون الملاحظة أو المشاهدة أكثر دقة و طبقا و تنظيما و علمية يجب استخدام أجهزة و وسائل و أدوات علمية تكنولوجية و ذلك لتقوية الإحساس و العيان و المشاهدة الحسية و الحواس ، و تتم عملية معرفة الأحوال الوقائع و الظواهر و الأشياء و الأمور و فصائلها و أجناسها و بالتالي قوانينها و نظرياتها بدقة و لقد ساعد على التقدم و الازدهار في الاختراعات التكنولوجية إلى توفير الوسائل و الأجهزة العلمية التكنولوجية التي زادت في عملية التحكم في الملاحظة العلمية بفاعلية و دقة و من أمثلة الأجهزة و الأدوات العلمية التكنولوجية المستخدمة في الملاحظة العلمية : الأجهزة المسجلة ، الإكتروسكوب ـ المجهر المكبر أو المصغر ـ أجهزة القياس و التسجيل و التوسيع في الإحساس ـ أجهزة قياس و تسجيل الأوزان ـ الرسوم و الرموز و الأفكار العلمية و النفسية و التكنولوجية .
رابعا : شروط الملاحظة العلمية : للقيام بعملية الملاحظة العلمية بصورة كاملة و واضحة و دقيقة لابد من توفير جملة من الشروط سواء كانت هذه الشروط ذاتية أو موضوعية و من أهم هذه الشروط التالية :
1 ـ يجب أن تكون الملاحظة العلمية نزيهة و موضوعية و مجردة أي يجب أن لا تتأثر عملية الملاحظة بأشياء و معاني و أحاسيس و فرضيات سابقة على عملية الملاحظة و المشاهدة .
2 ـ يجب أن تكون الملاحظة العلمية منظمة و مضبوطة و دقيقة أي يجب على العالم الباحث الملاحظ أن يستخدم الذكاء و الفطنة والدقة العقلية و كذا أن يستعمل أدوات و وسائل القياس و التسجيل و الوزن و الملاحظة العلمية و التكنولوجية في الملاحظة العلمية .
3 ـ يجب أن تكون الملاحظة كاملة أي يجب أن يلاحظ الباحث كافة العوامل و الأسباب و الوقائع الظواهر و الأمور و الأشياء المؤثرة الموجودة المتصلة بها و أن إغفال أية عامل أو عنصر له صلة بالواقعة أو الظاهرة يؤدي إلى عدم المعرفة الكاملة و الشاملة للظاهرة و يحرك تسلسله الخطاء في بقية مراحل المنهج التجريبي الباقية ( الفرضيات و التجريب)
4 ـ يجب أن يكون العالم الباحث الملاحظ مؤهلا و قادرا على الملاحظة العلمية أي أن يكون ذكي و متخصص و عالم في ميدانه و سليم الحواس هادئ الطبع و سليم الأعصاب قادر على التركيز و الانتباه .
5 ـ يجب أن تكون الملاحظة العلمية مخططة بالمعنى العلمي للتخطيط .
6 ـ يجب تسجيل كافة الملاحظات في أوانها بدقة و ترتيب مضبوط و محكم .
7 ـ يجب معرفة و تجنب الخطاء التي مصدرها الملاحظ نفسه أو الأجهزة و الأدوات المستعملة في الملاحظة و الأخطاء الناجمة عن عدم مراعاة و ملاحظة الوقائع كما هي كما أن هذه الأخطاء قد يكون مصدرها العقل ذاته .
هذه الملاحظة أو المشاهدة العلمية كعنصر من عناصر المنهج التجريبي و إذا ما تمت بصورة كاملة و دقيقة و صحيحة تتطلب المر و وضع الفرضيات أو الفروض من أجل اكتشاف و خلق القوانين و استخراج النظريات التي تكشف و تفسر الظواهر و الوقائع المشمولة بالتجربة و التنبؤ و التحكم فيها .